الأحد، 29 يونيو 2025

"الاستهداف الغربي للتراث العربي الإسلامي"...

 



شكلت نقطة الصدام المبكر بين الغرب والإسلام المنصة التي انطلقت منها المقولات التي تتسم بالتشويه واللامنهجية واللاعلمية واللامعرفية، واللاحيادية، واللاعدالة ـ في أغلب الأحيان ـ ضد الإسلام "الدين والحضارة والتراث" ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، خاصةً بعد أن أصبحت هذه المقولات تمثل الركائز التي بنى عليها "الاستشراق" أهدافه ومناهجه في التعامل مع التراث العربي والإسلامي.


لم يتحمل الغرب المسيحي انتشار الإسلام السريع وتجاوزه الفكري والديني والجغرافي لخارطة العالم، حتى دعت الحاجة الملحة لدراسته لا من أجل فهمه على الوجه الصحيح بل من أجل البحث عن الطرق التي تعرقل زحفه وكبح جماحه، وهو الأمر الذي مازال يشغل عقول الباحثين عن نقطة البداية المفصلية التي تحدد تاريخ الاستشراق أو الاستهداف الغربي في مراحله الأولى باعتباره صراعا تاريخيا بين العالم المسيحي الغربي والشرق والغرب الإسلامي خلال العصور الوسطى على الصعيدين الديني أو الأيديولوجي كما رصده "مكسيم رودنسون" في كتاب "تراث الإسلام"، أو بما لخصه "بطرس ساذرن R. W. Southern" في قوله: (يمثل الإسلام مشكلة بعيدة المدى بالنسبة للعالم النصراني في أوروبا على المستويات كافة) الذي ذكره في كتابه:"نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى Western Views of Islam in the Middle Ages"، الذي قرأ بخبرة واقتدار وتجرد ثمانية قرون ونصف القرن من الصراع الغربي مع الإسلام في القرون الوسطى، ورأى ونبه وقرر أن الغرب كان ينظر إلى الإسلام في تلك الفترة من خلال حزمة من الأفكار التي تتسم بالجهل والعداء والاعتقاد بالخرافات، مع استثناءات قليلة، وأن الغربيين في العصور الوسطى كانوا يفتقرون إلى معرفة دقيقة بالإسلام، وكانوا يخلطون بين القرآن والحديث، ويعتمدون على كتابات مسيئة للإسلام مثل كتابات يوحنا الدمشقي، وفي اعتقاده أن الحروب الصليبية عززت من النظرة السلبية تلك للإسلام، حيث تم تصوير المسلمين كأعداء يجب محاربتهم، مع وصفه لهذه الفترة بأنها تمثل عصرًا من الجهالة؛ لكونها تفتقر إلى الموضوعية والمعرفة الحقيقية بالإسلام، مع أن بعض المثقفين في الغرب، مثل الأطباء الإسبان، كانوا أكثر انفتاحًا على الإسلام ودرسوا تعاليمه بعناية كما يذكر "ساذرن".


لقد استكثر علماء الغرب واستنكروا أن يكون للعرب قبل الإسلام حضارةً أو حضورًا في المشهد الإنساني بشكل مؤثر، ورأوا أن بداية انطلاق العرب جاءت مع ظهور الإسلام وهو ما ذهب إليه "رينان" في قوله: (لا مكان لبلاد العرب في تاريخ العالم السيامي، والثقافي، والديني قبل ذلك الانقلاب المفاجئ الخارق للعادة الذي صار به العرب أمة فاتحة مبدعة).


وهذا الرأي من "رينان" وغيره من أجل أن يثبتوا أن أصالة الخلق والتجديد والإبداع في أمة الإغريق "العبقرية" كما وصفها أحدهم، على الرغم من التناقض في مقولة "رينان" الذي يؤكده "جوستاف لوبون" في كتابه: "حضارة العرب"، فيقول: (إن النضج الحضاري الذي وصل إليه العرب بعد ظهور الإسلام، ما كان له أن يكون إلا نتيجة مقدمات سابقة وسمات حضارية كان يتمتع بها العرب قبل الرسالة، وأن لكل حضارة مستحدثة إرثًا وجذورًا حضارية قديمة؛ فالشئ ـ في الغالب ـ لا يُخلَق من عدم).


إن ما يقف وراء استهداف الغرب للتراث العربي الإسلامي هو تمركزه حول ذاته، أي الغرب، وآفة هذه النظرة المركزية الغربية أنها لا ترى سوى ذاتها، بما يعني أنه ليس هناك قيمة مكانية وجودية على خريطة التفكير الغربي، أو كما يقول دكتور عبدالله إبراهيم في كتابه: "الثقافة العربي والمرجعيات المستعارة": (فحيث يكون الغرب فثمة منطق يقود الحياة إلى مصير خالد، وبهذا تترتب شئون الآخر، بمنظور غربي لا يريد أن يرى في موضوعه إلا ما يتقصد أن يراه هو فعلًا ويرغب فيه).


وهذه النظرة الاستعلائية الغربية التي تستند للإرث الإغريقي الذي يعظم تلك الذات ويميزها عن باقي الذوات كما يرى "جارودي" في نقده لتلك الذات، واتخاذ الغرب الفكر الديني المتمثل في المسيحية واليهودية، وتبني النظرية العرقية التي تمثلت في الإيمان بتفوق الجنس الآري على الجنس السامي تأسيسًا على معطيات علمية وفرتها النظرية الداروينية، مما أعطى كثير من مفكري وعلماء الغرب الحق في التفريق بين الذات الغربية وذوات العالم الأخرى ومن هنا كان استهداف العالم وتراثه ومنه دول العالم الإسلامي تحت دواعي التطهير العرقي، واستباحة تراثه وثرواته عن إيمان بحقهم فيه!


ولهذا كرس المستشرقون الأوائل، أمثال "رينان" و"إجناتس جولد تسيهر" جهودهم لضرب الخصوصية الإسلامية، بدءًا بالتشكيك في أسس المرجعية الإسلامية؛ أي مصادر الوحي لأن الغرب منذ القرن الخامس عشر وما تلاه حتى القرن التاسع عشر الذي يقضي بتقديم مشروع سياسي على صعيد العالم، وهو: مشروع تجانس الإنسانية المستقبلي من خلال تعميم النموذج الغربي"، وينبه "مولاي أحمد صابر" في مقاله: "الوجه الآخر للاستشراق: الانفلات من قبضة المركزية الغربية"، أن: (خطورة هذا المشروع تتجلى في تسويغ وتبرير الاحتلال الغربي للعالم، كما تتجلى في تبرير جرائم الحرب والرأسمالية الاستعمارية حالا وفي القرن الماضي وما قبله، إذ من الصعب أن نعثر على دراسات وكتابات لمستشرقين تستنكر فظاعة الغرب الاستعماري في صلته بالشرق، وحتى إن حصل ذلك؛ فقد انفلت أصحابها من قبضة المركزية الغربية).


لقد واصل الغرب الأوروبي ما يسمى بـ "الإجبار الحضاري" كما يرى البروفيسور ميثم الجنابي في رصده للمفارقة التاريخية لوعي الذات الثقافي ـ السياسي بين إسلام الشرق والشرق الإسلامي، في مواقف الغرب تجاه الشرق وتأثيره عليه من خلال الإجبار في مفاهيم وقيم الخضوع والسيطرة، حيث لم تعد السيطرة "المدنية" الجديدة للغرب الأوروبي استعمارًا بالطريقة الإغريقية ولا الرومية. لقد كان غزوها الشرق أقرب إلى البربرية المحصَّنة بوعيها الذاتي الضيق، وذلك لأن حوافزها وأفعالها كانت محددة بآلية الأخذ والاغتصاب والسرقة والنهب؛ فهي لم تعرف العطاء ولا البذل الروحي، ولهذا لم تشرك في فلك إبداعها "الغرباء"، لأنها لم تنوِ ذلك ولم تلهب هواجسها وحدانية الفكر ولا توحيدية القناعة ولا شعور الواحدية الإنسانية.


كما أن أهم ما توصل له "الجنابي" هو أن الاندفاع المتحمس لــ "الاكتشافات" الجغرافية، لم يكن حبًا للمعرفة ولا توسعًا للمدارك أي أنه لم يكن "تقليدًا" لروح الإغريق القدماء، بقدر ما كان استجابة لسطوة الأوروبية الرومية، أو المادية الشرهة، الأمر الذي أدى إلى خلق الأسطورة المثيرة عن الشرق، الذي أيقظ إغراء كوامن السطوة والاغتصاب واستثارة لعاب السرقة وإثارة روح الغزو والاستيلاء، وذلك لأن "اكتشافات" الوعي الأوروبي الجديد للشرق استثارت فيه روح المغامرة، وتثليم معارفه الشخصية القديمة، إلا أنها خلقت في الوقت نفسه الأساس الموضوعي للاحتكاك "السياسي ـ الحضاري" الجديد، الذي دفعه تطور البرجوازيات الأوروبية إلى نهايته المنطقية: التوسع العسكري والنهب الاقتصادي! وهي ظاهرة متميزة وفريدة في التاريخ العالمي سواء من حيث فعلها وغاياتها وآلياتها ونتائجها.


ولهذا كان استهداف الغرب للتراث العربي الإسلامي مبنيًا على السطو والسرقة والانتحال؛ إذ لم يعرف بعض علمائه أساسيات الأمانة العلمية في النقل والاقتباس، فتجاوزوها كرامة للعلوم الإغريقية ولو على حساب الحقيقة، وليس هناك أفضل من شهادة البروفسور التركي الألماني المسلم "فؤاد سزكين" الذي يقول: (كان الغرب يُترجمون الكتب التي نقلوها عن المسلمين على أنها مؤلفات يونانية، ولم يكونوا يفهمون تراث العلوم الإسلامية لعدم درايتهم بماهيّة الحقبة الماضية، وقد كتب بعض المترجمين الأوروبيين الأولين الذين ترجموا عن المسلمين أسماء مؤلفين يونانيِّين على تلك الكتب التي نقلوها عن المسلمين).


لقد مارس المستشرقون ظاهرتين قديمتين عرفهما التراث الإنساني عبر تاريخه الطويل، أشار إليهما شعبان خليفة في كتابه: "الكتب والمكتبات في العصور الوسطى: الشرق المسلم، الشرق الأقصى"، وهما: "الانتحال"، و"النِّحلة"، أما "الانتحال"؛ فهو أن يقوم شخص بالسطو الفكري على كتاب شخص آخر، وينسبه إلى نفسه، وكأنه هو الذي كتبه، وأما "النِّحلة"؛ فهو أن يقوم صاحب الكتاب بتأليفه ثم ينسبه إلى غيره بكامل اختياره، وغالبًا ما يكون زُهاء مبلغ نقدي متفق عليه بينهما.


ولهذا ساد السطو على أعمال المؤلفين المسلمين وسرقة مخطوطاتهم حتى أصبح من: (من الأمور السائدة في الثقافة الغربية اليوم نسبة النهضة العلمية المعاصرة إلى جذور يونانية بعيدة تبعد عنها قرونًا متطاولة، مع إبراز فلاسفة وعلماء ليسوا أحقَّ من يُذكر في النسيج المعرفي المعاصر، مع أن هذه الجذور اليونانية استفادت من غيرها وأخذت منها، بل إن الفضل في التأثير المباشر على النهضة المعاصرة يعود إلى حضارة أخرى)، كما يقول طاهر صيام في مقاله: "جحود الغرب والإمبريالية المعرفية"، بل يؤكد: (جَهِدت أوروبا بكل وسيلة لأجلِ طمسِ أدلتِها الحسيةِ أو تجييرها بشتى التأويلاتِ، كِبْرًا وسَطوًا خِدمةً لأغراض شتى؛ منها: التعالي الحضاري والنفسي على البشرية، وقيادةُ العقول والأفكار، ثم غزو الأمم بزَيْف سبق التنوير والعلم والحداثة).


لن نتتبع السرقات الغربية للمؤلفات العلمية العربية الإسلامية خاصة؛ فهي أكثر من أن تتحملها هذه المساحة، غيره أنه من الأفضل أن نسلط الضوء على استهداف الغرب لسرقة وتشويه المخطوطات الإسلامية من قديم حتى عصرنا الحالي:


لقد هاجم أعداء تراثنا ـ أعداء كياننا العربي ـ هاجموا عملية بعث التراث "أي نقله من ورق أصفر إلى ورق أبيض" كما يصفونها.. وهو وصف غير صادق؛ لأن التراث وقتها لم بكن مطبوعا أو حتى كان مخطوطا على ورق أصفر كما يزعمون، بل كان نهبًا مشاعًا لغير العرب يحتكره المستشرقون، فيخفون في متاحفهم، ومكتباتهم وخزائن القصور والكنائس ما شاءوا، ويحرفون ما حلا لهم، ويطبعون ما عنَّ لهم بتشوبه مقصود تثيره روح التعصب والصليبية المتوارثة، أو بتشويه مبعثه سوء الفهم والعجز عن استشفاف روح حضارة مختلفة .. يومها كان الجانب الأكبر من التراث في أيدي أعداء الإسلام والعرب لأنه نهب. ويرصد محمد جلال كشك ميكانزم تعامل الغرب مع التراث الذي نهبوه، من خلال كتابه "الحق المر" فيقول مستكملا: (فهم أولا استعاروا هذا التراث كطالبي علم، قرأوه بالعربية، ثم ترجموه.. ثم لما استولوا على العالم الإسلامي، وكانت لهم الغلبة المادية منذ القرن السادس عشر، بدأوا عملية نهب مسلح، أو باستغلال حالة التخلف والفقر في الوطن الإسلامي، فنقلوا معظم "المخطوطات" إلى بلادهم).


ولقد تكاتف الغرب في عهوده الاستعمارية، مع الجهد التبشيري المكثف، والحقد الصليبي المتوارث، والتآمر اليهودي ـ الصهيوني الخبيث في إعلان الحرب على التراث العربي الإسلامي، وسرقة مخطوطاته ليس في التاريخ القديم فقط بل والمعاصر، وليس أدل على ذلك من صرخة استغاثة أطلقتها دكتورة ابتسام مرهون الصفار وهي المهمومة بتحقيق التراث العربي تحت عنوان: "أنقذوا ما تبقى من مخطوطات العراق"، تستعرض من خلالها ما تعرضت له ذخائر التراث العربي الإسلامي في العراق من سلب ونهب وتدمير منذ احتلال القوات الأمريكية للعراق، وما قام به النائب العمالي الصهيوني "موردخاي بن بورات" الباحث في "مركز إرث يهود بابل" قرب القدس المحتلة من شراء الكيان الصهيوني لعدد كبير من المخطوطات أثناء غزو 2003م، كما سرقوا نسخ ثمينة من التلمود يعود تاريخها إلى أكثر من 2500 سنة، في تقليد متوارث القائم على "الانتقائية" في سرقة المخطوطات الثمينة النادرة، خاصة العلمية منها، مثلما حدث مع مخطوطات المجمع العلمي العراقي والمجمعات العلمية والثقافية الأخرى.


لم يكن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عشوائيًّا، بل قام وفق مخطط مدروس لسرقة الهوية الفلسطينية، بدءًا من استهداف التاريخ بكل تفاصيله، إلى نهب الثقافة وما تحفظه من كنوز معرفية وتراثية، وصولًا إلى تعزيز الرواية الإسرائيلية المزيَّفة.


منذ البداية كانت المعركة مع المحتل الإسرائيلي بالأساس حربًا على الهوية، لذا بقي ينسب كل شيء فلسطيني إليه، من مأكولات وأزياء، وحتى الطقوس التراثية سرقها، وحين حطَّ رحاله على أرض فلسطين وجد كنزه الثمين في مكتباتها العامة والمنزلية، فسرق الكتب والمخطوطات التي تحكي تاريخ بلدة قديمة شهدت صولات وجولات مع الغزاة، فحرق جزءًا منها لطمس وتشويه تاريخها، وسرق الآلاف ونسبها إليه ليصنع تاريخًا له.


والواقع يقول إن إسرائيل ـ وهي تمثل رأس جسر غـريب بـنوع جديد من الاستعمار الغريب في المنطقـة عـلى حـد تعبيـر عبـد اللطيـف الطيبـاوي ـ بدأت السرقة عام النكبة عندما قام المستوطنون بسرقة مقتنيات الفلسطينيين بعد تهجيرهم، فمن مدينة "يافا" وحدها حملوا خمسة آلاف شاحنة من الكتب والمخطوطات والصحف العربية، بطريقة منظَّمة وفردية، ويقدَّر عددها بنحو 80 ألفًا، أكثر من ثلثها نُهب من القدس وحدها، ونحو 30 ألفًا من هذه الكتب والمخطوطات نقلت إلى المكتبة العبرية تحت "قانون أملاك الغائبين"، منها مخطوطة لسُوَر من القرآن تعود للقرن العاشر الهجري، وكتاب "تهذيب الأخلاق" عمره أكثر من قرن، وما تبقّى من المقتنيات المسروقة إما بِيع كنفايات ورقية وإما أُعيد بيعه لفلسطينيي الأراضي المحتلة ومدارسهم.


وتذكر مها شهوان في مقالتها بعنوان "ضمن معركة الهوية.. تاريخ إسرائيل في سرقة مخطوطات فلسطينية: (وتعتبر "إسرائيل" هذا النوع من السرقات محاولة لتصويب الخطأ أو دحض التزوير العربي بحقّ اليهود، وهو جهد مكمِّل لما بذله المستشرقون الغربيون الذين جابوا المشرق العربي للبحث عن مكامن الضعف في الموروث الثقافي والحضاري، والاستثمار فيها بما يخدم مآرب الاستعمار، وتبديد الحق العربي ونفيه من الأرض، ومحو أي أثر أو ذكر له من الجغرافيا والتاريخ).


لقد استهدف الغرب تراثنا العربي الإسلامي في الحرب والسلم، وليس أدل على ذلك من سرقة ونهب وحرق المخطوطات العربية.. وستظل الحملة الصليبية الأولى خير شاهد على ذلك؛ فقد دمرت مكتبة بني عمار في طرابلس الشام وحرقت ما يقارب مئة ألف مخطوط، وقد مارس رجال الاحتلالين: الفرنسي والبريطاني مسلسل عمليات النهب المنظمة للمخطوطات والكتب والوثائق الأثرية التي تم نقل العديد منها إلى الدول الأوروبية.


ونصل في نهاية مقالنا للسؤال الجوهري الذي طالما راود عقول من يتعاملون مع الاستغراب ومع الاستشراق على حد سواء: لماذا يتنكر الغربيون لدور الحضارة الإسلامية وفضلها على حضارتهم المعاصرة، ولماذا يستهدفون تراثها بكل هذا الحقد والغل؟


وقد أجاب عن هذا السؤال المفكر الغربي المسلم "ناصر الدين دينيه ـ الفونس دينيه"، فيقول مُعددًا الأسباب: (إن التعصب الموروث لدى المسيحيين ضد الإسلام وأتباعه، فقد عاش فيهم دهورا طويلة، حتى أصبح جزءًا من كيانهم، فإذا أضفنا إلى هذا التعصب الديني تعصبا آخر هو أيضا موروث تزيده الأجيال المتتالية تمكنًا من النفوس بفضل مناهج الدراسات القديمة التي تسير عليها مدارسنا، وهو أن كل العلوم والآداب الماضية يرجع الفضل فيها إلى الإغريق واللاتين وحدهم، أدركنا في يسر كيف ينكر الناس عامة، ذلك الأثر العظيم الذي كان للعرب في تاريخ الحضارة الأوروبية، وسوف يبدو دائمًا لبعض العقول أنه "من المهانة أن تدين أوروبا المسيحية للمسلمين بإخراجها من ظلمات البربرية والتوحش!").


الجمعة، 27 يونيو 2025

الكلاب الضالة بين الأدب والدين والواقع ـ..


 

 عرف التراث والأدب العربي للكلب مكانته فألفوا الكتب التي تحتوي محاسنه وصفاته الحميدة بل جعلوه رمزًا للقوة والإخلاص والأمانة، ومنها: كتاب "الحيوان" للجاحظ، وكتاب "نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة" للتنوخي، وكتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميري، ومن الكتب المعاصرة كتاب "الفوائد العذاب فيما جاء في الكلاب" لإحسان بن محمد العتيبي،  كما نظم الحافظ السيوطي أرجوزة "التبريِّ من مَعرَّةِ المعري" ذكر فيها واحد وستين اسمًا للكلب، وقد جاء كتاب: "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" من تأليف الإمام أبو بكر بن المرزُبان المتوفى عام 309 هجريًا على رأس هذه الكتب؛ فقد ذكر فيه ما قيل في الكلب من آيات قرآنية وأحاديث وأقوال الشعراء والحكماء والرواة، وغاية المؤلف من كتابه أن يبين موقفًه من قليلي الوفاء من البشر، مقدرًا قيمة الوفاء عند الكلب الذي يُرافق الناس ليكون حارسهم ورفيقهم.  

 وعندما نتناول أزمة "الكلاب الضالة" والمسعورة أحيانا، في مصر بعامة والسويس خاصة، فإن هذا لا يعني أننا لسنا أقل وفاءً من الكلاب، ولا يمثل هذا خيانة لهم منَّا نحن البشر، إنما نقف أمام مجموعة من الكلاب التي باتت تهدد أطفالنا، وأمننا، وشوارعنا بل حياتنا في الأغلب، وهو أمر لا يمكن السكوت عليه، خاصة أن الأمر استفحل، وأصوات المصريين بعامة وأهل السويس بخاصة تعالت بالاستغاثات والنجدات دون مجيب من مسؤول وإن حدثت الاستجابة فتأتي في إطار حملة هزيلة ثم لا تتبعها حملات حتى ضجت الناس بالشكوى، وقد تناولت الصحافة المحلية بالسويس هذه المشكلة عام 2016م، ثم لم تتوقف الأقلام عن المطالبة بوضع حل يحمي المجتمع الأسري وهو يتصل بالأمن الداخلي وتماسكه ضد من يروعه من بشر أو حيوان، أو عدوان داخلي أو خارجي.

  والواقع يا سادة يقول أننا نقف أمام قضية متشعبة الأطراف، متشعبة المصالح، وكلما تقدمت جهة بالحل تمترست جهة أخرى ضدها تقوض كل حل وتعيد القضية إلى المربع صفر، بينما يتساقط الضحايا صرعي بين ميت ومجروح ومسحول ومريض نفسي، وسوف استعرض الجهات ومقولاتها في القضية؛ فعندما تقدمت نائبة بمقترحٍ إلى وزارتي التنمية المحلية والزراعة، بتصدير "الكلاب الضالة" إلى الدول التي تعتمد عليها في استخدامات عدة.

   صدر قرار حكومي عام 2018م من وزارة الزراعة بتصدير نحو 4100 كلب وقطة إلى عدد من دول العالم التي تسمح بتناول لحومها؛ غير أن القرار قُوبل بهجوم شديد، واعتبره المعنيون بحقوق الحيوان "منافياً للقيم الإنسانية والدينية"، ورفضه خبراء البيئة أيضا لأنه سيحدث اختلالاً بيولوجياً للتوازن البيئي، وخرقاً لحقوق الحيوان، كما رأى اتحاد جمعيات الرفق بالحيوان أن مقترح التصدير غير منطقي، ولا يعكس خطة واضحة.

   تتمسك المسئولات عن جمعيات الرفق بالحيوان بالخطة المصرية لحل أزمة الكلاب الضالة التي تقوم على توجيهات علمية لحل الأزمة، وتشمل برنامج "التعقيم والتطعيم"، وهذا البرنامج يأتي ضمن خطة مصر 2030م؛ حيث تلتزم الدولة بالقضاء على مرض السعار، وفقاً للمعايير المشتركة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، حيث يتم العمل على إعلان مصر خالية من مرض السعار عام 2030، طبقا لاستراتيجية التنمية المستدامة، وتوصيات مؤتمر التغير المناخي، ومنظمات الصحة الحيوانية العالمية.

   وأشار مدير مديرية الطب البيطرى بالقاهرة عام 2023م إلى أن عمليات تعقيم الكلاب الضالة سهلة ويستطيع إجراءها أي طبيب بيطري حديث التخرج وتكلفتها ما بين 500 إلى 1000 جنيه للكلب الواحد، وبعد صدور القانون 29 لسنة 2023 لتنظيم حيازة وامتلاك الحيوانات الشرسة والتعامل مع كلاب الشوارع، بعد صدور اللائحة التنفيذية للقانون ورصد ميزانية من الدولة للتعامل مع هذا الأمر المهم لحماية المواطنين وانتهاء المشكلة مع الأخذ بوسائل الرفق بالحيوان أيضا.

  يؤكد الطب البيطري الذي يعد الجهة المسئولة عن التعامل مع الشكاوى الخاصة بالكلاب الضالة والمسعورة، أن قلة الامكانيات هى التى تتحكم في طرق التعامل مع الأزمة، وأن المقترحات التى تقدمها بعض الجمعيات الخاصة بالرفق بالحيوان من أن يكون التعامل من خلال توفير علاجات للسعار وتطعيمات للكلاب هو الحل، هى مقترحات تحتاج ميزانيات مادية كبيرة غير متوفرة.

 ويعلن المتحدث باسم وزارة الزراعة: (ما يحكمنا هو القانون رقم 53 لسنة 66، والمنظم  لعلاقة الإنسان والحيوان، ودور الطب البيطرى فى التعامل مع الحيوان، وعادة عند حدوث وقائع لتعدى الكلاب على مواطنين، سرعان ما يتم البحث عن دور وزارة الزراعة، وفى حال اتخاذ إجراءات ضد مجموعة من الكلاب لتقليل أعدادها، يتم مهاجمتها من قبل "المهتمين بحقوق الحيوان"، واتهامها بالتعامل بشكل غير إنسانى مع الكلاب، لكن فى النهاية القانون نص على أن أى كلب غير مقود أو مكمم حتى وإن كان مُرخصا، يجوز مصادرته، والتعامل معه من خلال هيئة الخدمات البيطرية).

وأضاف المتحدث: (لدينا أزمة مجتمعية فى موضوع الكلاب، تتعلق بمجموعة من الأطراف خاصة بالتوعية للأطفال والكلاب، والمواطن ودوره فى عدم إلقاء القمامة فى الشوارع لتقليل أعداد الكلاب، والحفاظ على التنوع البيولوجى بالمعدلات الطبيعية، والقانون واضح فى مشكلة الكلاب بشكل عام، ونص على عقوبات لمن يتعامل مع أى حيوان بشكل قاسى، ونحتاج لعمل حملة توعية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى، وإعداد برامج توعية للمواطنين، خاصة أن الأمر ليس مؤقتا).

 وفي الوقت الذي يدافع فيه بعضهم وبعضهن عن حقوق الحيوان في مصر، ويرون في ظاهرة الكلاب الضالة أنها مجرد أزمة مفتعلة، وأن الحالات التي تعرض لها بعض المواطنين من عض وموت هي حالات فردية، بل يجب محاكمة المتسبب فيها خاصة مع تنامي عدد مربي الكلاب الأجنبية في مصر، ويلوحون بتهديد الدولة ممثلة في جهاتها الرسمية المنوط بها التدخل، بأن مصر موقعة على اتفاقيات تقضي بحماية الحيوان وهو ما سيضر بسمعة البلد فضلا أن هذه الكلاب تساهم في الحفاظ على التوازن البيئي في البلاد.

أما الحكومة المصرية وعلى لسان وزير الزراعة عز الدين أبو ستيت فقد انتقدت ما وصفته "ضجيج بلا طحن" من جانب جمعيات حقوقية "دون إسهام حقيقي" لحل ظاهرة الكلاب الضالة في مصر.

ووفقا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية فإن داء الكلب يتسبب في آلاف الوفيات سنوياً في أكثر من مائة بلد إلا أنّ المنظمة الدولية تسعى إلى تحقيق هدف يتمثل في القضاء على المرض لتجنب الوفيات البشرية الناجمة عنه بحلول عام 2030.

وفي مصر، وبحسب أرقام رسمية، فقد وصل عدد حالات عقر الكلاب خلال عام 2018م إلى قرابة 490 ألف حالة ما يمثل ارتفاعًا عما سُجل في عام 2017 من نحو 432 ألف حالة تعرض فيها مصريون لعقر الكلاب، ويقولون حالات فردية، والأدهي أن حالات العقر في تزايد.

     في الواقع الصراع مازال دائرًا بين الحكومة وجمعيات الرفق بالحيوان، والشواهد على هذا كثيرة، ومنها: عندما أعلنت نقابة البيطريين في أغسطس 2019م عن مقترح للتخلص من الكلاب الضالة، يتضمن تخصيص 740 مليون جنيه للحفاظ على الصحة العامة، ومقترح تنفيذه خلال 5 سنوات، والأدوات التي ستستخدم في المشروع، منها: الأمصال والتعقيم الجراحي أو الخرطوش أو السم في حالة الكلاب الضالة الشرسة، أو بالمادة السامة "سلفات الاستركنين" التي تسبب وفاة الكلاب من 3 إلى 7 دقائق.

   ثار نشطاء حقوق الحيوان في مصر وانتقدوا طريقة تعامل الحكومة مع أزمة الكلاب الضالة، معتبرين الوسائل المستخدمة "مخالفة لمعايير حقوق الحيوانات"، وأشاروا إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الغربية فى التعامل مع حيوانات الشوارع، كما تقدمت مبادرة من "مجموعة من محبي الحيوانات" ببلاغ للنائب العام ضد الهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، متهمين إياها باستخدام مادة سامة هي "سالفات لستسرين" لتسميم الكلاب الضالة، وهذه المادة محظورة من الاتحاد الأوروبي ومحرمة دوليا، واشتملها حظر استيراد وزير الصحة لسنة 2006م، والحل عندهم يكمن في نشر التوعية بكيفية التعامل مع حيوانات الشوارع، وتمييز الحيوانات التى يتم تعقيمها بحيث لا تكون ضارة للمارة هى الوسيلة الأبرز المتبعة فى معظم دول العالم.

وتتوالى الفتاوى الدينية عن جهات الفتوى في مصر بأنه:

"لا يجوز قتل الحيوانات الضالَّة إلَّا ما تحقق ضرره منها؛ كأن تهدِّد أمن المجتمع وسلامة المواطنين". واشترطت دار الإفتاء في بيان نشر على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" على أن جواز قتل الحيوانات يتحقق فقط بأن تكون "الوسيلة الوحيدة لكفِّ أذاها وضررها مع مراعاة الإحسان في قتلها فلا تُقتَل بطريقة فيها تعذيب لها، ومع الأخذ في الاعتبار أن الأَوّلى هو اللجوء إلى جمعها في أماكن مخصصة استنقاذًا لها مِن عذاب الجوع".

   كما أوضح الأزهر الشريف حكم قتل الكلاب الضالة، منوهًا بأن الشريعة تنظر إلى الحيوان نظرة واقعيَّة؛ ترتكز على أهمِّيَّته في الحياة، ونفعه للإنسان، حيث نصّ القرآنُ الكريم على تكريم الحيوان، وبيان مكانته ونفعه للإنسان، لذلك: "فالأصل هو الإحسان للحيوانات، ومِن ثمَّ فلا يجوز قتل الكلاب أو غيرها من الحيوانات الضالَّة إلَّا إذا تحقَّق ضررها؛ كأن تهدِّد أمن المجتمع وسلامة المواطنين، بشرط أن يكون القتل هو الوسيلة الوحيدة لكفِّ أذاها وضررها، مع مراعاة الإحسان في قتلها؛ فلا تُقتَل بطريقة فيها تعذيب لها، ومع الأخذ في الاعتبار أن الأَولى هو اللجوء إلى جمعها في أماكن مخصصة استنقاذًا لها مِن عذاب الجوع حتى تستريح بالموت أو الاقتناء".

  أما إذا انتقلنا لمحافظة السويس لمتابعة جهود أجهزتها في هذا الشأن: فيطالعنا خبر منشور بجريدة الأهرام في 3 مارس 2015م: "عقد اللواء العربي السروي محافظ السويس، اجتماعا بوفد الاتحاد العربي لحماية الحياة البرية بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية بجامعة الدول العربية، للتعاون مع محافظة السويس لمكافحة الكلاب الضالة، والغربان، والقوارض، والزواحف، ومكافحة آفات مخازن الحبوب. كما قدم الاتحاد مقترح لإقامة حديقة حيوان كاملة، وحدائق حيوانات برية أليفة، كذلك سيتم التنسيق مع جمعية الرفق بالحيوان للقضاء على الكلاب الضالة، والتأكيد على التنسيق لعقد لقاءات موسعة بالسويس ومحافظات إقليم القناة وسيناء، لتوعية المواطنين بكيفية مكافحة هذه القوارض والحشرات والحيوانات الضالة من خلال مراكز الإعلام بالمحافظة!".

 في عام 2016م تعلن جريدة الوطن أنه سادت حالة من الذعر مصحوبة بغضب الأهالى فى محافظة السويس، إثر عودة ظاهرة انتشار الكلاب الضالة والغربان، فى شوارع وميادين المحافظة، بصورة ملحوظة، وتعرُّض بعض الأطفال للعقر، مما دفعهم إلى اللجوء للجهات التنفيذية لحل تلك الأزمة، ومنع أولادهم من الخروج للشارع مع حلول الظلام.

    أكد اللواء أحمد الهياتمى، محافظ السويس، أنه وجّه المسئولين فى مديرية الطب البيطرى، بالاستجابة إلى مناشدات الأهالى والقضاء على تلك الظاهرة، بشن حملات موسّعة لاصطياد الكلاب الضالة حية، ونقلها إلى الصحراء، مشيراً إلى أنه يدرس مع المديرية، طرق التخلص من الغربان، وأوضح أن عملية التخلص منها لن تتم بقتلها، "تحسباً لرد فعل جمعيات الرفق بالحيوان"، سواء داخل مصر أو خارجها، فى حال استخدام السلاح لقتل الكلاب، كما كان يحدث من قبل، لذلك قرر نقلها إلى الصحراء، بعيداً عن الكتل السكانية.

   فيما نفى مصدر مسئول بمديرية الطب البيطرى بالسويس أن تكون عملية نقل الكلاب حية إلى الصحراء، حلاً للأزمة، مؤكداً أن المشكلة ستظل معلقة، لأن أعداد الكلاب الضالة بالمحافظة تزايدت بصورة مرعبة خلال الفترة الأخيرة، وهناك صعوبة فى ملاحقتها والسيطرة عليها لنقلها إلى الصحراء، ولفت إلى أن الحل الأمثل هو استخدام "سم الاستركنين"، للتخلص منها بهدوء.

 في عام 2018م نفذت شرطة المرافق والطب البيطري والأحياء بمحافظة السويس، أكبر حملة في تاريخ المحافظة، للقضاء على الكلاب الضالة، ووصل عدد الكلاب الضالة التي تم القضاء عليها 800 كلب، وتم استخدام السموم من أجل قتلها.

  قرر محافظ السويس عبدالمجيد صقر، إجراء استفتاء على صفحة المحافظة الرسمية بموقع "فيسبوك"، لاستطلاع آراء المواطنين حول استكمال حملة القضاء على الكلاب الضالة أم لا، وكشف مصدر مسؤول بمحافظة السويس، عن أن المحافظ لجأ لفكرة الاستفتاء بعد قيام "جمعيات حقوق الحيوان" بمهاجمة المحافظ ومسؤولي السويس بسبب قتل الكلاب الضالة، في الوقت الذي تسلم فيه المحافظ تقريرًا من مديرية الصحة، يؤكد تعرض 65 شخصًا من بينهم أطفال لعقر الكلاب الضالة خلال الـ60 يومًا الماضية في احياء محافظة السويس، وبعد تعدد الشكاوى أمام اللواء عبد المجيد صقر محافظ السويس، وجه في اجتماع المجلس التنفيذي مدير عام مديرية الطب البيطري بتكثيف العمل لمكافحة الكلاب الضالة بنطاق أحياء السويس بالتنسيق مع رؤساء الأحياء.

  كثف الطب البيطري في السويس جهوده التي بدأت قبل سنوات للتخلص من الكلاب، إلا أن بعض الحملات لا تجدي نفعا على المدى الطويل إذ سرعان ما استوعبت الكلاب الأمر وتناقصت الأعداد النافقة تدريجيا، كون الكلاب الكبيرة ذكية ولديها حاسة شم قوية للغاية، وبمرور الوقت ترفض تناول الأطعمة التي مات أصدقائها بعد أكلها، كما أن أن تلك الحملات قضت على الكلاب الصغيرة، واستمرت الكلاب الكبيرة في التكاثر والتناسل في فصل الصيف وإنتاج أعداد أخرى، مما جعل المواطنين لا يشعرون بجهد تلك الحملات، خاصة مع ولادة الإناث لأعداد مضاعفة تصل في المرة الواحدة لـ "11 جرو" صغير.

 ولقد دفع سلوك الكلاب الذكي مدير الطب الوقائي بالسويس لتغيير الطُعم المستخدم، فاستبدل رؤوس الدجاج بأمعائها التي تثير شهية الكلاب، فضلا عن أنها تغطي على رائحة السم، وأتى ذلك بنتائج إيجابية في مدن الإسكان الاجتماعي والضواحي المقامة على أطراف المدينة، خاصة بحي عتاقة وبحي فيصل إذ نفقت أعداد كبيرة من الكلاب.

 ولم تختفِ من جرائد السويس في عام 2025م عناوين: "الكلاب الضالة تهدد حياة المواطنين"، حيث باتت ظاهرة الكلاب الضالة من مصادر القلق الحقيقي للأهالي، بعد أن تحولت شوارع وأحياء المدينة إلى ساحات خطر، خاصة على الأطفال وكبار السن، وفي ظل غياب إجراءات فعالة من الجهات المختصة، أصبحت حياة المواطنين مهددة يوميًا بسبب انتشار هذه الحيوانات التي تتحرك بحرية في الأحياء السكنية.

   وناشد أهالي السويس اللواء طارق الشاذلي، محافظ السويس، بالتدخل العاجل لاتخاذ إجراءات ملموسة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، التي باتت تهدد السلامة العامة وتشكل عبئًا نفسيًا واجتماعيًا على المواطنين، ويطالب الأهالي بتكثيف جهود الطب البيطري والوحدات المحلية للقيام بحملات منظمة للسيطرة على الكلاب الضالة، سواء من خلال جمعها أو تقديم حلول إنسانية تقلل من انتشارها وتحفظ أمن وسلامة الجميع، كما يناشد المواطنون المجتمع المدني والجمعيات المعنية بحقوق الحيوان بالمساهمة في معالجة الظاهرة، من خلال برامج تطعيم وتعقيم وإيواء الكلاب الضالة في أماكن مخصصة، بما يحقق توازنًا بين حقوق الإنسان والحيوان.

جدير بالذكر أن محافظ السويس اللواء طارق حامد الشاذلي، كان قد وجه مدير مديرية الطب البيطري بالمحافظة بتنفيذ حملات مستمرة لتعقيم الكلاب الضالة لمنع تكاثرها في الشوارع، وشدّد المحافظ، خلال اجتماع سابق، على ضرورة توعية المواطنين على كيفية التعامل مع الكلاب الضالة في الشوارع.

    في الوقت الذي يعلن فيه موقع "القاهرة 24" الإخباري نقلا عن مصدر طبي، أن عيادة أمصال عقر الكلاب الضالة والحيوانات بمستشفى السويس العام استقبلت 59 شخصا، من بينهم أطفال، تعرضوا لإصابات متفرقة نتيجة عقر الكلاب الضالة، بالإضافة إلى 27 مصابا بسبب خدوش وجروح من القطط والفئران.

   وقد أوضح المصدر نفسه أن غرفة عمليات مديرية الصحة بمحافظة السويس تُراجع دوريا توافر المخزون الخاص بالأمصال اللازمة لعلاج المصابين نتيجة هجمات الحيوانات، لافتا إلى أن وكيل وزارة الصحة بالمحافظة، وجه بفتح عيادة الأمصال بمستشفى السويس العام على مدار الساعة لاستقبال أي مصاب وتوفير الأمصال لهم مجانا، مع تقديم الإسعافات الأولية اللازمة.

  أخلص من كل ما استعرضته عن ظاهرة الكلاب الضالة ومحاولات مقاومتها أو مكافحتها في مصر بعامة والسويس خاصة، إلى أن القضية لن تراوح مكانها بل ستظل معلقة، كما ستظل أصوات الاستغاثات والمناشدات  كما هي،  وتظل القرارات الحكومية العاجزة عن الحل كما هي، مثلما ستظل توجيهات السادة المحافظين الباهتة في مصر عامة والسويس خاصة كما هي، وكما ستظل "جمعيات حقوق الرفق بالحيوان" ـ المحتمية بالقرارات الدولية والفتاوى الدينية ـ هي الأعلى والأعنف دوما، مع كونها لا تقدم حلولا بل وهما!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

·        كلمتي التي ألقيتها في المؤتمر الصحي الأول: "الكلاب الضالة بالسويس: المشكلة والحل"، المنعقد بقاعة المؤتمر بنقابة أطباء السويس في يوم الجمعة الموافق 27/60/2025م، بالتعاون والمشاركة بين: "نقابة الأطباء" و"صالون سوايسة، و"الأطباء البيطريون".

    

"الاستهداف الغربي للتراث العربي الإسلامي"...

  شكلت نقطة الصدام المبكر بين الغرب والإسلام المنصة التي انطلقت منها المقولات التي تتسم بالتشويه واللامنهجية واللاعلمية واللامعرفية، واللاحي...