الأحد، 26 أكتوبر 2014

د. رانيا يحي.. حين يعزف القلم..

 




     دون أن أدري تسللتني على مهل، وفي شيءٍ من الاستسلام القدري سلمت لها وجداني طواعيةً، هل لكونها في طول أصغر بناتي التي ألمح في جنبات عينيها نفس إصرارها وجديتها؟ هل لكونها وهيئتها وآلتها "الفلوت" الذي تحمله كسلاح تحاول أن تشهره في وجه من يشوشون ويشغبون علينا صفو حضارتنا، وصفاء أحلامنا، ومخاض الأمل فينا؟ هل لأنها من أمهر عازفي الفلوت في مصر والوطن العربي وحسب؟

    لا.. لم يكن وحده أو كل ما ذكرت هو السر في حصاري بهذا الطغيان الهاديء حينًا والهادر أحايين أخرى، ولكن لكون "الدكتورة رانيا يحي" حالة مصرية فريدة لا تقيسها بمعيار الأنوثة والرجولة؛ فهي كلٌ في كل يمتزج فيها العلم بالفن، واحترام الذات بالوطنية الصميمة، والوعي بالحاضر مع استحضار الماضي بعراقته، والمنهجية المعرفية بتبسيط العلم، والتواضع في اعتزاز، والصرامة الحانية.

   لم أتشرف بسماع عزفها، ولكنني أُخِذتُ بالإنصات لصرير ومنتوج قلمها المبدع، ثم أبحرت فتوغلت في عالمها، فإذا هيَّ سواحل عدة تطل من مشارفها على أنهار وبحار وبحيرات متنوعة العمق والاتساع، فإذا ظننت أنك علمت عنها التأريخ الموسيقي وحده، باغتك سيفها البتار في النقد، وإذا استنمت لفكرة أنها محصورة في النقد الموسيقي فقط، أيقظتك براعتها في التناول النقدي في السينما والمسلسلات والبرامج، وإذا بدا لك من سمتها الرقة التي تطل من حنوها على آلتها، أظهرت لك الثورة والتمرد والعصيان حين تنتفض في نقدها السياسي لبعض برامج التوك شو بل وتلك السياسات والممارسات الخاطئة داخل الأوبرا والحقل الثقافي، حتى وإن جرت عليها الخصومات والثارات والزوابع.

     يدهشك ذلك التنوع الثقافي الخلاق، والمتأطر بالمنهج العلمي المدروس؛ فلا قفزات بهلوانية، ولا دس للأنف بفهلوية ابتغاء الشهرة أو طمعًا في المال أو سعيًا لمنصب، هيَّ شخصية متصالحة مع نفسها، منسجمة مع مبادئها في اتساق غير صارخ، لاتفرض نفسها على العيون بالفتون ولكن بالفنون، فنون القول السديد، وفنون العزف الرصين الرشيد، تدور كالنحلة بين أرجاء العالمين الغربي والعربي تنقل الحدث وترصده وتنقده وتفنده وتحلله، إن اتصل الفن بالطب وجدتها، وإن اتصل الفن بالدين ألقت بنفسها في أتون التحليل والتحريم غير هيابة ولا وجلة، وإن اتصل الأمر بالدولة ومؤسساتها أبحرت بقاربها في معركة غير مدعوةٍ لها، وإن اتصل الأمر بدينها السمح الحنيف ورأت من يشوهه أو يحاول بسوء تصرفاته الحمقاء، نزلت إلى الساحات ودافعت جماعات الإرهاب ليقلعوا ويعودوا عن غيهم، ولا تخش أن تكون في مهب الريح وحدها.

     إنها الدكتورة رانيا يحيى الطالبة المثالية على أكاديمية الفنون، والحاصلة على بكالوريوس الكونسرفتوار بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف عام 1998، وفي نفس العام حصلت على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1998، وفي عام 2000م حصلت على دبلوم الدراسات العليا من الكونسرفتوار بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، ورغم فرحتها بالحصول على ماجستير الفنون من الكونسرفتوار بتقدير ممتاز عام2006 إلا أن هذا العام كان بالنسبة لها بمثابة عام الحزن؛ إذ لبى أحب الناس إلى قلبها والدها اللواء يحي سعد نداء به، فلعقت أحزانها بعد زمنٍ غير قصير لتشد الرحال صوب الشوط الأخير من مشوارها العلمي، فحصلت على الدكتوراه في فلسفة الفنون من المعهد العالى للنقد الفنى عام 2011 بتقدير مرتبة الشرف الأولى، لتنال العديد من الجوائز من المجلس الأعلى للثقافة والتي هي عضو به، كما مثلت مصر في العديد من المهرجانات الدولية بالخارج.

    أصدرتْ كتابين مهمين، هما:"غذاء الروح"، وثانيهما:"موسيقى أفلام يوسف شاهين"، ولعل من تابع المؤلفات التي حاولت تقريب فن وعلم الموسيقى إلى أذهاننا نحن العامة من غير المتخصصين، مثل: كتاب "الموسيقا للجميع" للموسيقار عزيز الشوان، وكتاب "تعالى معي إلى الكونسير" للأديب يحي حقي، وكتاب "مع الموسيقى" للدكتور فؤاد زكريا"،وكتاب "الموسيقى السيمفونية" للدكتور حسين فوزي، أو تابع برامج الدكتور يوسف شوقي بالبرنامج العام، والدكتور حسين فوزي بالبرنامج الثاني، سيشعر ويقر بأن كتاب "غذاء الروح" يأتي درة مهمة في هذا العقد الرائع ويستكمل مسيرة السابقين؛ إذ حاولت الدكتورة رانيا تقريب الموسيقى الكلاسيكية للمتذوق العربى عامةً والمصري خاصةً وذلك بتبسيط المفاهيم الموسيقية وتقديم تعريفات بعائلات الآلات فى الأوركسترا، ثم عرضت لأهم الصيغ الموسيقية وشرح لأهم العصور الموسيقية الهامة فى تاريخ الموسيقى العالمية منذ عصر النهضة وحتى القرن العشرين مع إلقاء الضوء على أهم المؤلفين الموسيقيين في كل عصر.

      وقدمت الدكتورة رانيا من خلال كتابها الثاني: :موسيقى أفلام يوسف شاهين" عرضًا تاريخيًا شائقًا لمشوار يوسف شاهين الفني مع استعراض جماليات الصورة السينمائية والعلاقة بين الموسيقي والصورة داخل الفيلم السينمائي، ولم تكتفِ بهذا بل تناولت موسيقي الأفلام منذ نشأة السينما في العالم بالإضافة لجزء آخر للسينما المصرية. مع عرض تحليلي لجماليات أهم "15 فيلم" تغطي مساحة زمنية قاربت النصف قرن من رحلة يوسف شاهين والتي تعاون خلالها مع مؤلفين موسيقيين كبار لهم دور بارز في مجال موسيقي الأفلام أبرزهم الموسيقار عمر خيرت والراحل علي إسماعيل والملحن جمال سلامة والملحن إبراهيم حجاج وفؤاد الظاهري.

     لعل البوليفونية تحكمت في جانب من حياة الدكتورة رانيا العلمية حين درست الحقوق إلى جانب الموسيقى، وذلك لأنها عاشت هذا التعدد الصحي في بيئتها بين والد وجد من رجال الشرطة حيث التعليمات الصارمة، وأم تنتمي لمملكة الشعر الحالمة، فشكل هذا في شخصيتها توازنًا بين الجمال والواجب، والدفاع عن الحق مع من كان وضد من كان، مما أكسبتها دراستها القانونية الالتزام والحيدة والعدالة، وأكسبتها الموسيقى التزام النظام والدقة، بينما طعَّمت دراستها الحقوقية دراستها النقدية بالتريث والحزم في اطلاق الأحكام النقدية دون أن تخشى في الحق لومة لائم.

     ولم يغادر التناسق والهارموني ساحة حياتها العملية والإجتماعية، فوازنت بين التحصيل العلمي، والإلتزام العملي في تأدية وظيفتها، والقيام بهمة وجد بأعباء حياتها وبيتها كزوجة وأم تمثل هذا في تنشئة ابنها وابنتها على تلك القواعد والأسس التي تربت عليها، خاصةً وأن نموذج بيتها وأسرتها يعتبر امتدادًا، ونموذجًا محاكيًا لتلك البيئة التي عاشتها من قبل مع والديها؛ إذ هي تنتمي لعالم الفن، بينما ينتمي زوجها لجهاز الشرطة. 

      لن تخطيء عين قارئ مقالات الدكتورة رانيا رشاقة عناوينها، وإيجازها أو إسهابها، مع تحميل العنوان بكل ما يريد القارئ معرفته عن فحوى الموضوع قبل قراءته، كما سيلاحظ خفة دمها، وسخريتها المصرية، مثل:"فؤاد الظاهري مبدع بألف وجه"، "الزوجة الثانية يحلق بموسيقى الظاهري وواقعية أبو سيف"، "عطية شرارة: "شرارة" الكمان.. و"فارس" الألحان"، "عصا عباسي" تلملم شتات الشرق والغرب"،"من لعب عيال لفجاجة كبار"، وتبلغ أقصى السخرية في التقابل بين الكلمات في عنوان: "أقول لخرسا ليس الآن وقت الكلام"، وقد اعتمدت على اسم المذيعة رولا "خرسا" والخرس ضد الكلام بداهةً، والمعنى مثير كيف تأمر خرساء بالكف عن الكلام؟!

     تتخطى الدكتورة رانيا حدود المحلية لترعى الإبداعات العربية،حين تناولت السينما السعودية وفيلم "وجدة" كتابة وإخراج هيفاء المنصور، ثم تناولت السينما العمانية من خلال تقديم الدعم والمؤازرة لرئيس الجمعية العمانية للسينما ورئيس مهرجان مسقط السينمائي الدولي الدكتور خالد الزدجاني ضد من يحاولون النيل منه والانقضاض على هذا الصرح الهائل الناجح، ثم تابعت السينما المغربية من خلال تناولها للفيلم المغربي "يا خيل الله" لنبيل عيوش، كما تخطت المحلية والعربية للعالمية حين تناولت الأفلام الحائزة على الأوسكار عام 2014، وكانت قد تناولت من قبل أحد أفلام الدورة السادسة لبانوراما الفيلم الأوروبي 2012.

     أتاحت دراسة النقد الفني والأدبي للدكتورة رانيا يحي قراءة والفرجة على العمل الفني والحكم عليه من عدة مستويات قد لا تتاح لناقد غيرها؛ إذ قلما وجدنا اهتمامًا ينصب على تتر المسلسلات، أو اهتمامًا بنقد أو حتى تناول الموسيقا التصويرية ولعل من يتابع مقالتيها: "نظرة متأملة في تترات مسلسلات رمضان" و "في دراما رمضان تراجع دور الموسيقا" سيلاحظ هذا الاهتمام النقدي العلمي لا الإنطباعي، والذي أرى أنه سيكون حافزًا للشركات المنتجة في الأعوام المقبلة من التركيز على موسيقى وأغاني أعمالهم لظهور عين راصدة ستتابع وتنقد، كما تناولت الدكتورة رانيا بالنقد ودق أجراس الخطر في عدة مقالات نقدية هامة عدة أعمال فنية وبرامج، مثل:"من لعب عيال لفجاجة كبار"، "قلوب" يطيح بعادات وتقاليد الأسرة المصرية، "المسلسلات المدبلجة..ناقوس خطر".

    وتشكل تلك الثلاث مقالات الأخيرة، مع مقالات: "الدولة ومكارم الأخلاق" و"داعش.. لقد أسأتم للإسلام" و "هنيئًا شهيد شهادة الحق" ركنًا هامًا في البنيان الفكري والعقدي في شخصية الدكتورة رانيا يحي واحترامها لمبادئ الدين الإسلامي الذي تعتنقه وأنه من مرجعياتها الهامة برافديه القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكذلك توقيرها للديانيتين السماويتين اليهودية والمسيحية، وانحيازها التام للهوية المصرية والعربية وللخصوصية الثقافية لمجتمعها، ورفضها التام للسباحة في فلك العولمة التي تحاول بث أفكارها، وبذر جذورها في أرضنا، على حساب القيم التي رُبينا ونشأنا عليها.

    لا تعيش الدكتورة رانيا حبيسة نغماتها، أو متترسةً في البرج العاجي بمعزلٍ عن الناس وهموم الناس في بر مصر، بل هيَّ من تسعى طواعيةً وبدون دعوة في تسخير علمها وخبرتها، وطرح أفكارها وآرائها على صفحات الجرائد ليلتقطها أهل الحل والعقد وأصحاب القرار ويفعلونها لو أرادوا، فتطالب بعودة الفن إلى المدارس في مقالها "إيثار المعلم" وتناشد المسئولين الاهتمام بالطرق بديلاً عن الكوارث، في مقالها "حوادث الطرق"، وتطالب بعودة الحفلات الفنية في المناسبات الوطنية دون أن تتحمل القوات المسلحة أجور من يقدمونها، وذلك في مقال "رسالة للمشير السيسي..الفنانون جنودك"، بل تؤكد في دعوة جادة توجهها إلى الهيئات والمؤسسات المعنية بالثقافة والفن لتوجيه الشارع المصري ليقف جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة والشرطة ضد الإرهاب، من خلال مقالها "في حاجة إلى الفن لمواجه التحديات السياسية"، وقد قدمت مقالتها الجميلة على صفحات مجلة الهلال"سبع نغمات ساحرات تحدد مصير الجنين"، وليس نوعه، فالنوع بيد الله تعالى، والمصير هو ما يصنعه الوالدين والأم خاصة.

    وحين يقترب الفلوت من شفتيها لتنفخ فيها من روحها، تنساب النغمات بشرقيتها تارة وبغربيتها تارة، فتنقلنا من عالم الجسد إلى عالم الروح، وتنتشلنا من الارتكاس في المادية البغيضة إلى السمو بأفكارنا وأحلامنا في فضاءات وسماوات التمثل بالطير، والفراشات الهائمة، والأنسام المسافرة، والأغصان الميادة، والاقتراب من خلوات الزهاد، ومنشدي الأبيات، واللهج بالتسبيحات، والانكفاء على الذات تارة، ومحو الذات تارة، وانعتاق الأسرار والأفكار من الصدور إلى السطور بحبور...وكسر قضبان الأحزان، نحو نشدان الفرحة الضالة في فيافي النفس.. فأي سحرٍ فيكِ هذا الذي تطلقينه فينا يا "بنت يحي" تارة ًبالقلم ..وتاراتٍ بالنغم؟! 

السبت، 25 أكتوبر 2014

قراءة في مجموعة "طقوس للعودة" للكاتب السيد إبراهيم أحمد. بقلم: الدكتورة ديانا رحيل

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون



قراءة في مجموعة "طقوس للعودة" للكاتب السيد إبراهيم أحمد

 بقلم:الدكتورة ديانا رحيل



في كثير من الأحيان ترتبط الخطى الأولى، والبدايات الممهدة في ميدان الإبداع ببعض التلعثم والقفز في الهواء، أو كثرة الفجوات التي تتخلل البناء المنجز في المرحلة المبكرة، لكن الكاتب المصري
في مجموعته القصصية الأولى حاول تجاوز العثرات المرتبطة بالبدايات، عبر ما نلحظه من محاولة التماس الضروب الأقرب للوضوح أكثر من البحث عن متاهات القول. وبالرغم من بساطة لغته، إلا
أن نصوصه تنطوي على مكون قصصي نابض، تتدفق فيه انسيابيا عواطف وأحاسيس وتأملات ما زالت تحتفظ ببكارة السؤال فيها.

يتأسس النص السردي القصصي من تركيبة معقدة ينصهر في بوتقها الوجدان واللغة والواقع والآمال والآلام، لتشكل نسيجا من الرموز المتآلفة والمنفتحة على فضاءات واسعة، والمبدع جزء من المجتمع
الذي يعيش فيه، فإن العناصر الأدبية والاجتماعية هي التي تحدد النتاج الإبداعي للمؤلف.

وفي مجموعة (طقوس للعودة) للكاتب المصري السيد ابراهيم، يظهر ان حلم الرجوع الى البيت الأول هو الهاجس الأكبر عند الانسان، وهنا انزاح فعل العودة عن معناه العام، اي مجرد من مجرد رغبة في
الرجوع الى فعل مقاومة وتحد، عودة إلى الأصيل من عاداتنا وتقاليدنا.

فالرجوع أو العودة في المجموعة القصصية ليست عودة إلى بلد بل الى الأصل من البلد، الى الخير، والأخلاق. والعودة هنا هاجس إذ تتخطى حدودها اللغوية الى الاصرار على التواصل والرجوع الى الجذور.
تعد مجموعة طقوس للعودة ذات بعد اجتماعي، فضلا عن الجرأة التي تناول الكاتب جملة من القضايا والهموم الحياتية. فمجموعته تضم خمس عشرة قصة، هي؛ عندما تكلمت المرأة، لجظة دفء، صداقة، عم
جابر أفندي، الجبل، الاقتحام الخاطئ، سلطان عرش الدخان، عندما تكلمت المرأة، القطار، طقوس للعودة، رجل وامرأة وموظف، لحظة انسحاب، رغم أنفه، وزر الأخرى. تعالج مواضيع انسانية وعلاقات اجتماعية،
فالبطل لديه مكافح يبحث عن حياة شريفة نقية، خالية من التعقيد ومتاهات العصر وبهرجة الحضارة. يعتمد الكاتب على البوح عن أحاسيس ومشاعر أبطاله، ربما كانت نقطة تحول في حياة هؤلاء الأشخاص.

اقترب كثيرا من هموم الإنسان العربي ومعاناته ذكرًا كان أم أنثى، وهو في هذا الاقتراب ضاقت دائرته أم اتسعت يحاول تلمس العقبات والعثرات التي تعترض طريق هذا العربي الطامح لبناء غدا أفضل.
الالتزام والواقعية الاجتماعية بنيت عليها المجموعة، إذ تبنى الكاتب قيم الرؤية الواقعية في الأدب، وجاءت مجموعة متسمة بطابع زمانها، فكان أول ما ميزها أنها عكست واقع الحال، فكانت قصته محكومة بالغضب
وبالنبرة العالية الصاخبة الضاجة بالاعتراض الى درجة يحس معها القارئ أن ضربات قلبه تزداد، ودمه يعلو ويثور.

تبدو الفكرة هي الأساس في المجموعة، فقصصها تستمد قوتها من قضايا المجتمع، وهموم الناس، في عصر تماوجت فيه الأفكار وتصادقت، وتلاقحت فيه الآراء وتنافرت، فالنصوص تحاول الوقوف عند بعض القضايا،
وأهمها التربية والإصلاح الاجتماعي.

حاول بجرأة أن يعبر عن الجانب الاجتماعي للمرأة، وتجسيد حالتها ووضعها في ظل التقاليد والمفاهيم المسيطرة. فالمجموعة تعالج قضايا لها أهميتها في إعداد وتطوير المجتمع.

كان حضور حواء بارزا في المجموعة، إذ حضرت في تسع قصص بشكل فعلي، وكان حضورها ضمنيا في القصص الأخرى، بمعنى أنها وإن لم تحضر في السرد كشخصية إلا أنها حضرت كمضمون يحرك السرد،
ويسيطر عليه.

وهذا دليل أن السرد يمارس نوعا من النقد الاجتماعي الفكري لبعض الممارسات تجاه المرأة. وفي خضم ضواغط النسق الفحولي المهيمن القامع للأنوثة الطامح لتدجينها يحاول صوت المرأة استعادة شيئا من كبرياء الذات
المسلوبة المكبلة بأغلال العادات والتقاليد، لكن النتيجة دائما سلبية محمّلة بدلالات التأكيد لنتيجة الصراع النسقي باتجاه تكثيف عتمة الواقع ومرارته المتكئة إلى ثقافة اجتماعية تبيح نظرتها المتدنية إلى الأنوثة وتغييب كينونتها
ومصادرتها في مقابل اعلاء صرح الحضارة الذكورية.

ورسم أيضا صورة للمرأة الخانعة المضطهدة من قبل المجتمع، التي تتمسك بالرجل وتحتمي به مهما كان ضعيفا، وتتخذه حاميا في وجه مجتمع الذكورة الظالم، وساعد تصوير الكاتب للمرأة في المجموعة إلى فضح الإحساس
المتنامي بضمور الأنثى فكريا، وعكس صورة شاذة لطبيعة العلاقة المهزوزة التي تربطها بالرجل، الذي أدى إلى حتمية سقوطها معه، فالسقوط للمجتمع الذي يدّعي المثالية.

حاول التعبير عن المفارقات ما بين المستويات المرغوبة والظروف الواقعية، وهذه المفارقات تمثل اضطرابا وتعطيلا لسير الأمور بطريقة مرغوبة. وتتصل المشكلات الاجتماعية بالمسائل ذات الصفة الجمعية التي تشمل عددًا
من أفراد المجتمع بحيث تحول دون قيامهم بأدوارهم الاجتماعية.

طرق الكاتب مواضيع اجتماعية متعددة كالزواج المبكر وزواج القاصرات، فوجود هذه الظاهرة بشكل أو بآخر يتطلب إعادة التربية، وتغيير الأفكار السائدة، وفارق السن والعقلية والمستوى الثقافي والاجتماعي، كل ذلك بمثابة
قنابل موقوتة، قد تنفجر في كل لحظة مخلفة ضحايا: أرامل وأطفال. فالكاتب يحاول استنهاض الهمم من أجل تغيير النظرة الاجتماعية، في سبيل تربية فاعلة واعية، الهدف منها إعداد الفتاة لعشرة التآلف والتعاون والتساكن، لا عشرة
الخضوع والإذلال.

ربط الكاتب الأحداث بشكل موضوعي، وكان ميله واضحًا لترك بعض الأحداث ليستشف القاريء نتيجتها دون التوقف عندها. والنص ثري ومفعم بالقضايا الاجتماعية والقيم والكثير من التفاصيل الحياتية. وامتازت لغة التعبير
بالخيال الواسع، عبر تصويره للواقع والبيئة، بأسلوب قصصي متميز دون اللجوء الى الغرابة والتعقيد.

عبر الكاتب في أربع عشرة قصة عن الواقع الاجتماعي، وعبر في قصة واحدة هي "لحظة انسحاب" عن الجانب السياسي، دون انفصال بينهما، بل أثبت أن الواقع السياسي أصبح ضالعا في ثقافة الحياة اليومية، ولم يعد مقصورا
على النخبة من المثقفين والسياسيين، لقد صار الشارع سياسيًا بامتياز، والناس أصبحت تدرك الموضوع السياسي أينما كان، سواء على صفحة الجريدة أو على قناة تلفزيونية أو على شبكة الانترنت، مادام الخطاب متواصلا مع وعي
الناس ومعبرًا عن همومهم السياسية التي تمس حياتهم اليومية.

يبقى أن الكاتب قد نجح في الإعلان عن نفسه كقاص يسعى لهذه الغاية بهدوء وإدراك تام لمشروع التأليف والكتابة، وقد وظف مخزونه واستدعى جملا تراثية معروفة وزج بها في نصه.

الأحد، 19 أكتوبر 2014

منمنمات التائية في قصيدة: آثار جانبية لحب الورد.. لـ يحي السيد

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون








  حين تقرأ تلك القصيدة التي تأرجح فيها اللفظ بين الفصحى والعامية التي أصابتها نشوى الذكر، فتاهت مع شاعرها الذي حين تسمعه كأنما يترنم بتهويمات، يكاد لا يخرج سامعها من مثل تلك الحالة من اللذة التي لا يدري  كنهها أو منبعها، وإذا أمسك ذات مرة بتلابيبها، عجز عن وصفها، لا لغيره فقط بل لنفسه أيضًا، لكنه عن رغبة منه، ودون إرادة منه، لم يسعه التوقف، وآثر المضي، وهو أيضًا لا يدري لمَّ آثر المضي، وكان عليه أن يتخذ قرار الاكتفاء من هذا الانتشاء اللامفهوم، ولكنه استعذبه فأعجبه فطلب المزيد، وطاب له المزيد، فقد ذاق وعرف، وغرق واغترف..
   هذه الحالة التي وقف عندها الشاعر الشاب يحي السيد حين دلفت روحه إلى عالم التصوف، وربما جذبته التائية الكبرى للشاعر الكبير عمر بن الفارض فهام في أجوائها، وقبس من اصطلاحاتها، وطفق يرسم لوحته التشكيلية التي تنبيء بأن حرقة الوجد قد لامست يده لا كبده بالكاد، ولكنه من سناها نثر ذلك العشق المدلهم، وبذر أرض القصيدة بكل أزهار القوم على سرها الموقوف عليهم، ومثلما حار ويحار القوم في فك طلاسمها، تركنا يحي السيد نحار في فك طلاسمه، وبدأ أبياته بوصف حالة من الحسية الغزلية التي برع فيها أسلافه من الشعراء المتصوفة، وكنى عن معشوقته بضمير الغائب، وباللفظ المباغت شفا العين، وللعين أهداب، وللفم الشفتين، ولكنه بدأ مسافة القرب بأنه كان قاب قوسين أو أدنى، ولكنه استعصم من الوقوع في الهوى باليقظة من خارجه [لكنت هويت]، والهوى هنا من الهاوية أي الوقوع:
وكنتُ علي شَفَا عينها
ولولا أنّي مِسكت إديّــا من بره  
لكـنت هـويــت..
   لا تستطيع أن تبتعد عن دلالات الشاعر بالالتجاء إلى غيرها طبقًا للمنهج الدلالي، ولا ترى من صوره التي زجها في طريق القاريء بين الحسي والمثالي، والتي تزخر بأفعال الماضي والمضارع وكأنها كانت وكائنة في ذات الوقت، أي ما زالت تفعل فعلها أو أن القصيدة مازالت تكتب نفسها بيد الشاعر:
وانا اللي كنتَ سبت عينيا ف الملكوت
تلمّ الباقي من جِسمك
لحد النور ماخنِّي عميت..
  المألوف أن النور في ذاته يعين على كشف الأشياء والحقائق في العالم المادي، وهو الذي يغمرنا فيكشفنا ويكشف لمن أراد لهم ربهم الكشف، غير أن الشاعر خانته أنوار الملكوت حين أطمأن لها وترك عينيه ترعى في حماه ــ أي حمى الملكوت ــ فطغى على بصره حتى أعماه، ولكنه خلاه فحلاه، ثم جلاه حتى صار سلامًا وتشكل وردة، فصار محلاً لتلقي الأسرار العلوية الرحمانية: 
فكنت سلام
وكنت أقرب إلي ورده
بتشرب ريئك الشفاف
ندي معصور من الرّحمن.
ولولا إني ماكنتش ف الأثر وحدي،
فكان فيا.. 
   ولا أدري أقصد الشاعر اتحاده بالأثر جريًا على العادة في محاكاة أشياخه في الحلول والاتحاد أم أنها على سبيل التوهم والأنس، والغالب هكذا.
   في نقلة مباغتة كضربة موج عاتية، يبعدنا عن جو القصيدة لينقلنا إلى مفتتحٍ كأنه قصيدة أخرى، بل ونظن أنه أخذته الشفقة بقارئه فكاد يفك له مغاليق الأسرار، لنكاشف أنه ليست إلا كمينًا من الشاعر، وليس هناك ثمة انفراجة، ولكنها حَنية صغيرة ستدلفنا إلى دهليز مغلق ينتهي بنفس اصطلاحات القوم من السكر، والوجد بالاتحاد، وضم المشاهد إلى بعضها حين يستطيع أن يحل بذات الجسد الواحد في عدة أماكن، في آنٍ واحد، حتى يسلِم قارئه إلى الحيرة من جديد وأنه ما زال أسيره، ووثاقه بيده، ولن يمنحه صك الحرية، حتى تفوز روحه أولاً بالانعتاق:
صبيه شقيه بضفيرتين
بتخرج من ضفايرها
فتبقي فَراشه صوفيه،     
وضحكه فارده فستانها ف قلب الكون
فضحكة ليه ؟!
وضحكة جوه جسمك ليه
وسابت دمي ليه  بارد ف بير زمزم
فكانت سرَ للنشوة
ونبته خضره ف ضلوعي بترقص ذكر ف الحضرة
فسكرت روحي في روحك،
 وفي صورة مشابهة من استدعاء أداة الشرط تلك التي استكثر منها ابن الفارض في أبيات متتالية في تائيته، يأتي بها الشاعر يحي السيد منفصلة ومفصلية عند نهاية المقاطع، وكأنما يصرح بمكابدته بين الإقدام والإحجام، فتأتي من أول القصيدة حتى نهايتها على هذه الوتيرة:
ولولا إني ماكنتش ف الأثر وحدي،
فكان فيا.. 
.........
وهذه التي تتكرر أكثر من مرة بأكثر من صورة:
ولولا اني ماكنتش ف الأثر وحدي
لكنت دخلت..
..........
ولو سألـــــوني انت هـويت
.........
  وتمضي بنا القصيدة في أجواء من الصوفية التي هام بها الشاعر يحي السيد ولملم الكثير من ثمارها، التي أعياه جمعها الطواف في بساتينها، وجاء بها  ليزين بها أبياته، بصنعة وحرفية، فلم يكن يسوقها اعتسافًا، أو محاكاةً بدون تعقل، بل كان ذلك منه على هدى وبصيرة، وإن كان أجمل الشعر ما غمض، إلا إني أناشده الرفق بنفسه وبقارئه؛ فجميلٌ أن يصنع أسلوبه، ولكن الجميل أيضًا أن لا يفقد قارئه.
   إن قصيدة واحدة لاتدل ــ في الغالب ــ على جودة ونبوغ الشاعر وأصالته، ولكن قصيدة من هذا النوع الثقيل التي يسمح نصها بقراءتها بأكثر من قراءة، وعلى أوجه متعددة من التلقي، لتنبيء بأن الشاعر يحي السيد صوت واعد وقادم بقوة، وله أسلوبه المتفرد الدال عليه، وأنه يمتلك أدواته، ولايتملكه الغرور، ونحن في انتظار مزيده وجديده:   
فهل أصلي من الممكن
يعدي في مسام الروح
ويخلق جبهتين واحد
يقيدوا قدس من بنور
يعانق لهفة العاشق
فيوجد شوق ولد ماسك
فطرف البرزخ الواسع ، وشفّ الروح
وريق مريم يوازي كعبة التايه
وضوء مسموح الى كلّ الجهات الست
صلاه واسعه بلا قبلة
لانه ثمّ وجهُ الله  
فولي وجهي لعينيها
لحد السكر .. سكر الجنه بي ريدي
فقصي طرف عين نسيت تبوح بالسرّ ف النجوي .
وقلبي براح وبي ظاهر وقلبك هوّ لي باطن
ف كان كلي دليل ليكي
وانتي بيكي بي برهان
وانا معمي الدليل عنك
وكلّي سر برهانك .
ف بي طمعك وما يسري الي دمي ،
فلمي الخوف
ما انا حنجرتي ناي مكشوف
تجلي لي,
وقاصر طرفي ما ملّي
تجليكي،                                                                     
وجسمي كفيف بيتعكّز على روحي
وروحي همزه لي روحك
فسيبي خطوتي للجرف
وايدي الخارجه عن جسمي
سيبيني أهوي الي الكلية في ذات "ك"
ولو سألـــــوني انت هـويت
هقول طعم السكوت أفضح..

المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/10/19/345227.html#ixzz3Gaud5iea

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

فاطمة المرسي شاعرة.."عاشِقُها" الوطن..

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون


        


 

     "المصرية" حالة لا يكتسبها المصري بالولادة من حيث التجنُّس بها، بل هيَّ حالة يكتسبها من أحب مصر من أبنائها ومن غير أبنائها، وما أكثرهم، كلهم يرتوون من نهرها الكبير وروافده الكثيرة بمذاقاتٍ مختلفة تتلمسها فيما يبدعونه عن معشوقتهم "مصر".
   من أولئك العشاق الذين تجد لمصريتهم خصوصية ومذاق مختلف، الشاعرة المصرية الجنسية والهوية والهوى "فاطمة المرسي" التي ارتويت من نهرها الزاخر عبر دواوينها الثلاثة: "مولد السيدة مصر" و"على ذمة التحرير" وآخرهم "رباعيات بالبلدي"، وحيثما ارتحلتُ من ديوان لأحل بالثاني لاتكاد تزايلني مصريتها..بل هيَّ كظلي تصاحبني رحلة مكابدة تلك العاشقة الوالهة المدلهة بحب ذلك العاشق/الوطن.
   سخرت الشاعرة كل طاقتها الشعرية حول الوطن، فطافت تلتقط من معانيه ومبانيه أحلى معانيها التي ضمَّنتها أبياتها التي مازالت تنثرها كأشعة الشمس حين تطارد أذناب الليل فوق رءوسنا وقلوبنا التي تسكن في زواياها بعض عتمة لومٍ على ذاك الوطن.
   نعم.."عاشقها" الوطن؛ إذ امتطى اسمه صهوة عناوين دواوينها، فبالإضافة إلى الدواوين التي اطلعت عليها كان هناك ديوانها الأول "انتباه يا مصر"، كما لم تنس أن تقدِّم ديوانيها بإهداءات أو كلمة عن الوطن، وأختار منها:
لأنك مصر .. في عيوني ضلامك فجر
لأنك مصر .. أوهب لك حياتي مهر
وأهدي لك دواويني
وأكتب كل أشعارك على قلبي
لأنك مصر.
  والوطن هو عاشقها الأول والأخير؛ فلا تجد بين ثنايا ما كتبت شعرًا تهفو فيه إلى حبيبٍ طوت الأيام ذكرياته التي خلت، أو ناءٍ عنها فتشتاقه، بل حين تستعيد ذكريات طفولتها البريئة يأتي "الوطن" الحبيب الأول لها الذي تتذكره في أسوأ حالاته "يوم ما نكسنا العلم":
إندفن قلبي الصغيَّر
واتولد عمري الكبير
وانكسارنا
يومها كان ماشي طابور
لمَّا نكسنا العلم.
   لا ينافسها في حب الوطن إلا حبها لأمها الراحلة ــ طيَّبَ اللهُ ثراها ــ التي تراها أيضًا قطعةٌ من الوطن.. بل  هيَّ أيضًا وطنٌ من الوطن؛ ففي مناجاتها "غناوي الورد" يختلط الأمر على القاريء، فيظن للوهلة الأولى أن من تناجيه الشاعرة وتقصده "مصر":
نهار أبيض ورا التاني
وعنواني براح قلبِك
ونيل يرويني من حضنك.
  وبحسها الأدبي تكتشف أنها موّهتْ على قارئها حين سيِّرتهُ في دروبها المعتادة، فنبهت بأسلوبٍ رفيق (مهداة إلى أمي الحبيبة).. وهيَّ بهذا تؤكد أن أمها ممزوجة/مجدولة بذاك الوطن.. حتى صار الوطن وأمها فيها كيان واحد هو "الوطن" عاشق بنت المرسي الأول.
    عندما تستعرض الشاعرة مشوار جيلها لا مشوارها فقط في "صور..فتافيت" لا تكاد تعلن عن حبيب معين أو مكان معلوم، أو ندَّت منها ندة شوق هائمة أو محرومة أو مشتاقة، فكل فتافيت أيامها، ولقطات صورها من ذكرياتها تمر عير أنبوب طويل في تجاويف عقلها وقلبها محفوظ في مغلف مدموغ بختم الوطن.
  نعم .. "الوطن" هو عاشق الشاعرة فاطمة المرسي، أو ليس من العشق أن لا تفارق صورة الحبيب وسيرته ذاكرة وقلب وعقل ووجدان من يحب التفكير فيه، والكلام عنه.. ولا أدّعي أنني أعرف طبيعة عمل الشاعرة الذي يقتضي منها السفر خارج البلاد، ولكنها حين سافرت إلى الأردن الشقيق ولندن وأمريكا كان في حقيبتها وذاكرتها وتحت جلدها "الوطن" فكتبت عنه قصائدها: (الربيع العربي ـ القط لابس توب جمل ـ أول طريق الحب خوف ـ فوضى ـ نهاية سراب ـ ما تكشريش ــ دوامة ـ يا قاهرة).
   ومع كثرة سفرياتها التي يحسدها عليها القوم ـ وأنا منهم ـ والتي مع مسئولياتها يشكلان عاملاً هامًا لنسيان الأهل لا الوطن، تبادر الشاعرة لتُبكَّتَ روحها وتلوم نفسها حين تصورت أن هناك من سيلومها على تفريطها في وطنها، وهذه القصيدة التي تدافع فيها عن نفسها، وتدفع تلك التهمة عنها التي ربما صنعتها هواجسها، كانت من إبداعاتها في أمريكا!..ومن ذا الذي سيتذكر مصر وهو في أمريكا...؟!
خايفة أقول الصراحة
الناس تقولي عيب
وبسرعة قلبك مال
ومِلتي للراحة
ونسيتي هم الوطن
وإن انتي فلاحة.
   أسقط الراحل الكبير عمنا بيرم التونسي عبر رائعته " هتجن ياريت يا أخوانا.. مرحتش لندن ولا باريس) من حبه على مصر جام غضبه بمقارنة أحوالنا وأحوالها السيئة وعاداتنا الذميمة بما رآى من عكسها تمامًا هناك في الخارج، ودافِعه في هذا حبه لوطنه، تقف الشاعرة فاطمة المرسي على العكس تمامًا؛ إذ لم تمتلك تلك الروح الناقدة المقارِنة بين ما تعرفه عن وطنها وبين ما رأته هناك، وكيف تقارن وهيَّ لم تنبهر أبدًا بكل تلك العواصم المتقدمة التي زارتها حتى تجعلها معيارًا لتقارن به أو عليه وطنها؟!.. إنَّها لم تنبهر إلا ببلدٍ وحيدٍ هو عاصمة قلبها الكبرى "مصر":
بَلا روما بَلا موسكو بَلاها جنيف
بَلا تمثال لحرية وشعلة زيف
أقارن مين وأوصف إيه
وإنتي الأولى والتانية
وإنتي ف قلبي محتلة
لكل مراكز التصنيف.
  تقف قصيدتها "لأنك مصر" من أمتع القصائد التي يحس قارئها رائحة مصر: أكلاتها وشوارعها، وأنفاس ناسها، فقد رسمتها الشاعرة بفنية وحرفية، وعشق للهوية، وتجسيد للإنتماء، بكل البساطة وبلا ادعاء:
أعيش مشتاقة طول عمري لأحضانك
وأرسم لوحة لجمالك وأوصافك
وأكتب كل أشعارك على قلبي
لأنك مصر.
   يبلغ العشق مداه حين يجاوز الواقع بمألوفه، وينقلنا إلى آفاق لم تَدُر أصلاً بخلدنا، وهذا ربما ما حدث حين نصَّبت الشاعرة فاطمة المرسي من مصر (سَيِّدة) كسيدات آل البيت الأطهار اللواتي يوقرهنَّ كل المصريين على اختلاف مشاربهم، فصارت مصر سيدة لها المقام الأعلى، لكن الشاعرة تعلم أن المقامات لا يسكنها إلا الأموات، فتستدرك: " علوا مقامك في الميدان من غير ضريح".
 نبدأ الشاعرة ديوانها " رباعيات بالبلدي" بتعريف طريف لفن الرباعية، فتقول:
مربع أو رباعية وتربيعة
ثلاث شطرات وشطورة على البيعة.
تلتقط الشاعرة بمصريتها تيمة سائدة لا يمل اللسان المصري ترديدها:(اللي بنى مصر)، فتنسج على تلك الجملة الخبرية التي ينقصها الفاعل عدة مربعات تبدأها بـ : (اللي بني مصر) ثم (اللي سرق مصر) وبعدها ( اللي هدم مصر) و (اللي حرق مصر) وتنهيها بــ (اللي هجر مصر)، وتقدم من عندها تعريفات جيدة لكل من يندرج تحت كل وصف من هذه الأوصاف تنم عن مدى ارتباطها الوثيق بذلك الوطن.
   ولعل المتتبع لأشعار الشاعرة فاطمة المرسي سيلمس بالإضافة إلى وطنيتها، ومصريتها، الكثير من طيبتها، وأصالة معدنها، وحنينها المغموس بالشجن، وخفة دم الريفية وبنت البلد، والولع بالتفصيلات شأن النساء، والسخرية المصرية المتجذرة في الريف والحارة والشارع.
    وحين ينتهي القاريء من تلك السياحة الماتعة بين قصائد دواوينها يكون قد مشى في دروب مصر وأزقتها، وميادينها، وتاريخها القديم والمعاصر، وعنفوان ثورتيها الأخيرتيْن، وحرقة المصري حين يغترب عنها، وشوقه في الرجوع إليها بالرغم من الرفاهية التي يعيش فيها خارجها، وسيسمع الألفاظ المصرية المستخرجة من بطون قواميسها القديمة والحديثة.
    وحيث أن دواوين الشاعرة فاطمة المرسي مرصودة وموقوفة على حب هذا الوطن الساكن فيها، فكل المشاعر التي تحملها أبياتها تدور بين الحنين إليه، وحبها الجامح له، وبين خوفها وقلقها عليه، أي أنها لن تنقلنا إلى مناطق أخرى خارج هذا النطاق بحيث تصبح مصر هيَّ حبها المجنون:
خلينا نقولها بصوت عالي
لعيونك ببلاش الغالي
بنحبك طبعًا بنحبك
حب المجنون.
إنها مصر الوطن التي تعاتبها الشاعرة عتاب ملؤه المحبة، وإن بدت فيه متألمة، لكن السبب الظاهر عتاب، وباطنه حب جارف:
ياواثقة من حبي أوووي
وانا بيكي موجوعة
خبر ايه يا بنت الإيه
يا مجنونة
يا حضن بارد ساعات
ودافي كتير.. وحنونة
ليه بتسبيني أغيب
وانا بيكي مسكونة.
عاشت الشاعرة القديرة فاطمة المرسي حتى توحدت بهذا الوطن، فتجاوزت كل أناتها وهمومها الذاتية، وأحلامها المشروعة، وأمنياتها المأمولة، لتمدها بوشائج من القرب الدائم رغم تلك الهوة الجغرافية من البعد عنه، لتكون أوجاعها هي ما يوجع الوطن، حتى أنها تختزل كل سعادتها حين يسعد الوطن.
  تحب الشاعرة هذا الوطن حب الفريسة السعيدة المنتشية بوقوعها في براثن شباكه دون مطاردة منه بل بتسليمها المطلق الإرادي له، والممعن في القدرية والحتمية والرضا:
وأنا وطني صيَّادي
رسمالي وحصادي
وعرفت أنا دربي
مشياه على عِنيَّه.

المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/10/17/345025.html#ixzz3GQOhwl11



السبت، 13 سبتمبر 2014

بين السياسة والشعر حوار مع الشاعر محمد عبد القوي حسن | دنيا الرأي

بين السياسة والشعر حوار مع الشاعر محمد عبد القوي حسن

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون






تعرفت على الشاعر الكبير محمد عبد القوي حسن المصري الجنسية والهوية، الجنوبي المولد والإقامة منذ سنوات مضت فكان بحق مثال للإخوة الصادقة دون مآرب أوشعارات، خلقه الله تعالى وكل جيناته وطبيعته هي خدمة الناس من يعرف ومن لم يعرف، مهذب خلوق، جاد في شكله وهيئته وفي عمله، ولكنه ضحوك بسام خفيف الدم، ولمزيد من المعلومات لمن لم يعرفه، هو مقرر شعر العامية بإتحاد الكتاب المصري،ورئيس ومؤسس جمعية مبدعي مصر للنشر، صدر له عشرة دواوين آخرهم ديوان"الكلام الزين" الذي لم يصدر بعد، عمل محررًا صحفيًا ومراسلاً، واستهوته السياسة فغرق في بحورها، وها هو يحاول غزو البرلمان عبر موقعة قادمة يتنبأ أهل السياسة بأنها ستكون أعنف معركة انتخابية لأهم دورة برلمانية تشهدها الحياة النيابية في تاريخ مصر: 
ــ ما الذي جذبك للسياسة؟
.... بطبيعة الحال لاتنفصل السياسة عن الأدب ولا الأدب عن السياسة وكذلك الأمر كل مواطن يجب أن يكون معنيًا بالسياسة بقدر اهتماماتي الأدبيه إلا إنني من خلال انتشاري كشاعر وصحفي أكسبني عملي التعرف على المسؤلين وأنا مازلت أعيش فىي قريتي برغم كل ما أقدمه من أنشطة مختلفة في العاصمة أو في محافظات مصر المختلفة حيث أعيش في بنى عامر بالعدوه بالمنيا بجنوب مصر، وطبعًا أنت مطالب أن لاتنعزل عن المجتمع الذي تعيش فيه بكل مافيه من آلام وطموحات أو نستطيع القول أن تكويني الشخصى جعلني منذ الصغر مهمومًا بمشكلات المجتمع الذىي أعيش فيه وأيضًا من خلال رئاستي لنادي الأدب بمركز العدوه تعرفتُ على معظم شباب قرى مركز العدوه، فأقمنا الأمسيات والندوات داخل مراكز الشباب بالقرى، فتصادفك مشكلة لأحد الشباب فتقوم بحلها وهكذا تتوالى الخدمات وفجأة تجدهم يطالبونك بترشيح نفسك للبرلمان.
في هذا الوقت تحديدًا من عام 2000، وكنت أدير العملية الإنتخابية لنائب صديق ــ رحمة الله عليه ــ دون دراية مني بذلك، فهو يطلب مني النزول إلى القرى لأقابل الشباب والتربيط معهم لانتخابه وفجأة وجدت الشباب يدفعونني دفعًا في احدى قرى المركز، دار حوارًا مطولاً مع مجموعة من الشباب: لماذا لاتترشح أنت للبرلمان؟!
كان الشباب يعانون الأمرين من عدم مقدرتهم التواصل مع نواب الشعب، وبصراحة.. اختمرت الفكرة وراقت لي، وأردتُ أن أكسر الحاجز بين الشباب العادي وبين المناصب الرفيعة؛ فمعظم الشباب كانوا يتخيلون أن مثل هذه المناصب قد اقتصرت فقط على أصحاب الأبراج العاجية والسيارات المرسيدس وخلاف ذلك من الأشياء التي كانت تخلق شيء من الرهبة بين الشباب وبين عضوية مجلس الشعب. وقد كان وقمت بترشيح نفسى في نفس الدورة التي كنت أدير الانتخابات لصديقي الذي رحل، وكانت مكافأته لي أنه أقام ضدي دعوى قضائية (سب وقذف) عقب انتهاء الانتخابات وطبعًا حصلت على البراءة فيها، وهناك أشياء كثيرة أخرى سبقت الترشيح مثل المشاركة في معظم المؤتمرات الشعبية التي كانت تقام بمركز العدوه والمنيا والعاصمة الكبرى ،كذلك إدارتي ومشاركتي في العمل الخدمىة من خلال المحليات والجمعيات الأهلية ومراكز الشباب. 

ــ هل سيتوارى الشعر بعد نجاحك في الانتخابات القادمة إن شاء الله؟
... الشعر مستمر مادام هناك نبض. 
ــ لماذا انضممت إلى حزب الشعب الجمهوري؟
... انضممتُ لحزب الشعب الجمهوري لاقتناعي الشديد ببرنامجه وبالشخصيات الهامة المؤسِسة للحزب، وأدعو كل الشباب الواعي للانضام إلى حزب الشعب الجمهوري؛ لأنه يتبنى الوسطية الفكرية وبرنامجه يتماشى مع كل متطلبات المجتمع، ويرأسه مهندس شاب هو المهندس حازم عمر وهو رجل مفكر وله رؤية واعية للأحداث ومتمكن فكريًا، وهناك العديد من الشخصيات الهامة في مصر قادرة بإذن الله على تغيير ملامح المشهد السياسي بكل قوة. 
ــ هل أنت مع الرأي القائل بتأجيل الإنتخابات أم مع من ينادون بإجرائها في موعدها؟
... أنا مع اجراء الانتخابات فى موعدها لأن تاجيله يتعارض مع مابنيناه من أسس وقوانين ولوائح وأعتقد أن تأجيل الانتخابات المستفيد الأول منه هم الإخوان المسلمين، ويفقد مصداقية المسؤلين عن مصر في هذا التوقيت الحرج. 
ــ انسحاب الحزب من التحالف هل له أسباب أخرى غير معلنة؟
...نعم، الأسباب التي أدت إلى انسحاب حزب الشعب الجمهوري واضحة ومعلنة للجميع، وهو أن القائمين على التحالف يتشدقون بالديمقراطية وهم بعيدين عنها كل البعد، وبدا التحالف يأخذ شكل الجمعية الاستهلاكية في مضامين ولا تنسيق رؤى ولا التزامات أيدلوجية موحدة، فلا تحس أنه تحالف يتمتع بالانسجام بقدر ما إنه يخدم مجموعه أشخاص تريد أن تهيمن على التحالف، وأصبحت تضم أحزاب تحصيل حاصل: من هذه الأحزاب من ليس له تواجد على الساحة، ومن الأحزاب الأخرى من يتعارض فكريًا مع الأسس الفكرية والمباديء التي تم تشكيل التحالف على أساسها. فمن هذا المنطلق وكل المنطلقات يبتعد حزب الشعب الجمهوري عن كل هذه التكتلات الهلامية، والحمد لله الحزب الوحيد في مصر الذي لديه مقرات في جميع المحافظات، وأيضًا لديه مقرات بالمراكز ولديه وحدات قاعدية بالقرى ويعمل بشكل جيد ويتغلغل في الساحة وكل يوم ينضم إلينا أعضاء جدد، ولدينا قناعه ثابتة أن لانحاول اقناع أحد بحزبنا دون أن يكون لديه قناعة شخصية ثابتة وراسخة بحزبنا وأفكاره وبرنامجه الطموح.
ــ هل مازال المواطن المصري يختار الشخص الذي يعرفه لا البرنامج الذي يمثله؟
... هذا السؤال هام جدًا، الشعب المصري ينقسم إلى عدة أقسام في هذا الخصوص؛ فهناك فئة من الشعب وأعتقد أنها فئة ليست كبيرة دائما ماتسأل عن البرنامج، وفئة أخرى تنتخب أشخاص وفئة أخرى سلبية جدًا تجري خلف المال، ولكن المشهد أعتقد أنه أصبح مبشرًا؛ فهناك بعض المواطنين أول شيء يسألون عنه برنامج الحزب.
لكن أعتقد أننى في مركز العدوه اعتمد اعتمادًا كبيرًا على شعبيتي في المقام الأول ومعارفي، بالإضافة إلى بعض مابنيناه من وحدات قاعدية للحزب وهذه الفئة ستشكل نسبةً تقدر بـ 30% من الأصوات التي ستساندني في الانتخابات القادمة، لكن أعتقد في الدورة القادمة سيكون لهذه الفئة نسبة الـ100% ؛ لأننا سننشر الوعي الفكري بين الجماهير وهذا مهم جدًا.
ــ هل الشاعر محمد عبد القوي مكسبًا للحزب أم الحزب مكسبًا له؟
... المكاسب متقاربة في النسب نقدر نقول احنا الاثنين مكملين لبعض، وأنا فرحان بالحزب طبعًا، ومطلوب مني أن أُسخِّر كل قدراتي لمنفعة المجتمع لأنه هو المستفيد الأول والأخير وماجُعِلَت الأحزاب إلا لخدمة المواطن، والحزب مكسب لي ولكل المواطنين.
ــ كيف تشرح لأهالي دائرتك أنك فردي من خلال حزب الشعب؟
... مع تقسيم الدوائر والمحافظات ومع المستجدات التى طرأت على المشهد كان يجب أن يكون هناك تغييرات جوهرية في الشكل والمضامين، وكوني فردي على قائمة الحزب يعني أنا مرشح الحزب ولكن خارج القائمة، وطبعًا كلكم تعلمون أن السبب الرئيسي لحل برلمان الإخوان أنهم كانوا يرشحون أسماء في القائمة، وهناك أسماء أخرى كانت فردي ولكنها كانت تنتمى للإخوان، وهذا متعارض مع برلمان الإخوان.
وتم حل البرلمان.. قانونيًا فى هذه الانتخابات المرشح لايصح أن يدخل الانتخابات مستقلاً ثم بعد دخوله البرلمان ينضم لحزب من الأحزاب، ولا يصح له أن يدخل باسم حزب ثم بعد دخوله البرلمان ينسحب منه. فمن البداية سأوضح للجميع أنكم ستنتخبوني فردي ولكن انتمائي سيكون للحزب تحت قبة البرلمان. 
ــ حصلت على أقل من 4000 صوت فى الانتخابات البرلمانية عام 2000، فهل ترى فرصتك في الانتخابات القادمة أحسن؟
... طبعًا فرصتي في الانتخابات القادمة ستتضاعف أضعاف الأصوات السابقة لعدة أسباب منها: إنني حصلت على هذه الأصوات في ظل هيمنة الحزب الوطني على الساحة، وأيضًا التزوير الفادح..هذه واحدة، الثانية: أن الأسماء الكبيرة التي كانت تسيطر وتهيمن على المشهد قد ابتعدت عن الساحة منهم لمن كبر سنه، ومنهم من رحل ــ رحمهم الله جميعًا ــ والثالثة: إنني متواجدًا طول الوقت بين الجماهير ولا انعزل عنهم ولا أجد صعوبة في الوصول إليهم، وإننى اعمل أيضًا موجهها فى التربية والتعليم بجانب عملي في الصحافة مما يكسبني قوة كبيرة على أرض الواقع.
فهناك حشد جماهيرى كبيير يساندني من الشباب والمعلمين والمثقفين والفقراء المطحونين الذين يرون صورتهم في شخصي، لأنني من العاديين من هذا الشعب لا أنا ابن باشا ولا ابن بيه ولا أنا نازل للناس ببرشوت، فهناك ألفة ورحمة بيني وبين غالبية أهالي دائرتي الذين جربوا من قبل وكانت تجاربهم مريرة والحمد لله. كنت جلست فى بيتي أفضل من التعب لو لم أرى بعيني وأحس بصدق عزم المواطنين على شخصي والأيام القادمة كفيلة على صدق كلامي. 

ــ جميل أن يكون لك برنامج انتخابي بالرغم من أن للحزب برنامجه، فهل هناك توافق بين البرنامجين؟ ولو تعارض برنامجك في بعض النقاط أو تعارضت سياستك مع سياسة الحزب، هل تستقيل منه؟
... برنامجى الانتخابى لايتعارض مع برنامج الحزب لإنني أنتمى لنفس المدرسة للفكرية للعقلية التي وضعت برنامج الحزب فلا يوجد تعارض لا فى وقتنا الحالي ولا مستقبلاً. 
ــ هل ستتأثر علاقتك بالاتحاد بعد بدء علاقتك بالبرلمان؟
...عضويتي لإتحاد كتاب مصر لاتتاثر أبدًا بوجودي بالبرلمان، وإن شاء الله سأعمل على نهضة الاتحاد أيضًا بقدر المستطاع. 
ــ بعد جلوسك تحت قبة البرلمان، ألم تفكر في تقديم مشاريع حول الثقافة المصرية من خلال مؤسساتها: وزارة الثقافة، هيئة قصور الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة؟
... سيكون شغلي الشاغل في المقام الأول أبناء دائرتي وسأجعل من مركز العدوه مركزًا هامًا على الخريطة في مصر، وسأعوض أبناء مركز العدوه كل ما فقدوه من ذى قبل على يد من كان شغلهم الشاغل مصالحهم الشخصية، سيكون اهتمامى لمركز العدوه 90% للمركز وأبناء المركز والعشرة فى المائة ستكون للثقافة ــ حتى لا أكذب عليك ــ الآن أبحث عن رغيف خبز نظيف للمواطن بالعدوه.
أبحث لهم عن مستشفى مركزي حديث يستوعب الحالات المستعصية لإننا نعانى الأمريْن في مثل هذه الحالات.. أبحث عن رسم خريطة راقية لكردون المركز والقرى .. سأقوم بتغطية الترع التي تمر من داخل القرى وتجلب الأمراض لأبناء مركز العدوه بقراه ونجوعه .. سيكون للطفل مكانة كبيرة فى أولوياتي، فصحة الطفل في العدوه في خطر.. أطفالنا محرومين من الرعاية .. سأهتم بالمدارس وأحوالها، وسأعمل على سد العجز في هيئات التدريس المختلفة، وسأعمل على تثبيت العاملين بعقود (فليس من المعقول أن نجد فئةكبيرة تعمل بمبلغ خمسون جنيهًا شهريًا)، سأقوم بتثبيت هؤلاء .. المواصلات في مركز العدوه التي تربطنا بالعاصمة الكبرى غير موجودة وأيضًا بالمحافظة، سأقوم بعمل ربط بين العاصمة (القاهرة) وبين المركز مباشرة، لأننا نعتمد على مركز مغاغة في كل شيء .. فهل تصدق أن مركز العدوه لايوجد به أفرع للبنوك!! .. فقط بنك التنمية والائتمان الزراعى.. سأطالب بكل قوة أن يكون هناك أفرع للبنوك بمركز العدوه حتى أرحم المواطنين من اللجوء لمركز مغاغة والسفر له من أجل مثل هذه الأمور ..
طبعًا الطريق الجديد الذي يربط مركز العدوه بالصحراوي الغربي، سأحاول بالتنسيق مع الأهالي والمسؤلين أن اجعله طريقًا استراتيجيًا هامًا لأبناء المركز للاستفادة منه واقامة المشاريع عليه بالإضافة إنني سأطالب بإنشاء مدينة العدوه الجديدة فى الصحراء الغربية، وهذه هديتي لأبناء مركز العدوه لحل مشكلة الإسكان أولا، ثم لتشجيع زراعة الصحراء، ولإنشاء المصانع وأيضا ستكون هناك وسيلة مواصلات محترمة تربط بين العدوه الجديدة والعدوه القديمة.
وأنا لاأقدم أحلام هنا بقدر ما إنني لديَّ الأفكار التي ستترجم كل ذلك على الواقع، لأنني من الآن سأبدأ بتشكيل لجان شعبية من مختلف الاتجاهات، بكل قرية لجنة تشاركني في كل شيء وتعمل معي ضمن فريق عمل متكامل، وسيكون هؤلاء الشباب هم نواب عن أهاليهم وقراهم ويكون لنا اجتماعات دورية.. وطبعًا البرنامج حافل بالعديد من الخدمات بجانب ما ذكرته من خدمات ضرورية وهامة. 
ــ وفي نفس السياق ما المقترحات التي تقدمها حول إتحاد كتاب مصر لتزيل معوقات تقدمه؟
... إتحاد الكتاب يعمل بشكل جيد ورائع وأنت تتابع الأنشطة المختلفة، والإتحاد بدأ بالفعل يحل مشكلات كثيرة للأدباء ويفتح لهم الآفاق الرحبة للعمل، والإتحاد الآن في أبهى عصوره والقادم أحلى، وطبعًا لا أخفى عليك سرًا.. أن الخطوة الأخيرة التي تخص التبرع لقناة السويس الجديدة بخمسة ملايين جنيه كانت خطوة رائعة أُحيِّ الإتحاد عليها.
والإتحاد مفتوح لكل الموهوبين والأدباء والمفكرين، وكل يوم يقدم الجديد، وطبعًا سأشارك إن شاء الله بالنفع للإتحاد، وأبارك كل الخطوات الجادة، ونحاول تسخير كل العقبات التي من شأنها رفع قيمة المعاشات، وأن يتعامل عضو الإتحاد بالسكة الحديد معاملة نقابة الصحفيين، وأيضا نزول الإتحاد إلى الشارع والمجتمعات وجذب المواطنين إليه، ستكون كل هذه الاشياء ضمن أولوياتى، ومن أهم تلك الأولويات (مطبعة) للإتحاد، وإذا كبر الحلم (قناة تلفزيونية للإتحاد). 
ــ هاجمت الدكتور صابر عرب وطالبت باستقالته، فهل عالجت وزارة الدكتور عصفور سلبيات عرب؟ أم الأمر تعلق بشخص الوزير السابق ليس إلا؟
... وزارة الثقافة تزداد من سوء الى سوء.. وجابر عصفور وفاروق حسني وصابر عرب كلها وجوه متشابهة ومملة للغاية ولا تقدم جديدًا، وأطالب بوزير ثقافة واعٍ متفهم جريء ينهض بالثقافة، والحقيقة هناك أناس يجلسون على مكاتب بوزارة الثقافه هيَّ أكبر منهم بكثير.. فمازالت المحسوبية والشللية تتحكم في كل شيء.
ولا يوجد شيء يبشر بالخير في وزارة الثقافة غير وجود بعض الوجوه الجميلة في هيئة الكتاب أمثال: الدكتور هيثم الحاج على، والدكتور شريف الجيار، وطبعًا أبارك وجود الصديق مسعود شومان لرئاسة الهيئة، وأحلم له وبه بهيئة جميلة أن تخلص من بعض الشوائب والشخصيات المملة التب لا تريد أن تطور من نفسها وماعدا ذلك فعلى الثقافة وجابر عصفور السلام. 
ــ هل ستصدر مجلة شعر العامية عن شعبة العامية بالإتحاد بالفعل أم أن هناك معوقات تحول دون ذلك؟ 
...مجلة العامية ستصدر.. ونعد الآن لإصدارها، وسنتخطى كل العقبات، وهناك تفهم من مجلس الإدارة للدور الذي تقوم به الشعبة ولا أحد يتدخل في شغلنا أبدًا.
ــ بصفتك مقرر لشعبة العامية بالاتحاد هل أنت راضٍ عن أداء الشعبة بصفة خاصة والاتحاد بصفة عامة؟
...راضٍ كل الرضى عن الشعبة إلى حدٍ ما، وإن كنت أريد أن أقدم الكثير والجديد دومًا لكن على الأقل الشعبة ساهمت في تحريك الرواكد داخل إتحاد الكتاب، ودومًا نحن أهل لتحريك الرواكد مهما كان للكلمة من مسئولية، وهناك شيء من الرضا عن الإتحاد بنسبه 80% والكمال لوجه الله وحده.
ــ ما سر انحيازك لديوانك "كلام زين" وماذا عن دواوينك الأخرى؟ 
... ديوان (الكلام الزين) مازال أسيرًا داخل أدراج إدارة النشر بهيئة الكتاب، وقام المثقف الواعي الدكتور هيثم الحاج بالبحث عنه ولم يجد النسخ الورقية، وقام بطباعة السي دي على الورق، وبحث عن التقرير الخاص بلجنة الفحص وأيضًا تم فقده، والديوان مُجاز وكل أعمالي والحمد لله مُجازة، والديوان سيرى النور قريبًا، واتضح أن أحمد مجاهد لم يقف في طريق إصداره حيث أكد للجميع بذلك وانتظر حسن النوايا. ..أما مايجعلني أنحاز لديوان الكلام الزين لأنه أشبه بالولد المحاصر خلف الأسوار لا أنا قادر أن أراه ولا أعرف متى يفكون عنه الحصار. 
ــ يرى أكثر أصحاب دور النشر أن الشعر بأنواعه تراجع لصالح القصة القصيرة، والرواية، فهل تتفق معهم؟
...أنا ضد أن نسمي العصور بالأجناس الأدبية المختلفهةكما يطلق البعض: عصر الرواية..عصر الشعر.. فهذا الحكم غير صحيح، ولكن كل عمل جيد يفرض نفسه على الساحة يستحق التقدير، وهناك حركة شعرية في شعر العامية واضحة، ولا أريد أن أطلق على هذا العصر أنه "عصر الشعر" وربما هناك بعض الإجتهادات في القصة القصيرة، والقصة الومضة.. ولكن قلما تستمر مثل هذه الظواهر ويبقى الإبداع بمختلف اتجاهاته .. فهل نحن شعب يقدر الإبداع والمبدعين؟
ــ رغم تعدد علاقاتك بأهل الفن لم يتغنَ أحدهم بشعرك. فما تفسير ذلك؟
... بخصوص أعمالي التي لايتم تلحينها برغم تعدد علاقاتي، فأعتقد أنني المنتصر للإبداع في عدم السعي بجدية لذلك؛ لإننى أرى أن الغث هو المتسيد على الساحة الآن فالأفضل لك أن تبتعد وتحترم إبداعك.
ــ لماذا تعددت المستويات اللفظية داخل قصائدك بين السهولة والصعوبة؟ هل هيَّ مواءمة بين المدينة والقرية داخلك؟ 
... أنا أقدم نصًا مختلفًا تمامًا، ولا أتعمد الخلط بين المفردات المختلفة فى إبداعي، بقدر حرصي على الإضافة، أريد أن أقدم نصًا غير مستهلكًا وليس القضية قضية صعوبة أو غموض بقدر أنني أبحث عن النضج الفني، فهناك أعمال كثيرة ركيكة وحصل أصحابها على جوائز الدولة، لكني أبحث عن صدق التجربة وعن نضج وتوهج الصورة، وأعتقد أنني لم أقدم ما أحلم به لقصيدة العامية التي تحتفظ بعذريتها دومًا وتكون بكرًا على مدار العصور. 
ــ هل أنت راضٍ عن نفسك كمبدع فيما قدمت؟ 
... أنا غير راضٍ تمامًا عن ماقدمته. 
ــ لو استعرضت حياتك الثقافية، وكذا حياتك السياسية، ما الذي ندمت على ما فعلته فيهما، وندمت على ما لم تفعله؟
...طول عمري ماندمت على عمل أنا الذي عملته بنفسي سواء في السياسة أو الأدب.
ــ لأنك من مواليد برج القوس، ألا تمل من تكرار المحاولة؟ ألا تخاف من عدم التوفيق ــ لاقدر الله ــ فيما أنت مقدم عليه.."عن الانتخابات أتحدث"؟ 
... برغم إنني كنت أكتب "فلكي الزهور" في مجلة عبير الزهور التي كانت تصدر عن رابطة الزجالين وكتاب الاغاني، فلا أخفيك سرًا أنني لا أؤمن بالأبراج نهائيًا وليتهمني البعض حسب مايحلو لهم من اتهامات.. 
وأعتقد أن ماسيقسمه الله لي عاجلاً أم آجلاً أنا راضٍ عنه، وأنا والحمد لله دائمًا في حالة رضا مع نفسي، وأنام وأنا خالي البال، صافي الذهن، هاديء الطباع وقلبى لايحمل سوء لأحد في الكون بمختلف الأديان واللهجات؛ فالإنسان كرمه الله ونحن البشر كيف نهينه؟!
أحمد الله على أنه منحني قلبًا صافيًا أما كل هذه الأشياء فقد تأتي وتروح ويبقى الحب والسلام والتسامح والمودة، فأنا أحلم لكل العالم بالخير، وأحب أرى كل الناس في سرور وسعادة، وأتمنى أن أتحمل عن المجروحين جراحهم وعن المهمومين همومهم، وأتمنى أن أرى الناس كلها في سلام وود ومحبة وخير وازدهار، وأتمنى أن أرى في مصر نهضة تكنولوجية كبرى، وأن تخضر صحاريها، وأن تنتهى القناة الجديدة في موعدها، وأن يتم انتخاب البرلمان في موعده، وأن يصل حزب الشعب الجمهوري إلى القاعدة العريضة من المجتمع.
وأن يوفقك ربى أخي الفاضل لما يحب ويرضى.. وأشكرك كثيرًا على هذا الحوار الجميل والهادف.

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

السهل الجميل في شعر الدليل بقلم: السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي

السهل الجميل في شعر الدليل بقلم: السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي







      انجذب إلى الإبداع  ــ الشعر خاصةً ــ ثم انقطع عنه، وظن رغم دراسته للغة العربية وتخصصه فيها حتى صار معلمًا أن جذوة الإبداع قد خمدت أو أنه قد وأدها إلى الأبد، ولكن عن غير عمدٍ منه تفجرت براكين البيان في قلبه وعلى لسانه، فعدا القلم سريعًا يكر فوق الورق ليسجل ويسجل محاولاً استعادة تلك السنوات العجاف التي ضاعت، فأصدر ديوانه الأول ثم أتبعه الثاني وسيلحقهما الثالث.

     إنه الشاعر المصري "محمد الدليل" الذي صدر له "حلم شاعر" و "همسات الدليل"، وحيث أن رؤية الشاعر لا تنفصل عن شعره أو عن جغرافية إبداعه التي تتسق مع جغرافيته، جاء شعر الدليل منسابًا سهلاً، لا يكاد يندرج تحت مدرسة بعينها، أو متأثرًا بشاعرٍ ما، ليس لأنه لا أساتذة له ولكن لأن كل ما اختزنه خلال سنوات عمره من إبداع غيره خرج منه بتذوقه حتى صار متسقًا مع طرحه الشعري.

        قد يخطيء من  يمر على شعره مرورًا سريعًا فيتهمه بالتقريرية والتسطيح والمباشرة؛ إذ الأمر عكس ذلك تمامَا، فهناك تقف الفكرة/الرسالة التي يريد الدليل أن تصل إلى قارئه على خط مستقيم لا لبس فيها ولا غموض، ينبع ذلك من أن الرجل بتاريخه التعليمي والمهني يحتم عليه التيسير وتبسيط الفكرة، وتوضيح الغامض، وإزالة أسباب اللبس، ولهذا بان سهلاً لقارئه لا عن عجز التقعر والصعوبة ولكن عن طبيعة فيه.
   أحس "الدليل" بأن الواقع الذي تمر به البلاد يملي عليه أن يكثف جهوده من أجل أمته عبر قصائد وطنية كثيرة غطت مساحة كبيرة من ديوانيه، وكلما أحس أن القصيدة الواحدة لم تتسع لما يريد قوله سارع إلى كتابة غيرها ليحمّلها ما يريده.
  
    لا يعرف الدليل سوى الأمل يبثه عبر أبياته، ينفخه في صدور الطيبين من الشباب وغيرهم، يبذر الحماس حولهم ويمنيهم بأن الغد يحمل الجيد والجديد، وهو لا يمل عبر ديوانيه من ترديد تلك المنظومة، تتوازى معها وتتقاطع صرخاته ومطارداته لكل من غدروا ويغدرون بالوطن أولئك الذي يتوعدهم بأشد الوعيد: "واكتب على باب جنتك ..ممنوع دخول كل اللي خان".

   كما لايملك عندما تضيق به السبل والنفس من عون البشر لمصر، أن يتوجه عبر قصائد عديدة بالتوجه إلى الله تعالى بالدعاء ويحث المخلصين للوطن من أبنائه أن يشاركونه رفع أكف الضراعة للمولى بأن يكشف الغمة، وينقذ الوطن: "رب السما يقدر يحوش"، "بدعي للمولى يصونك..يا قمر كل البرايا"، "نرفع إيدينا للسما..ندعي لرب العالمين"، "لو بتحبوا بلدنا ادعولها.. ادعوا معايا وقولوا آمين".

  لايطرح الشاعر محمد الدليل عبر قصائده أسئلة كونية فلسفية ملغزة، فهو لايقصد تعجيز سامعيه لإبراز مكنوناته الثقافية، بل يطرح أسئلته التي تأتي متسقة مع طبيعته ومنهجه وما يهدف إليه، فهو يطالب الجميع بالمشاركة في التفكير، والبحث عن حل للخروج من الأزمة، أن "الدليل" هنا ليس "دوجماطيقيًا" ممن يشيعون أنهم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة، وما أكثرهم في أيامنا، ولا يدعي أنه حامل المفتاح السحري للحلول، فتأتي أسئلته في ديوانه "همسات الدليل" عبر رائعته "الحل إيه؟!"، وهيّ أول ما شدني لقراءته والكتابة عنه، بما تحويه من مسح واعي لواقعنا السياسي، والاجتماعي، والديني... ولقد نصحته بالعكوف عليها حتى تقوم ديوانًا بنفسها.

  ومع سهولة الطرح الشعري للشاعر الدليل، إلا أن الجمال لم يفارق شطرات قصائده، والإيقاع الشعري الهاديء المتناغم يصاحبها، والتراكيب اللغوية المقصودة تسكنها، ولغته الثالثة التي تبدو بوضوح حيث تقف في المرحلة الوسطى بين قاع العامية وأطراف الفصحى، بل استخدم  أحيانًا كلمات فصحى قحة، ولم يستعبده قلمه فساقه طمعًا وراء القافية، وهو ما حفظ أكثر قصائده من الترهل، كما أبدع في تأملاته عبر قصائده: "وجهة نظر"، و"ناس وناس"، و"مقسوم".

       وبقى في النهاية أن أناشد الدليل بالاكتفاء من الارتواء من نهر الوطن، وشق رافد جديد في الوجدانيات دون افتعال، والعكوف على التأملات لأنه يملك عين راصدة، وقلم واعٍ، ونهنيء الساحة الأدبية باسترداد صوت واعد طمرته الأيام فزادته اختمارًا، ثم سال مشتاقًا للبوح، فوجب عليه أن يرعى موهبته ولايبددها، حتى يواصل السير في ماراثون الإبداع إلى أن يعتلى سدة المجد والخلود وهو بالغها إن شاء الله تعالى.         

المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/09/09/341264.html#ixzz3CnNh7LWC

التراث الطبي في الحضارات: المصرية واليونانية والإسلامية...

 قد تتساءل كيف يضم سطرًا واحدًا ثلاث حضارات كان لها تاريخها المجيد مع "الطب"، غير أن الحضارة الأولى هي التي لها حق الريادة والعماد...