يتكلم اللغة الأردية أكثر من ثمانين مليونًا من سكان الهند وباكستان وبنجلاديش، وقد تأثرت بالحضارة الإسلامية وباللغة العربية التي انتقلت إليها مع الإسلام، وذلك في قواعدها وعروضها وحروف الكتابة، والكثير من الألفاظ.
ولهذا فقد أصبحت لغة الثقافة بين المسلمين، بفضل الأعمال الأدبية التي كتبها عدد من الأدباء البارعين، أمثال: “ميرزا غالب، والسيد أحمد خان، وألطاف حسين حالي، والدكتور محمد إقبال؟ وسنكتفي بالأخيرين إقبال وحالي فيما تناولاه في شعرهما وغيره عن غار حراء:
ـ الشاعر محمد إقبال:
لا يجهل أغلب المسلمين من غير الهند وباكستان الشاعر الفيلسوف الحكيم وشاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال الذي كان يرى أن الإسلام هو دين الإنسانية والرسول صلى الله عليه وسلم هو المثل الكامل للإنسانية، فإذا ذكره ترنحت عواطفه وجاشت نفسه وفاضت عينه. ويحكي الشيخ علي أبو الحسن الندوي:
(إنني أذكر شاهدًا على ذلك، كان أحد كبار الأمراء وأصحاب الولايات في الهند، زمن الحكم الإنجليزي قد دعاه لدراسة بعض الصكوك والوثائق القديمة التي أعطاها الملوك المغول لآبائه، وليترجمها إلى الإنجليزية، فقد كان محمد إقبال محامياً كبيراً ودارساً للحقوق فهيأ له مكانًا من أحسن ما يمكن، وأثثه أحسن تأثيث يقدر عليه أمير وصاحب ولاية وحكم، وهيأ له كل ما تقع إليه الحاجة من أسباب الراحة، ثم تخوّف أن يكون هنالك نقص أو فراغ، فدخل غرفته فجأة، فرآه مستلقياً على الفراش في الأرض، ولم ينم على السرير الذي قد هيئ له، فقال:
ـــ سامحني يا معالي الدكتور، لماذا تنام على هذا الفراش وتترك السرير؟!
فتوقف قليلاً، فلما ألح قال:
ـــ والله تذكرت أن سيدي الذي أنتمي إليه، والذي يؤول إليه كل الشرف وكل السعادة في حياتي كان ينام على بساط متواضع على الأرض، فكيف يطيب لي النوم على هذا السرير الأثير، والفراش الناعم؟.. ودمعت عينه، وأثّر ذلك على الأمير وإن كان هندوسيًا).
يقول إقبال في ديوانه “أسرار خودي” وترجمته “أسرار الذاتية” متحدثًا في قصيدةٍ له عن مثله الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنوانها ” نقط النور التي تدعى الذوات”:
إن قلب المسلم عامر بحب المصطفى صلى الله عليه وسلم..
وهو أصل شرفنا، ومصدر فخرنا في هذا العالم.
إن هذا السيد الذي داست أمته تاج كسرى كان يرقد على الحصير.
إن السيد الذي نام عبيده على أسرّة الملوك كان يبيت الليالي لا يكتحل بنوم..
لقد لبث في غار حراء ليالي ذوات العدد فكان أن وجدت أمة، ووجد دستور، ووجدت دولة.
لقد عاش إقبال حياته كلها تنفيذًا لوصية أبيه: (كن يا بنيَّ من البراعمِ في غصن “محمَّد”،وكن زهرةً يُحييها نسيمُ ربيع”المصطفى)“.. فكان نعم البرعم، ونعم الزهرة المحمدية. إذ كان يملكه حب النبي صلى الله عليه وسلم، والإعجاب بشخصيته المعجزة.
وبعد تجربة “إقبال” الطويلة في الحياة وعلمه ونظرته يرى”إقبال” أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل المحبوبين، فهو يخبر كل قرائه أن طرق العشق تبدأ من ذاته صلى الله عليه وسلم، فحب الرسول الكريم يعطي الجمال للحياة والدوام للعشق.
إنك لا تعلم من أين يبدأ العشق، فهو شعاع من شمس الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنت حي مادامت روح الحب موجودة بداخلك، وهذا الحب يحفز إيمانك. ولهذا فإن العشق يعطي القوة للذات الإنسانية، وهذه القوة تعطيه القدرة على ضبط النفس التي بواسطتها يتصل بالله، ولكن لكي يصلا لإنسان لهذه الدرجة فلابد أن يسمو بذاته ويتعلق بالله، وهذه التجربة مثل تجربة الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء، ومن الضروري لك أيضًا أن تقيم في حراء قلبك لتحصل على جواهر الحقيقة.
يقول إقبال في دیوانه “الأسرار والرموز” مخاطبًا كل مسلم:
احکم العشق بتقلید الحبیب
حتى یحببك رب العالمین
واجلس في حراء القلب هادئًا
واترك علائق ذاتك
وهاجر إلى الله راضیًا
احکم نفسك بالحق
ثم ارجع إلى نفسك
وحطم هوس اللات والعزي..
ـ الشاعر ألطاف حسين حالي:
ذكر زعيم الشعر الإسلامي الحديث عند العجم والملقب بـ “شمس العلماء”، الشاعر الشيخ ألطاف حسين حالي غار حراء في بعض قصائده، ومنها هذه القصيدة، فيقول:
(نزل من غار حراء وفي يده إكسير من السماء، حَوّل التراب تبرًا، والحصى درًا وجوهرًا، أقبل إلى الأمة العربية التي كان يخيم عليها الجهل من قرون، فأحدث فيها ثورة جذرية انقلبت بها أوضاعها، وتغير بها مجرى التاريخ.
إن الحجر الذي رفضه كل بَناَّء وزهد فيه كل معمار، تناوله بيده الكريمة، وجعله حجر الزاوية، لقد هاجت سحابة من بطحاء مكة ملأت سمع الزمان وبصره، وشرق وغرب رعدها وبرقها، فبينما رعدت على نهر “تاجة” في إسبانيا أمطرت على نهر “كنج” في شبه القارة الهندية، لقد أحيا فيها مزرعة الإنسانية القاحلة، وعمرها البر والبحر، فما ترى في العالم من رواء وبهاء ونور وسناء إلا والفضل فيه يرجع إلى البعثة المحمدية).