السبت، 12 يناير 2013

الشهيدة فاطمة الأسبانية - صحيفة حور الالكترونية

الشهيدة فاطمة الأسبانية - صحيفة حور الالكترونية

الشهيدة فاطمة الأسبانية

القصة التي سأوردها لم تشملها تلك الكتب المعنونة بمثل : (هؤلاء أسلموا) أو (لماذا أسلم هؤلاء؟)، ذلك لأنها مبثوثة فى صفحات كتاب لا يوحي عنوانه بأنه سيسرد قصة مهتدية إلى الإسلام، وثانيًا لأن زمنها ـــ أي زمن القصة ـــ كان إبان العهد الملكي. أما الكتاب فعنوانه:( قطوف من أدب النبوة) للشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف المصري الأسبق، الذي لم يقصد سرد تلك القصة لذاتها، ولكن لأنها جاءت تدليلاً على شرحه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ’’لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات’’، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟، قال : ’’الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرى له’’.

والقصة لم تعنِ له أكثر من هذا فلم يعلق حتى عليها، يقول الشيخ الباقوري : (ومن أعجب الرؤى الصادقة، وأحقها بالتدوين في معرض التعليق على هذا الحديث الشريف، رؤيا فتاة أسبانية دوَّن الحديث عنها وعن رؤياها وعن أحوالها الأستاذ المرحوم عبدالله عفيفي [أديب ومؤرخ،عمل محررًا بالديوان الملكي في عهد الملك فؤاد وإمامًا له] ـ نَضَّرَ الله وجهه، وأجزل في دار الخلد مثوبته ـ فذلك حيث قال :

(في أصيل يوم من صيف سنة 1914 كنتُ واقفًا في جمهور الواقفين في محطة طنطا أرقب القطار القادم من الإسكندرية لأتخذه إلى القاهرة.
لقد كان كُلٌّ في شغل بتلك الدقائق المعدودات يقضيها في توديع وإشفاق وترقُّبٍ وإنتظار، وكنت في شُغُلٍ بصديق يجاذبني حديثًا شائقًا ممتعًا، في تلك اللحظة، وبين ذلك الجمع المحتشد، راع الناس صياح وإعوال وتهدج وإضطراب، ومشادة ومدافعة،  ثم أبصروا فإذا فتاة في السابعةِ عشرةَ من سنيها يقودها إلى موقف القطار شرطيٌّ عاتٍ شديد، وساعٍ من سعاة معتمدي الدول قويٌ عتيد، ومن خلفها شيخ أوروبيٌّ جاوز الستين مكتئب مهزول، وهي تدافع الرُّجلينِ حولها بيدين لاحول لهما.

أقبل القطار ثم وقف،  فكاد كلٌّ ينسى بذلك الموقفِ موقفَهُ وما قصد له،  ، ثم أُصعدت الفتاةُ وصعد معها من حولها.  وعجلتُ أنا وصاحبي فأخذنا مقاعدنا حيث أخذوا مقاعدهم.

كل ذلك والفتاة على حالٍ من الحزن والكرب لا يَجْمُلُ معها الصبر ولا يُحمَدُ دونها الصمتُ ـ سألتُ الشيخَ ما خطبُهُ، وما أمرُ الفتاة؟، فقال ـ وقد أشرقَهُ الدمع وقطع صوتَه الأسى ـ :" أني رجل أسبانيٌّ وتلك ابنتي، عرض لها منذ حين ما لم أعلمه، فصحوتُ ذات صباحٍ على صوتِها تصلي صلاة المرأة المسلمة، ومنذ ذلك اليوم احتجزتْ ثيابَها لتتولى أمر غسلها بنفسها، وأرسلت خمارها الأبيض على صفحتي وجهها ومكشوف صدرها، ثم أخذت تنفق وقتها في صلاة وصيام، وسجود وهجود، وكانت تدعى "روز" فأبت إلا أن تُسمى (فاطمة) وما لبثت أن تبعتها أختها الصغرى. فصارت أشبهَ بها من القطرة بالقطرة، والزهرة بالزهرة.

   ففزعتُ لهول ذلك وقصدتُ أحد أساقفتنا، فأخذ يعاني رياضتها، فلم يُجدِ ذلك شيئًا، وعَزَّت على الرجل خيبتُه، فكتب إلى معتمد الدولة الأسبانية بأمر الأسرة الخارجة على دينها.. وهنالك أمر المعتمدُ حكومةَ مصرَ فساقت إليه الفتاة كما ترى برغمها ورغم ذويها ليُقذف بها بين جوانب دير تسترد فيه دينها القديم".

قلتُ : " أو أرضاك أن تساق ابنتُك سَوَّقَ الآثمات المجرمات على غير إثم ولا جريمة؟"  فزفر الرجل زفرةً كاد يتصدع لها قلبه وتتكسر ضلوعه، ثم قال: "أما لقد خدعتُ ودُوهمتُ فماذا عساني أفعل؟"

على إثر ذلك إنثنيتُ إلى الفتاة وهي تعالج من أهوال الحزن وأثقاله، ما تخشع الراسيات دون إحتماله، فقلت: "ما بالك يا فاطمة؟" وكأنها أنست مني ما لم تأنسه ممن حولها ـ فأجابتني بصوت يتعثر من الضنى ـ : " لنا جيرة مسلمون أغدو إليهم فأستمع أمر دينهن، حتى إذا أخذني النومَ ذات ليلة رأيتُ النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قي هالة من النور يخطف سناها الأبصار، يقول ـ وهو يلوح إليَّ بيده : تعالي يا فاطمة"...

ولو أنك أبصرتها وهيَّ تنطق باسم النبي محمد لرأيت رعدةً تتمشى بين أعطافها وأطرافها حتى تنتهي إلى أسنانها فتخالف بينها، وإلى لسانها فتعقله وإلى وجهها فتحيل لونه ـ فلم تكد تستتِمُّ كلامها حتى أخذتها رجفةٌ فهوت على مقعدِها كأنها بناء منتفض...إلى هذا الحد غشيَّ الناس ما غشيهم من الحزن، فإندفع إليها رجل يؤذِّنَ في أُذُنِهَا.

  فلما انتهى إلى قوله : "أشهد أن محمداً رسول الله" تنفسَّت الصُّعداء، وأمعنت في البكاء، وعاودتها سيرتها الأولى، فلما أفاقت قلت لها : "وممَّ نخافين وتفزعين؟"، قالت : "أنه سيؤمر بي إلى دير حيث ينهلون بالسياط من دمي، ولستُ من ذلك أخاف. ألا أن أخوف ما أخاف منه أن يُحالُ بين صلاتي ونسكي"، قلت لها : "يا فاطمة ألا أدلكِ على خير من ذلك؟" قالت : أجل، قلت: "أن حكم الإسلام على القلوب فما عليك لو أقررت بين يديَّ المعتمد بدينك القديم.

وأودعت الإسلام بين شغاف قلبك حتى لا يفوتك أن تقيمي شعائره حيث تشائين؟"..هنالك نظرت إليَّ نظرةً تضاءلتُ دونها حتى خفتُ على نفسي، ثم قالت : "دون ذلك حز الأعناق وتفصيل المفاصل .. دعني.. فإنني إن أطعتُ نفسِي عصاني لساني".. وكان ضلالاً ما توسلتُ به أنا وأبوها ومن حولها.

كان ذلك حتى أوفينا على القاهرة، فحيل دونها .. لم أعلم بعد ذلك شيئًا من أمر فاطمة لأني لم أستطع أن أعلم، رحمة الله وبركاته عليك يا فاطمة، فما أنتِ أولى شهيدات الرأي الحر والإيمان الوثيق).

نعم، أستاذ عبدالله لن تكون فاطمة أولى شهيدات الرأي، كما لن تكون آخرهنَّ.


السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون

" رحمته " صلى الله عليه وسلم.. معجزته

الاثنين، 7 يناير 2013

أعادوا الإساءة .. فعاود الإسلام التقدم - فكر - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة

أعادوا الإساءة .. فعاود الإسلام التقدم - فكر - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة



تجددت الإساءة العدوانية على ذات رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -، فعاودت بعض الصحف نشر الرسوم المسيئة لهم، كما أن الكاتب الدنماركي "كوري بلوتيكن" أقدم على نشر كتاب جديد من 272 صفحة، مزودة برسومات تصور الرسول - صلى الله عليه وسلم - بطريقة مسيئة، مما اعتبره المراقبون إساءة جديدة للدين الإسلامي والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم-.

ومع هذا لم يكتب له النجاح حتى لدى المجتمع الدنماركي ذاته أو حتى النقاد ومنهم الناقد ستيفن لارسن، والأديب توماس هوفمان اللذان اتهما الكاتب بأنه يجهل الدين الإسلامي تمامًا، كما كتب المتخصص بالتراث الإسلامي جون مولر لارسن، قائلًا: (بأن الكاتب ابتدع الموضوعات الخاطئة ونشر الصور الكاذبة).

ولا شك أن كل هذا مما يقدم دليلًا أكيدًا على أن هناك خطة مُبيتة بليلٍ ونهار لاستمرار إطلاق قذائف العدوان الهمجي على معتقدات المسلمين وآخرها - وهذا ما نتمنى - ذلك الفيلم الهمجي الغوغائي المسمى تهكمًا (براءة المسلمين)، للمخرج الإسرائيلي/ الأمريكي سام بازيل المنحدر من جنوب كاليفورنيا، والممول من قبل مائة شخصية يهودية، والذى روج له بعض من أقباط المهجر المصريين للأسف، والقس الأمريكي المتطرف الباحث عن الشهرة والذى أقدم على حرق القرآن الكريم تيري جونز. أما هذا المخرج فيرى أنه قدم فيلمًا سياسًا وليس دينيًا، ولا يهاجم المسلمين، إنما هدفه هو كشف زيف الدين الإسلامي لأنه دين يحض على الكراهية وأنه سرطان.

ولعلك تتساءل ما سر انطلاق قذيفة الرسوم المسيئة من الدنمارك، وهى تتخفى بمبدأ كاذب متلون وهو (حرية التعبير)، من دولة تجمع بين نقيضي التدين في نصوص الدستور الملكي، والليبرالية المتطرفة في أيديولوجية الحزب الحاكم ووسائل الإعلام فأما التدين فمنصوص عليه في دستورهم؛ فقد جاء في المادة1/بند 3: إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك، وعلى هذا فقد جاءت المادة 1/بند 5 تأسيسًا على المادة السابقة والتي تنص بوجوب: أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، بينما أعلنت الحكومة الدنماركية في دفاعها عن نفسها حال وقوع الإساءة الأولى وحتى تاريخه بأنها حكومة ليبرالية، وأنها إنَّما تطبِّق مقتضيات الليبرالية في عدم اعتراضها على سوء الأدب في النيل من المقدسات، حتى ولو تعلق الأمر بالإساءة لأى نبي.

أكد هذا صدورالحكم الفج من المحكمة الدنماركية بتبرئة الصحيفة التي تولت نشر هذه الرسومات المسيئة لهم قبل نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، مما هيأ لكل حاقد أفاك أن يبادر هو الآخر بمعاودة الإساءة محتميًا بعباءة الليبرالية والقانون والاتجاه العام السائد فى الدولة مدعومًا بالقوى الخفية من مراكز اليهود القاطنة والمهيمنة على الإعلام الدنماركي خاصة والأوروبي والأمريكي بصفة خاصة وهذا ظاهر في النجمة السداسية التي تحملها الجريدة التي نشرت الإساءة الأولى.

السبب الخفي وراء الهجوم الأول، ووراء إعادة الرسوم هوالمد الإسلامي النامي في الدنمارك، منذ وقوع الإساءة الأولى وتكثيف بعض الجهات الدعوية بتصحيح صورة الإسلام الماثلة فى الأذهان الدنماركية والتى تروج لها بعض المؤلفات الكنسية وكذا المنظمات اليهودية هناك، وهذا يبدو واضحًا حين اضطرت بعض الكنائس الغربية إلى عقد اجتماعات سرية وعاجلة، تم فيها نصح القساوسة ورجال الدين التابعين لها بعدم قراءة القرآن وكتب سيرة نبى المسلمين محمد - صلى الله عليه وسلم-، بعد أن تأكد لديهم انتشار نسخ من القرآن الكريم بين عدد من قساوستها وتداولهم لبعض تلك الكتب الإسلامية، وهذا يؤكده مانشرته صحيفة البوليتكن الدنماركية فى نوفمبر 2006: أن عدد الدنماركيين الذين يعتنقون الإسلام يتزايد يومًا بعد يوم.. وأن كل يوم يمر يختار مواطن دانماركي واحد على الأقل اعتناق الدين الإسلامي، حتى أن عدد المعتنقين للإسلام يتراوح ما بين خمسة عشر دانمركيًا فى الأسبوع الواحد معظمهم من الشباب الذين يشكلون نحو ثلث العدد الإجمالى لمجموع الدنماركيين الذين أعلنوا إسلامهم وخاصة أن غالبتهم من الفتيات الذين يتزوجون بشباب مسلمين.

ولهذا جاءت الديانة الإسلامية ثانية الديانات فى الدنمارك وذلك فى ضؤ الأرقام الواردة في تقرير الحريات الدينية الأمريكي لعام 2005م الجزء الخاص بالدنمارك والذى يثبت أن الديانة الإسلامية في الدنمارك هي الديانة الثانية باعتبار مجموع تعداد السكان، فمن جملة 5.4 مليون نسمة يوجد 180.000 مسلم يمثلون نسبة 3.5% من مجموع السكان، تليهم الجالية الكاثوليكية التي يبلغ تعداد سكانها 35.000 نسمة، ثم شهود يهوه وتعدادهم 15.000 نسمة، أما اليهود فعددهم 7.000 نسمة فقط.

أما السواد الأعظم فهم الإنجيليون اللوثريون وتبلغ نسبتهم 83.2% من مجموع السكان بيد أن نسبة الطائفة المواظبة منهم الحضور للكنيسة تبلغ 3% فقط، مما ألقى بظلاله على أن بعض الكنائس الدنماركية قد أصبحت عُرضة للبيع بعد أن أصبحت فارغة لا يدخلها إلا الأشباح حسب تعبير بعض رجال الدين.

ولذلك قررت إدارة الكنائس في الدنمارك عرض 10 كنائس للبيع قابلة للزيادة خاصة في العاصمة كوبنهاجن حيث أدار الناس ظهورهم للكنيسة. فيقول الأمين العام للكنائس في الدنمارك كاي بولمان تعليقًا على نية وزارة الكنائس: إذا لم تستعمل الكنيسة للعبادة فالأحرى أن تستعمل كإسطبل للخنازير.

ووضع عدد من رجال الدين حظرًا على بيع الكنائس للمسلمين لتحويلها إلى مساجد بحجة أن هناك طوائف مسيحية من خارج الدنمارك ترغب في شرائها أو استئجارها كالطوائف الروسية والصربية وخاصة في العاصمة كوبنهاجن حيث التجمع الكبير للمسلمين، وقد يتحول معظمها لمقاه ومنتديات ومراكز لشركات سينمائية ومراكز لعرض اللوحات الفنية.

أما الكنائس التي بنيت في القرون الوسطى والتي تنتشر في القرى وخارج المدن الكبيرة فستكون - حسب إدارة الكنائس- خارج الكنائس المطروحة للبيع، ولكن فكرة بيعها للمسلمين مرفوضة من كل الجهات الرسمية والشعبية، ووضح ذلك بعد أن عبرت عدة جهات إسلامية عن رغبتها في شراء إحدى الكنائس وتحويلها لمسجد مما أثار قلق إدارة الكنائس في أن تتحول الكنائس إلى مساجد، وإعطاء صورة عن الدولة بأنها قد بدأت تتحول إلى دولة إسلامية.

مما دعا القناة الثانية الدنماركية لعرض فيلم وثائقي عن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد ترجمته إلى اللغة الدنماركية وعنوانه محمد: إرث النبي Muhammad: Legacy of a prophet مدته تقارب الثلاث ساعات، وهو من إعداد وإخراج مايكل ولف وأليكساندر كرونيمر. وقد عرض الفيلم بداية على قناة PBC الأمريكية خاصةً بعد أن وجد ترحيبًا كبيرًا في الغرب: يحكى الفيلم ماذا يعتقد المسلمون الأمريكيون، ويأخذ الفيلم الوثائقي المشاهدين إلى البيوت، المساجد، وأماكن عمل بعض من مسلمي أمريكا، لاكتشاف الطرق الكثيرة التي فيها يحذون حذو النبي عليه الصلاة والسلام، وكيف يترجمون حياته ورسالته إلى اليوم. يقول مايكل شفارتس منتج الفيلم: هناك ستة إلى سبعة ملايين مسلم هنا في أمريكا حيث الإسلام هو دين البلد المتنامي السريع، لكن أمريكيين كثيرين يجهلون تماما قصة حياة الرجل الرائع الذي أنشأ هذا الدين منذ 1400 سنة.

بينما يضيف مخرج الفيلم مايكل ولف وهو أمريكي مسلم: محمد هو التاريخ في زمن المضارع، نفكر في قصة القرن السابع الميلادي، هذه من خلال تجارب أمريكيي القرن الواحد والعشرين والذين يشعرون بشدة أنهم متصلون بما عمله محمد -صلى الله عليه وسلم-.

أما من رسم هذه الرسوم فقد كان جاهلًا ليس فقط بشخص ومكانة وتاريخ وفكر من رسمه - صلى الله عليه وسلم - بل جاهلًا أيضًا بالدين الذى جاء به، وإلامَ يدعو، وما إذا كان يؤذى عقيدة المخالفين له لمجرد المخالفة وحسب؟...
نعم، كان جاهلًا وليس هو فقط بل كل من أيدوه وناصروه وهم يرقصون نشوةً وطربًا ويطلقون صيحاتهم الخرقاء بأنهم أحرار في التعبير عما يعتقدون، وهذا ما يثبت حجم الآلة الإعلامية الضخمة التي تصور لهم الإسلام ورسوله بكل هذا السوء، ولقد نجح الكاتب الصحفي عادل حمودة في إثبات جهلهم حين هداه تفكيره إلى إعداد ورقة حول موقف الإسلام من الأديان الأخرى وبعث بها إلى مقرر ملتقى رسامي الكاريكاتير توماس التمان الذى اعترف بعد أن قرأها بأن ما جاء في الورقة مذهل بالنسبة له ولكل الذين قرأوها بعد ترجمتها.. وقال التمان: أنه لم يكن يتصور أن الاسلام ينصف المسيحية أو يقدس المسيح عيسى بن مريم أو أمه.. كما جاء في القرآن الكريم: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران:42]، وحين أرسل الله لها الروح الأمين جبريل في صورة بشرية ليهب لها غلامًا  ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ [مريم: 19]، وتعجبت مريم مما سمعت، ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 20]، ﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 21 ]... وحين وقعت المعجزة.. ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آل عمران:45].. شعر التمان ومن معه بأن القضية تتعلق في الأساس بجهلهم بموقف الاسلام من الأديان الأخرى.. ومن قبل كانوا يظنون أن الاسلام دين يدعو إلى التعصب ضد من يخالف عقيدته وشريعته.

ولعل من الأمور المحمودة والتي لم يحسب لها المعاودون للإساءة حساب، أن هذه الرسوم المسيئة وردود الفعل الغاضبة تجاهها بين المسلمين في العالم دفعت كاتبة دنماركية إلى التعرف إلى الإسلام ونبيه والدخول في الدين الإسلامي الحنيف والقيام بالحج إلى بيت الله الحرام ودونت هذه التجربة الفريدة في كتاب نشرته مؤخرا. ودفعها لذلك التعرف إلى الإسلام، ومحاولة فهم دوافع غضب المسلمين في مختلف أنحاء العالم وهبتهم دفاعًا عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، ليقودها ذلك في النهاية إلى النطق بالشهادتين، ودخول الإسلام، وإضافة اسم (عائشة) إلى اسمها تيمنًا منها بأم المؤمنين السيدة (عائشة) رضي الله عنها وأرضاها. ولقد سجلت رحلتها لكي يقرأها الدنماركيون، أملًا في أن يشرح الله صدورهم للإيمان، الغريب أن الكتاب بيع بشكل جيد في الدنمارك وما زال يطلب في ظل الأوضاع الراهنة التي تعيشها البلاد على خلفية نشر الرسوم المسيئة مرة ثانية.

وقد اعتنق أيضًا مقيم بالسعودية من الجنسية الفلبينية الإسلام، عندما سمع أخبار الإساءة لرسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم- من خلال إعادة نشر بعض الرسوم المسيئة في صحف دنماركية. وجاء إسلام الفلبيني هذا بعد أن سمع ردود أفعال المسلمين على هذه الإساءة حيث بدأ يتساءل لماذا يحدث ذلك دائمًا من بعض النصارى، خصوصا وأن المسلمين لم يسبوا السيد المسيح عليه السلام حسب ما ذكره مسؤولون في المكتب التعاوني لدعوة الجاليات بنجران، حيث أوضح له المترجم بالمكتب أن المسلمين يحبون ويقدرون جميع الأنبياء عليهم السلام، فما كان منه إلا أن أعلن اعتناقه للإسلام وتسمى باسم أبي بكر.

وكم كانت الخسارة مزدوجة ومضاعفة لمن أرادوا الإساءة للإسلام فقد جاءت إساءتهم مكسبًا لا يتصورونه وذلك برجوع بعض أبناء الجالية الإسلامية ممن كانوا داخل طوفان الذوبان إلى دينهم الحنيف واشتعال جذوة حميتهم لرسولهم -صلى الله عليه وسلم- ولدينهم، وهذه مزية هذا الدين المناضل والمكافح ضد كل من يحاول وأده، وفى هذا إثبات جيد على جهل من تجرأ وأساء لشخص رسولنا محمد فهو لا يعرف من هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يَعلم معنى الاعتداء الذي ارتكبه هؤلاء الجهلة ضده - صلى الله عليه وسلم - ومدى خطورته في المجتمع الإسلامي، إلا من عرف الإسلام على حقيقته، وعرف مكانة الإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لدى المسلمين مهما كان مستوى التزامهم الديني... ولكنها الحماقة التي تطغى على العقل، والحقد الذي يعمي ويصم، وفَعْلَتهم هذه إعلان عن إفلاسهم الحضاري في التعامل مع مليار ونصف المليار من البشر، وانحطاطهم الأخلاقي في التعامل مع مواطنيهم من المسلمين.

أن كل ما تقدم يدفعهم حقدًا لتكرار تلك الإساءات لعلها تشفى ما فى صدورهم من غل تجاه رسول المسلمين - صلى الله عليه وسلم -، فقد أعلنت منظمة يمينية دنماركية تدعى: (وقف أسلمة أوروبا)، إجراء مسابقة لرسومات جديدة مسيئة للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، وللإسلام عموما، وقال مسؤول في المنظمة الدنماركية، لصحيفة يولاندس بوستن التي نشرت الرسومات المسيئة أول مرة في عام ٢٠٠٥: نحن الآن بصدد عمل رسوماتنا الخاصة عن النبي محمد، حتي نتخلص من هذا المنع، وأكد أن هذه الرسومات ستكون فعالة، على غرار ما قام به الرسام فيستر جوورد صاحب إحدى الرسومات المسيئة. وأكد جراورس رغبة منظمته في رؤية الرسومات المسيئة منشورة في كل مكان، حتي نرهق المسلمين فلا يقومون بردود أفعال بعد ذلك، مضيفًا: (نريد أن نجعلهم يتعبون حتى النهاية، بحيث لا يستطيعون بعدها حمل عود ثقاب في جيوبهم. وليس مجهولًا أن منظمة (وقف أسلمة أوروبا) معروفة بالتنسيق علي الساحة الأوروبية ضد الإسلام والمسلمين، وتملك شبكة علاقات مع المؤيدين لإسرائيل، وتتسم مواقفها بكثير من التطرف.

وهذا ما يثبت تحالف اليهود مع مسيحيي الدنمارك، كما يثبت تحالفهم أيضًا مع كل المنظمات المتطرفة التي تتفشى في سائر البلدان الأوروبية والتي تهاجم المساجد، وتطالب بوقف بنائها، ومنع بناء المآذن، والحض على إصدار القوانين التي تمنع النقاب، كما يثبت أن سبب معاودة الإساءة هو انتشار الإسلام بدليل تسمية جمعيتهم الخاسرة باسم وقف أسلمة أوربا، وهو ما يثبت أخيرًا سر ذلك التحالف المشين عندما تعاونوا في إنتاج وإخراج هذا الفيلم الأخير( براءة المسلمين).

الأمر الذى يثبت أيضًا بأنهم أغبياء؛ فزحف الإسلام قادم هادر، مقاوم.. الإسلام قادم، فليكفوا إذن عن تكرار تلك المحاولات البائسة اليائسة، لأنهم وحدهم الذين سوف يتعبون وينهكون وفي النهاية بإذن الله عز وجل إما سيقبلون بالأمر الواقع فيسلموا مع من أسلم أو يموتوا بغيظهم كمدًا وقهرًا.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/48843/#ixzz2HJH6UYJW

الخميس، 13 ديسمبر 2012

لماذا بكت فاطمة؟! - سيرة - موقع آفاق الشريعة - شبكة الألوكة

لماذا بكت فاطمة؟! - سيرة - موقع آفاق الشريعة - شبكة الألوكة


أسرَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى وحيدته فاطمة - رضي الله عنها - خبر انتقاله إلى الرفيق الأعلى صراحةً ومشافهةً دون غيرها، ثم أَسرَّ إليها ثانية بعد حُزنها على سماع خبر فِراقه، بأنها ستكون أول أهله لحوقًا به، فَسُرَّتْ بذلك؛ حيث قالت: فلمَّا رأى جزَعي، سارَّني الثانية، فقال: ((يا فاطمة، أما ترَضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين, أو سيدة نساء هذه الأمة؟))[1]، وفي رواية: "فأخبَرني أني أوَّل مَن يتبعه من أهله، فضحِكت"[2].

إذًا فخبرُ وفاته - صلى الله عليه وسلم - كان معلومًا لفاطمة ابنته؛ أي: إنها كانت مهيَّأة تمامًا من الناحية النفسية والزمنية، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا فعَلت ما فعلت بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وعانت ما عانت من ألَم الفاجعة وشدة المصيبة، وعِظَم النازلة بفَقْده، حتى قالت عندما جاءها نبأُ وفاته: "يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأْواه، يا أبتاه، إلى جبريلَ ننعاه؟!".

وحين قالت لأَنسٍ بعد دفْن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "يا أنس، أطابَت أنفسكم أن تَحثُوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب؟!".

وعندما أخذت تَرثي أباها - فيما نُسِب إليها - قائلة:
اغْبَرَّ آفاقُ السماءِ فَكُوِّرتْ 
شمسُ النهار وأظْلَم العَصرانِ 
الأرضُ من بعد النبيِّ كئيبةٌ 
أسَفًا عليه، كثيرةُ الرَّجَفانِ 
فليَبكِه شرقُ العباد وغربُها 
وليَبْكِه مُضَرٌ وكُلُّ يَماني 
وليَبكه الطَّودُ المعظَّمُ جَوُّهُ 
والبيتُ ذو الأستار والأرْكانِ 
يا خاتَمَ الرُّسل المُبارَك ضَوءُه 
صلَّى عليك مُنَزِّلُ القرآنِ 

والجواب لا يَتبادر إلى الذهن كما فعَل السؤال، بل ينفجر من القلب يقينًا بلا ارتيابٍ، تَعلوه دهشة السؤال، فيُباغتنا بسؤال بلا افتعالٍ: كيف لفاطمة - رضي الله عنها - ألا تَفعل ما فعَلت حتى لو علِمت بأنها ستَلحق بأبيها بعد دقائق معدودات، ولكن الأهم عندها أنه سيموت قبلها ولو بدقيقة.

إن علاقة فاطمة بأبيها علاقة خاصة، ومن حق المتعجِّب أن يتعجَّب؛ لأنه يَجهلها، وإذا علِمها دون أن يتعمَّقها ويُعايشها، ويتعايش معها - فما أحسَّها ولا علِمها، ما دام لم يُعاين وقائعها وأحداثها منذ ولادة فاطمة، ومعاصرتها أحداث الدعوة، وفِراق الأحبَّة من الأهل، ثم هجرة أبيها إلى المدينة، وبقاءها في مكة حتى استدعاها إليه وأُختها معها.

ففاطمة أصغر بنات الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ كانت زينب الأولى، ثم رُقيَّة الثانية، ثم أم كلثوم الثالثة، ثم الزهراء الرابعة، وهي أطول إخوتها صُحبةً لأبيها - صلى الله عليه وسلم - إذ لم تَتركه منذ ميلادها حين كانت قريش تبني بيتها؛ أي: قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين، وعُمره - صلى الله عليه وسلم - آنذاك خمس وثلاثون سنة، ولطول صُحبتها مَزيَّة لها، كما أن لها ضَريبتها القاسية التي دفَعتها من سنوات عمرها وشبابها وصحتها، فقد كانت بحقٍّ سيدة الصابرين التي تجرَّعت كؤوس الأحزان مُترعات كأسًا كأسًا، فقد مات أخواها القاسم وعبدالله، ثم ماتت أُمها، ثم تتابَعت الأحزان بوفاة أُختَيها رقية يوم بدر في العام الثاني من الهجرة، وأم كلثوم في السنة التاسعة من الهجرة، وآخِرُ مَن شيَّعت إبراهيمُ أصغر إخوتها من السيدة مارِية، ثم عاشَت لتَشهد رحيل أعز وأعظم الناس قاطبةً، الأب الحاني والبقية الباقية لها بعد موت الأم والإخوة والأخوَات، فزهِدت الابتسام ولقاءَ الناس بعده؛ إذ ليس بعده عندها إلا أن يَحين دورها في الرحيل؛ لتَلحق به - صلى الله عليه وسلم - فكانت بحقٍّ "أُم أبيها"، تلك الكُنية الفذة التي فازت بها دون بنات جنسها على الإطلاق؛ وذلك لكونها عاشت مع الرسول - عليه الصلاة والسلام - بعد موت والدتها، ترعى أموره وتشدُّ أَزْره، كما كانت قريبةً منه أشدَّ القُرب في معظم أوقات حياته، فلم تَغِب عن بصره - ربما - إلا ساعات خروجه من الدار، فقد كانت - رضي الله عنها - شديدةَ التعلق والاهتمام به حتى بعد زواجها، كما كانت تحدِّثه بما يُسلِّي خاطرَه، ويُدخل الفرحة على قلبه، برغم ما كانت تُعانيه وتتحمَّله بثبات أهل الإيمان العميق.

إنها فاطمة التي قلما فارَقت أباها، فمنذ طفولتها والدعوة ما زالت في بواكيرها، كانت تخرج معه - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرم، وذات مرة بينما كان ساجدًا، إذ أحاط به أُناس من مشركي قريش، وجاء عُقبة بن أبي مُعيط بسَلى جَزور، وقذَفه على ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه، حتى تقدَّمت هي، فأخَذت السَّلى، ودَعت على من صنَع ذلك بأبيها، وعندئذ رفع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - رأسه وقال: ((اللهم عليك بالملأ من قريش، اللهم عليك بأبي جهل، وعُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي مُعيط، وأُبَي بن خلف)).

فخشَع المشركون لدعائه، وغضُّوا أبصارهم حتى انتهى من صلاته، وانصرَف إلى بيته تَصحبه ابنته فاطمة، وما هي إلا أعوام قليلة وترى فاطمة - رضي الله عنها - هؤلاء الملأ قتْلى في بدر.

فاطمة الزهراء سيدتنا - سيدة هذه الأمة - أو سيدة نساء العالمين، ابنة رسول الله وحبيبته، التي أقسم - صلى الله عليه وسلم - حين أتاه حِبُّه وحبيبه وابنُ حبيبه أسامة بن زيد مستشفعًا للمرأة المخزومية السارقة؛ كيلا يُقيمَ عليها حَدَّ السرقة، فغضِب - صلى الله عليه وسلم - من أسامة، ثم جمع الناس، فخطَب فيهم، فقال: ((أيها الناسُ، إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريفُ ترَكوه، وإذا سرَق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللهِ، لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرَقَتْ، لقطعتُ يدَها))[3].

والشاهد من العظمة قد لا يَلحظه أحدنا على اعتبار أنها - أي: فاطمة - لن تَسرق، ولكن يجب أن تَعلم أن الخطاب كان على الملأ، ويجب علينا أن نَثِق تمام الثقة أن فاطمة لو فعلتها لأبرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقَسَمه.

وكانت فاطمة - رضي الله عنها - هناك لَمَّا خرَج - صلى الله عليه وسلم - يومًا إلى قريش، وقد نزَل قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، فجعل ينادي: ((يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتَروا أنفسكم، لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبدمناف، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفيةُ عمَّةَ رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا)).

ثم اختصَّ فاطمة من أولاده فخاطَبها : ((ويا فاطمة بنت محمد، سَليني ما شئتِ من مالي، لا أغني عنك من الله شيئًا))[4].

تقول الدكتورة عائشة عبدالرحمن تعليقًا على هذا الموقف: "وخفَق قلب فاطمة حنانًا وتأثُّرًا، فهمَست تقول: لبَّيك يا أحبَّ والدٍ وأكرم داعٍ، فقد كانت - رضي الله عنها - حتى الرَّمق الأخير من حياتها، لا تَمَل من تلبيته وطاعته - صلى الله عليه وسلم".

وهل غابت فاطمة عن أبويها في شِعب أبي طالب؟!
حيث عاشت هناك في حصار أجْهدها سنوات عديدة، كما أنهك أُمَّها السيدة خديجة، ثم عادت من الحصار إلى مكة لتَشهد موت أُمها - رضي الله عنها - ثم هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يثرب، وبَقِيت فاطمة مع أُختها أم كلثوم في مكة، حتى جاءها من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - مَن يَصحبها إلى المدينة المنورة.

كما خرَجت السيدة فاطمة - رضي الله عنها - لمُداواة الجرحى وسِقايتهم مع نساء المسلمين يوم أُحد، ولَمَّا رأَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد انكسَرت رَباعيته وسال الدم على وجهه الشريف، جرَت عليه واعتنَقته، وأخذَت تمسح الدم من على وجهه الشريف، ولَمَّا وجَدته لا يتوقَّف، حرَقت حصيرًا ومنَعت به الدمَ، فامتنع، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اشتَدَّ غضبُ الله على قومٍ دَمَّوْا وجْه رسول الله، وهَشَموا عليه البيضة، وكسَروا رَباعِيَته))، ثم مكَث ساعة، ثم قال: ((اللهم اغفِر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون))[5].

إنها الشبيهة الحبيبة، والتي شاءت إرادة الله - تعالى - أن يُمَدَّ في عُمرها - رضي الله عنها وأرضاها - ليكون منها - دون إخوتها - النسل المتَّصل برسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهي من أعظم المناسبات التي أدخَلت فيها الزهراء الفرحة على أبيها - صلى الله عليه وسلم - حين كان ينادي الحسن والحسين: ((يا بُني))، وكانا يَدعوانه: يا أبتِ.

ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يَنهض إذا دخَلت عليه، ويقوم بتقبيل رأسها ويدها، كما روَت عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما رأيت أحدًا كان أشبه سَمتًا وهَدْيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فاطمة، كانت إذا دخَلت عليه قام إليها، فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل عليها قامت إليه، وأخَذت بيده وقبَّلته وأجلَسته في مجلسها[6].

وكان لا ينام حتى يُقبِّل عُرْض وجهها، وبين عَينيها، وكان يقول لها: ((فداك أبوك، كما كنتُ فكوني))[7]، حتى إنه كلما قدِم من سفرٍ بدأ بالمسجد، فيصلِّي ركعتين، ثم يذهب لفاطمة، ثم يأتي بيوت أزواجه.

كما أنها لم تَتركه في أوقات مرضه الأخير في بيت السيدة عائشة وحتى وفاته - صلى الله عليه وسلم - ورَضِي الله عنها وأرضاها؛ ولهذا لم يُطِق - صلى الله عليه وسلم - بُعْدَها عنه، وكذلك لم تتحمَّل فاطمة بُعْدَه عنها، وذلك في أول أيام زواجها من عليٍّ حين أسكَنها بيت أُمه، وكانت دارها بعيدة عن بيت النبوة؛ كما جاء في رواية ابن سعد في "الطبقات" عن أبي جعفر، لَمَّا قدم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ وتزوَّج عليٌّ فاطمة، وأراد أن يبنيَ بها، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اطلُبْ منزلاً))، فطلب عليٌّ منزلاً، فأصابه مستأخِرًا عن النبيِّ قليلاً، فبنى بها فيه، فجاء النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إليها قال: ((إني أريد أن أُحوِّلك إليَّ))، فقالت لرسول الله: "فكلِّم حارثة بن النعمان أن يتحوَّل - ينتقل من منزله - وأكون إلى جوارك"، وكان حارثة كلما تزوَّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحوَّل له حارثة عن منزل بعد منزلٍ، حتى صارت منازل حارثة كلها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها: ((يا بُنيَّة، قد تحوَّل حارثة عنا حتى استَحْيَيتُمما يتحوَّل لنا عن منازله))، فبلغ ذلك حارثة، فتحوَّل وجاء إلى النبي، فقال: يا رسول الله، إنه بلَغني أنك تريد أن تُحوِّل فاطمة إليك، وهذه منازلي، وهي أسقبُ - أقرب - بيوت بني النجار بك، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله، والله يا رسول، لَلَّذي تأخذه مني أحبُّ إليَّ من الذي تدَع،فقال له الرسول: ((صدَقت، بارَك الله عليك))، فحوَّلها رسول الله إلى بيت حارثة.

ذكَر ابن حجر في "الإصابة" عن عبدالرزاق عن ابن جُريج، قال: كانت فاطمة أصغر بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحبَّهنَّ إليه، وسُئِلت عائشة - رضي الله عنها - كما روى الترمذي في سننه بسند حسَّنه: أيُّ الناس كان أحبَّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة، قيل: فمِن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان كما علِمت صوَّامًا قوَّامًا[8].

هكذا كانت - رضي الله عنها - في كل المواقف معه دائمًا - صلى الله عليه وسلم - الابنة الحبيبة الرفيقة الشفيقة المواسية، وكيف لا تكون وهي فرع الحنان المُتدلي من شجرة الحنان الكثيفة الوارفة، التي أظلَّت المسلمين ورسولَ الإسلام بحُنوِّها وعطفها، ومالها وجهادها، حتى صار لها في عُنق كل مسلم دَينٌ حتى قيام الساعة؟!

إنها فاطمة ابنة خديجة - رضي الله عنهما - وعن كل أُمَّهات المؤمنين.

ولئن تَعجَّبنا كيف أن الابنة لم يُروِّعها النبأ، بل سُرَّت به، فيما يمكن أن نُسمي علاقة البنوة بالأبوَّة المتشابكة بين الزهراء وأبيها، بأنها معجزة تُضاف لسيد الخَلق حين نجَح في أن يُهذِّب ويؤدِّب ابنته إلى هذا الحد الفائق من الطاعة، حين لم تَرُد عليه مقالته، بل وجعَلت نَعيها بِشارة، فلم تغتمَّ ولكن سُرَّت؛ ليس زهدًا في الحياة ولكن فرَحًا بالمرافقة والمجاورة لأبيها في رحلته الأخيرة عن الدنيا.

كما لم يكن هذا أنانِية منها بترْك زوجها وصغارها، فقد أوصت بهم لمن بعدها، وغالبًا ما كانت تعرف من نبوءَات أبيها بأن ولديها لن يُعمّرا طويلاً، وكان من رحمة والدها بها - ربما - ألاَّ يُذيقها نار فِراقهما في حياتها، كما تجرَّعها هو - صلى الله عليه وسلم - في أولاده وإخوتها، وآخرهم إبراهيم آخر أبنائه من السيدة مارية - رضي الله عنهم - جميعًا، فكم هو مؤلِمٌ على النفس والقلب فِراقُ الأولاد في حياة والديهم.

أما ما ينفي الأنانية عن السيدة فاطمة بفرَحها لمغادرة الدنيا التي فيها الزوج والأولاد، هو حديثها مع زوجها علي أحبِّ الناس إلى قلبها بعد والدَيها الكريمين؛ حيث رأت أن تُوصيه، وتقبَّل منها وصاياها ونفَّذها بعد موتها وفاءً لها؛ لأنه كان يعلم أن أمْر وفاتها وحياتها ليس في يد أبيها، وإن كان رسولاً، بل يقف موتها عند حد التبليغ من الرسول الكريم لابنته، وغالبًا ما أوجَعه، وما كان ليَبوحَ لها به، إلا لَمَّا رأها تأذَّت وبكت حين سارَّها برحيله، كما أنها تعلم كما يعلم زوجُها الذي نبَّأه الرسول سابقًا بأنه شهيد - أنهما لم يُجرِّبا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا هما ولا عامة المسلمين، وما دام قد قال، فقد صدَق، وما عليهما إلا التسليم بقضاء الله، وهذا ما فعلاه، ونستشفُّ هذا من الحوار الرقيق الدقيق الأخير عن الرحيل الأكيد، فتجد الكلام في موضعه، فهي توصي بحقٍّ لا لتَستشف تعلُّق زوجها بها، وحزنه عليها من عدمه، كما أنه لن يُجاملها أو يخفِّف عنها بأنها ستتعافَى وسيشدُّ الله أزْرها، ويمدُّ في عمرها مُواساةً منه، فإن عليًّا يعلم أنه لو فعَل هذا، فإنما يرد كلام رسول الله ويُكَذِّبه، وحاشاه أن يفعل؛ ولهذا تعامَل مع الموقف تعامُل الرجل الحكيم المُسَلِّم بقضاء الله وقدره.

أوصَت الزهراء - رضي الله عنها - زوجها علي بن أبي طالب بثلاث وصايا، فقالت: يا ابن عم، إنه قد نُعيت إليَّ نفسي، وإنني لا أرى حالي إلا لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أُوصيك بأشياءَ في قلبي، فقال - رضي الله عنه -: أوصِيني بما أحبَبت يا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس عند رأسها، وأخرَج مَن كان في البيت، فقالت - رضي الله عنها -: يا ابن العم، ما عهِدتني كاذبة ولا خائفة، ولا خالَفتك منذ عاشَرتني، فقال - رضي الله عنه -: معاذ الله، أنت أعلم بالله تعالى، وأبرُّ وأتقى، وأكرم وأشد خوفًا من الله تعالى، وقد عزَّ علي مُفارقتك وفقْدك، إلا أنه أمرٌ لا بد منه، والله لقد جدَّدتِ عليّ مصيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجَلَّ فقْدُك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أوصَته - رضي الله عنها - بثلاث:
أولاًأن يتزوَّج بأُمامة بنت العاص بن الربيع، وبنت أُختها زينب - رضي الله عنها - وكان اختيارها لأُمامة - رضي الله عنها - يقوم على أسباب وجيهة، بيَّنتها قائلة: إنها تكون لولدي مثلي، في حُنوتي ورَؤومَتي، أما أُمامة، فهي التي رَوَوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَحملها في الصلاة.

ثانيًاأن يتَّخذ لها نعشًا وصفَته له، وكانت التي أشارت عليها بهذا النعش أسماء بنت عُميس - رضي الله عنها - وذلك لشدة حيائها - رضي الله عنها - فقد استقبَحت أن تُحمل على الآلة الخشبية، ويُطرَح عليها الثوب، فيَصِفها، ووصْفُه أن يأتي بسَريرٍ، ثم بجرائد تُشَد على قوائمه، ثم يُغطَّى بثوبٍ.

ثالثًا: أن تُدفَن ليلاً بالبقيع.

وقد روى الإمام أحمد كيفيَّة وفاتها في حديث ضعَّفه أهل العلم عن أمِّ رافع، قالت: اشتكَت فاطمة شكواها الذي قُبِضت فيها، فكنت أُمَرِّضها، فأصبَحت يومًا كأمثل ما رأيتُها في شكواها تلك، قالت: وخرَج عليٌّ لبعض حاجته، فقالت: يا أُمَّه، اسكُبي غُسلاً، فسكبتُ لها غُسلاً، فاغتسَلت كأحسن ما رأيتُها تَغتسل، ثم قالت: يا أُمَّه، أعطيني ثيابي الجديدة، فأعطيتُها، فلَبِستها، ثم قالت: يا أُمَّه، قدِّمي لي فراشي وسط البيت، ففعَلت، واضطجَعت واستقبَلت القِبلة، وجعلت يدها تحت خدِّها، ثم قالت: يا أُمَّه، إني مقبوضة الآن، وقد تطهَّرت، فلا يَكشفني أحد، فقُبِضت مكانها، قالت: فجاء عليٌّ، فأخبَرته.

وكذا روى ابن سعد في الطبقات أنها غسَّلت نفسها قبل أن تموت، ووصَّت ألا يُغسِّلها أحد؛ لئلا يَنكشف جسدها، وأن عليًّا دفَنها دون غُسلٍ؛ قال الذهبي عن هذا الكلام في السِّيَر: "هذا مُنكر".

قال الزيلعي في "نصب الراية": "واعلَم أن الحديث ذكَره ابن الجوزي في الموضوعات، وفي "العلل المتناهية"، وقال: "هذا حديث لا يَصِح".

وضعَّفه ابن حزم في "المحلَّى"، وقال ابن كثير: غريب جدًّا، أما ابن الأثير فقال في "أُسد الغابة": "والصحيح أن عليًّا وأسماء غسَّلاها".

وقد روى الشافعي والدارقطني، وأبو نُعيم والبيهقي، وحسَّنه ابن حجر والشوكاني، عن أسماء بنت عُميس - رضي الله عنها - أن فاطمة - رضي الله عنها - أوصَت أن يُغسِّلها علي - رضي الله عنه، قال الشوكاني: ولَم يقع من سائر الصحابة إنكارٌ على عليٍّ وأسماء، فكان إجماعًا، وأمَّا إنكار ابن مسعود فلا يَصِح، وعلى هذا جمهورُ أهل العلم، وذهب الحنفية في الأصح وأحمد في رواية إلى عدم جواز ذلك؛ لانقطاع الزوجيَّة، والأول أصحُّ؛ لأن الصحابة أفهمُ لدين الله - عز وجل - من غيرهم، وهذا الأثر الذي فيه وصيَّة فاطمة يُبطل ما قبله، فتعيَّن الأخذُ به، ولقد روى الإمام الذهبي قصة وفاتها في السِّيَر عن أم جعفر أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يُصنَع بالنساء، يُطرح على المرأة الثوب، فيَصفها، قالت: يا ابنة رسول الله، ألا أُريك شيئًا رأيتُه بالحبشة؟ فدعَت بجرائد رَطبة، فحنَتْها، ثم طرَحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجملَه، إذا مِتُّ فغسِّليني أنت وعليٌّ، ولا يَدخُلنَّ أحدٌ علَيَّ، فكانت - رضي الله عنها - هي أوَّل مَن غُطِّي نَعْشها في الإسلام على تلك الصفة؛ كما قال ابن عبدالبر.

وأما أمرها ألا يُصلي عليها أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولا أن يتولَّيا دفْنها، فهذا مَحض كذبٍ وافتراء.

وهكذا فقد توفِّيت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبوية، والجهة المصطفوية، بنت سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - أبي القاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، القرشية الهاشمية أم الحَسَنَيْنِ - رضي الله عنها وأرضاها - بعد وفاة أبيها بستة أشهر في ليلة الثلاثاء لثلاث خَلَونَ من رمضان سنة إحدى عشرة، فدُفِنت ليلاً كما أوصَت، بعد أن صلَّى عليها علي بن أبي طالب، ونزَل في قبرها زوجُها علي، والعباس، والفضل بن العباس - رضي الله عنهم أجمعين - قال ابن الأثير في أسد الغابة: هذا أصحُّ ما قيل، وقال الذهبي في السِّيَر: وعاشت أربعًا أو خمسًا وعشرين سنة، وأكثر ما قيل: إنها عاشَت تسعًا وعشرين سنة، والأول أصحُّ.


[1] البخاري برقْم (4433, 4434), ومسلم برقم (2450), واللفظ لمسلم.
[2] البخاري برقْم (4433, 4434), ومسلم (2450).
[3] صحيح مسلم، (1688).
[4] رواه البخاري (2753)، ومسلم (206).
[5] فتح الباري (7/ 373).
[6] رواه أبو داود في السنن.
[7] رواه الحاكم.
[8] تكلَّم الذهبي في السِّيَر على صحة هذا الحديث، وإن كان قد حسَّنه الترمذي، ورواه الحاكم وصحَّحه.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/47792/#ixzz2EwvYpNzW


التراث الطبي في الحضارات: المصرية واليونانية والإسلامية...

 قد تتساءل كيف يضم سطرًا واحدًا ثلاث حضارات كان لها تاريخها المجيد مع "الطب"، غير أن الحضارة الأولى هي التي لها حق الريادة والعماد...