الجمعة، 17 أكتوبر 2014

فاطمة المرسي شاعرة.."عاشِقُها" الوطن..

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون


        


 

     "المصرية" حالة لا يكتسبها المصري بالولادة من حيث التجنُّس بها، بل هيَّ حالة يكتسبها من أحب مصر من أبنائها ومن غير أبنائها، وما أكثرهم، كلهم يرتوون من نهرها الكبير وروافده الكثيرة بمذاقاتٍ مختلفة تتلمسها فيما يبدعونه عن معشوقتهم "مصر".
   من أولئك العشاق الذين تجد لمصريتهم خصوصية ومذاق مختلف، الشاعرة المصرية الجنسية والهوية والهوى "فاطمة المرسي" التي ارتويت من نهرها الزاخر عبر دواوينها الثلاثة: "مولد السيدة مصر" و"على ذمة التحرير" وآخرهم "رباعيات بالبلدي"، وحيثما ارتحلتُ من ديوان لأحل بالثاني لاتكاد تزايلني مصريتها..بل هيَّ كظلي تصاحبني رحلة مكابدة تلك العاشقة الوالهة المدلهة بحب ذلك العاشق/الوطن.
   سخرت الشاعرة كل طاقتها الشعرية حول الوطن، فطافت تلتقط من معانيه ومبانيه أحلى معانيها التي ضمَّنتها أبياتها التي مازالت تنثرها كأشعة الشمس حين تطارد أذناب الليل فوق رءوسنا وقلوبنا التي تسكن في زواياها بعض عتمة لومٍ على ذاك الوطن.
   نعم.."عاشقها" الوطن؛ إذ امتطى اسمه صهوة عناوين دواوينها، فبالإضافة إلى الدواوين التي اطلعت عليها كان هناك ديوانها الأول "انتباه يا مصر"، كما لم تنس أن تقدِّم ديوانيها بإهداءات أو كلمة عن الوطن، وأختار منها:
لأنك مصر .. في عيوني ضلامك فجر
لأنك مصر .. أوهب لك حياتي مهر
وأهدي لك دواويني
وأكتب كل أشعارك على قلبي
لأنك مصر.
  والوطن هو عاشقها الأول والأخير؛ فلا تجد بين ثنايا ما كتبت شعرًا تهفو فيه إلى حبيبٍ طوت الأيام ذكرياته التي خلت، أو ناءٍ عنها فتشتاقه، بل حين تستعيد ذكريات طفولتها البريئة يأتي "الوطن" الحبيب الأول لها الذي تتذكره في أسوأ حالاته "يوم ما نكسنا العلم":
إندفن قلبي الصغيَّر
واتولد عمري الكبير
وانكسارنا
يومها كان ماشي طابور
لمَّا نكسنا العلم.
   لا ينافسها في حب الوطن إلا حبها لأمها الراحلة ــ طيَّبَ اللهُ ثراها ــ التي تراها أيضًا قطعةٌ من الوطن.. بل  هيَّ أيضًا وطنٌ من الوطن؛ ففي مناجاتها "غناوي الورد" يختلط الأمر على القاريء، فيظن للوهلة الأولى أن من تناجيه الشاعرة وتقصده "مصر":
نهار أبيض ورا التاني
وعنواني براح قلبِك
ونيل يرويني من حضنك.
  وبحسها الأدبي تكتشف أنها موّهتْ على قارئها حين سيِّرتهُ في دروبها المعتادة، فنبهت بأسلوبٍ رفيق (مهداة إلى أمي الحبيبة).. وهيَّ بهذا تؤكد أن أمها ممزوجة/مجدولة بذاك الوطن.. حتى صار الوطن وأمها فيها كيان واحد هو "الوطن" عاشق بنت المرسي الأول.
    عندما تستعرض الشاعرة مشوار جيلها لا مشوارها فقط في "صور..فتافيت" لا تكاد تعلن عن حبيب معين أو مكان معلوم، أو ندَّت منها ندة شوق هائمة أو محرومة أو مشتاقة، فكل فتافيت أيامها، ولقطات صورها من ذكرياتها تمر عير أنبوب طويل في تجاويف عقلها وقلبها محفوظ في مغلف مدموغ بختم الوطن.
  نعم .. "الوطن" هو عاشق الشاعرة فاطمة المرسي، أو ليس من العشق أن لا تفارق صورة الحبيب وسيرته ذاكرة وقلب وعقل ووجدان من يحب التفكير فيه، والكلام عنه.. ولا أدّعي أنني أعرف طبيعة عمل الشاعرة الذي يقتضي منها السفر خارج البلاد، ولكنها حين سافرت إلى الأردن الشقيق ولندن وأمريكا كان في حقيبتها وذاكرتها وتحت جلدها "الوطن" فكتبت عنه قصائدها: (الربيع العربي ـ القط لابس توب جمل ـ أول طريق الحب خوف ـ فوضى ـ نهاية سراب ـ ما تكشريش ــ دوامة ـ يا قاهرة).
   ومع كثرة سفرياتها التي يحسدها عليها القوم ـ وأنا منهم ـ والتي مع مسئولياتها يشكلان عاملاً هامًا لنسيان الأهل لا الوطن، تبادر الشاعرة لتُبكَّتَ روحها وتلوم نفسها حين تصورت أن هناك من سيلومها على تفريطها في وطنها، وهذه القصيدة التي تدافع فيها عن نفسها، وتدفع تلك التهمة عنها التي ربما صنعتها هواجسها، كانت من إبداعاتها في أمريكا!..ومن ذا الذي سيتذكر مصر وهو في أمريكا...؟!
خايفة أقول الصراحة
الناس تقولي عيب
وبسرعة قلبك مال
ومِلتي للراحة
ونسيتي هم الوطن
وإن انتي فلاحة.
   أسقط الراحل الكبير عمنا بيرم التونسي عبر رائعته " هتجن ياريت يا أخوانا.. مرحتش لندن ولا باريس) من حبه على مصر جام غضبه بمقارنة أحوالنا وأحوالها السيئة وعاداتنا الذميمة بما رآى من عكسها تمامًا هناك في الخارج، ودافِعه في هذا حبه لوطنه، تقف الشاعرة فاطمة المرسي على العكس تمامًا؛ إذ لم تمتلك تلك الروح الناقدة المقارِنة بين ما تعرفه عن وطنها وبين ما رأته هناك، وكيف تقارن وهيَّ لم تنبهر أبدًا بكل تلك العواصم المتقدمة التي زارتها حتى تجعلها معيارًا لتقارن به أو عليه وطنها؟!.. إنَّها لم تنبهر إلا ببلدٍ وحيدٍ هو عاصمة قلبها الكبرى "مصر":
بَلا روما بَلا موسكو بَلاها جنيف
بَلا تمثال لحرية وشعلة زيف
أقارن مين وأوصف إيه
وإنتي الأولى والتانية
وإنتي ف قلبي محتلة
لكل مراكز التصنيف.
  تقف قصيدتها "لأنك مصر" من أمتع القصائد التي يحس قارئها رائحة مصر: أكلاتها وشوارعها، وأنفاس ناسها، فقد رسمتها الشاعرة بفنية وحرفية، وعشق للهوية، وتجسيد للإنتماء، بكل البساطة وبلا ادعاء:
أعيش مشتاقة طول عمري لأحضانك
وأرسم لوحة لجمالك وأوصافك
وأكتب كل أشعارك على قلبي
لأنك مصر.
   يبلغ العشق مداه حين يجاوز الواقع بمألوفه، وينقلنا إلى آفاق لم تَدُر أصلاً بخلدنا، وهذا ربما ما حدث حين نصَّبت الشاعرة فاطمة المرسي من مصر (سَيِّدة) كسيدات آل البيت الأطهار اللواتي يوقرهنَّ كل المصريين على اختلاف مشاربهم، فصارت مصر سيدة لها المقام الأعلى، لكن الشاعرة تعلم أن المقامات لا يسكنها إلا الأموات، فتستدرك: " علوا مقامك في الميدان من غير ضريح".
 نبدأ الشاعرة ديوانها " رباعيات بالبلدي" بتعريف طريف لفن الرباعية، فتقول:
مربع أو رباعية وتربيعة
ثلاث شطرات وشطورة على البيعة.
تلتقط الشاعرة بمصريتها تيمة سائدة لا يمل اللسان المصري ترديدها:(اللي بنى مصر)، فتنسج على تلك الجملة الخبرية التي ينقصها الفاعل عدة مربعات تبدأها بـ : (اللي بني مصر) ثم (اللي سرق مصر) وبعدها ( اللي هدم مصر) و (اللي حرق مصر) وتنهيها بــ (اللي هجر مصر)، وتقدم من عندها تعريفات جيدة لكل من يندرج تحت كل وصف من هذه الأوصاف تنم عن مدى ارتباطها الوثيق بذلك الوطن.
   ولعل المتتبع لأشعار الشاعرة فاطمة المرسي سيلمس بالإضافة إلى وطنيتها، ومصريتها، الكثير من طيبتها، وأصالة معدنها، وحنينها المغموس بالشجن، وخفة دم الريفية وبنت البلد، والولع بالتفصيلات شأن النساء، والسخرية المصرية المتجذرة في الريف والحارة والشارع.
    وحين ينتهي القاريء من تلك السياحة الماتعة بين قصائد دواوينها يكون قد مشى في دروب مصر وأزقتها، وميادينها، وتاريخها القديم والمعاصر، وعنفوان ثورتيها الأخيرتيْن، وحرقة المصري حين يغترب عنها، وشوقه في الرجوع إليها بالرغم من الرفاهية التي يعيش فيها خارجها، وسيسمع الألفاظ المصرية المستخرجة من بطون قواميسها القديمة والحديثة.
    وحيث أن دواوين الشاعرة فاطمة المرسي مرصودة وموقوفة على حب هذا الوطن الساكن فيها، فكل المشاعر التي تحملها أبياتها تدور بين الحنين إليه، وحبها الجامح له، وبين خوفها وقلقها عليه، أي أنها لن تنقلنا إلى مناطق أخرى خارج هذا النطاق بحيث تصبح مصر هيَّ حبها المجنون:
خلينا نقولها بصوت عالي
لعيونك ببلاش الغالي
بنحبك طبعًا بنحبك
حب المجنون.
إنها مصر الوطن التي تعاتبها الشاعرة عتاب ملؤه المحبة، وإن بدت فيه متألمة، لكن السبب الظاهر عتاب، وباطنه حب جارف:
ياواثقة من حبي أوووي
وانا بيكي موجوعة
خبر ايه يا بنت الإيه
يا مجنونة
يا حضن بارد ساعات
ودافي كتير.. وحنونة
ليه بتسبيني أغيب
وانا بيكي مسكونة.
عاشت الشاعرة القديرة فاطمة المرسي حتى توحدت بهذا الوطن، فتجاوزت كل أناتها وهمومها الذاتية، وأحلامها المشروعة، وأمنياتها المأمولة، لتمدها بوشائج من القرب الدائم رغم تلك الهوة الجغرافية من البعد عنه، لتكون أوجاعها هي ما يوجع الوطن، حتى أنها تختزل كل سعادتها حين يسعد الوطن.
  تحب الشاعرة هذا الوطن حب الفريسة السعيدة المنتشية بوقوعها في براثن شباكه دون مطاردة منه بل بتسليمها المطلق الإرادي له، والممعن في القدرية والحتمية والرضا:
وأنا وطني صيَّادي
رسمالي وحصادي
وعرفت أنا دربي
مشياه على عِنيَّه.

المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/10/17/345025.html#ixzz3GQOhwl11



السبت، 13 سبتمبر 2014

بين السياسة والشعر حوار مع الشاعر محمد عبد القوي حسن | دنيا الرأي

بين السياسة والشعر حوار مع الشاعر محمد عبد القوي حسن

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون






تعرفت على الشاعر الكبير محمد عبد القوي حسن المصري الجنسية والهوية، الجنوبي المولد والإقامة منذ سنوات مضت فكان بحق مثال للإخوة الصادقة دون مآرب أوشعارات، خلقه الله تعالى وكل جيناته وطبيعته هي خدمة الناس من يعرف ومن لم يعرف، مهذب خلوق، جاد في شكله وهيئته وفي عمله، ولكنه ضحوك بسام خفيف الدم، ولمزيد من المعلومات لمن لم يعرفه، هو مقرر شعر العامية بإتحاد الكتاب المصري،ورئيس ومؤسس جمعية مبدعي مصر للنشر، صدر له عشرة دواوين آخرهم ديوان"الكلام الزين" الذي لم يصدر بعد، عمل محررًا صحفيًا ومراسلاً، واستهوته السياسة فغرق في بحورها، وها هو يحاول غزو البرلمان عبر موقعة قادمة يتنبأ أهل السياسة بأنها ستكون أعنف معركة انتخابية لأهم دورة برلمانية تشهدها الحياة النيابية في تاريخ مصر: 
ــ ما الذي جذبك للسياسة؟
.... بطبيعة الحال لاتنفصل السياسة عن الأدب ولا الأدب عن السياسة وكذلك الأمر كل مواطن يجب أن يكون معنيًا بالسياسة بقدر اهتماماتي الأدبيه إلا إنني من خلال انتشاري كشاعر وصحفي أكسبني عملي التعرف على المسؤلين وأنا مازلت أعيش فىي قريتي برغم كل ما أقدمه من أنشطة مختلفة في العاصمة أو في محافظات مصر المختلفة حيث أعيش في بنى عامر بالعدوه بالمنيا بجنوب مصر، وطبعًا أنت مطالب أن لاتنعزل عن المجتمع الذي تعيش فيه بكل مافيه من آلام وطموحات أو نستطيع القول أن تكويني الشخصى جعلني منذ الصغر مهمومًا بمشكلات المجتمع الذىي أعيش فيه وأيضًا من خلال رئاستي لنادي الأدب بمركز العدوه تعرفتُ على معظم شباب قرى مركز العدوه، فأقمنا الأمسيات والندوات داخل مراكز الشباب بالقرى، فتصادفك مشكلة لأحد الشباب فتقوم بحلها وهكذا تتوالى الخدمات وفجأة تجدهم يطالبونك بترشيح نفسك للبرلمان.
في هذا الوقت تحديدًا من عام 2000، وكنت أدير العملية الإنتخابية لنائب صديق ــ رحمة الله عليه ــ دون دراية مني بذلك، فهو يطلب مني النزول إلى القرى لأقابل الشباب والتربيط معهم لانتخابه وفجأة وجدت الشباب يدفعونني دفعًا في احدى قرى المركز، دار حوارًا مطولاً مع مجموعة من الشباب: لماذا لاتترشح أنت للبرلمان؟!
كان الشباب يعانون الأمرين من عدم مقدرتهم التواصل مع نواب الشعب، وبصراحة.. اختمرت الفكرة وراقت لي، وأردتُ أن أكسر الحاجز بين الشباب العادي وبين المناصب الرفيعة؛ فمعظم الشباب كانوا يتخيلون أن مثل هذه المناصب قد اقتصرت فقط على أصحاب الأبراج العاجية والسيارات المرسيدس وخلاف ذلك من الأشياء التي كانت تخلق شيء من الرهبة بين الشباب وبين عضوية مجلس الشعب. وقد كان وقمت بترشيح نفسى في نفس الدورة التي كنت أدير الانتخابات لصديقي الذي رحل، وكانت مكافأته لي أنه أقام ضدي دعوى قضائية (سب وقذف) عقب انتهاء الانتخابات وطبعًا حصلت على البراءة فيها، وهناك أشياء كثيرة أخرى سبقت الترشيح مثل المشاركة في معظم المؤتمرات الشعبية التي كانت تقام بمركز العدوه والمنيا والعاصمة الكبرى ،كذلك إدارتي ومشاركتي في العمل الخدمىة من خلال المحليات والجمعيات الأهلية ومراكز الشباب. 

ــ هل سيتوارى الشعر بعد نجاحك في الانتخابات القادمة إن شاء الله؟
... الشعر مستمر مادام هناك نبض. 
ــ لماذا انضممت إلى حزب الشعب الجمهوري؟
... انضممتُ لحزب الشعب الجمهوري لاقتناعي الشديد ببرنامجه وبالشخصيات الهامة المؤسِسة للحزب، وأدعو كل الشباب الواعي للانضام إلى حزب الشعب الجمهوري؛ لأنه يتبنى الوسطية الفكرية وبرنامجه يتماشى مع كل متطلبات المجتمع، ويرأسه مهندس شاب هو المهندس حازم عمر وهو رجل مفكر وله رؤية واعية للأحداث ومتمكن فكريًا، وهناك العديد من الشخصيات الهامة في مصر قادرة بإذن الله على تغيير ملامح المشهد السياسي بكل قوة. 
ــ هل أنت مع الرأي القائل بتأجيل الإنتخابات أم مع من ينادون بإجرائها في موعدها؟
... أنا مع اجراء الانتخابات فى موعدها لأن تاجيله يتعارض مع مابنيناه من أسس وقوانين ولوائح وأعتقد أن تأجيل الانتخابات المستفيد الأول منه هم الإخوان المسلمين، ويفقد مصداقية المسؤلين عن مصر في هذا التوقيت الحرج. 
ــ انسحاب الحزب من التحالف هل له أسباب أخرى غير معلنة؟
...نعم، الأسباب التي أدت إلى انسحاب حزب الشعب الجمهوري واضحة ومعلنة للجميع، وهو أن القائمين على التحالف يتشدقون بالديمقراطية وهم بعيدين عنها كل البعد، وبدا التحالف يأخذ شكل الجمعية الاستهلاكية في مضامين ولا تنسيق رؤى ولا التزامات أيدلوجية موحدة، فلا تحس أنه تحالف يتمتع بالانسجام بقدر ما إنه يخدم مجموعه أشخاص تريد أن تهيمن على التحالف، وأصبحت تضم أحزاب تحصيل حاصل: من هذه الأحزاب من ليس له تواجد على الساحة، ومن الأحزاب الأخرى من يتعارض فكريًا مع الأسس الفكرية والمباديء التي تم تشكيل التحالف على أساسها. فمن هذا المنطلق وكل المنطلقات يبتعد حزب الشعب الجمهوري عن كل هذه التكتلات الهلامية، والحمد لله الحزب الوحيد في مصر الذي لديه مقرات في جميع المحافظات، وأيضًا لديه مقرات بالمراكز ولديه وحدات قاعدية بالقرى ويعمل بشكل جيد ويتغلغل في الساحة وكل يوم ينضم إلينا أعضاء جدد، ولدينا قناعه ثابتة أن لانحاول اقناع أحد بحزبنا دون أن يكون لديه قناعة شخصية ثابتة وراسخة بحزبنا وأفكاره وبرنامجه الطموح.
ــ هل مازال المواطن المصري يختار الشخص الذي يعرفه لا البرنامج الذي يمثله؟
... هذا السؤال هام جدًا، الشعب المصري ينقسم إلى عدة أقسام في هذا الخصوص؛ فهناك فئة من الشعب وأعتقد أنها فئة ليست كبيرة دائما ماتسأل عن البرنامج، وفئة أخرى تنتخب أشخاص وفئة أخرى سلبية جدًا تجري خلف المال، ولكن المشهد أعتقد أنه أصبح مبشرًا؛ فهناك بعض المواطنين أول شيء يسألون عنه برنامج الحزب.
لكن أعتقد أننى في مركز العدوه اعتمد اعتمادًا كبيرًا على شعبيتي في المقام الأول ومعارفي، بالإضافة إلى بعض مابنيناه من وحدات قاعدية للحزب وهذه الفئة ستشكل نسبةً تقدر بـ 30% من الأصوات التي ستساندني في الانتخابات القادمة، لكن أعتقد في الدورة القادمة سيكون لهذه الفئة نسبة الـ100% ؛ لأننا سننشر الوعي الفكري بين الجماهير وهذا مهم جدًا.
ــ هل الشاعر محمد عبد القوي مكسبًا للحزب أم الحزب مكسبًا له؟
... المكاسب متقاربة في النسب نقدر نقول احنا الاثنين مكملين لبعض، وأنا فرحان بالحزب طبعًا، ومطلوب مني أن أُسخِّر كل قدراتي لمنفعة المجتمع لأنه هو المستفيد الأول والأخير وماجُعِلَت الأحزاب إلا لخدمة المواطن، والحزب مكسب لي ولكل المواطنين.
ــ كيف تشرح لأهالي دائرتك أنك فردي من خلال حزب الشعب؟
... مع تقسيم الدوائر والمحافظات ومع المستجدات التى طرأت على المشهد كان يجب أن يكون هناك تغييرات جوهرية في الشكل والمضامين، وكوني فردي على قائمة الحزب يعني أنا مرشح الحزب ولكن خارج القائمة، وطبعًا كلكم تعلمون أن السبب الرئيسي لحل برلمان الإخوان أنهم كانوا يرشحون أسماء في القائمة، وهناك أسماء أخرى كانت فردي ولكنها كانت تنتمى للإخوان، وهذا متعارض مع برلمان الإخوان.
وتم حل البرلمان.. قانونيًا فى هذه الانتخابات المرشح لايصح أن يدخل الانتخابات مستقلاً ثم بعد دخوله البرلمان ينضم لحزب من الأحزاب، ولا يصح له أن يدخل باسم حزب ثم بعد دخوله البرلمان ينسحب منه. فمن البداية سأوضح للجميع أنكم ستنتخبوني فردي ولكن انتمائي سيكون للحزب تحت قبة البرلمان. 
ــ حصلت على أقل من 4000 صوت فى الانتخابات البرلمانية عام 2000، فهل ترى فرصتك في الانتخابات القادمة أحسن؟
... طبعًا فرصتي في الانتخابات القادمة ستتضاعف أضعاف الأصوات السابقة لعدة أسباب منها: إنني حصلت على هذه الأصوات في ظل هيمنة الحزب الوطني على الساحة، وأيضًا التزوير الفادح..هذه واحدة، الثانية: أن الأسماء الكبيرة التي كانت تسيطر وتهيمن على المشهد قد ابتعدت عن الساحة منهم لمن كبر سنه، ومنهم من رحل ــ رحمهم الله جميعًا ــ والثالثة: إنني متواجدًا طول الوقت بين الجماهير ولا انعزل عنهم ولا أجد صعوبة في الوصول إليهم، وإننى اعمل أيضًا موجهها فى التربية والتعليم بجانب عملي في الصحافة مما يكسبني قوة كبيرة على أرض الواقع.
فهناك حشد جماهيرى كبيير يساندني من الشباب والمعلمين والمثقفين والفقراء المطحونين الذين يرون صورتهم في شخصي، لأنني من العاديين من هذا الشعب لا أنا ابن باشا ولا ابن بيه ولا أنا نازل للناس ببرشوت، فهناك ألفة ورحمة بيني وبين غالبية أهالي دائرتي الذين جربوا من قبل وكانت تجاربهم مريرة والحمد لله. كنت جلست فى بيتي أفضل من التعب لو لم أرى بعيني وأحس بصدق عزم المواطنين على شخصي والأيام القادمة كفيلة على صدق كلامي. 

ــ جميل أن يكون لك برنامج انتخابي بالرغم من أن للحزب برنامجه، فهل هناك توافق بين البرنامجين؟ ولو تعارض برنامجك في بعض النقاط أو تعارضت سياستك مع سياسة الحزب، هل تستقيل منه؟
... برنامجى الانتخابى لايتعارض مع برنامج الحزب لإنني أنتمى لنفس المدرسة للفكرية للعقلية التي وضعت برنامج الحزب فلا يوجد تعارض لا فى وقتنا الحالي ولا مستقبلاً. 
ــ هل ستتأثر علاقتك بالاتحاد بعد بدء علاقتك بالبرلمان؟
...عضويتي لإتحاد كتاب مصر لاتتاثر أبدًا بوجودي بالبرلمان، وإن شاء الله سأعمل على نهضة الاتحاد أيضًا بقدر المستطاع. 
ــ بعد جلوسك تحت قبة البرلمان، ألم تفكر في تقديم مشاريع حول الثقافة المصرية من خلال مؤسساتها: وزارة الثقافة، هيئة قصور الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة؟
... سيكون شغلي الشاغل في المقام الأول أبناء دائرتي وسأجعل من مركز العدوه مركزًا هامًا على الخريطة في مصر، وسأعوض أبناء مركز العدوه كل ما فقدوه من ذى قبل على يد من كان شغلهم الشاغل مصالحهم الشخصية، سيكون اهتمامى لمركز العدوه 90% للمركز وأبناء المركز والعشرة فى المائة ستكون للثقافة ــ حتى لا أكذب عليك ــ الآن أبحث عن رغيف خبز نظيف للمواطن بالعدوه.
أبحث لهم عن مستشفى مركزي حديث يستوعب الحالات المستعصية لإننا نعانى الأمريْن في مثل هذه الحالات.. أبحث عن رسم خريطة راقية لكردون المركز والقرى .. سأقوم بتغطية الترع التي تمر من داخل القرى وتجلب الأمراض لأبناء مركز العدوه بقراه ونجوعه .. سيكون للطفل مكانة كبيرة فى أولوياتي، فصحة الطفل في العدوه في خطر.. أطفالنا محرومين من الرعاية .. سأهتم بالمدارس وأحوالها، وسأعمل على سد العجز في هيئات التدريس المختلفة، وسأعمل على تثبيت العاملين بعقود (فليس من المعقول أن نجد فئةكبيرة تعمل بمبلغ خمسون جنيهًا شهريًا)، سأقوم بتثبيت هؤلاء .. المواصلات في مركز العدوه التي تربطنا بالعاصمة الكبرى غير موجودة وأيضًا بالمحافظة، سأقوم بعمل ربط بين العاصمة (القاهرة) وبين المركز مباشرة، لأننا نعتمد على مركز مغاغة في كل شيء .. فهل تصدق أن مركز العدوه لايوجد به أفرع للبنوك!! .. فقط بنك التنمية والائتمان الزراعى.. سأطالب بكل قوة أن يكون هناك أفرع للبنوك بمركز العدوه حتى أرحم المواطنين من اللجوء لمركز مغاغة والسفر له من أجل مثل هذه الأمور ..
طبعًا الطريق الجديد الذي يربط مركز العدوه بالصحراوي الغربي، سأحاول بالتنسيق مع الأهالي والمسؤلين أن اجعله طريقًا استراتيجيًا هامًا لأبناء المركز للاستفادة منه واقامة المشاريع عليه بالإضافة إنني سأطالب بإنشاء مدينة العدوه الجديدة فى الصحراء الغربية، وهذه هديتي لأبناء مركز العدوه لحل مشكلة الإسكان أولا، ثم لتشجيع زراعة الصحراء، ولإنشاء المصانع وأيضا ستكون هناك وسيلة مواصلات محترمة تربط بين العدوه الجديدة والعدوه القديمة.
وأنا لاأقدم أحلام هنا بقدر ما إنني لديَّ الأفكار التي ستترجم كل ذلك على الواقع، لأنني من الآن سأبدأ بتشكيل لجان شعبية من مختلف الاتجاهات، بكل قرية لجنة تشاركني في كل شيء وتعمل معي ضمن فريق عمل متكامل، وسيكون هؤلاء الشباب هم نواب عن أهاليهم وقراهم ويكون لنا اجتماعات دورية.. وطبعًا البرنامج حافل بالعديد من الخدمات بجانب ما ذكرته من خدمات ضرورية وهامة. 
ــ وفي نفس السياق ما المقترحات التي تقدمها حول إتحاد كتاب مصر لتزيل معوقات تقدمه؟
... إتحاد الكتاب يعمل بشكل جيد ورائع وأنت تتابع الأنشطة المختلفة، والإتحاد بدأ بالفعل يحل مشكلات كثيرة للأدباء ويفتح لهم الآفاق الرحبة للعمل، والإتحاد الآن في أبهى عصوره والقادم أحلى، وطبعًا لا أخفى عليك سرًا.. أن الخطوة الأخيرة التي تخص التبرع لقناة السويس الجديدة بخمسة ملايين جنيه كانت خطوة رائعة أُحيِّ الإتحاد عليها.
والإتحاد مفتوح لكل الموهوبين والأدباء والمفكرين، وكل يوم يقدم الجديد، وطبعًا سأشارك إن شاء الله بالنفع للإتحاد، وأبارك كل الخطوات الجادة، ونحاول تسخير كل العقبات التي من شأنها رفع قيمة المعاشات، وأن يتعامل عضو الإتحاد بالسكة الحديد معاملة نقابة الصحفيين، وأيضا نزول الإتحاد إلى الشارع والمجتمعات وجذب المواطنين إليه، ستكون كل هذه الاشياء ضمن أولوياتى، ومن أهم تلك الأولويات (مطبعة) للإتحاد، وإذا كبر الحلم (قناة تلفزيونية للإتحاد). 
ــ هاجمت الدكتور صابر عرب وطالبت باستقالته، فهل عالجت وزارة الدكتور عصفور سلبيات عرب؟ أم الأمر تعلق بشخص الوزير السابق ليس إلا؟
... وزارة الثقافة تزداد من سوء الى سوء.. وجابر عصفور وفاروق حسني وصابر عرب كلها وجوه متشابهة ومملة للغاية ولا تقدم جديدًا، وأطالب بوزير ثقافة واعٍ متفهم جريء ينهض بالثقافة، والحقيقة هناك أناس يجلسون على مكاتب بوزارة الثقافه هيَّ أكبر منهم بكثير.. فمازالت المحسوبية والشللية تتحكم في كل شيء.
ولا يوجد شيء يبشر بالخير في وزارة الثقافة غير وجود بعض الوجوه الجميلة في هيئة الكتاب أمثال: الدكتور هيثم الحاج على، والدكتور شريف الجيار، وطبعًا أبارك وجود الصديق مسعود شومان لرئاسة الهيئة، وأحلم له وبه بهيئة جميلة أن تخلص من بعض الشوائب والشخصيات المملة التب لا تريد أن تطور من نفسها وماعدا ذلك فعلى الثقافة وجابر عصفور السلام. 
ــ هل ستصدر مجلة شعر العامية عن شعبة العامية بالإتحاد بالفعل أم أن هناك معوقات تحول دون ذلك؟ 
...مجلة العامية ستصدر.. ونعد الآن لإصدارها، وسنتخطى كل العقبات، وهناك تفهم من مجلس الإدارة للدور الذي تقوم به الشعبة ولا أحد يتدخل في شغلنا أبدًا.
ــ بصفتك مقرر لشعبة العامية بالاتحاد هل أنت راضٍ عن أداء الشعبة بصفة خاصة والاتحاد بصفة عامة؟
...راضٍ كل الرضى عن الشعبة إلى حدٍ ما، وإن كنت أريد أن أقدم الكثير والجديد دومًا لكن على الأقل الشعبة ساهمت في تحريك الرواكد داخل إتحاد الكتاب، ودومًا نحن أهل لتحريك الرواكد مهما كان للكلمة من مسئولية، وهناك شيء من الرضا عن الإتحاد بنسبه 80% والكمال لوجه الله وحده.
ــ ما سر انحيازك لديوانك "كلام زين" وماذا عن دواوينك الأخرى؟ 
... ديوان (الكلام الزين) مازال أسيرًا داخل أدراج إدارة النشر بهيئة الكتاب، وقام المثقف الواعي الدكتور هيثم الحاج بالبحث عنه ولم يجد النسخ الورقية، وقام بطباعة السي دي على الورق، وبحث عن التقرير الخاص بلجنة الفحص وأيضًا تم فقده، والديوان مُجاز وكل أعمالي والحمد لله مُجازة، والديوان سيرى النور قريبًا، واتضح أن أحمد مجاهد لم يقف في طريق إصداره حيث أكد للجميع بذلك وانتظر حسن النوايا. ..أما مايجعلني أنحاز لديوان الكلام الزين لأنه أشبه بالولد المحاصر خلف الأسوار لا أنا قادر أن أراه ولا أعرف متى يفكون عنه الحصار. 
ــ يرى أكثر أصحاب دور النشر أن الشعر بأنواعه تراجع لصالح القصة القصيرة، والرواية، فهل تتفق معهم؟
...أنا ضد أن نسمي العصور بالأجناس الأدبية المختلفهةكما يطلق البعض: عصر الرواية..عصر الشعر.. فهذا الحكم غير صحيح، ولكن كل عمل جيد يفرض نفسه على الساحة يستحق التقدير، وهناك حركة شعرية في شعر العامية واضحة، ولا أريد أن أطلق على هذا العصر أنه "عصر الشعر" وربما هناك بعض الإجتهادات في القصة القصيرة، والقصة الومضة.. ولكن قلما تستمر مثل هذه الظواهر ويبقى الإبداع بمختلف اتجاهاته .. فهل نحن شعب يقدر الإبداع والمبدعين؟
ــ رغم تعدد علاقاتك بأهل الفن لم يتغنَ أحدهم بشعرك. فما تفسير ذلك؟
... بخصوص أعمالي التي لايتم تلحينها برغم تعدد علاقاتي، فأعتقد أنني المنتصر للإبداع في عدم السعي بجدية لذلك؛ لإننى أرى أن الغث هو المتسيد على الساحة الآن فالأفضل لك أن تبتعد وتحترم إبداعك.
ــ لماذا تعددت المستويات اللفظية داخل قصائدك بين السهولة والصعوبة؟ هل هيَّ مواءمة بين المدينة والقرية داخلك؟ 
... أنا أقدم نصًا مختلفًا تمامًا، ولا أتعمد الخلط بين المفردات المختلفة فى إبداعي، بقدر حرصي على الإضافة، أريد أن أقدم نصًا غير مستهلكًا وليس القضية قضية صعوبة أو غموض بقدر أنني أبحث عن النضج الفني، فهناك أعمال كثيرة ركيكة وحصل أصحابها على جوائز الدولة، لكني أبحث عن صدق التجربة وعن نضج وتوهج الصورة، وأعتقد أنني لم أقدم ما أحلم به لقصيدة العامية التي تحتفظ بعذريتها دومًا وتكون بكرًا على مدار العصور. 
ــ هل أنت راضٍ عن نفسك كمبدع فيما قدمت؟ 
... أنا غير راضٍ تمامًا عن ماقدمته. 
ــ لو استعرضت حياتك الثقافية، وكذا حياتك السياسية، ما الذي ندمت على ما فعلته فيهما، وندمت على ما لم تفعله؟
...طول عمري ماندمت على عمل أنا الذي عملته بنفسي سواء في السياسة أو الأدب.
ــ لأنك من مواليد برج القوس، ألا تمل من تكرار المحاولة؟ ألا تخاف من عدم التوفيق ــ لاقدر الله ــ فيما أنت مقدم عليه.."عن الانتخابات أتحدث"؟ 
... برغم إنني كنت أكتب "فلكي الزهور" في مجلة عبير الزهور التي كانت تصدر عن رابطة الزجالين وكتاب الاغاني، فلا أخفيك سرًا أنني لا أؤمن بالأبراج نهائيًا وليتهمني البعض حسب مايحلو لهم من اتهامات.. 
وأعتقد أن ماسيقسمه الله لي عاجلاً أم آجلاً أنا راضٍ عنه، وأنا والحمد لله دائمًا في حالة رضا مع نفسي، وأنام وأنا خالي البال، صافي الذهن، هاديء الطباع وقلبى لايحمل سوء لأحد في الكون بمختلف الأديان واللهجات؛ فالإنسان كرمه الله ونحن البشر كيف نهينه؟!
أحمد الله على أنه منحني قلبًا صافيًا أما كل هذه الأشياء فقد تأتي وتروح ويبقى الحب والسلام والتسامح والمودة، فأنا أحلم لكل العالم بالخير، وأحب أرى كل الناس في سرور وسعادة، وأتمنى أن أتحمل عن المجروحين جراحهم وعن المهمومين همومهم، وأتمنى أن أرى الناس كلها في سلام وود ومحبة وخير وازدهار، وأتمنى أن أرى في مصر نهضة تكنولوجية كبرى، وأن تخضر صحاريها، وأن تنتهى القناة الجديدة في موعدها، وأن يتم انتخاب البرلمان في موعده، وأن يصل حزب الشعب الجمهوري إلى القاعدة العريضة من المجتمع.
وأن يوفقك ربى أخي الفاضل لما يحب ويرضى.. وأشكرك كثيرًا على هذا الحوار الجميل والهادف.

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

السهل الجميل في شعر الدليل بقلم: السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي

السهل الجميل في شعر الدليل بقلم: السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي







      انجذب إلى الإبداع  ــ الشعر خاصةً ــ ثم انقطع عنه، وظن رغم دراسته للغة العربية وتخصصه فيها حتى صار معلمًا أن جذوة الإبداع قد خمدت أو أنه قد وأدها إلى الأبد، ولكن عن غير عمدٍ منه تفجرت براكين البيان في قلبه وعلى لسانه، فعدا القلم سريعًا يكر فوق الورق ليسجل ويسجل محاولاً استعادة تلك السنوات العجاف التي ضاعت، فأصدر ديوانه الأول ثم أتبعه الثاني وسيلحقهما الثالث.

     إنه الشاعر المصري "محمد الدليل" الذي صدر له "حلم شاعر" و "همسات الدليل"، وحيث أن رؤية الشاعر لا تنفصل عن شعره أو عن جغرافية إبداعه التي تتسق مع جغرافيته، جاء شعر الدليل منسابًا سهلاً، لا يكاد يندرج تحت مدرسة بعينها، أو متأثرًا بشاعرٍ ما، ليس لأنه لا أساتذة له ولكن لأن كل ما اختزنه خلال سنوات عمره من إبداع غيره خرج منه بتذوقه حتى صار متسقًا مع طرحه الشعري.

        قد يخطيء من  يمر على شعره مرورًا سريعًا فيتهمه بالتقريرية والتسطيح والمباشرة؛ إذ الأمر عكس ذلك تمامَا، فهناك تقف الفكرة/الرسالة التي يريد الدليل أن تصل إلى قارئه على خط مستقيم لا لبس فيها ولا غموض، ينبع ذلك من أن الرجل بتاريخه التعليمي والمهني يحتم عليه التيسير وتبسيط الفكرة، وتوضيح الغامض، وإزالة أسباب اللبس، ولهذا بان سهلاً لقارئه لا عن عجز التقعر والصعوبة ولكن عن طبيعة فيه.
   أحس "الدليل" بأن الواقع الذي تمر به البلاد يملي عليه أن يكثف جهوده من أجل أمته عبر قصائد وطنية كثيرة غطت مساحة كبيرة من ديوانيه، وكلما أحس أن القصيدة الواحدة لم تتسع لما يريد قوله سارع إلى كتابة غيرها ليحمّلها ما يريده.
  
    لا يعرف الدليل سوى الأمل يبثه عبر أبياته، ينفخه في صدور الطيبين من الشباب وغيرهم، يبذر الحماس حولهم ويمنيهم بأن الغد يحمل الجيد والجديد، وهو لا يمل عبر ديوانيه من ترديد تلك المنظومة، تتوازى معها وتتقاطع صرخاته ومطارداته لكل من غدروا ويغدرون بالوطن أولئك الذي يتوعدهم بأشد الوعيد: "واكتب على باب جنتك ..ممنوع دخول كل اللي خان".

   كما لايملك عندما تضيق به السبل والنفس من عون البشر لمصر، أن يتوجه عبر قصائد عديدة بالتوجه إلى الله تعالى بالدعاء ويحث المخلصين للوطن من أبنائه أن يشاركونه رفع أكف الضراعة للمولى بأن يكشف الغمة، وينقذ الوطن: "رب السما يقدر يحوش"، "بدعي للمولى يصونك..يا قمر كل البرايا"، "نرفع إيدينا للسما..ندعي لرب العالمين"، "لو بتحبوا بلدنا ادعولها.. ادعوا معايا وقولوا آمين".

  لايطرح الشاعر محمد الدليل عبر قصائده أسئلة كونية فلسفية ملغزة، فهو لايقصد تعجيز سامعيه لإبراز مكنوناته الثقافية، بل يطرح أسئلته التي تأتي متسقة مع طبيعته ومنهجه وما يهدف إليه، فهو يطالب الجميع بالمشاركة في التفكير، والبحث عن حل للخروج من الأزمة، أن "الدليل" هنا ليس "دوجماطيقيًا" ممن يشيعون أنهم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة، وما أكثرهم في أيامنا، ولا يدعي أنه حامل المفتاح السحري للحلول، فتأتي أسئلته في ديوانه "همسات الدليل" عبر رائعته "الحل إيه؟!"، وهيّ أول ما شدني لقراءته والكتابة عنه، بما تحويه من مسح واعي لواقعنا السياسي، والاجتماعي، والديني... ولقد نصحته بالعكوف عليها حتى تقوم ديوانًا بنفسها.

  ومع سهولة الطرح الشعري للشاعر الدليل، إلا أن الجمال لم يفارق شطرات قصائده، والإيقاع الشعري الهاديء المتناغم يصاحبها، والتراكيب اللغوية المقصودة تسكنها، ولغته الثالثة التي تبدو بوضوح حيث تقف في المرحلة الوسطى بين قاع العامية وأطراف الفصحى، بل استخدم  أحيانًا كلمات فصحى قحة، ولم يستعبده قلمه فساقه طمعًا وراء القافية، وهو ما حفظ أكثر قصائده من الترهل، كما أبدع في تأملاته عبر قصائده: "وجهة نظر"، و"ناس وناس"، و"مقسوم".

       وبقى في النهاية أن أناشد الدليل بالاكتفاء من الارتواء من نهر الوطن، وشق رافد جديد في الوجدانيات دون افتعال، والعكوف على التأملات لأنه يملك عين راصدة، وقلم واعٍ، ونهنيء الساحة الأدبية باسترداد صوت واعد طمرته الأيام فزادته اختمارًا، ثم سال مشتاقًا للبوح، فوجب عليه أن يرعى موهبته ولايبددها، حتى يواصل السير في ماراثون الإبداع إلى أن يعتلى سدة المجد والخلود وهو بالغها إن شاء الله تعالى.         

المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/09/09/341264.html#ixzz3CnNh7LWC

الخميس، 28 أغسطس 2014

تكامل المعجزات في شخص خاتم الرسالات صلى الله عليه وسلم

تكامل المعجزات في

شخص خاتم الرسالات صلى الله عليه وسلم





عبر عدة دراسات عميقة تناوَلنا فيها الإعجاز البشري لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، التزمتُ فيها منهجًا علميًّا صارمًا وشاقًّا؛ حيث أثبتُّ فيه أقوال العلماء والأدباء والمفكرين من المسلمين وغيرهم، ومن العرب وغيرهم في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يتصل به من سلوك بشري، أعلنوا خلالها صراحة وكتابةً بحسب لغاتهم كلمة "معجزة" في كل المواقف التي استلفتَتْهم، ومذكورة في ثنايا تلك الدراسات، ولم أكتفِ بهذا، بل أوردت أقوال غيرهم من العلماء الذين استوقفتْهم نفسُ المواقف النبوية بانبهار أقل من وصفها بـ "المعجزة"، ولكن بألفاظ مغايرة، قد تُماثلها أو تقترب منها، وكان المقصد من وراء كل هذا، هو التأكيد على الاستحقاق البشري للنبي صلى الله عليه وسلم، ممن يَدينون بدينه ويتَّبعونه، وممن هم على غير مِلَّته، ويَدرسونه ويُتابعونه.

وقد تناوَلت هذه الدراسات معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في أخلاقه على الإجمال، ثم تعرَّضت لكل مفردة على حِدَة، فكان الصدق معجزته، والوفاء معجزته، والرحمة معجزته، والثبات معجزته صلى الله عليه وسلم، ثم عرَّجت الدراسات على مَن لهم صلة مباشرة به صلى الله عليه وسلم، فكان الصحابة معجزته، والأُميَّة معجزته صلى الله عليه وسلم، ثم انتهت الدراسات بانتشار الإسلام معجزته صلى الله عليه وسلم، وآخرها معجزة الصعود والانقطاع.

إلا أن هناك أقوال لم تَرِد في تلك الدراسات، وكان من الأمانة العلمية إيرادها، والحق الأصيل للقارئ في الإلمام بها، والوقوف عليها، ومنها:
بحث الكاتب توفيق الحكيم عن مكمن المعجزة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، ليجده في تلك المبارزة غير المتكافئة، فها هو العالم القديم بدياناته ومعتقداته وإمبراطورياته وشعوبه في جانب، وهذا الرجل الذي يؤمن وحْده بعقيدته في جانب وحده، ليس معه من السلاح ما يستطيع أن يدفع الضُّرَّ عن نفسه، لا أن يُجاهر بدعوته، ويطالب الناس أن يَهجُروا عقيدتهم ويؤمنوا بما أتى به وهو الحق...، ستكون مبارزة ولا شك حامية الوطيس بين سَدَنة الفكر القديم الذي لن يتنازل عما آمَن به مئات السنين، فيَقتلع جذوره تلك؛ ليُغرَس مكانها غرسٌ جديد[1]: "إذًا هناك مبارزة بين فرد أعزل، وبين عصر بأسْره يُزَمْجِر غضبًا: عصر زاخر بأسلحته ورجاله، وعقائده وفقهائه وعلمائه ومشاهيره، وتقاليده وماضيه، ومجده وتاريخه..، هذه المبارزة الهائلة العجيبة، من يستطيع أن يُقدِم عليها غير نبي؟!

على أن المعجزة بعد ذلك ليست في مجرد التحدي، ورمي القفاز، وارتفاع ذلك الصوت الضعيف على شاطئ ذلك البحر الطامي العجاج: (أن اتْرُك أيها العالم دينَك القديم واتْبعني!)، ذلك الصوت الذي لا جوابَ عليه إلا سخرية طويلة وقَهقهة عريضة، وليست المعجزة كذلك في مجرد شفاء الأصم وإبراء الأعمى، وإنما المعجزة حقيقةً أن يخرج مثل هذا الرجل الوحيد الأعزل من هذه المعركة المخيفة ظافرًا منتصرًا، فإذا هذا العالم العتيد كله يَجثو عند قدَميه مُنكِّس الأسلحة، وقد انقلبت سخريته خشوعًا طويلاً، وقَهقته صلاةً عميقة!).

وفي نص طويل يُسهب شاعر فرنسا "لامارتين" في استقصاء مواطن العظمة، ومكامن المعجزة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستعرضًا المراحل التاريخية لمسيرة تبليغ الرسالة الخاتمة، ووضْع المقارنات لاستخلاص النتائج التي تأتي في جانب منها مُتفقة مع ما ذهب إليه الحكيم في مقولته، فيقول: (لم يحدث من قبل أن عُهِد لإنسان - طوعًا أو كرهًا - بمثل هذه المهمة السامية، فقد كانت المهمة فوق طاقة البشر، بها يقضي على الضلالات التي وقفت حائلاً بين الإنسان والخالق، وبها يصل الله بالإنسان، ويَصِل الإنسان بالله، وبه يعيد لفكرة الألوهية رشادها وقُدسيتها وسط فوضى آلهة الأوثان الشوهاء التي كان القوم يعبدونها وقتئذٍ، لم يحدث من قبلُ أن قام إنسان بعمل يتعدَّى مَقدور البشر بمثل هذه الوسائل الهزيلة؛ ذلك لأنه اعتمد على نفسه كليَّةً في تصوُّر وتنفيذ مهمته العظيمة، ولم يكن يساعده سوى حَفنة من الرجال المؤمنين به في هذا الركن المجهول من الصحراء الشاسعة.

وأخيرًا، فلم يحدث أن استطاع إنسان من قبلُ أن يُحقق مثل هذه الثورة الهائلة والدائمة في العالم بأسْره؛ لأنه بعد أقل من قرنين على ظهور الإسلام، كان بالإيمان والسلاح يُسيطر على كل جزيرة العرب، ثم يغزو باسم الله بلاد فارس وخراسان، وما بين النهرين، والهند الغربية، وسوريا والحبشة، وكل شمال إفريقيا، وعددًا من جزر البحر المتوسط، وإسبانيا، وجزءًا من بلاد الغال "فرنسا".

فإذا اعتبرنا عظمة الهدف وضآلة الوسائل، والإنجاز المذهل - معاييرَ ثلاثة للعبقرية الإنسانية، فمن ذا الذي يَجرؤ على مقارنة أيٍّ من عظماء الرجال في التاريخ الحديث مع محمد صلى الله عليه وسلم؟

هؤلاء العظماء خلَقوا السلاح أو القوانين الوضعية أو الإمبراطوريات فقط، لم يُقيموا سوى هياكل مادية رَأَوْها في معظم الأحيان تتهاوى أمام أنظارهم، لكن هذا الرجل لم يُحرك الجيوش والقوانين والتشريعات، والإمبراطوريات والشعوب والمماليك وحدها، ولكنه حرَّك معها ملايين الناس ممن كانوا يسكنون أكثر من ثُلث العالم المأهول في ذلك الوقت، بل وأكثر من ذلك حرَّك الأرباب والمقدسات والأديان، والأفكار والمعتقدات والأرواح، على هدي الكتاب الذي تُصبح كل آية من آياته قانونًا يُنظِّم، خلق أمة روحانية، امتزجت فيها شعوبٌ بأكملها من كل عِرق ولون ولغة، ترَك فينا الخاصيةَ التي لا تُمحى للأمة الإسلامية، ألا وهي كراهية الشِّرك بالله، وعبادة الإله الواحد الأحد الذي لا تُدركه الأبصار، هكذا تميَّز المؤمنون بمحمد بالالتزام الشديد بالوقوف ضد الآلهة المزيَّفة، والشِّرك الذي يُدنس السماء، كان دخول ثُلث سكان الأرض في دينه هو معجزته، أو على الأصح لا نقول: إنها كانت معجزة الرجل، وإنما معجزة العقل، فقد كانت فكرة الإله الواحد[2] التي دعا إليها وسط أساطير وخرافات رسَّختها ممارسات الكُهَّان وخُدَّام الأوثان - معجزة في حد ذاتها، استطاعت - فورَ أن نطَق بها - أن تُدمر كلَّ معابد الوثنية، وأن تُضرِم النار في ثلث العالم.

إن حياته وتأمُّلاته في الكون وثورته هي البطولة ضد الخرافات والضلالات في بلده، وجراءته على تحدِّي سَخَط الوثنيين، وقوة تحمُّله للأذى طوال ثلاثة عشر عامًا في مكة[3]، وصبره على تعسُّف القوم وازدرائهم، حتى كاد أن يُصبح ضحيتهم كل هذا، مع استمراره في نشر دعوته، وحربه ضد فساد الأخلاق وعادات الجاهلية، وإيمانه العميق بالنجاح، وسكينته عند الشدائد، وتواضُعه عند النصر، وطموحه الذي كان مُكرَّسًا لفكرة واحدة، لا سعيًا وراء الجاه والسلطان، وصلواته التي كانت لا تنقطع، ومناجاته لله، وموته وانتصاره الساحق بعد الموت - تشهد جميعها بأننا لسنا أمام أفَّاكٍ مُدَّعٍ، وإنما نحن أمام إيمان راسخ، واقتناع لا يَتزعزع، فقد أعطاه اعتناقه القوة ليُقيم الدين، فبنَى عقيدته على مبدأين أساسيين؛ هما: أن الله واحد، وأنه غير محسوس ماديًّا، بالمبدأ الأول نعرف مَن هو الله، والثاني ترتبط المعرفة بالغيب، إنه فيلسوف، خطيب، مشرِّع، مُحارب، فاتح، مفكر، رسول، مؤسس دين عقلاني وعبادة، بلا تماثيل أو أوثان، وزعيم عشرين إمبراطورية أرضية، بالإضافة إلى الإمبراطورية الروحية التي لا تَحُدُّها حدودٌ، هذا هو محمد، فإذا نظرنا في كل المعايير التي نقيس بها عظمة الإنسان، فلنسأل أنفسنا: هل يوجد أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم؟)[4].

أما المرأة، فلها مع شخصه صلى الله عليه وسلم رؤية أُسرية، باعتباره زوجًا، وليس كأي زوج، بل الزوج العادل المنصف المتسامح، الذي لم يسمح لشواغل رسالته وعظائم الأمور حوله أن تتجاذبه فتَسرقه من أزواجه، أو يَسلُبُهنَّ حقوقهنَّ، فلم يُرْهِبُهنَّ بكونه رسولاً وهنَّ أُمهات المؤمنين أن يَتغاضينَ عن حقوقهن أبدًا..، فهذا خُلقٌ يليق بصغار الرجال الهُمل النكرات، وليس بخُلقه الكريم صلى الله عليه وسلم، وما كانت لترصد تلك المعجزة إلا امرأة، فتقول الدكتورة ليلى أحمد الأحدب[5]: (أي رجل يكون له تسعة نسوة، ثم يستطيع أن يصوغ حياته وحياة الناس من حوله بهذا الشكل العبقري؟!.... إن هذا التوازن بين الروح والمادة الذي اكتست به حياة رسولنا حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام هو بحد ذاته معجزة ودلالة على أنه نبي).

ويدعم ما ذهبت إليه الدكتورة ليلى وما فيه من تماسٍّ من علاقته صلى الله عليه وسلم بأزواجه رضوان الله عليهنَّ وبين الناس، بسمته صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم تكن الحياة حوله رغيدة يسيرة، لكونه نبيًّا يستعين بمدد السماء كلما أعْوَزته حاجة، ناجى ربه، فاستجاب له.

إن الذي يؤسِّس منزلاً لحياة زوجية أو شركة، لا تراه إلا مشغولاً مهمومًا قَلِقًا، لا تكاد الابتسامة تلامس شفتيه، فما بالك بمن ينشر دينًا وينشئ دولة ويدعو ويجاهد، ورغم عظيم مسؤولياته بالقيام بأمر الدعوة الناشئة، وتأمين مَن آمنوا معه من غوائل المعتدين، والوقوف أمام ما تَبثه أفواه المنافقين من دسٍّ رخيصٍ عليه وعلى آل بيته، والإجابة على ما يطرحه اليهود من أسئلة تعجيزية - من وجهة نظرهم - بُغية إحباط نفوس الملتفين حوله من المؤمنين، فينفضون عنه ويتركونه قائمًا، ودأبه على تنظيم الغزوات وإخراج السرايا لصد الهجوم الباغي الطاغي على الدعوة لوأْدها سريعًا في مهدها، ذلك الهجوم الذي تكاتف عليه فيه اليهود والمنافقون من الداخل، والمشركون من الخارج، والدولة الرومانية وأذنابها على الحدود بعددها وعَتادها، ومعاناته في تلقي الوحي، وحفظه في السطور بعد الصدور، وإرساله السفراء بالرسائل للملوك لدعوتهم للإسلام، وتنظيم المجتمع ليتعايش فيه المسلمون وغيرهم، ثم حق آل بيته من أزواجه الطيبات المؤمنات الطاهرات وأبنائهن وبناتهن، وبناته وأحفاده، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بالزوج المتشاغل عن أمور بيته أبدًا، وإلى جانب هذا كله أسئلة المؤمنين والمؤمنات فيما يشغلهم وفيما يَجِدُّ لهم من حياتهم الإيمانية الجديدة من أمور تعبُّدية، أو من معاملات فيما بين الرجل وامرأته، والمسلم وأخيه المسلم، مما يلزم معه لقاؤه بهم وتعليمهم، ثم قيامه بواجب القضاء والفصل في كل ما يَنشَب بينهم من بيوع ومواريث وغيره، وفوق ذلك كثير، ولو عددنا ما أحصينا ولا توقَّفنا.

برغم كل ما تقدم، لم يعهد المسلمون في نبيهم صلى الله عليه وسلم إلا الوجه الأَلِق المنير ببسمة لا تكاد تُفارق شفتيه، حتى في أشد المواقف التي تكاد تَعصِف به ومَن معه، كانت بسمته دومًا سلاحه الذي يعتصم به بعد اعتصامه بالله عز وجل، وكانت الفرع الباسق النَّدِي المُطِل من شجرة رحمته؛ ليُظِل مَن حوله، فيسري الأمن إلى قلوبهم.

أخرج الترمذي في المناقب عن عبدِالله بنِ الحارثِ بنِ جزء رضي الله عنه، قال: (ما رأيتُ أحدًا أكثرَ تبسُّمًا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم)[6].

وكان الصحابة من حوله صلى الله عليه وسلم يعلمون أنه الرسول الحق من الله الحق، فقوله حق، وصمته حق، ومُزاحه صلى الله عليه وسلم كذلك حق، فهو المعصوم الذي لا ينطِق عن الهوى، فحفظوا له قدره، وعَظَّموه في قلوبهم، وقدَّموه على أنفسهم، وافتدوه بأرواحهم، ليس أحب منه على وجه البسيطة أحد، وليس أعظمَ منه صلى الله عليه وسلم - منذ أن خلَق الله عز وجل الأرض ومَن عليها، وإلى أن يَرِثَها ومَن عليها - أحدٌ.

يقول الدكتور محمد عمارة: "ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النموذج الأعظم للإنسان الكامل، الذي تكاملت في صفاته وشمائله وأفعاله الوسطية الجامعة، والتوازن العادل - فإن حياته وأُسوته وقدوته لم تخلُ من المُلَح والطرائف والنكات، التي نهضت بمهام الترويح عن النفس، وتجديد ملكات وطاقات القلوب، والإعانة على جد الحياة وصعابها، مع التزام الحق والصدق والعدل"[7].

فبسمته صلى الله عليه وسلم رحمة، ومُزاحه صلى الله عليه وسلم رحمة، وتواضعه صلى الله عليه وسلم رحمة، وتخفيفه لبعض التكاليف التعبدية عن أتباعه من المؤمنين رحمة، وأن يُشيح بوجهه عمن أغضبه رحمة، واختياره للأيسر لأُمته رحمة، واستغفاره صلى الله عليه وسلم عن أمته رحمة، وشفاعته لنا في مشهد القيامة والهول العظيم بين يدي الله رحمة، ومراجعته صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل في أمر الصلاة في رحلة العروج العلوية رحمة، ولو استطردنا لَفَصَّلنا وأسْهَبنا فيما أجمله الحق في قوله الفصل الجامع المانع الماتع الحق: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

يقول العقاد: "فاستراحة محمد إلى الفكاهة هي مقياس تلك الآفاق النفسية الواسعة التي شمِلت كل ناحية من نواحي العاطفة الإنسانية، وهي المقياس الذي يبدي من العظمة ما يبديه الجد في أعظم الأعمال، وكان محمد يتفكَّه ويَمزح كما كان يستريح إلى الفكاهة والمزاح، وكان دأبه في ذلك دأبه في جميع مزاياه، يعطي كل مزية حقها، ولا يأخذ لها من حق غيرها، أو يعطي الفكاهة حقها، ولا ينقص بذلك من حق الصدق والمُروءة، وإذا مزح محمد، فإنما كان يعطي الرضا والبشاشة حقهما، ولا يأخذ لهما من حق الصدق والمروءة، فكان مزاحه آية من آيات النبوة؛ لأنه كان كذلك آية من آيات الإنسانية، ولم يكن بالنقيض الذي يستغرب من نبي كريم"[8].

فمزاحه صلى الله عليه وسلم من تواضعه، نعم، إنه تواضُع، ولكنها رحمة على جناح بسمة هدهدت الخائف، وأمَّنَت المُروَّع، كان صلى الله عليه وسلم مبعوث الرحمة والعناية الإلهية لكافة البشر برسالة سامية جادة، يكسو البهاء والمهابة والجمال الوقور وجهه وشخصه، ومشيته وجلسته صلى الله عليه وسلم، فقد جاء مَن دخل عليه فارتعدَ، فقال صلى الله عليه وسلم له: ((هوِّن عليك، فلستُ بملكٍ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانتتأكل القديد بمكة))[9].

إن أغرب ما نستطيع أن نتخيله معجزة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو "الفقر"، وهذا عين ما يراه مصطفى صادق الرافعي حين يقول: "إن فقره صلى الله عليه وسلم كان من أنه يتسعُ في الكون لا في المال، فهو فقرٌ يُعَد من معجزاته الكبرى التي لم يَتنبه إليها أحد إلى الآن، وهو خاص به، ومن أين تدبَّرته، رأيتَه في حقيقته معجزة تواضعت وغيَّرت اسمها، معجزة فيها الحقائق النفسية والاجتماعية الكبرى، وقد سبقت زمنها بأربعة عشر قرنًا، وهي اليوم تثبتُ بالبرهان معنى قوله صلى الله عليه وسلم في صفةِ نفسهِ: ((إنما أنا رحمة مُهداة))[10].

إن ما قاله الرافعي ليس من قبيل الكلمات الفخمة الرنانة التي لا يُؤيدها سندٌ من واقع أو فكر، فالرجل يُجلي ما ذهب إليه، فهو يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنزَّه عن التعلق بالمال؛ لأنه نبي الإنسانية ومثَلُها الأعلى، وأنه لم يكن يفتقر إلى امتلاك المال، بل امتلكه وجاد به؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليترك المال عنده يتناسل ويتكاثر، ولهذا ختم كلامه بقوله عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "كانت حياته بعد الرسالة منصرفة إلى إقرار التوازن في الإنسانية، وتعليم الجميع على تفاوُتهم واختلاف مراتبهم، كيف يكون لهم عقل واحد من الكون؟ وبهذا العقل الكوني السليم ترى المؤمن إذا عرض له الشيء من الدنيا يَفتنه أو يَصرِفه عن واجبه الإنساني، أبت نفسُهُ العظيمة إلا أن ترتفع بطبيعتها، فإذا هو في قانون السمو، وإذا المادة في قانون الثقل، فيرتفع وتتهاوى ويصبح الذهب - وإنه ذهب - وليس فيه عند المؤمن إلا رُوح التراب)[11].

إن فقر الرسول صلى الله عليه وسلم ليس هو الغريب المضاف إلى معجزاته صلى الله عليه وسلم، ولكن "حب الصداقة"، وهي معجزة لم يكن ليتطرق إليها الفكر؛ يقول العقاد: "هي المحبة التي جعلت كثيرًا من الناس يؤمنون بمحمد لمحبتهم إياه، واطمئنانهم إليه، فكانت سابقة في قلوبهم وأرواحهم لحب العقيدة والإيمان، إن عطف العظيم على الصغير حتى يستحق منه هذا الحب لفضيلة يشرف بها المقام العظيم في نظر بني الإنسان، ولكن قد يقال: إن استحقاق العظيم أن يحبه العظماء لأشرف من ذلك رتبة، وأدل على حظه الجليل من فضائل التفوق والرجحان..، هذا صحيح لاريب فيه..، وهنا أيضًا قد تمت لمحمد معجزته التي لم يضارعه فيها أحدٌ من ذوي الصداقات النادرة.

فأحدقت به نخبة من ذوي الأقدار تجمع بين عظمة الحسب وعظمة الثروة وعظمة الهمة، وكل منهم ذو شأن في عظمته تقوم عليه دولة وتنهض به أمة....، تلك هي بلا ريب عظمة العظمات، ومعجزة الإعجاز في باب الصداقات، وما استحقها محمد إلا بنفس غنيت بالحب وخلصت له حتى أعطت كل محبٍّ لها كفاءَ ما يعطيها؛ مودة بمودة، وصفاء بصفاء، وعليها المزيد من فضل التفاوت في الأقدار..، ولقد كان صاحب الفضل على أصفيائه جميعًا بما هداهم إليه من نور العقل ونور البصيرة، وهما أشرف من نور البصر؛ لأنه نعمة يشترك فيها الإنسان والعجماوات، ونور العقل ونور البصيرة نعمتان يختص بهما الإنسان"[12].

أما وقد استغرقتنا هذه المعجزات في ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم، بات من البيِّن الجَلِي أن الذات التي انبثقت منها ورُكِّبت فيها كلُّ تلك المعجزات، أن تكون معجزة في ذاتها؛ يقول خالد محمد خالد معترضًا على إلحاح المشركين في مطالبته صلى الله عليه وسلم بأن يأتيهم بالخوارق والمعجزات: "لقد جهِل المشركون أن الله جل جلاله لا يُمتحَن، ولا تناله اختبارات الناس وتفسيراتهم..، ومن ثَم فهم باطلون ومبطلون حين يتطاولون بالقول، فيسألونه سبحانه أن يريه مقدرته من خلال "محمد" صلى الله عليه وسلم من خلال قدرته وتوثيقه، وتأييده لهذه النبوة ولصاحبها..! لم يستطيعوا أن يرتفعوا بتفكيرهم إلى المستوى الذي عنده يدركون أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي محمدٌ ذاته..، وأن أروع آياته ومعجزاته، ماثلٌ في أن الله جعله هُدًى ونورًا"[13].

وجمع د. عبدالمعطي الدالاتي للرسول صلى الله عليه وسلم بعض ما سبق؛ ليجعله معجزة: "لقد كان القرآن معجزة الإسلام الأولى، وكان الرسول بذاته وأخلاقه وسيرته، وانتشار دعوته - معجزة الإسلام الثانية، وحق للذات التي تجمَّعت فيها نهايات الفضيلة الإنسانية العليا أن تكون معجزة الإنسانية الخالدة"[14].

كم ماتت رسالات بموت رُسلها وأنبيائها، بل كم ماتت أفكار ونظريات سريعًا بموت أصحابها، وتفرَّق بعدها من آمنوا بها ودافعوا عنها ونافَحوا، ومات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كما يموت البشر بأمْر ربِّ البشر سبحانه وتعالى، ومع هذا فما زالت رسالته باقية خالدة، وستبقى، ويزداد عدد المؤمنين بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ورسالته، لتشهد بصدق الإعجاز الخالد للرسول صلى الله عليه وسلم.

يقول ر. ف. برادلي: "وفي الواقع إنها لمعجزة أن ما جاء به محمد لم يمُت بموته، إن هذا لشاهد آخر على شخصية الرجل، وعلى قوة الدين الذي أسَّسه".

يُبين ديدات أن النجاح ظل ملازمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته وبعدها، فيقول: "إن هذا الرجل - يقصد ديدات الرسول صلى الله عليه وسلم - نجح في حياته، واستمر نجاحه بعد موته على يد أتباعه، فقد صنع الأبطال، إنها مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي خرَّجت الأبطال والدعاة الذين جابوا الأرض شرقًا وغربًا لنشر دين الله ونوره، وتبليغه إلى الناس"[15].

إن تزاحُم الكمالات داخل شخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، أدهشت عقول مَن هم من غير أهل مِلَّتنا..، ولِمَ لا فقد كان سراجًا منيرًا يضيء بالكمالات فوق ما يخطر في بال الكُمَّل وفوق ما يخطر في بال الشخصيات؟ لقد كان نورًا باهرًا بهَر أحبابه وأصحابه، كما بهر أعداءه وخصومه صلى الله عليه وسلم، فكان الفريقان يَعجَبان منه أشد العجب من هذه الكمالات التي لا يتوقعها أحدٌ من بشر[16].

وبدأ تلك المحاولة الفيلسوف الهندوسي ك. س. رامكرشنة راو، فيقول: "إنه من الصعب جدًّا أن نصل إلى الحقيقة الكاملة لشخصية محمد، إنني لم أستطع الحصول إلا على لمحة سريعة منها، يا لها من تعاقب مثير لمشاهد رائعة! فهناك محمد النبي ومحمد القائد، ومحمد الملك ومحمد المقاتل، ومحمد التاجر ومحمد الواعظ أو البشير، ومحمد الحكيم ومحمد رجل الدولة، ومحمد الخطيب ومحمد المصلح والمجدد، ومحمد ملاذ اليتامى، ومحمد حامي العبيد، والمدافع عنهم، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، والحَكَم، ومحمد القدِّيس، ولقد كان محمد بطلاً في كل هذه المهام الجليلة، وفي جميع مجالات النشاط الإنساني على حدٍّ سواء"[17].

ولقد جمع الرجل بين الصفات التي يتحلى بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين المهام التي يقوم بها؛ بناءً على قياسات لأقوال خلطت بين الأمرين؛ إذ يضع الفيلسوف "رينيه ديكارت" أن الواعظ الماهر ضمن أندر أصناف الرجال في العالم؛ لأنه جمع بين بالقدرة الفائقة على الوعظ والحديث الجاد، وهو أمر نادر الحدوث، كما ذكر ذلك الزعيم الألماني "أدولف هتلر" في كتابه "كفاحي"؛ حيث يقول: "من النادر أن يكون واضع النظريات قائدًا عظيمًا..، أما المحرك الاجتماعي أو السياسي، فامتلاكه لتلك الصفات التي تُرشحه للقيادة أرجح إلى حدٍّ بعيد، فهو دائمًا قائدًا أفضل، فالقيادة تعني القدرة على تحريك جموع البشر، والقدرة على تقديم الأفكار لا علاقة لها بالقدرة على القيادة"…، ثم يُصدر حكمَه الباتَّ في أن اجتماع الكمالات أمر عظيم ونادر الحدوث، كمن يشهد في ذات الوقت لجامع تلك الكمالات ضمنيًّا بالعظمة، فيقول: "إن اتحاد صفات وضع النظريات والتنظيم والقيادة في شخص واحد، هي ظاهرة من النادر جدًّا حدوثها في هذا العالم، وهنالك تكمُن العظمة".

وبناءً على تلك الاستقراءات التي جمعها رامكرشنة راو ورصدها، يصدر حكمه النهائي والأخير والمتجرد والمحايد، فيقول: "وقد شاهد العالم هذه الظاهرة النادرة تتجسد في شخص عاش على الأرض هو نبي الإسلام".

حقًّا لقد جاء حكم رامكرشنة محايدًا؛ لأنه استهلَّ دراسته بعِدة ملاحظات تمهيدية، أفصح فيها عن هندوسيته المغايرة للإسلام، وأنه لم يعتنقه، كما دعا إلى محاولة المرء للتعرف على جميع أديان العالم؛ لأنه شيء مرغوب فيه، وذلك بالروح الصحيحة، من أجل تشجيع التفاهم المتبادل والتقبل الأفضل لمن يعيشون معنا على المدى القريب والبعيد[18].

فالثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اجتمعت فيه كمالات بلَغ في كلٍّ منها الذِّروة، واجتماع هذه الكمالات في ذات واحدة معجزة وليس عبقرية..، فالعبقرية هي أن يتفوق الفرد في صفة واحدة وحسب..، أما أن تكون ذواته مَجمع كمالات، فهنا تكون "نبوَّة"، وتكون المعجزة هي ذاته صلى الله عليه وسلم التي جمعت الكمالات، وبلغت في كل كمال ذِروته؛ إذ كانت ذاته كسلوك وخُلق وسيرة، هي المعجزة التي تسعى على الأرض..، كما يرى مصطفى محمود[19] أن من يرى إدراك تلك الكمالات بمستطاعة لقصور نظره؛ إذ إنه يحسَبُها جملة واحدة، والأصح أن يعاينها مفردة، مفردة، فيظهر في ذلك التفصيل سر الإعجاز، فلئن بلغت ذات الكمال في صفة واحدة - فتَبُزُّ فيها وتتفوق على أقرانها - فهذه هي العبقرية، وأما أن تَمتحنه الأيام في كل صفة، فتبلغ فيها غاية المدى - دون مدرسة أو معلم - فهذا هو الإعجاز بعينه.

ولهذا فإن تزاحُم الكمالات في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخلق تناقضًا أو تضادًّا، بل تتناغم وتنسجم فيما بينها وتتكامل، وفي هذا يقول بديع الزمان النورسي: "ونقطة الإعجاز أن الأخلاق الحميدة لا تتخالف ولا تتباين فيما بينها، فإنها تتزاحم في درجة الكمال، فلو تفوقت إحداها ضَعُفَت الأخرى...، فاجتماعُ كمال الحلم مع كمال الشجاعة، وكمال التواضع مع كمال الشهامة، وكمال العدالة مع كمال المروءة والرحمة، ومنتهى الاقتصاد والاعتداد مع منتهى الكرم والسخاء، وغاية الوقار مع منتهى الحياء، وغاية الرأفة مع منتهى البغض في الله، وغاية العفو والصفح مع منتهى العزة بالنفس، وغاية التوكل مع منتهى الاجتهاد والسعي...، فاجتماعُ أمثال هذه الأخلاق الراقية المتزاحمة في شخص واحد - كل في ذِروتها دفعة واحدة، وانكشافها من دون تدافع وتزاحُم - هو معجزة المعجزات"[20].

نعم، معجزة المعجزات؛ إذ إن كل مفردة من الكمال هي بذاتها معجزة، واجتماعها في شخص واحد معجزة، وبلوغ كل مفردة من الكمال قمتها معجزة، واتساقها لا تضادُّها في نسقٍ واحد معجزة.

واجتماع تلك الكمالات في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذت بلُبِّ شيخ علماء الشريعة في عصره الإمام محمد أبو زهرة، مُقرًّا بعجزه عن الإحاطة بكل الكمالات المجموعة في ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: "يا رسول الله، إننا نكتب في العظماء لنصور نواحي عظمتهم، ولكل عظيم ناحية واحدة من العظمة، فالاتجاه إلى تلك الناحية هو مفتاح عظمته، فتسهل معرفته، لكنك يا رسول الله فوق عظمة الأشخاص؛ لأن وجوه عظمتك تعدَّدت؛ حتى يَعجِز المحصي عن الإحصاء، والمستقرئ عن الاستقراء، وإذا نَفِدَت الطاقة أقرَّ مطمئنًا بعجزه، ومؤمنًا بأن وجودك في هذا الوجود معجزة البشر..، فكل شيء في حياتك الأولى كان من الخوارق التي علت عن الأسباب والمسببات، فلم تكن أثر تربية موجهة، ولا أثر بيئة حاملة، ولا أثر شرف رفيع، وإن كان مُحققًا، ولكنك كنت صنيع الله، فكنت معجزةً بشخصك وكونك ووجودك، ففيك البشرية، وفيك المعجزة الإلهية صلى الله عليه وسلم"[21].

المتأمل في تلك المقولات، وإن بدَت أمامه مختلفة الرؤى، إلا أنها كلها يضمها ويستوعبها شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فصدقه من أخلاقه، وأفكاره من شخصيته التي صنعت سيرته التي أصبحت خير مثال لأن يقتدي بها أصحابه رضوان الله عليهم، فيخرج منها هذا النور الرباني الذي ملأ الوجود من حوله صلى الله عليه وسلم، وتعطرت الدنيا بالعبق السماوي بنور الرسالة وهدي خير رسول، لتؤكد عن يقين وتشهد بحقٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بحد ذاته معجزة الإنسانية الخالدة، بل هو معجزة المعجزات، أُثبتها له كما أثبتها له كل من سبقوا حبًّا وكرامة، دون غلو أو شططٍ، إن لم يكن قد شابها التقصير، فلم ترقَ إلى بلوغ عظمته التي شهِد له بها ربه عز وجل في كتابه، وحسبي جهد المقل، وأن يكون ما كتبته في هذه السلسلة العطرة بنانًا تومئ إلي تلك العظمة في آفاقها...، وأختمها بتلك الأبيات التي فاضت بها على القلب نفحات طيبات من معايشة تلك الدراسات في حقه صلى الله عليه وسلم:
يا خيرَ مَن لمس الثرى، زين الورى 
نسبًا وطبعًا بالجمال تفرَّدا 
مَن ذا يُطاول قدره؟ بالله من؟ 
والله من ناداه ذا علم الهدى 
إذ بشَّرت كتب الكرام الأنبيا 
بقدومه هذا الأمين محمدا 
هذا الذي أنواره قد أشرَقت 
فالكائنات هوَت لربها سُجَّدا 
هو رحمة للعالمين ما إن أتى 
عمَّ السلام على البرايا سَرْمَدا 
مِن معْجزات الله أن صانَ اسْمَه 
لا قبْله نُودي سواه أحمَدا 
صلوا عليه وسلموا تسليمًا 
لا تَسْأَمُوا من ذكره إذ رُدِّدا 


[1] توفيق الحكيم؛ تحت شمس الفكر، ص 32 -33.
[2] يقصد "لامارتين" بفكرة الإله الواحد بـ"التوحيد"، وهي من عند الله تعالى، وليست فكرة من عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
[3] كانت بالنص الأصلي خمسة عشر عامًا.
[4] نقلاً عن الإسلام والمسيحية؛ ألفت عزيز الصمد.
[5] الدكتورة ليلى الأحدب؛ الموسوعة الإسلامية المعاصرة في حقوق المرأة، ص 14.
[6] المناقب باب في بشاشة النبي صلى الله عليه وسلم (5/601).
[7] د. محمد عمارة؛ المنهاج النبوي في المداعبة والمُزاح، مجلة منبر الإسلام، العدد 3/3/2008.
[8] عباس محمود العقاد؛ عبقرية محمد، ص140.
[9] رواه ابن ماجه في الأطعمة (3312) ، والحاكم في المستدرك، كتابالمغازي والسرايا (2/50)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولميخرجاه، ووافقه الذهبي، عن أبي مسعود، وصححه الألباني في صحيح ابنماجه (2677).
[10] مصطفى صادق الرافعي؛ وحي القلم، ص 44.
[11] المصدر السابق، ص 49.
[12] عباس العقاد؛ عبقرية محمد، ص 81 - 82.
[13] خالد محمد خالد؛ الإسلام ينادي البشر إلى هذا الرسول، ص110.
[14] عبدالمعطي الدالاتي؛ ربحت محمد ولم أخسر المسيح، ص 11.
[15] أحمد ديدات؛ الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، ص 15.
[16] د. محمود أحمد الزين؛ حديث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، موقع تعرَّف على الحبيب صلى الله عليه وسلم.
[17] ف ك. س. رامكرشنة راو؛ فيلسوف هندوسي وأستاذ للفلسفة بجامعة ميسور في الهند.
[18] أحمد ديدات؛ محمد صلى الله عليه وسلم المثال الأسمى؛ ترجمة وتعليق: محمد مختار، ص 38-42.
[19] مصطفى محمود؛ محمد صلى الله عليه وسلم محاولة لفَهم السيرة النبوية، ص14.
[20] بديع الزمان النورسى؛ شعاعات معرفة النبي صلى الله عليه وسلم، ص155.
[21] محمد أبوزهرة؛ محمد رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، ص 12.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/75197/#ixzz3Bg8sBikq

الاثنين، 18 أغسطس 2014

في حضرة النقد حوار مع الدكتورة ديانا رحيل | دنيا الرأي

حوار في حضرة النقد مع الدكتورة ديانا رحيّل

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون














لاتنفصل صورتها عن كتاباتها؛ فهيَّ ناطقة بالصراحة والجدية، ورغم قلة المادة العلمية المطروحة عنها، إلا أن قراءة مقال واحد لها فيما يشبه الدراسة، بألفاظها المحكمة، وأهدافها الممنهجة قد أفاد كثيرًا في استكشاف مدى ما تتميز به من علمية منهجية نظرية، وخبرة واحترافية تطبيقية..
ولمعرفة الأكثر والأعمق حول بعض القضايا النقدية والأدبية والحياتية الأخرى كان هذا الحوار مع الدكتورة ديانا رحيل أستاذ النقد الأدبي المساعد:

ــ ما لا نعرفه عن الدكتورة ديانا رحيّل؟ عن الوطن ؟ 
ــ أكاديميّة أردنية، حاصلة على دكتوراه لغة عربية تخصص أدب ونقد من جامعة اليرموك سنة 2013، وماجستير لغة عربية تخصص أدب وتحقيق التراث من الجامعة الأردنية سنة 2009.
أؤمن أن العلم هو الإمكانية الكبرى لبناء الإنسان، ملحة في الدعوة إلى الثقافة والكتاب، مقتنعة بأن الأمر ضروري لتحقيق التحرر الفكري وبناء الشخصية.
أما وطني الأردن فله عشقي على الدوام، حاضن للروح، دعواتي بألا يريني الله بأسًا به.

ــ كلنا نتمنى للأردن ولكل الدول العربية كل خير، ولكن لدي ملاحظة استوقفتني، لماذا لم تحفل الشبكة العنكبوتية بكتبك ودراساتك ولقاءاتك؟ حتى أطروحاتك في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، ماذا كان موضوعهما؟
ــ منذ تخرجي من الدكتوراه العام الماضي بدأت أكتب قراءات نقدية لبعض الأعمال التي وجدت فيها زوايا أحب البحث فيها، والناقد ــ الذي يريد أن يكون مبدعًاــ يحتاج للقراءة باستمرار لصقل موهبته النقدية، فالدكتوراه لا تصنع ناقدًا، بل هو مَن يصنع نفسه، بالقراءة ثم القراءة ثم القراءة، وأيضًا القارئ ليس ساذجًا، بل يستطيع أن يميز الناقد الحق من غيره، لذلك أقول أنني ما زلت في طور القراءة، لكن أكتب بعض القراءات وأنشرها في صحيفة الدستور الأردنية، وبعض المواقع الإلكترونية. 
أما أطروحة الدكتوراه التي ستصدر قريبًا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، عنوانها: "بنت الشاطئ ودراسة التراث الأدبي وتحقيقه" بيّنت فيها جهود الدكتورة عائشة عبد الرحمن في خدمة التراث، وما قدمته من تحقيقات ملتزمة فيها بالمنهج العلمي الدقيق. أما رسالة الماجستير التي صدرت عن دار أروقة للنشر والتوزيع سنة 2013 فهي بعنوان: "الفصول المختارة من كتب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، لحمزة بن الحسن الأصفهاني- دراسة وتحقيق" هي عبارة عن رسائل للجاحظ جديدة تُنشر لأول مرة، غير تلك التي نشرها عبد السلام هارون وحسن السندوبي والحاجري وعبيدالله بن حسان، وقدمت دراسة لمضمون هذه الرسائل.

ــ خبر جيد برسائل للجاحظ جديدة، ولكن مَن الأساتذة الذين تأثرتِ بهم بشكل غير مباشر، أو مَن اتصلت بهم وكان لهم جميعا أثر في حياتك؟
ــ تأثرت بمشرفي في مرحلة الدكتوراه الأستاذ الدكتور يوسف بكار، تعلّمت منه الكثير. وتأثرت بشكل غير مباشر بالأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد اطلعت على أغلب تحقيقاته، لفتني سعة اطلاعه. أما مَن يؤثر بي بكل كلمة كتبها هو إدوارد سعيد، مفكر عزّ تكراره.

ــ المفكر الراحل إدوارد سعيد، صدقتِ فهو رجل متفرد بحق، وما دام الأمر كذلك فلماذا لم تضعين كتابا حتى الآن في النقد الأدبي الحديث يواكب المد الثوري العربي الحادث الآن؟
ــ لأنني ما زلت حديثة العهد في مجال النقد، لا أملك رصيدا من ثراء الخبرة، ما يؤهلني لنصح كاتب أو ناقد، أو وضع أسس للنقد، لكن في المستقبل القريب إن شاء الله، سيكون عبارة عن موقفي تجاه الأعمال النقدية التي قرأتها، وسأشدد على حق الكاتب المغمور، الذي لم يُعرف بعد في الوسط الأدبي، في التعريف بعمله إن كان جادًا، لأن بعض النقاد يلجأون للكتابة عن الكتاب المعروفين، ويهملون الكتاب الجدد.

ــ ما شاء الله صراحة تحسدين عليها دكتورة ديانا، ولكن هل يخاف الناقد المبدع من الانتقاد؟
ــ يجب أن يقتنع الجميع بأن الاختلاف في الأدب يجب أن يكون اختلاف تكامل وليس اختلاف تضاد، والناقد إذا تحرّى الصدق في عمله النقدي، لن يخشى النقد، وعليه أن يحترم الاختلاف، فليس عيبًا أن يختلف في رؤية أو رأي، لكن العيب أن يدين الآخر لمجرد اختلافه عنه.
والأصل النقدي الذي يحرك النقد من الفكرة إلى الفعل هو الشعور العملي لما وراء النقد من فائدة ( للمستمع/القارئ) لاحقا دون تعسف نقدي، وقصدية ملحة تسعى خلف الإجراء النقدي وتجعلها غايته.

ــ هل الناقد المبدع يؤازر ويدعم نوع الأدب الذي يمارسه فقط كما قال ت.س إليوت؟
ــ إذا كان مبدعًا فلا يقتصر عمله النقدي على جنس أدبي، فالناقد الحقيقي يتعامل مع كل الأجناس الأدبية، بمبدأ العمل الأدبي بما فيه والناقد بما لديه، لكن قد يجذبه الشعر مثلاً فيخصه بقراءات أكثر، لكن دون نبذ الأجناس الأخرى، لأنها جميعا تصدر عن تجربة الشاعر الذاتية.

ــ حتى الآن يحاول أكثر من أستاذ في النقد البحث عن نظرية عربية نقدية خالصة، فما العوائق التي تمنع من هذا من وجهة نظركم كأستاذ للنقد؟
ـــ إن النقد الرصين هو ما يعوزنا لتغيير الخارطة الثقافية، وتهميش كثير من قناعاتنا (ذات الطبع المنتصر لغيره) وتسييد الاعتراف بالمنجز على حقيقته الأصيلة لا على ما نحكم عليه ارتهانا على الشعور.
وأظن أنه ليس بالإمكان وضع نظرية في النقد الأدبي محدودة بشروط معينة، لأن كل عمل فني يحدد المنهج والأحكام التي تطبق عليه، وتختلف من جنس أدبي إلى آخر، وأيضا من عمل أدبي إلى آخر.
ولكن قد تكون خطوطا عامة وهي التي أوجزها الدكتور إحسان عباس _رحمه الله_ بعائقين: الأول: عدم امتلاك الناقد للإحساس النقدي. والآخر: اختلاف المنابع الثقافية واختلاف المستويات الثقافية، وحدّة الانقسامات الجزئية في إيديولوجيات كثيرًا ما تكون متقاربة.

ــ هل نحن كعرب متخلفون في النقد عن الغرب؟
ــ لا لا، لكن لم نتقن بعد ثقافة النقد، لا نزال نعد النقد قدحا في شخص الكاتب، وتقليلا من شأنه، لذلك ندعو دوما الكاتب أن يتحلى بسعة صدر، ويتقبل النقد ويأخذ به، ويتدارك هفواته بالقراءة، لأن النقد يرفد العمل الأدبي ولا يقلل من شأنه.

ــ من وجهة نظر من يرفض أن يكون للناقد الأدبي شأن بالسياسة والأحداث الجارية لاختلاف الأدوات بين النقدين بينما هناك من ينخرط فيه حتى صار قضيته مع أي الرأيين تقف الدكتورة ديانا؟ 
ــ أنا مع أن يكون للناقد شأن بالسياسة والأحداث الجارية، فكثير من الإبداع الأدبي مشتبك بالهم الوطني. والنقد موكول له أن ينتج الأسئلة التي ترافق حالة الأدب، ويقترح مقاربات لمختلف الظواهر التي تحيط بالأدب، من تحولات تاريخية واجتماعية وسياسية.
والنقد هو شكل من التفكير في الممارسة الأدبية وفي سياق تلقيها وفي شروط محيطها. والنقد خطاب منتج للمعرفة، يثير الأسئلة حول وضعية الأدب في الممارسة والقراءة، وفي التعليم والثقافة، وفي السياسة والمجتمع، فالنقد ليس مجرد قراءات، بل القراءات ما هي إلا عنصر من بين عناصر أخرى تشكل الخطاب النقدي الذي يؤسس في النهاية لرؤية فكرية، فالنقد ثقافة ورؤية.

ــ من خلال مقالتك العميقة "العمل الأدبي ما بين الناقد والكاتب" وضعت يدك على أوجاع مفصلية في النقد العربي ولكنك شخصت الداء ولم تصفين الدواء؟
ــ جاءت هذه المقالة كرد فعل، بعد اطلاعي على قراءات نقدية عدة لمجموعة من الأعمال الأدبية، وكانت القراءة جيدة، أما العمل الأدبي فضعيف وركيك ولا يستحق القرءاة العادية، فكيف بالقراءة النقدية؟! وخصوصا أنها كانت من ناقد محنك، له باع في النقد، دفعني هذا الأمر للكتابة عن ثقافة النقد، وتعرية بعض النقاد الذين أسميتهم "المؤلفة أقلامهم"، يخونون أقلامهم لأجل مصلحة شخصية، وكان الخاسر الأكبر بذلك هو النقد.
الدواء الشافي هو أن يمنح الناقد نفسه مساحة كافية من الحرية، وتقبل الآخر، وعليه ألا يتجاهل الحقائق، أو يتعصب لرأي، أو يهمّش آراء الآخرين، وألا يشهّر بالآخرين كي يشتهر على حسابهم. فالناقد بما يملكه من أدوات تؤهله دون غيره لكشف جوانب الإبداع في العمل الأدبي، بعيدا عن الشللية أو التصادم أو المحاباة.

ــ من أكثر أمراض المجتمع الأدبي العربي (الشلليّة) فهل ما زالت تقف عائقا أمام ترسيخ ثقافة النقد؟
ــ في أكثرها نعم للأسف، لأن بعض النقاد يعتمدون أسلوب المحاباة في نقدهم، يغالون في مدح عمل معين رغم رداءته، ويقينه من ذلك، وهذا موجود ونقرأ عنه، في المقابل يهمل بعض الأعمال الأدبية الجادة التي تستحق القراءة، لأن هذه الفئة من النقاد يمارسون وظيفتهم النقدية اعتبارا للعلاقة بينه وبين الكاتب، فأعمال أصدقائه يعمل على قراءاتها ونقدها نقدا إيجابيا، مهما كان مستواها الإبداعي، ويجعل منه مبدعا، وخلاقًا، ويصنع من أشباه الشعراء والكتاب رموزا في الشعر والأدب، ولكن حين يقرأ عملا لآخر لا يعرفه، يكيل له قدحا وذما.
لكن لا نعدم الخير في الفئة الجادة من النقاد، الذبن يقومون بجهود رائعة من أجل ترسيخ ثقافة النقد، بعيدا عن كل الضغوطات، لكنها غير كافية، نحتاج مزيدا من الجهد، وتوسيع قاعدة العمل.

ــ ما معالم الصحوة الأدبية التي دعوت إليها؟
ـــ الصحوة هي أن نعيد للأدب هيبته، وللعقول عقلانيتها، فالأدب الآن مليء بالغث والسمين، ويدور كثير من اللغط حوله في وسائل الإعلام المختلفة، ويقع الأمر على عاتق الكاتب والناقد على حد سواء؛ فالكاتب الذي يمتلك رغبة في الكتابة عليه أن يقرن رغبته هذه بأسلوب أدبي رصين لغة ومضمونا، رغم أننا لا نملك أن نمنع أحدهم من الكتابة، لكن عليه أن يعي ذلك تماما، فالكتابة المبدعة لا تأتي من فراغ، ولا تستجيب لدواعي العشوائية من الكيف، أما إن كان يبوح للورق عليه أن يعرف أن هذا لن يخلق منه مبدعا.
أما الناقد فعليه أن يقدم نقده بأسلوب حضاري يقوم على الصدق، والرغبة في الإصلاح، وليس ذلك الذي يقوم على الغلو في التأويل، والتهويل في الاستنتاج، ويحترم تعددية الرأي. 
وأيضا نريد صحوة أدبية تنتهي معها العلاقة المأزومة والتصادمية بين الناقد والكاتب، التي تصل إلى درجة القطيعة بينهما، وهذا كله يعتمد على ترسيخ تقافة تقبل الآخر.

ــ هل تبدو في الأفق بوادر جيدة لخروج جيل مبدع قوي، وجيل آخر ناقد واعٍ في عالمنا العربي؟
ــ لا أنكر وجود عدد من النقاد الذين لا يزالون محافظين على دور الناقد ورسالة النقد، ولم ينجرفوا في الفوضى النقدية، فلو نهض كل ناقد للنقد الرصين للأدب شعرًا ونثرًا، لاختلفت حسابات كثيرة. ولكن يظل الأمل معقودا على جيل جديد من شباب النقاد.




http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=428832



التراث الطبي في الحضارات: المصرية واليونانية والإسلامية...

 قد تتساءل كيف يضم سطرًا واحدًا ثلاث حضارات كان لها تاريخها المجيد مع "الطب"، غير أن الحضارة الأولى هي التي لها حق الريادة والعماد...