الجمعة، 7 أكتوبر 2016

حوار مع الأديب التونسي رضا سالم الصامت









مع انتصاف القرن العشرين جاء إلى الدنيا طفلًا صفاقسيًا من جنوب تونس، كبر قليلًا فالتحق بمدرسة قرآنية في المرحلة الابتدائية ثم أكمل مشواره الدراسي حتى الثانوية آداب ليغادر بلاده متجهًا إلى عاصمة النور باريس، وقد عمل مدرسًا للغة العربية عقب عودته من فرنسا في بدايات مشواره ، و لكن سرعان ما غادر التعليم ليلتحق بالإدارة  كإداري محنك إلى أن أحيل على المعاش منذ سنة 2012 .

من اسمه اتخذ شعارًا له في الحياة: "الرِّضا... رايتي، والسَّالم... غايتي، والصَّامت من الصمت... روعتي وحكمتي"

 إنه الأديب التونسي  رضا سالم الصامت، صامت لا يصدر ضجيجًا، ولكن محصوله الإبداعي  وفير، فرش بطول قامته ظلالًا وريفه فوق خريطة الإبداع، فكان نهمًا في امتداده واهتمامه؛ إذ عمل صحفيًا ومراسلًا، وكتب المقالات في شتى مناحي الفكر، وعكف على القصة الأدبية، ثم الرواية والمسرح، وأشبع نهم الأطفال بوفرة من القصص التي تحمل قيمًا ورؤى تأسيسية واجبة، ثم دلف إلى عالم السيناريو وأبدع فيه بعض الأعمال، ثم دخل عالم الترجمة، حيث ترجم العديد من الأعمال لشعراء من تونس ومن بعض البلدان العربية الأخرى و منهم الكاتب و الشاعر السعودي حسن الحارثي ، حيث ترجم له قصيدة شعرية  بعنوان " اقترب مني " إلى اللغة الصينية . 

لغزارة أعماله وتنوعها، سأكتفي بالإشارة إلى بعضها: مسرحية "صاحب القميص الأحمر"، ومسرحية للأطفال "الفراشة الصغيرة"، رواية "الصفعة " ورواية "الرجل الشبح"، وقصص كثيرة للأطفال، ومنها: القط لطيف والفأر خفيف، الديك المعاق التي ترجمت إلى اللغة الصينية، كما أن له العديد من الكتب التي تعكس تشعب اهتماماته، وعمق ثقافته، ومنها: "دراسة معمقة عن طبق (الشرمولة) الصفاقسية باعتباره من التراث الغذائي لأهالي مدينة صفاقس"، و كتاب عنوانه : " الطوابع البريدية في متناولك ".

حصل الصامت على الشهادة الأممية للسلام وفاز في المسابقة الدولية لعام السلام 1986، و تم تكريمه  في العاصمة الصينية بكين، نال العديد من شهادات التقدير، إلى جانب فوزه بأفضل مقال صحفي عام 2009، بالإضافة إلى فوز بعض أعماله وقصصه بالجائزة الأولى في أدب الناشئة وجوائز أخرى، وقد مثَّل بلاده في ملتقيات أدبية وثقافية في الخارج.

    انضم كاتبنا الصامت إلى نادي القصة، ورابطة اتحاد الكتاب التونسيين للوسط، وأسس ناديًا للصداقة مع إذاعة الصين الدولية ، وساهم في بعث فصل كونفوشيوس لتدريس اللغة الصينية، ويشغل حاليًا منصب المستشار الإعلامي لإذاعة الصفاقسية ، والمستشار الإعلامي والثقافي لاتحاد الكتاب والمثقفين العرب، ويسعدني أن أدير هذا الحوار معه : 

ــ على الرغم من غزارة وتنوع إبداعك كاتبنا، لكننا نلاحظ أن يد النقد مغلولة عنها، هل هذا يعكس تردي مكانة النقد في الوقت الحالي بعامة، أم عن إبداعكم بخاصة؟

 ... بداية اسمحوا لي بأن اشكر اهتمامكم بالكتاب والمبدعين العرب وأتمنى إن أوفق في الإجابة على كل أسئلة هذا الحوار. بالنسبة للسؤال فأنا أعتبره سؤالًا قيمًا وأتفق معكم في أن يد النقد مغلولة وهي فعلًا مغلولة لا فقط على أعمالي وقصصي، بل على كل أعمال الكتاب تقريبًا؛ فالنقد هو تقييم لأي عمل إبداعي كان، شريطة أن يكون نقدًا بناءً، يبني ولا يهدم، أما إذا كان نقًدا يعرقل ويصيب أي عمل أدبي ما بتشويه صورته، فأعتبره نقدًا هدامًا ولكي يحافظ هذا النقد على مكانته السليمة يجب أن يكون بَنَّاءً، لا هدامًا، أما في خصوص إبداعاتي الأدبية فقد تعرضت للنقد من طرف كبار النقاد، قد يكون ليس كلها ولكن البعض منها وهذا لا يقلقني، بل على العكس يفرحني ويفتح لي المجال لتحسين أعمالي الأدبية وتطويرها. ولا يمكن أن أحكم على أن النقد يمر بحالة تردي فهذا شأن النقاد وتخصصهم حسب اعتقادي.  كما يقال "عين النقد واسعة وعين الإعجاب ضيقة". 

ــ مقولاتكم منها ما يتسم بالعمق والطرافة ويلتصق بكم، ومنها ما هو مشترك وبديهي ولا يدل على من كتبه، فلما الإصرار عليه؟

 ... صحيح لدي مقولات تتسم بالعمق والطرافة، وهناك إصرار وقد تكون بديهية لأنها نابعة من صميم الواقع. أعتبرها مقولات مأخوذة من تجارب مرت أمامي مثال على ذلك مقولة: "الشجـاع من تحكم في أعصابــه"،  ومقولة: "الحياة كالمرآة يا أمي، إن لم تتزيني لها، فلن تبتسم لك"، ومقولة: "الجهل كالشمعة المنطفئة تجعل الإنسان يعيش أبد الدهر في الظلام".

هذه  مقولات نابعة من صميم واقع الحياة ... قد يكون البعض منها ما هو مشترك وبديهي وهذا طبيعي لأننا نعيش نفس التجارب في هذه الحياة التي تأتينا كل يوم بالجديد الجديد.

ــ هل يكون حاضرًا في ذهنك عمر الأطفال الذين تقدم له إبداعك، فقد لاحظت بعض الألفاظ الصعبة التي تتسلل إليها، وربما حالت دون فهم مقصودها؟

 ... عندما أمسك قلمي لأكتب قصة للأطفال أتقمص شخصية الطفل إن صح التعبير، وآخذ بعين الاعتبار سنه وأسبح في خياله وملكته وأشرع في الغوص في عالمه وأحلامه، فالطفل العربي بحاجة إلى قصص تتحدث عنه وعن مشاكله وعن بلده وعاداته وتقاليده ودينه فهي تثري معرفته وتحثه على التحلي بالأخلاق الحميدة ولذلك دائمًا ما تجد في قصص الأطفال التي أكتبها  موعظة أو حكمة أو نصيحة أو مَثَل. فالحبكة مطلوبة فهي أحداث القصة وأدب الطفل له قواعده الخاصة به والدليل أن لي قصص أطفال توجت كأفضل قصة أطفال مثل قصة:  "علاء والأرنب"  و "قصة  الغراب والصخر".  

في تونس لم يكن لدينا أدب خاص بالطفل،  حيث كان يقتصر على ما يسمى بالخرافة  وحكايات الجدة، ولكن بعد فترة الاستقلال بقليل برز بعض الكتاب المتخصصين في أدب الطفل أمثال: بوراوي عجينة والعبد الفقير وحفيظة قارة بيبان وغيرهم.  

ــ إنتاجكم الغزير في أدب الأطفال متناثر هنا وهناك، فلما لا تجمع تلك القصص في مجلد من الأعمال الكاملة؟

 ليس من السهل عليَّ جمع كل أعمالي القصصية في مجلد، رغم أني فكرت في هذا، ولكن لم أجد من يساعدني على تحقيق فكرتي،  فالموارد المادية قليلة والمطابع كلفتها باهظة والوزارة أو المندوبية الثقافية  بمدينتي لا  تقدم  الدعم  المطلوب إلا الجزء الذي لا يفي بالحاجة - فالعين بصيرة واليد قصيرة  كما يقال- لذلك اكتفيت بنشر بعضها على صفحات مجلات ثقافية وصحف ورقية وعلى مواقع الكترونية وبصفتي كاتب صحفي غالبًا ما أنشر قصصي على أعمدة الصحف والمجلات وعلى بعض المواقع الإلكترونية التي أتعامل معها مثل رابطة أدباء الشام وشبكة الحوار نت وجريدة الأولى التونسية.  

ــ في وقت يسود مفهوم حرمة سماع الموسيقى، توجهت بدعوتكم لتربية الأطفال تربية موسيقية، غير أنك توقفت عن تدعيمها فيما بعد، هل لعدم جدواها، أو مخافة الانتقاد؟

... لا هذا ولا ذاك تربية الأطفال لا فقط موسيقيًا، وإنما تربية شاملة ومتكاملة أساسية لصقل موهبة الطفل ورعايته فنيًا وتربويا. والموسيقى كالرسم تهذب ذوق الطفل وتزرع فيه حب الطبيعة والحياة ثم إن الموسيقى ثقافة وأدب. بالنسبة للانتقاد  فلا أخاف من ينقدني أو ينتقدني فان كان نقده أدبيًا فأهلًا وسهلًا وإن كان نقدا "انتقادًا" فيه تجريح وخروج عن آداب الحوار واللياقة فلا أهلًا ولا سهلًا ... والقافلة تسير والكلاب تنبح كما يقول المثل ولكل رأيه، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما يقال.  فعندما أنشر قصة للأطفال هناك من تعجبه ويتفاعل معها، وهناك من لا تعجبه وهذا من حقه، بحيث لا يمكن لأي كان أن يبلغ رضاء الناس فمن الصعب وخاصة في الحقل الأدبي إرضاء كل الناس وبالتالي كل الرغبات لا يمكن أن ترضيها ولكل منا قادح ومادح وهذه سنة الحياة في خلقه. فيكفيني فخرًا أنني قدمت ما عليَّ، وأن البعض من أعمالي وبكل تواضع صارت مرجعًا موثوقًا به يمكن الرجوع  إليه عند الحاجة.

ــ أسقطت على بعض قصصكم للأطفال الواقع السياسي المٌعاش، وهذا شيء جيد، لكنك لا تترك للعمل أن يتكفل بنفسه إلى النهاية، حتى تقتحمه بجملة وعظية، حتى لو كنت الراوي، لماذا؟

... هذا سؤال مهم جدًا،  هنا يأتي عنصر التشويق أترك  للقارئ الكريم أن يبحث ويبحر بخياله الواسع في عالمه كما قال كاتبنا المفكر الموسوعي الدكتور محمد حسن كامل  ليكتشف القارئ الصغير النهاية بنفسه وأقتحمه فعلا بجملة وعظية هي التي ستفتح له أبواب الولوج إلى نهاية أحداث القصة وفهمها والعيش بين سطور النص. 

ــ كونك معلمًا للغة العربية، وكاتبًا للأطفال تلاحظ ولا شك تدني المستوى اللغوي لهم، فلما لم تقدم عملًا أو كتابًا ييسرها لهم أو يشوقهم إليها؟  

... صحيح هناك تدني على المستوى اللغوي لبعض الشباب والأطفال والذين هم بحاجة إلى الرعاية وصقل موهبتهم، و لكن ليس بمقدوري في الوقت الحالي أن أقدم لهم أي عمل أو كتاب يصحح لهم هذا الوضع  المتدني على مستوى اللغة  وهذا يعود ربما  لأسباب مادية بحتة. لكن يبقى عنصر التشويق في قصصي موجودًا، فأسلوب التشويق بمعناه العام له دور حاسم في قراءة الطفل للقصة فان دور العنوان، هو دور أساسي يليه جاذبيةُ الأسطر الأولى.. إلى أن نصل إلى التشويق الأعمق النابع من داخل النص وتزداد أهمية هذا العنصر أكثر فأكثر في عصرنا الحاضر إذا أخذنا في الحسبان ما دخل إلى عالم الصغار من تأثير أجهزة الإعلام، وأنواع اللعب والتسلية الالكترونية وهو حسب اعتقادي كلها وسائل تجذبهم وقد تصرفهم عن القراءة ومطالعة الكتب القصصية.

ــ ألا ترى أن إطلاق وصف رواية على "الرجل الشبح" لا يتفق مع بنائها، والاقتصار على كونها قصة كان من الأفضل، أم ما نشر كان موجزًا لها؟ 

... في الواقع  وباختصار شديد "الرجل الشبح" في الأصل هي قصة وأنا معك في هذا الوصف لكن الناشر اعتبرها رواية وكان النص الذي نشر موجزًا لها وقد نشرت لي في جريدة الأيام الجزائرية "أقواس أدبية" وفي رابطة أدباء الشام بتاريخ 8 أيلول سبتمبر 2012 وكذلك في موقع "دنيا الوطن" ونالت إعجاب معظم القراء.  

ــ امتد اهتمامك السياسي خارج حدود تونس إلى بعض البلدان العربية وأكثرها سوريا واليمن، لكنك في المقابل لم تهتم ببعض القضايا السياسية المغاربية؟  

... اهتمامي كان دائمًا واضحًا بالوضع الخارجي وخاصة الوضع العربي الراهن (سوريا والعراق واليمن ولا ننسى فلسطين)، ولكن لا أتفق مع حضرتك في أني لم أتناول في كتاباتي الوضع المغاربي، بل على العكس فقد كتبت مرارًا وتكرارا العديد من المقالات التي تهتم بالوضع  السياسي والاجتماعي العربي والمغاربي أيضًا.

ــ على الرغم من نجاح ثورات الربيع العربي في بعض البلدان، إلا أنها جرت معها قمعًا لحرية الصحفي وترهيبه، بوصفكم صحفيًا في دولة رائدة للربيع العربي، هل يعاني الصحفي التونسي نفس المصير؟

 ... طبعًا الصحفي دائمًا مظلوم ولا ننسى أن مهنته هي مهنة المتاعب فكم من صحفي تعرض للضرب والسحل والإهانة والاختطاف وحتى القتل لأن ما شهدته  بعض البلدان العربية من تغيير بسبب ما يسمى بالربيع العربي لم يقع استثماره كما ينبغي فالكل يطالب ولا شيء يتحقق أو تحقق...لأن هذا الذي يسمونه ربيع استهدف أمتنا العربية  والإسلامية، حسب رأيي الشخصي، فما نشهده الآن في عديد المناطق من مآسي وحروب دامية في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا، تجعل من الصحفي الذي ينقل الخبر من موقع الحدث مستهدفا هو الآخر والصحفي التونسي كغيره يعاني من نفس الشئ.

   وشخصيًا كتبت عديد المقالات التي تدعو إلى حماية الصحفيين من هذه الممارسات العنيفة والمؤلمة، مثلما كتبت عن ضرورة تكريس حرية التعبير، خاصة ونحن نعيش "الديمقراطية" في القرن الحادي والعشرين.

ــ عبر عدة مقالات حاولت إزالة الوهم والخوف عن صعوبة تعلم اللغة الصينية فهل أفلحت في ذلك؟ 

... اللغة الصينية لغة جميلة وهي ليست صعبة كما يتصور البعض، ولكن معظم الشباب الذين يدرسونها يجدونها صعبة في البداية، ربما أقنعت البعض من دارسي هذه اللغة، ولكني لم أفلح لحد اللحظة، ولهذا السبب ساهمت في تأسيس فصل كونفوشيوس بمدينة صفاقس لتدريس هذه اللغة بالوسائل المتطورة وبطرق بيداغوجية تسهل عليهم تعلم  المقاطع الصينية. لأن اللغة الصينية لا أبجدية فيها كاللغة العربية أو الفرنسية  فهي لغة تحتوي على كلمات أو مقاطع. فالرمز الواحد عبارة عن كلمة مستقلة. ويكتب الرمز من اليسار لليمين، ومن أعلى لأسفل، وما يخالف ذلك يعتبر خطأ. ثم لا ننسى أن اللغة الصينية هي لغة تتميز بأربعة ألحان أساسية نميز بها معاني الكلمات:  النبرة الأولى مـد والنبرة الثانية مرتفعة والنبرة الثالثة انحناء وارتفاع والنبرة الرابعة والأخيرة هي نبرة  منخفضة.

 والحمد لله أفلحنا ولو نسبيًا وصار لنا شباب يحذق بطلاقة اللغة الصينية في تونس.

ــ  لماذا لا تنشر مقالات في الأوساط الصينية تدعو فيها إلى تعلم اللغة العربية بنفس الحماسة؟

... كتبت ولله الحمد عديد المقالات ونشرتها لدى الأوساط الصينية ففي صحيفة الشعب اليومية التي تصدر بكل اللغات بما فيها اللغة الصينية الأم واللغة العربية والانجليزية والفرنسية... الخ،  نشرت عدة مقالات تعرف بالثقافة العربية. ولغة الضاد في الصين لا خوف عليها فهي تدرس في كل الجامعات الصينية تقريبًا، وخاصة جامعة اللغات الأجنبية بالعاصمة الصينية بكين والبعض من الصينيين لهم رغبة قوية في تعلمها بحماسة وشغف  وإذا سنحت لك فرصة لزيارة الصين لا ولن تجد أي صعوبات في مجال اللغة، حيث يمكنك التحدث بالعربية  ويفهمونك. فالصين تعد مليار ونيف نسمة ولا ننسى أن في الصين 10 قوميات مسلمة أبرزهم قومية هوي وفيهم الكثير ممن يحذق ويتكلم اللغة العربية وبطلاقة  أيضًا.

ــ ترجمت العديد من الأعمال التي لم أقع إلا على أقلها، كما تُرجمت بعض أعمالك إلى الصينية والفرنسية، ألم يحن الوقت بعد لتعكف على ترجمتها جميعًا بنفسك؟

... نعم، بحكم تعاملي اللصيق بالصينيين تم ترجمة البعض من أعمالي القصصية خاصة  إلى اللغة الصينية من طرف المترجم والشاعر الصيني "شيه بينغ رو" الذي تغنى بجمال وسحر الطبيعة في تونس أيام عمله بوكالة شينخوا الصينية في تونس وهو صديق  زارني في بيتي في العديد من المناسبات.

 بالنسبة لقصصي، أذكر على سبيل المثال قصة "الديك المعاق" التي ترجمت إلى اللغة الصينية ولغات أخرى وفي البرنامج سوف أحاول ترجمة أعمال أخرى إن شاء الله بالتعاون مع السيد "شن باو بينغ" وهو أستاذ لغة صينية يعمل حاليًا بصفاقس التونسية. ثم ترجمة نص أدبي ليس بالأمر الهين، فهذا يحتاج إلى مجهود كبير وخبرة ودراية بفن الترجمة وقواعدها وأدواتها.

ــ بصفتكم رئيسًا لفرع صفاقس لجمعية الصداقة التونسية الصينية، ما هو المردود من هذه الصداقة على الأدبين، والبلدين؟

 ... هي جمعية عريقة ولها فرع في مدينة صفاقس، تربطنا علاقات صداقة حميمية وتعاون مثمر في شتى المجالات مع الصين ولدينا اتفاقيات تعاون في التبادل الثقافي الذي يشمل كل الأعمال الأدبية والفكرية  وساهمنا في عديد المرات في التعريف بالثقافة  التونسية والعربية من خلال تنظيم معارض وملتقيات فكرية  وأدبية ونظمنا أسابيع ثقافية سواء في تونس أو في بكين. يعني هناك تبادل أدبي وتعاون ودي بين مثقفي البلدين. وفي 25 سبتمبر 2016 كان لي لقاء مع مديرة المكتب الإعلامي لإذاعة الصين الدولية بالقاهرة  الأستاذة  "تشانغ لي"  بمدينة صفاقس في إطار تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 .

ــ لاهتمامكم العميق بالأدب الصيني القديم والحديث، وزيارتكم المتكررة للصين، ما مدى تأثر إبداعكم بهذا الأدب؟ ولماذا لم تترجم بعض الأعمال الصينية الحديثة إلى العربية؟

... الأدب الصيني، من أشهر وأعرق الآداب في العالم وبحكم زيارتي للصين في عديد المرات لم تغب عن ذاكرتي كلمات شاعر الصين "تيان هان" وهو يقول في مطلعها: (انهضوا يا من ترفضون ... أن تكونوا عبيدًا – من دمنا، من لحمنا– نبني لنا سورًا عظيمًا جديدًا وقرأت لأدباء أمثال: "لو شيون" و"ماو دون". ثم إن الصين مشهود لها عبر التاريخ بكونها صانعة للحضارة البشرية التي تستوعب كل الثقافات بما فيها الثقافة العربية، وعلى سبيل المثال الكاتب الكبير نجيب محفوظ  الحائز على جائزة نوبل في الأدب  في سنة 1988 لديه مؤلفات ترجمت له إلى الصينية حتى أصبحت جزءًا لا غنى عنه في الثقافة الصينية . كما ترجمت روايات ومجموعات قصصية ومختارات شعرية أو نثرية، ونال الكتّاب المصريون واللبنانيون حظًا أوفر في النقل إلى اللغة الصينية، حيث يأتي نجيب محفوظ في صدارة هؤلاء الكتّاب، إذ ترجمت له حوالي عشرين عملًا بما فيها ثلاثية  "بين القصرين وأولاد حارتنا"  ويليه إحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي وطه حسين وغيرهم وترجمت المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران، إضافة إلى ترجمات كثيرة لمختاراته نثرًا وشعرًا، كما ترجمت أعمال لميخائيل نعيمة وترجمت أيضًا أعمال متفرقة لأبي القاسم الشابي شاعر تونس الخالد. أتمنى أن يأتي يوم وتلقى أعمالي نفس الاهتمام وتترجم إلى اللغة الصينية، لكن هذا يبقى حلمًا يراودني قد يتحقق يومًا.

ــ مع اهتمامكم بالترجمة واتصالها بقضية تعريب العلوم والاكتفاء بتدريسها بالعربية فقط من بعض من ينادون بهذا ومعارضة غيرهم لهم في هذا الاتجاه. في أي الجانبين يختار الوقوف أديبنا؟ 

... الترجمة أعتبرها إضافة وأنا شخصًيا معها، لأنها وسيلة نقل للمعلومة ذاتها وبالتالي نقل لفكر الكاتب وثقافته وأسلوبه وهي تساهم في تقريب الثقافات، ومع ذلك تعريب العلوم وتدريسها بالعربية أعتقد أنه منهاج ضروري وأساسي، لأننا شعب لدينا هوية ولغة وثقافة وحضارة. وبالمناسبة أريد أن أغتنم الفرصة لأوجه تحية تقدير لسعادة سفير اتحاد الكتاب والمثقفين العرب بالولايات المتحدة الأستاذ محمود عباس مسعود الذي بصراحة يتعاون معي في ترجمة العديد من النصوص الأدبية لكتاب عرب وترجم لي أخيرًا مقولاتي إلى اللغة الانجليزية مشكورًا.

ــ ما موقع رضا سالم الصامت أديبًا على خريطة الإبداع التونسي؟ وما موقع الأدب التونسي على خريطة الإبداع العربي؟

 ... أنا لا أحكم على موقعي كأديب كيف يكون في خارطة الإبداع التونسي، بل أترك غيري يحكم وَيُقيِّمْ، أما بالنسبة لموقع الأدب التونسي على خارطة الإبداع العربي فأعتقد أنه موجود  وحالته الصحية ــ إن صح التعبيرــ بخير.  يكفي أن تونس أنجبت أدباء، مثل:  ابن خلدون ومقدمته الشهيرة، وشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي وإرادة الحياة،  ومحمود المسعدي صاحب رواية "السد"،  ومحمد العروسي المطوي وغيرهم  كثير.

ــ  تقدم الفن التونسي عبر وجوه شابة عدة في التمثيل والغناء عبر الميديا العربية، بينما تراجع دور الأدب التونسي على الساحة تقريبًا، فما تحليل كاتبنا في الاتفاق والاختلاف؟

... الفن هو فن وهو أيضًا ثقافة، صحيح لاحظنا لا فحسب وجوه شابة تونسية، بل وحتى عربية ظهرت سواء في الغناء أو التمثيل أو ما شابه ذلك ولا أسمح لنفسي أن أحكم على شيء جديد حل علينا مثل غناء "الراب"، المُغني أحيانًا في أغنية "الراب"  يقع في منطقة رمادية بين الكلام والشعر والنثر والغناء ولكن لهؤلاء الفنانين ولهذا الفن عشاق كُثُر. وللناس فيما يعشقون مذاهب.

    أما بالنسبة لدور الأدب التونسي هل تراجع على الساحة، فأعتقد أنه لم يتراجع بل دعني أقول تأثر كثيرًا من هذا الفن الجديد (فن العصر) بين ظفرين، وليس فقط الأدب التونسي هو من تأثر، بل وحتى الفن العربي والعالمي.

ــ مارست كتابة السيناريو، ولك فيه عدة أعمال، فهل تحولت كلها أو بعضها إلى أعمال درامية؟ 

... لا أنكر أنني كتبت السيناريو، ولكن لم تتحول إلى أعمال درامية لأن هنالك ربما عوائق وشروط  تمنع ذلك، ثم إن أهمية ذلك يأتي في الترويج للنص وللمبدع في نفس الوقت، خصوصًا مع ارتقاء وعي طاقم العمل الدرامي إلى مستوى النص الأدبي.

  لكن لدي مسرحية واحدة فقط، تحمل عنوان "الزيتونة"  عرضت على خشبة المسرح عدة مرات وأعجبت المشاهدين. ثم إن المسرح هو أداة تعبير للغير وإن بقاء المسرح وديمومته يعتمد على شبابنا في اكتشاف نفسه وذلك من خلال استيعابه لكل ما هو جديد من معدات وتقنيات ولغات ومن خلال المسرحيات التي تعرض على خشبته مما يسهم في حل عديد المشاكل الاجتماعية العالقة في كل مجتمعاتنا العربية ونشر لغة التسامح والتفاهم بين الناس كما يحمل الجمهور قضايا شعوبنا العربية بروح متفتحة, فالمسرح أحد فنون التعبير البارزة عبر التاريخ، وهو نموذج من نماذج الثقافة العالمية التي رصعت تاريخ الإنسانية وعبرت عن أفراحه وأتراحه وتناقضاته وطموحاته وتصوراته. كيف لا وهو مرآة الشعوب بما تحمله أفكارهم ونفوسهم وأمانيهم وأحلامهم ومشاكلهم وأفراحهم وحتى أحزانهم. وبالنسبة لأعمالي الروائية، فأنا أعتبرها حالة إبداعية لها صورتها وخصوصيتها، وليس بالضرورة نجاحها لا يكتمل إلا إذا ما تحول إلى أعمال درامي.

ــ وقفت إبداعاتكم عند حدود النشر الورقي والالكتروني والترجمة لبعضها، فلماذا لم نشهد تفعيلًا دراميًا لها على مستوى الإذاعة والتليفزيون؟

... أعتقد أن السؤال يتكرر بصياغة أخرى وجوابي واضح، صحيح أن لي أعمال نشرت لي ورقيًا والكترونيًا، ولكن قد تكون لم تصل إلى مستوى معين يجعلها تشهد تفعيلًا دراميًا على مستوى التلفزيون خاصة أما في الإذاعة فقد شاركت في عديد البرامج الثقافية والأدبية ومنها برنامج المقهى الثقافي وتحدثت عن أعمالي المتنوعة، وبحكم أني كاتب صحفي لدي سلسلة من المقالات الاجتماعية تنشر لي أسبوعيًا تحت عنوان "الفاهم يفهم" بجريدة الأولى التونسية ونفس الشئ في شهر رمضان من كل عام لدي أيضا سلسلة مقالات يومية تنشر لي تحت عنوان: "نسمات رمضانية" الخ... غالبًا ما تتحدث عنها وسائل الإعلام وخاصة المسموعة من إذاعات محلية وجهوية ماعدا التلفزيون, ولكن لنعلم أنه ليس بالضرورة ــ حسب اعتقادي ــ أن نجاح أي عمل أدبي مرتبط  بتحوله إلى عمل درامي.

ــ سافرت إلى فرنسا، وإلى الصين، وبعض البلدان العربية، ولكنك لم تقدم لنا انطباعاتك حول تلك الرحلات، فيما يسمى بأدب الرحلات، هل ستفعلها قريبًا أم الفكرة غير واردة، والسبب؟

... كتبت مقالات موجزة فقط عن رحلاتي التي قمت بها إلى فرنسا والصين وبعض البلدان الأخرى وتعرضت فيها عن انطباعاتي عن هذه البلدان وعادات الناس فيها، ولكن ربما قد  أفكر في أن انشر سلسلة مقالات عن هذه الرحلات التي هي راسخة في ذهني والحمد لله. 

ــ اتصلت بالكثير من الشخصيات العربية وغيرها، ولكنك حرمت المكتبة العربية مما يسمى بأدب المذكرات أو الذكريات عن الأحياء منهم ومن رحل، ترى ما الداعي لذلك أديبنا، مع ما لهذا النوع من الأدب أهمية ومكان؟

... المكتبة العربية تزخر بأدب الذكريات وفيهم من رحل كالأديب محمد العروسي المطوي  وشاعر تونس الصغير أولاد حمد "رحمه الله"،  وهو الذي قال في قصيدته:

نحبُّ البلادَ 
كما لا يحبُّ البلادَ أحدْ 
صباحًا مساءً 
وقبل الصّباحِ 
وبعد المساءِ 
ويوم الأحدْ

ولو قتّلونا 
كما قتّلونا 
ولو شرّدونا 
كما شرّدونا

لعُدنا غزاة لهذا البلدْ ....

فهذا النوع  من الأدب، أكيد له أهميته ويحتل مكانه بين رفوف المكتبات العربية وشخصيًا لديَّ أيضا مؤلف عنوانه "الطوابع البريدية في متناولك" وهو كتاب موجود بين رفوف المكتبة الوطنية التونسية للكتب صدر عن دار النشر للطباعة فسيفساء عام 1994 والذي يعتبر مرجعا ثقافيًا وتربويًا لمن يبحث عن تاريخ الطوابع البريدية في العالم وفي تونس وفي عديد البلدان وحتى الصين ويهم أيضا هواة جمع الطوابع وغيرهم.

ــ يعكف كثير من الكتاب في كتابة سيرتهم الذاتية لتكون شهادة منهم على فترة حياتية هامة في تاريخهم وتاريخ أمتهم، وليس في هذا نوع من الادعاء بحريتهم في سيرتهم، ولكنها حقٌ للأجيال القادمة، فهل نرى سيرتكم قريبًا أديبنا الكبير؟ 

... ككل كاتب له سيرة ذاتية تجدها في محرك البحث "غوغل" أو بالموسوعة الحرة العالمية ويكيبيديا، فهذين المؤسستين لا يعرفان  سوى الحياد والتدقيق في المعلومة وهذا يكفي لكي تعرف أكثر عن السير الذاتية لكتاب وأدباء كبار دخلوا التاريخ  الفكري والأدبي والعلمي من بابه الواسع، ويعدون من أهم الشخصيات سواء كانوا من الأحياء أو من الأموات. و مثلما ذكرت في سؤالك هذا حق للأجيال القادمة للتعرف عن هذا الكاتب أو ذاك. مثال على ذلك  الأديب طه حسين، نجيب محفوظ، لطفي المنفلوطي والقائمة تطول. أما بالنسبة لسيرتي أعتقد أن الوقت ما يزال مبكرًا ومثلما قال الدكتور والمفكر الموسوعي محمد حسن كامل في إحدى مقولاته: (إذا بلغت القمة، فاعلم أنك على أولى درجات الصعود. و نحن مازلنا نمشي الهوينا). 

   ختامًا، أريد أن أتوجه بالشكر لمحاوري "المشاكس" الأستاذ الناقد والشاعر المرموق السيد إبراهيم أحمد الذي وجه لي مشكورًا أسئلة أعتبرها جد قيمة، لأنها تدخل في إطار تخصصي الفكري والثقافي والأدبي إن صح التعبير، حيث وجدت نفسي أجيب على كل سؤال  بأريحية ورضاء تام، لأن  الرضا هو رايتي و السالم ...غايتي والصامت ... من الصمت حكمتي  والثقافة العربية الصينية هي أثري من الأثر وتأثري من التأثر، وقلت وما زلت أقول أن كل ما أكتبه سواء كان عربيًا أو فرنسيًا أو صينيًا "بيتكلم عربي"  كأرضنا الفلسطينية التي تتكلم عربي... كل ما أتمناه أن أكون قد وفقت بإذن الله تعالى في الإجابة عن كل أسئلة هذا الحوار الشيق وأن لا أكون قد أزعجتُ أحدًا، أو خرجت عن صلب الموضوع، فللقراء الكرام محبتي وتقديري والله ولي التوفيق.

ــ أشكر أرض تونس الخضراء التي أنجبت مثل هذه القامة التي تبدع في صمت، وتعمل في صمت، وكان في كل ما يكتبه مفيدًا وهادفًا، مد يده في السياسة محاولًا التحليل والتأصيل لوضع الحلول، نفع أطفال بلده وأطفال العالم العربي بما يبثه من حكم وقيم في ثنايا قصصه، ومع كونه لا ينتمي لعمل ثقافي حكومي استطاع أن يبني جسرًا ثقافيًا بين تونس والصين، وجعل له وجودًا ماديًا على الأرض، كل الشكر لكم أديبنا الكبير الهادئ الفعال الخلوق الأستاذ رضا سالم الصامت، محاورة شيقة، شاكستك بالأسئلة المزعجة، وكنت أنتظر منكم إجابات مشاكسة ولكن هذا ضد طبيعتك الهادئة المسالمة الراضية، متعكم الله بالصحة والعافية، وأتمنى أن تنتبه الجهات الثقافية بتونس وتسلط وتزيد بقعة الضوء نحو نشر أدبكم والتعريف بكم، فمثلكم قيمة مخلصة نافعة لتونس وللعرب وللصين.

الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

سامية بن قذيفة: شجيرة في ظل الأدب

    





  تظهر الدراسات المعنية بالطفل اقتران الميل الفطري للاكتشاف والتساؤل بميلاده إلا إذا أعاق هذا الميل تغيير ما غير إيجابي في عملية تعليمه في سنواته الأولى، وأحيانًا بعدها، إلا أن طفلتنا الجزائرية المبدعة "سامية بن قذيفة" التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا قد حظيت ببيئة ساندتها على الكشف عن طاقتها الإبداعية، وعملت على رعايتها وتنميتها، ليس هذا فحسب بل على بث جذور الثقة والجرأة في تكوينها الشخصي والنفسي، سواء في بيتها أو مدرستها.

   ولولا اهتمام مُدرِستها بما تكتبه لها تلميذتها، وجمعت كل ما كتبته ثم عرضته على والدتها التي فرحت به واهتمت ولم تنهرها على تضييع وقتها، بل يبدو الاهتمام منذ اللحظة الأولى من الوالدين معًا عندما نشرا لابنتهما المتخرجة حديثًا من الابتدائية قصتها الأولى في دار نشر بالجزائر العاصمة، والتي تحمل عنوان "مأساة سارة"، والتي يبدو فيها تأثرها بالكاتب الجزائري أحمد خياط عن قصته "اليتيمة"، إلا أن براعتها تكمن في خلق أحداث جديدة برؤية مختلفة، ونحن لا نتعلم الفن من الفن ذاته ولكن بمحاكاة فنان استهوانا إبداعه.

   يبدو جليًا التكوين الثقافي والتربوي الإيجابي في شخص "سامية" باتجاهها لمكتبة بلدتها لتستعير منها الكتب، وتختط لنفسها خطًا في اختيار ما تقرأ دون أن يجبرها أحد أو يوجهها إلى ما يجب عليها قراءته، ولهذا قرأت القصة أول ما قرأت و "ألف ليلة وليلة".

   أمَّا أجمل ما فعلته حين سعت بين الشبكة العنكبوتية تبحث عن مواقع مفيدة، أن رست بقاربها على مرفأ اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، وتجولت في أنحاء هذا الموقع المتنوع، الكبير، العميق، وفيه ما فيه من الأسماء والقامات لكنها لم تتهيب وأصرت على أن تشترك في هذا الحصن الذي يمتنع على من هم أكبر منها سنًا وموهبةً، إلا أنني أحيي الأستاذ الدكتور محمد حسن كامل رئيس الاتحاد الذي أخذ بيدها وأدخلها وفتح لها الأبواب أمام ما تكتب وتبدع، وكتبت والتف حولها الأعضاء من الاتحاد بين النقد والتشجيع والتوجيه، وَعَين الدكتور كامل عليها يرعاها من بعيد بالرعاية الحانية، وكنت أتابعها دون التعليق لمَّا أبلغني الدكتور بسنها الصغيرة، وهنا كففت يد النقد لتنمو موهبتها في سلام.

   لستُ هنا لكي أُعمِل قلم النقد فيما تبدعه ابنتنا الصاعدة الواعدة "سامية"، فحسبها مني التوجيه والتشجيع، فتلك البرعمة التي تتفتح على مهلٍ وعلم، تستحق منَّا جميعًا إفساح الطريق لها لكي تؤتي ثمارها الناضجة فيما بعد، ولها الحق الآن في أن تتجول وتتعرف على ما أنتجته القرائح من شرقٍ وغرب، وتحاكي هذا وذاك، بل لها الحق في أن تتجرأ وتُقدم على كتابة نص مسرحي بعد أن قرأت "الأميرة النائمة" لتنسج على منوالها، وأشد ما أعجبني أنها سألت من حولها كيف يُكتب المسرح؟ وفيه ما فيه من الدلالة على جديتها والعكوف على أدواتها بالتجويد والتطوير.

  وأنت حين تتجول في أروقة ودهاليز اتحاد الكتاب، ستدهش حين تجد طفلة تتجول إلى جوارك وتكتب "مشيئة القدر"، "يوم سيء في ذاكرة مريم"، "شعلة الأمل"، وغيرها من الموضوعات، بل وتعلق لكتاب وكاتبات أكبر منها سنًا وخبرة، ويتقبل الجميع تعليقاتها الجميلة، ولفتاتها الذكية، ولهذا فأنا مطمئن على مستقبلها الأدبي والعلمي من مخالطتها لكبار الكتاب الذين يتنوعون في الأسلوب والمنهج والمشرب وهي تتذوق كل هذا، مما سيشكل لها ذائقة أدبية متفردة بعيدة عن المحاكاة، كما أن الملاحظات على بناء القصة أو أسلوب الكتابة وشكلها وغياب بعد العناصر، ستستكمله آجلاً في مراحلها الدراسية التالية من أدب وبلاغة وغيره، فكل ما تبدعه الآن مجرد نغمات بسيطة قصيرة في مفتتح لحن سيمفوني قادم يبرز طاقاتها الخلاقة الخلابة.

    ولسامية بن قذيفة نصٌ جميل "شجرة قيد الانتظار"، تقول فيه: (في إحدى الغابات كانت شجرة صغيرة تبحث عن بستاني يزرعها في بستانه، وبينما هي تبحث عن ضالتها وجدت رجلًا كبير المقام والشأن، طلبت منه أن يمد لها يد العون، فأخذها ووضعها في بستانه الجميل الذي تكسوه أجمل الأشجار المثمرة، وعندما حطت رحالها وجدت نفسها محاطة بأشجار كبيرة ظليلة مليئة بالثمار، فبدأت تتساءل في نفسها: هل يمكنني أن أصبح شجرة كبيرة تنتج أحلى الثمار؟ وأجد مزارعًا يعتني بي ويسقيني حتى أصبح شجرة كبيرة تنتج أحلى الثمار؟ وتبقى الشجرة المسكينة قيد الانتظار).

    والنص رمزي يشي بالمعاني، وفيه الكثير من الألفاظ الغضة بالدلالات الموحية، بينها وبين الأب الروحي لها الدكتور محمد حسن كامل، وموقعها من الكتاب والكاتبات باتحاد الكتاب، ولكن الجميل أن تكون طفلة وتعرف الرمزية واستخدامها، وأن تكتب هذا العنوان الذي يبلور كل الكلمات التي تحته ويبرزها.

  سامية بن قذيفة: فخرٌ للجزائر وللعرب أن تكون من بناتها فتاة تصعد درجات المجد بقوة وثبات، محصنة برعاية الله تعالى وعنايته، ودينها الحنيف، وعطف واهتمام والديها، ورجل يرعاها بعين الأبوة الأدبية ويفسح لها قلبه وكل دروب اتحاد الكتاب والمثقفين العرب لتحل فيه أصغر عضو في تاريخه، يا بنيتي: أنتِ لستِ قيد الانتظار فأنكِ تعملين، وتسعين للعلم، وتكتبين، وتسترشدين بمن سبقوا، وسيكون لك موضعك القادم على خارطة التاريخ، يا من لم تقنع بأن تكون نبتة أو برعم بل شجيرة في ظل الأدب، ستكونين شجرة وريفة الظلال يستظل بها أجيال وأجيال.



https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2016/09/27/417258.html

الخميس، 22 سبتمبر 2016

السيد إبراهيم أحمد .. سفير الكلمة والفكرة والإبداع..





في البدء كانت الكلمة 
في البدء كانت كلمة اقرأ
اليوم نقف على قارعة طريق الإبداع 
على ناصية اليراع 
حيث الموعد واللقاء 
مع سفير الكلمة والثراء
الأديب الأريب والناقد والمحاور والباحث
السيد إبراهيم أحمد 
باحث بإمتياز يمتلك عدة البحث والفحص 
أكاديمي متميز في أروقة الفكر 
قارئ متجول في فيافي التأمل والتخيل 
مبارز يبارز بالحجة والفطنة ودرعه اليقظة والحنكة .
لا يمشى على الأرض 
طيار في السماء 
غواص في محيطات الفكر .
صاحب المدرسة الواقعية في الكتابة الحديثة .
محاور عاصف للذهن 
يبحث عن الحقيقة 
ناقد يمتلك ألات النقد للتشريح دون تجريح 
نقده لا يوزن إلا بميزان الذهب 
سبحان الله فيما وهب 
جاء ترشيحه لينال هذا التكريم 
في ساحة بلاط اتحاد الكتاب والمثقفين العرب الفخيم 
بما يفوق الدكتوراه 
وبما يعلو الأوسمة 
يضاف إلى حَبر الاتحاد 
سفير الكلمة والفكرة والإبداع في كل البلاد 
من كتابات سفيرنا المُكّرم 
وحبرنا المخضرم 
كتاب حاوروني وحاورتهم 
كتاب نساء في حياة الرسول 
حُبّاً قي أمي عائشة 
أحمد الخليلي شاعر هويته التجديد 
قصص " طقوس للعودة "
المرأة في ادب السيد إبراهيم أحمد 
مسرحية المنعطف الأخير 
عزة ابو العز وجوه عديدة لبطلة واحدة 
حوار تجربتي في بلاد الجن والملائكة مع الدكتور محمد حسن كامل 
النابغة ابن الهرميل 
حبيبي محمد 
الحب عند محمد حسن كامل 
مفهوم التنوير عند محمد حسن كامل 
الحوار عند محمد حسن كامل 
لماذا محمد حسن كامل ؟
فضلاً عن حورات الإذاعة 
بالدقائق والساعة 
وصالونات الفكر بالتليفزيون 
تستقطب الأسماع والأفئدة والعيون .
الحوار عند محمد حسن كامل 
والقائمة طويلة التيلة 
من قطن الفكر العربي الناصع 
وضوء الحرف الساطع 
بعد كل هذه المسيرة والسيرة 
رأيت أن اللقب يسعى إليه دون تكلف ولا دفاعاً مني ولا تفلسف ولا تزلف .
بوركت سفيرنا على جدار اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
بيت العرب لكل العرب 
وسبحان الله فيما وهب.

محمد حسن كامل 

رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب

السبت، 17 سبتمبر 2016

2017 عام الثقافة والإبداع.. "مبادرة قومية" لأعوام...



في وقت تتزايد فيه الأحاديث حول الأحداث السياسية المتلاحقة ولاقتصادية التي تتصل بالوطن والمواطن، تنطلق مبادرة فكرية ثقافية علمية، هدفها جعل عام 2017عامًا للثقافة والإبداع، ولكن هذا ليس غايتها، بل وسيلتها؛ فغايتها تكمن من اتخاذ الثقافة والإبداع وسيلة لتحقيقها لما فيهما من آفاق واسعة تسمح بتوسيع مساحة التعايش المجتمعي، وإرساء قيم التسامح والسلام وقبول الآخر.

قد يهون البعض من أمر المبادرة، ويجدها نوعًا من الرفاهية والترف الفكري، وهذه نظرة ضيقة للنظر في أدق تفاصيل مشكلاتنا الاجتماعية، وقصرها فقط على المناداة بالالتفاف حول مشروع قومي يوحد جهود الآمة، وغالبًا ما يكون البحث عن مشروع قومي اقتصادي، ننتظر أن يغل عائدًا ماديًا كبيرًا في زمنٍ قصير، مع أن ترسيخ الأطر الثقافية في بنية الفرد والمجتمع ستؤتي أكلها من مردود اجتماعي واقتصادي وسياسي كبير وخطير ولكن ليس في الزمن القصير، بيد أنها ستساهم في تشكيل وعي الأجيال القادمة.

لقد شرح الكاتب القدير الأستاذ علاء ثابت المقرر الإعلامي للمبادرة في كلمته عنها أنها خرجت من إحدى مؤسسات المجتمع المدني، وهي أكاديمية الأمل الدولية، لكن إطلاق المبادرة تم عبر وسائل التواصل الاجتماعى والمنابر الصحفية، أما الانطلاق الفعلي للمبادرة على أرض الواقع فقد كان من دار الأوبرا المصرية يوم الخميس الموافق 8/9/2017.

ومنذ أن تم إطلاق المبادرة تم تشكيل أمانة عامة لها برئاسة الدكتورة أمل سندس رئيس أكاديمية الأمل الدولية للتدريب والاستشارات، والشاعر مصطفى هاشم أمين عام الثقافة، والناشط الثقافي سيد البالوي مديرا للعلاقات العامة والإعلام، كما تم تشكيل مكتب إعلامي لها يضم نخبة كبيرة من الإعلاميين والصحفيين المصريين والعرب.

     إن أجمل ما في تلك المبادرة أنها تعتمد اعتمادًا كاملًا على الجهود الذاتية والعمل التطوعي والتعاون مع كافة المؤسسات الرسمية والأهلية، حتى لا تسيس أو تُسرق لتنفيذ أغراض ليست من رسالتها التي تتلخص في جعل الثقافة والإبداع هدف قومي مع حشد أكبر عدد من الداعمين لتحقق المبادرة هدفها الأكبر بالإعلان الرسمي عالميًا عن: " 2017 عامًا للثقافة والإبداع". 

  غير أني أختلف مع القائمين على تلك المبادرة الهامة فيما حددوه من جدول زمنى لها من وقت إطلاقها فعليًا وحتى نهاية عام 2017، وهذا إهدار لذلك الوقت الذي بُذِل من أجلها؛ فكونها مبادرة قومية يستلزم الديمومة والمراقبة والدفع بآليات جديدة من داخل المبادرة ذاتها حتى وإن تسمت بالعام الذي أُطلقت فيه، فالمشاريع القومية تحتاج لخطط زمنية كالخطة الخمسية أو ما شابه، وهذا مشروع ضخم يحتاج لخطة زمنية طويلة الأجل، فأرجو أن تعيروا هذا الأمر اهتمامكم، وأن تعيدوا فيه النظر..


هذه مبادرة نحن أحوج ما نكون إليها، ويجب أن نعمل عليها بجد لتفعيلها بشكل مجتمعي واسع، وأعلم أن هذا من أساسيات المبادرة النظرية، وأتمنى من كل المخلصين من أبناء الوطن العمل على إنجاحها، وتذليل العقبات أمامها، وبثها في الصدور والسطور، والعقول والقلوب، والشباب والشيوخ من النساء والرجال.

الثلاثاء، 19 يوليو 2016

تنوير محمد حسن كامل.. يبدأ من اقرأ..

   




عبر حوار طويل ممتد مع سفير العلم والأدب المفكر الكبير الدكتور محمد حسن كامل، رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، هالني أن الرجل مازال كما هو لم يغير جلده، على الرغم من كونه عاش معظم عمره في مدينة النور باريس؛ لا يتقعر بإدراج لفظ أو مصطلح أجنبي وهو الذي يجيد التحدث بعدة لغات ويرطن بها بطلاقة، بل هو لا يلجأ إلى الغرب ليقبس شعلة التنوير من شعلته، كما فعل بعضهم، فشعلة التنوير عند الرجل تبدأ منذ اللحظة التي نزل فيها رسول السماء أمين الوحي جبريل عليه السلام على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وكان مفتتح التنزيل  "اقرأ".
    التنوير عند "كامل"  لا ينبني على مجرد آراء وأقوال تتمترس بالتنظير، ولكنها عنده مشروع عملي حضاري له بداية وله غاية، أنه "مشروع مشعل التنوير العربي" الذي يخطط له، ويبشر به،  ويرى فيه الهدف  إلى العودة لأصول البحث العلمي بمراحله المتعددة من "فرضية ونظرية وحقيقة"، الفرضية التي تولد من قراءة المعطيات المطروحة لأي فكرة ودراستها واستخرج أفضل نتيجة منها, مشعل التنوير الذي بدأ مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بكلمة " اقرأ ", التنوير الذي يعيد للإسلام روعته وحسن مخاطبته وحواره مع الآخر بالتي هي احسن, لا بسفك الدماء والجور على الناس, مشعل التنوير عودة لقيم الحب والفن والجمال والكمال وإدراك مكارم الاخلاق وقيم الجلال  تلك القيم التي ساهمت في نشر الحضارة العربية الإسلامية في العالم, مشعل التنوير لتصحيح الصورة الذهنية التي صدرها أعداء الدين من الإرهابيين للناس, القضاء على الجهل والخرافات التي تسيطر على السلوك الإنساني والوجداني, لقد سادت الامة الإسلامية العالم بالفن والحضارة والفكر والعلم والأمانة والصدق وحرية الكلمة ورفعة الاخلاق, مشعل التنوير حينما يزور كل محافظة وقرية ونجع وكفر, وحينما يطوف العواصم العالمية لتقديم صورة الهوية الشخصية للثقافة العربية, نحن بهذا المشروع نحاول أن نشارك في إعادة صياغة الوعي الفردي والقومي والجمعي والعالمي وأيضاً الوعي الكوني لعبادة الله الواحد الأحد.

    سأقتطف من حواري مع مفكرنا الكبير سؤالين دارا حول مفهوم التنوير في فكر الرجل، وأعتقد أن فيهما الغناء عن كلام كثير يطول: 

ــ المفكر الكبير الدكتور محمد حسن كامل رئيس إتحاد الكتاب والمثقفين العرب ورائد من رواد التنوير، وحامل مشعل التغيير، في مناهج الثقافة الغربية التي اكتفت بتنويرها ورفضت كل ما يأتي به الشرق من تنوير وتثوير، حتى ذلك الفيلسوف برتراند راسل وثلة من التابعين له...رؤية جديدة تتفق مع ثلة من مفكري الإسلام الكبار نحو بداية التأريخ للتنوير في العالم بظهور نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام...ورَفَضَها ــ للأسف ــ من أبناء المسلمين جماعة صاروا يؤمنون بكل ما هو غربي، وأصَّلوا وأطَّروا لعصر النهضة وشايعوه وانتصروا له..بل نادوا بنقل تجربة التنوير الغربي بحذافيرها، ومحاولة غرسها في التربة الإسلامية، رغم التباين الشديد بين التربتين والثقافتين، والديانتين، وما يزال الصراع قائمًا حتى الآن بين المناهض والمشايع لهم..

ــ من القرارات التي أثنيت على نفسي فيها خيرًا أذكر منها قرار سفري لبلاد الفرنجة قاصدًا عاصمة النور باريس، وهنا تبدأ الحكاية :كنت مفتونًا بحركات التنوير في العالم, التنوير الذي يحرر العقل والفكر من براثن التبعية والتخلف, التنوير الذي يرسم ملامح الشخصية حينما تسافر للماضي للبحث عن صورة ذهنية ومثل أعلى ذات  قيمة وقامة, ومنارة وعلامة, وراية ودراية.. سافرت كثيرًا بين حضارات ومنارات, وأقلام وأعلام, في سراديب التاريخ, وأروقة الأحداث, بعدة لغات ولهجات, وتقاليد وعادات..أمطتيتُ جواد اليراع من ذرة إلى مجرة, من العودة للمستقبل للسفر في الماضي، من المقام إلى الترحال ومن حال إلى حال حتى حطّت راحلتي وبركت ناقتي على شاطئ القرآن الكريم عند أول شجرة وظل وهناك وجدت الماء والكلأ والثمار والظل للكل, واحة خضراء في قلب الصحراء هي واحة: ﴿اقْرَأْ﴾، فعل أمر مبني على السكون تكرر في القرآن ثلاث مرات بالترتيب التالي: سورة الإسراء الآية (14)،  وسورة العلق الآية (1)، وسورة العلق الآية (3)، وجدتُ أن أول أية في القرآن حسب الترتيب: ﴿ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ﴾، تتوسط الأيتين: ﴿ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ العلق الآية (3)، الآية (14: ﴿اقْرَأْ) ﴿ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا  سورة الإسراء،  وتلك هي الأيات الثلاثة التي ذكرت فعل الأمر﴿اقْرَأْ﴾، أول كلمة في القرآن وأول واحة خضراء إهتديت إليها وربطت راحلتي في ظلالها.


ترتيب كلمة اقرأ حسب ذكرها في القرآن الكريم :﴿اقْرَأْ﴾، من هنا أدركت التاريخ الحقيقي للتنوير الذي جاء مع أول كلمة في القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ﴾، وليس كما يدعي الغرب أن عصر التنوير بدأ في القرن الثامن عشر .. إذن للتنوير عصرين تنوير إسلامي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وله السبق على مستوى العالم , لم نقرأ في اي رسالة من قبل عن تنوير عملي مثل تنوير القرأن , وهناك تنوير غربي وهو تنوير ضد قيود الكنيسة في أوروبا وظهر في بداية العصر الثامن عشر ومن ثم كان عليّ أن أسافر لبلاد الفرنجة وعاصمة النور باريس لأصحح تلك المعلومة التاريخية التي روّج لها الغرب ومحو وطمس التنوير الإسلامي في أول شعاع من نور جاء من السماء في مطلع الوحي بكلمة: ﴿اقْرَأْالتي تكررت في القرآن الكريم ثلاث مرات تتساوى تماماً مع مراحل الشعور في الإنسان ....يبدأ الشعور بالإدراك عن طريق أي حاسة من الحواس مثلاً رؤية زهرة هذا إدراك والوجدان تولد شعور نحو تلك الزهرة بالإعجاب مثلا هذا يسمى وجدان والنزوع هو التحرك بالقول أو الفعل نحو الزهرة مثل قطف الزهرة مثلًا، كذلك القراءة تبدأ بإدراك كما قال الحق في مطلع العلق: ﴿ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ﴾،  بدأ بآية الإدراك ثم أية الوجدان وهي المشاعر الناتجة عن تلك القراءة وهي الأية الثانية التي حملت كلمة اقرأ من حيث الترتيب في التنزيل: ﴿ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ  أما الأية الأخيرة التي ورد فيها فعل الأمر: ﴿اقْرَأْ هي الآية 14 من سورة الإسراء،  وتحمل النزوع والحركة وهي: ﴿ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا  هذا المنهج الشعوري للنور والتنوير أتى به القرآن الكريم لم ينتبه إليه أحد , بينما راحت أبواق الغرب تروج لفكرة ظهور عصر التنوير على أيديهم في بداية القرن الثامن عشر، الأمر الذي يجعلنا أن نطرح سؤالاً على بورصة المعرفة في العقل عن ماهية التنوير أو تعريف التنوير؟ التنوير مشتق من النور والنور نقيض الظلام , ظلام العقل قبل ظلام العين !ظلام في الإدراك يعقبه ظلام في الوجدان ويختم عليه ظلام النزوع...ويأتي التنوير مرادفاً للمعرفة بداية من الإدراك مرورًا بالوجدان ثم إستقرارًا في مقصورة النزوع شريطة سلامة المنهج المتبع, التنوير إضاءة للعقل وخروجه من قصوره الذاتي وحالة الكسل والفوضى والجبن لإعادة ترتيب الصور الذهنية في العقل ومناقشة مصادرها وألياتها وإعادة صياغتها بمنهج علمي حديث يستخدم أليات العصر من إستباط فكر ووضوح رؤيا تدفع البشرية للرقي والتقدم .. وهذا ما جاء به الإسلام دون تعصب او ميل أو هوى .. وهذا ما ترجحه المناهج العلمية الحديثة بلغات متعددة .
 

ــ لا ينطلق المفكر من عرض أفكاره عبثًا عبر مقولات عشوائية بحسب ما تفرضه الظروف والدوافع، ولكنها تأتي عبر مشروع أو مشاريع عكف وسهر عليها، ويحاول جاهدًا بذرها في مجتمعه.ما هو مشروع الدكتور محمد حسن كامل الذي ينطلق منه، والغايات التي يروم إليها؟ 


ــ سؤال صاروخي يحتاج العديد من المشاركات التي ربما أفلح فيها على للإيضاح والبيان والبرهان .المشروع لابد أن يكون رؤية واضحة المعالم, زاهية الألوان, موسومة بهدف رئيسي , له برنامج زمني .ومما لاشك فيه أن للأنبياء والرسل مشاريع وهي تتجمع في بؤرة التوحيد لله رب العالمين .وأيضًا للعلماء والمفكرين مشاريع ورايات ومحطات ينطلون منها وربما يصلون مرة أخرى إليها .سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، بعدما وضع أخوته من الأنبياء والرسل من قبله أساس التوحيد لله رب العالمين.

ومما تقدم تعلمت أن تكون خطواتي تتقدم من خلال مشروع حضاري علمي ثقافي لبني وطني بل وللعالم كله أجمع .هذا المشروع هو "مشعل التنوير" الذي يبدأ بأهمية قراءة المعطيات المطروحة أمامنا بتأمل وتدبر, وفهم المعاني والمباني, ومسايرة التطور الحضاري والاتصال مع الأصل الفكري. مشعل التنوير: هذا المشروع الحضاري الذي يجعلنا نرى بوضوح أنفسنا, لنرى العالم من حولنا .مشروع ثقافي يحقق مقولتي الشهيرة التي قلتها على منصة اليونسكو العريقة:  (ما لم تصلحه السياسة تُصلحه الفنون والثقافة)، مشروع جماهيري ينطلق من عاصمة القطر في الداخل نحو المدن والحضر والقرى والنجوع والكفور, يحمل رسالة التنوير كيف نعيش وكيف نفكر وكيف نستمتع بالحياة وكيف نقرأ وكيف نتحاور؟

   هذا المشروع الذي يبني البنية الأساسية للإنسان, نحن بحاجة لبناء الإنسان العربي, ونحن بحاجة لإعادة صياغة الهوية العربية مرة أخرى .مشروع حضاري بأقوال ثقافية وأدبية وعلمية وفنية تقرب القاصي ليصبح داني في بوتقة السمو بالوطن ضد كل المحن .هذا المشروع الحضاري يطوف بشعلة التنوير كل دول العالم, ليقدم الصورة الحقيقية للفكر والثقافة والفن والحوار والعقل والمنطق ويصحح مفعوم تصنيف العالم العربي من دول العالم الثالث .مشروعنا ذات الخيوط الطويلة والمتينة التي تجعل هناك تواصل بين الشعوب بعد فشل بعض الحكومات لإجراء هذا التواصل .ببساطة مشروعنا يقدم للعالم العربي والإسلامي وللعالم أجمع النسبة الذهبية للعيش سويًا في ظلال السلام بدعائم قيم الجمال والكمال والجلال، مشروع يقدم جنة من الحب والسلام بعد العداء والخصام .
 


   يبدو إيمان الرجل بتنوير "اقرأ" أن يختتم  فيقول:  (أنا في كثير من الأحيان أتوضأ قبل القراءة لأن القراءة عندي صلاة ومناجاة .(

التراث الطبي في الحضارات: المصرية واليونانية والإسلامية...

 قد تتساءل كيف يضم سطرًا واحدًا ثلاث حضارات كان لها تاريخها المجيد مع "الطب"، غير أن الحضارة الأولى هي التي لها حق الريادة والعماد...