جاءت مسرحية "ورا الشمس" التي قدمتها فرقة مسرح قصر ثقافة السويس تجربة نوعية بحق وهي من تأليف السيد فهيم، وإخراج محمود عثمان الذي استطاع أن يقدم عرضا متماسكا حافظ فيه على روح النص ـ في أغلبه ـ وحواراته، غير أنه استطاع أن يعدد أكثر من شخصية للبطل الرئيسي للمسرحية حيث استفاد من هذا التعدد في ربط جيد برر دخول تلك الشخصيات مستشفى المجانين، وهو ما لم يكن موجودا في النص الأصلي للمسرحية.
كما استطاع الاستفادة من دمج أكثر من شخصية، وهي: أبو زبيدة، والعسكري، والمحقق ليقوم بأدائهم ممثلا واحدا بطريقة بارعة في كل شخصية، وهو ما لم يكن في النص الأصلي، كما حاول المخرج الإفلات من طريقة الكاتب التي اعتمدت على الخروج من المشاهد قطعا ووصلا دون اللجوء إلى وقفات بينهم، وهو ما استعاض عنه المخرج بدخول وصلة غنائية تشبه "الفَرشة" أو "التقدمة" لما هو آت في القادم من الأحداث أو التعليق على الأحداث التي فاتت منها، غير أن هذه التقنية كان من الأفضل أن تكون مسجلة وبصوت أكثر تأثيرًا وبموسيقى تتعاون في إبراز روح الكلمات التي ضاعت لأسباب فنية ففقدت تأثيرها على المتلقي.
جاء نص المسرحية محملا بالمضامين المجتمعية والاقتصادية والسياسية التي يشير بعضها إلى زمن كتابة المسرحية في 2010م، ومنها: البطالة التي تصلح للكتابة عنها في كل وقت ويتجاور معها من ناحية الانعكاس السلبي "المغالاة في المهور" التي هي حديث المجتمعات العربية لا المصرية وحدها، وقد نجح المخرج في تناول الجانب السياسي بأقل صراحة مما تناوله الكاتب حيث ترك مساحة من الفهم للجمهور لاستنباط الدولة المعنية بالحديث عنها في الحوار.
عبر الكاتب عن مضمون رمزي بما "وراء الشمس" الذي يفهمه الكافة من العامة والمثقفين على السواء، وهو ما أفلح فيه الكاتب والمخرج معا والممثلين في قلب المعنى من حيث الترهيب من الذهاب إليه، إلى أن يصير أمنية تستحق أن يتوسل المواطن للمسئول بأن يرسله إليه، مما خلق مشهدا مرتبكا جعل المواطن حرًا في اختياره حين نضح عن جسده الخوف الدائم من فزاعة "ورا الشمس"، ليسجن المواطن المحقق الذي أفلس من إيجاد فزاعات أقوى ليخيف بها المواطن اليائس ويثنيه عن اختياره، وقد أفلح بطل المسرحية في التعبير طوال العرض عن أمنيته تلك.
جاء قرص الشمس على غير المعتاد ديكورا لأن الصورة الذهنية عنه ليس وراء الشمس جغرافية بل رمزا ورمزا مشوشا، كما جاء أداء الممثلين متناغما فيما بينهم وفيما بين المخرج من تفاهمات انعكست بالإيجاب على جو المسرحية، كما نجح المخرج في إعداد النص وخاصة عندما عالج تعدد صور البطل في المحاكمة ليردها إلى الأصل بتحرير البطل وعودة المتهمين الآخرين وهما في الأصل (مجنون1) و (مجنون2)، كما تناغمت إدارة المسرح والإضاءة والملابس وتنفيذ الديكور في إنجاح هذا العمل النوعي ببراعة.
إن هذه التجربة النوعية الفريدة التي استطاع فيها محمود عثمان أن يحافظ على جوهر النص ونقله من خلال الإعداد، والممثلين من خلال الأداء، البرهنة على وجود فنانين في الأقاليم لا يقلون مهنية ولا احترافية عن أولئك الذين يعملون في العاصمة، ولهذا فقد تفاعل الجمهور حضورا ومشاهدة وتصفيقا معهم تماما كأي مسرحية تجارية يشاهدونها، وقد أحسن المخرج حين تم تسجيل هذا العرض وهو ما كنت أناشد كل مخرجًا أقليميا ومنهم المخرج محمود عثمان إلى هذا الصنيع ليكون مرجعا، وهو ما يعني أن ما فاته العرض يستطيع أن يراه وأن من رآه يستطيع أن يستعيده، كما أنه يمثل تراثا فيما بعد يضاف لتاريخ مدينة السويس الفني والنضالي معا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق