الأحد، 15 سبتمبر 2019

أبلكيشن: مونودراما الخير والشر تكنولوجيًا..








لمس قلم الكاتبة سميحة المناسترلي القصة القصيرة والرواية والمسرحية ثم ارتقت صهوة “المونودراما” من خلال عملها “أبلكيشن”، كما غمست قلمها في الكتابة الصحفية والدراسات والكتب السياسية والوطنية، والمقالة ثم النقد، غير أن ما يحسب لها أنها كانت واعية تمام الوعي بالفروق المتباينة بين كل كتابة وأخرى، وبين قواعد كل جنس أدبي في إطار من الالتزام والاحترافية، لذا فلم تَسقط في هوة التقريرية والمباشرة مع كونها من الكاتبات الملتزمات بالخط الوطني المؤيد لمصلحة الوطن وتماسك بنيانه وإنسانه وأرضه وحدوده، لكن لم يصرفها المضمون عن الشكل.
تستعرض الكاتبة خلال هذا العمل أزمة الإنسان بعامة والعربي بخاصة والمصري بخصوصية أكثر تجاه وسيلة اتصالية اجتماعية هامة، وكيف تعامل البعض معها بالرفض المطلق وظن أنه بامتناعه عن الدخول في أحد منتجاتها سيلغيها على الفور من حياته التي صارت غارقة حتى النخاع في محيطها، بينما يقبلها البعض بما فيها من نفع وضرر على السواء ويستخدمها بنفس الجودة، ويقف الصف المعتدل تجاه تلك الوسيلة كشأن المتعامل مع السكين التي تفيد في قطع الخضراوات واللحم مثلما يمكن أن تستخدم في الطعن والقتل.
والصنف الأخير هو صوت الكاتبة سميحة المناسترلي الذي يطل على القارئ والمتفرج على السواء، خلال عملها المونودرامي الموجز في تعرضه لتلك القضية والذي يأتي هادئًا رشيدًا بعيدًا عن التشنج أو الاستعراض المعرفي لدور الإنترنت والتطبيقات والحداثة وما بعدها، بل هي نفس ما درجت عليه الكاتبة في تناولها لأعمالها على اختلاف جنسها؛ إذ نجد الطرح الهادئ المستنير، السهل العميق في آن، المتبسط في الحديث والعرض والحوار لأنها في كينونتها تمارس دورًا رساليًا هامًا هدفه خدمة ومصلحة الوطن والمواطن مهما اختلفت وسائل التواصل وقنواته.
التزمت الكاتبة بمفهوم “المونودراما” من كونها محاكاة أو تقليد لفعل درامي محدد، له طول معين لشخصية واحدة يقدمها ممثل واحد يستعرض من خلالها أو تجاه الآخرين أزمة الشخصية تجاه ذاته مستخدمًا العديد من الأدوات الأساسية ومنها الحوار سواء مع شخصيات أخرى مسموعة من خلاله وكذلك المونولوج، لهذا فقد جاء النص المكتوب متضمنا شخصية محمود ذلك المواطن المصري الأربعيني العمر، وصوت خارجي، وصوت ابنة محمود، على أن الصوت الخارجي هو ذاته صوت محمود الداخلي ممثلا في ضميره الذي يؤنبه، أو يمثل حواره مع من يؤيدون التطبيقات التكنولوجية التي يرفضها.

حققت الكاتبة عنوانها في النص حيث صنعت من الأبلكيشن المشكلة والحل معًا؛ فكان هو المشكلة حين كذب محمود على زوجته عندما اتصلت به لتسأله عن مكانه فادَّعى أنه بالقرب من البيت بينما نسيَ أنه ترك أبلكيشن الموقع مفتوحا فدل زوجته على المكان الحقيقي الذي كان موجودًا فيه وهو ما أراه منها ليلة لا ينساها ساهمت في عداوته تجاه التكنولوجيا وتطبيقاتها، بينما كان الأبلكيشن هو ذاته الحل عندما فاجأته مكالمة من ابنته تستغيثه أن ينقذها لأن عربتها تعطلت بها وصديقتها على طريق لا تستوضح معالمه، وكان الأمل في الاهتداء لمكانها أن يأمرها الأب بنفسه أن تلجأ لتشغيل الأبلكيشن لترسل له الموقع، وذلك انتصارا للمقدمة المنطقية لفكرة المونودراما حول الخير والشر التكنولوجي والذي جاءت عبر الصوت: (التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وعليك أنت أن تختار الحد الذي تريد التعامل به).

كنت أتمنى من نص العرض أن يكون مسايرًا وموازيًا لروح الفكرة المطروحة والغاية المرجوة منها، غير أن المخرج الشاب مصطفى علي، وله العديد من التجارب المسرحية الناجحة، أضاف بعض القضايا التي لم ترد بالنص من مثل “بول الإبل” و”ضرب المرأة” طبقًا لمفاهيم خاطئة عن الدين وزج بها في ثنايا الحوار وهي موضوعات تحتاج مونودراما قائمة بذاتها ولا علاقة لها بالأبلكيشن كتطبيق، وهو ما ساهم في تشتيت المتفرج لبعض الوقت، غير أن العرض ككل كان ناجحًا، خاصة أن من قام ببطولته الفنان حمدي السيد الذي أبدع عبر العديد من المسلسلات الشهيرة والمسرحيات، فاستطاع أن يؤدي بأمانة واحترافية ما أرادت توصيله الكاتبة سميحة المناسترلي خلال النص المكتوب، وما أراده المخرج من خلال النص المعروض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق