الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

حوار مع التربوي الأديب عادل أبو عويشة..




  


سار قارب حياته بين ضفتي الأدب والتعليم؛ فقد تخرج من كلية آداب جامعة عين شمس، وحصل على دبلوم المعهد العالي للدراسات الإسلامية بالقاهرة، ثم درس اللغة الفرنسية، وعمل معلما لمادة الفلسفة لفترة طويلة في مدارس مدينته السويس بجمهورية مصر العربية، وفي توازي بين المهنة والهواية التي بلغت حد الاحتراف كانت له العديد من الإصدارات التي انتظمت في دراسات ومجموعات قصصية، أما الدراسات، فكانت: "نظرات في الثقافة والأدب"، و"فصول عن الحرية"، و"مصر وقيم أخرى"، و"هموم في حياتنا"، و"ومضات"، أما المجموعات القصصية فعناوينها: "دوائر متقاطعة"، "عابر سبيل"، "الغريب"، "سعيكم مشكور"، "أشياء مفقودة"، ومجموعة وحيدة للأطفال، بعنوان: "رؤى".  وله تحت الطبع "من وحي السيرة".

  إنه التربوي الأديب الأستاذ عادل أبو عويشة، عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو نادي أدب السويس، وعضو رابطة الزجالين وكتاب الأغاني، وعضو جمعية أصدقاء الطلبة، كما كان الأمين العامل مؤتمر أدباء أقليم القناة وسيناء عام 2010م..

  ومع سيادته سيدور حوارنا حول هذه النقاط الهامة في هذه المسيرة الحياتية الثرية، فلنبدأ:

ـ بدأتم مجموعتكم القصصية الصغيرة بمقدمة عرفت فيها الفن ثم الأدب ثم القصة القصيرة، ما دافعك إلى ذلك، وما رؤيتك حول المحاور التي ذكرتها؟

ــ دعني أقول بأنك قوي الملاحظة، وبسؤالك تحاول أن تنكا جرحًا قد اندمل منذ أربعين عاما؛ فعقب تخرجي في الجامعة كان في السويس أكثر من منتدى أدبي، بدأتُ ارتاد هذا وأختلف إلى ذاك، و إذ اقرأ بعض قصصي فوجدت من يلمزني بل يتهمني بأنني أحاكي "فلانا" بعينه،  فقلت متحديا:  (هاتوا برهاتكم إن كنتم صادقين.. أية قصة هذه؟!).. فبهت الذي ادًّعى، لكني أدركت أن هذا مجرد استفزاز كي أنضوي تحت عباءة "فلان"، فأردت أن أبين رؤيتي للقصة القصيرة فكتبت ذلك في مقدمة مجموعتي القصصية: "الغريب".

  مضيت بقافلتي غير آبه لما يتردد خلفي من أصوات.  أما المحاور (الفن ، الأدب ، القصة القصيرة) فإنني مقتنع حتى النخاع بأن الأديب شأن أي مفكر "تقليدي" ، إلى جانب تعليمه يقرأ كثيرا فيتكون لديه زخم فكري ثم تتولد عنه أفكارًا جديدة خاصة به ثم يتجاوز الأديب ذلك بقدرته التعبيرية لما يتميز به من موهبة حباه بها الله فيكتب ما شاءت له موهبته من قصة قصيرة أو رواية أو مسرحية إلخ.

    من خلال دراستي للفلسفة تأثرت بمنهج  "سقراط"؛ إذ يبدأ بتعريف الشيء الذي يتحدث عنه ،بالتالي بدأت بمعنى الفن ثم الأدب ثم القصة القصيرة.  بالنسبة للفن أرى أن الذات العارفة "الأديب" تمتزج بالموضوع الخارجي لينتج عنه الإبداع، و لا أكتمك سرًا أنني طبقت المنهج الجدلي عند "هيجل" في الفن، و أيضًا الرؤية الفينومينولوجي/ الظاهراتية عند "هوسرل" التي تذهب إلى أن الإنسان لا يصف الشيء الخارجي في ذاته بل يصف شعوره تجاه هذا الشيء.

ـ وبالنسبة لمحوري الأدب والقصة القصيرة؟

 ـ الأدب  هو فن التعبير عن الواقع  يتوسل باللغة، والأديب قادر على امتصاص هذا الواقع ليعتمل في ذاته ثم يرده إلى المتلقي في صورة جديدة.  والقصص القصيرة تستند إلى نفس الفكرة ويقتنص الأديب لحظة حياتية معاشة يضمنها فكرته وشعوره، غير أن هناك آليات تنطلق من خلالها، فتأخذ من الشعر اختزال الفكرة حيث التركيز والتكثيف وأيضًا الموسيقى الداخلية للجمل، ومن الفن التشكيلي القدرة على رسم لوحة بالكلمات، و يأخذ أحياناً شكل السيناريو.

ـ أكثرت من كتابة القصة القصيرة التي بلغت خمس مجموعات، ومجموعة سادسة للطفل، فلماذا لم نجد لك إبداعا ولو محاولات في غيره؟

ـ عندما بدأت كتابة القصة القصيرة في الخامسة عشرة لم يكن هناك باعث خارجي لذلك، إنما وجدت نفسي أعبر عن أفكاري مرورًا بشعوري بإيجاز في هذا الشكل، وأكتب أيضًا المقال، وفي ذاكرتنا الفكرية  دكتور زكي نجيب محمود الذي برع في المقال ولم يكتب إبداعًا سواه، و"سارتر" كتب أفكاره في شكل مسرحية  ولم يكتب رواية، على العكس من  "فولتير" الذي كتب الرواية ولم يكتب المسرحية، والعقاد  الذي كتب رواية وحيدة "سارة"،  و"مرجريت متشيل" أيضاً كتبت رواية وحيدة  "ذهب مع الريح" ، فهل يجوز أن نسأل أحدًا من هؤلاء: لماذا كان هذا ولم يكن ذاك؟!

ـ في إطلالة تعريفية موجزة بالقصص التي اتخذتها عناوينًا لمجموعاتك ليتعرف على إبداعكم القارئ المصري والعربي؟

ـ في كل القصص التي كتبتها سواء اتخذت عناوين الكتب أو غيرها، هناك رابط مشترك يجمعها في قلادة واحدة، هذا الرابط هو معاناة الإنسان، ولا أقصد بذلك أي تقسيم ايديولوجي أو سوسيولوجي لكنه الإنسان في كل مكان، و الله تعالى يقول: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، وقصة  "دوائر متقاطعة" نجد شخصاً في صراعه اليومي يعترك الحياة من دائرة إلى أخرى في دوائر متقاطعة كأنه "سيزيف" في الأسطورة اليونانية، و"عابر سبيل" هو أيضًا الإنسان الذي يأتي من أول الطريق مارًا بكل ما نجده من أحداث بحلوها ومرها وكأنه مثل نبي الله نوح عليه السلام عاش طويلا لكنه دخل من باب بناية وخرج من باب آخر، و"الغريب" هو الإنسان المعاصر حيث يشعر بالغربة بين أهله وذويه، أي يفتقد التواصل معهم،  ولم يعد الغريب كسابق عهده أي  "غريب في بلاد غريبة" أو يسيح في "بلاد الله.. خلق الله"،  وقصة "سعيكم مشكور" إسقاط على واقع يشوبه التدليس فالكل يتقرب زلفى لشخص غير موجود ليتعرى الجميع أمام أنفسهم، وقصة "أشياء مفقودة" هي صيحة بل صرخة من الإنسان ليجد من يشكو إليه ويأنس به لكنه يتجه إلى سراب.

ـ تحتفي كتاباتك باللغة العربية الفصحى الرصينة، والسهلة في آن .. فلماذا يتخرج الطلاب من المدارس وقد تشوهت العربية على ألسنتهم، قراءة وخطًا ونحوًا وإملاء برأيكم؟

ـ الاحتفاء باللغة العربية الفصحى يعود إلى الطفولة حيث حفظ  القرآن الكريم في "الكُتاب" ثم المدرسة إلى جانب حفظ الشعر العربي، ويتوج ذلك بالقراءة الجادة لأمهات الكتب في مراحل العمر المختلفة أي التعلم الذاتي مدى الحياة.  أما  لحن القول على ألسنة الطلاب والخريجين فمرده إلى عدم الاكتراث بحفظ القرآن الكريم من الصغر بل إن مادة التربية الدينية يحتاج الطالب إلى درجة النجاح ليجتازها  فكيف يحفظ ليستقيم لسانه؟! ولم تعد في المدرسة حصة للقراءة الحرة و أيضًا لا تخصص درجات للأبحاث ليرتاد الطالب المكتبة مستعيرًا قارئًا باحثا، وهناك لوم شديد على اللغة التي يسمعها الشباب من خلال الإعلام والدراما.. أعتقد أنها تحتاج إلى إعادة نظر.

ـ كنتم رجلا تربويا.. وأعلم أنك قدمت رؤى حول إصلاح التعليم؟ هل تبنتها جهة ما بالتنفيذ.. وما رؤيتك الإصلاحية للتعليم في مصر؟

ـ لقد نظمت أثناء عملي بالتربية والتعليم عدة مؤتمرات وحلقات نقاشية حول: ربط التعليم والتدريب بسوق العمل،  تحويل الطلاب من القسم العلمي إلى القسم الأدبي، المشاركة الاجتماعية، مشكلة التخلف الدراسي، التسرب الدراسي، رعاية الموهوبين، التربية الخاصة، برنامج تنمية مهارات القراءة. وبالقطع كنت أدعو بعض أساتذة الجامعة والمسؤولين في التربية والتعليم  وهيئات المجتمع المدني، أما التنفيذ  فيتلخص في كلمتين: أنا أمثل الفكر والاقتراحات، وهناك جهات تنفيذية لا حصر لها هي المنوط بها ذلك.

ـ يغلب على كتبك خلوها من الهوامش مع استنادها في نفس الوقت للمراجع التي توردها في نهاية تلك الكتب، ألا تكون هذا قد ظلمت نفسك حين ضاعت عباراتك وأفكارك مع من نقلت عنهم دون الإشارة إليهم في الهامش؟

ـ معك كل الحق ، لكن هذا بالقطع ليس على إطلاقه بمعنى أن هناك "ومضات" كتاب يتضمن مجموعة مقالات كنت قد كتبتها في بعض الصحف، كذلك الكتب التي أورد فيها آيات القرآن الكريم أكتب بجانبها السورة  ورقم الآية، كما أشير في نهاية كل فصل إلى المراجع التي استعنت بها، لكن عدم وجود هوامش خطأ غير مقصود لأنني أطبع كتبي على نفقتي الخاصة وغالبا المطبعة  تقوم بتصوير الأوراق ثم إعدادها في شكل كتاب  وهذا لا يتيح عمل هامش لكل صفحة.

ـ رأيت في "المصرية" قيمة في ذاتها ثم ذكرت عددا من القيم الأخرى في كتابك "مصر وقيم أخرى".. في رأيكم ما القيم المفقودة في حياتنا أو التي راوحت مكانها، وكيف نستعيدها؟

ـ كتاب "مصر وقيم أخرى" شرعت في كتابته بعد قراءات طويلة لتاريخ مصر عبر العصور متتبعا سلوك وعادات وتراث المصريين، فوجدت هناك سمات عامة لم تتغير على مر الأيام  وكر السنين مثل التدين، فمن الديانة المصرية القديمة إلى المسيحية ثم الإسلام نجد المصري متمسكا بدينه حتى لو كلفه حياته، ففي الدولة القديمة عرف المصريون الهكسوس والفرس واليونان والرومان فلم يستطيعوا فرض دياناتهم، وعندما اعتنق المصريون المسيحية سمي "عصر الشهداء" جراء اضطهاد الرومان، وبعد الفتح الإسلامي لم يستطع الفاطميون فرض المذهب الشيعي رغم وجودهم في مصر أكثر من مائتي عام. 

     سمة أخرى عند المصري وهي التمسك بالأرض وتعود إلى الدولة القديمة فهو دائمًا مرتبط بأرضه حتى لو هاجر مؤقتاً فهو يفكر في وطنه. السمة الثالثة التواصل والاستمرار؛ إذ تجد المصريين لم تتغير ملامحهم ، وهناك طرفة يرويها الأثريون ، فعندما كان العمال يحفرون إحدى المقابر صاح أحدهم مشيرًا إلى واحد من الذين عثروا عليهم بأنه يشبه عمدة بلدهم ، وهذا دليل ما أقول فعلى الرغم من كل العناصر الأجنبية التي عاشت في مصر فلم يتغير المصريون، وهذا أيضاً ينطبق على صفاتهم  "الجوانية".  أما القيمة التي أؤكد عليها وإن لم تكن مفقودة تماماً هي "الانتماء" خاصةً عند الشباب ويتجلى ذلك في الحرص على اتقان العمل، وعدم ترديد الشائعات دون تمحيص، والمحافظة على مؤسسات الدولة بل شوارعها وميادينها ووسائل المواصلات وغيرها، وأخيرًا الإيمان بقيمة هذا الوطن.

ـ تناولت عددًا من الموضوعات في كتابك "هموم في حياتنا" دارت حول العولمة والإدمان والتعليم والبيئة وغيرها. لو أعدتم طبع هذا الكتاب ما الهموم التي كنت ستضيفها أو تمحوها، ولماذا هذا الكتاب في الأساس؟ 

ـ كتاب "هموم في حياتنا" يتضمن الهموم التي ذكرتها، و كل واحد منها يمثل مشكلة بل أحياناً أزمة؛ فالتعليم نجد كثيرًا من المؤتمرات والأبحاث والدراسات ولكن هناك عجزًا في استصدار قرارات حاسمة والعمل على تنفيذها ، والعولمة بما تفرضه على الناس من آراء والإلحاح عليهم داخل بيوتهم عبر قنوات الاتصال، ومشكلات البيئة من تلوث ونقص المياه والتصحر وتغير المناخ ، كلها تضغط على الإنسان فتمثل همومًا في حياته، وإذا قدر لي طبع الكتاب مرة أخرى فلن أمحو منه شيئًا لأن المشكلات مازالت قائمة، لكن أضيف فكرة الوطنية وتماسك فئات الشعب والوقوف خلف جيشه وقيادته في مواجهة التحديات التي تترصد الوطن  وتحيق به.

ـ أرجو منكم توضيح رؤيتكم عن "الحرية" خاصة وقد اعتبرتها تُشكِل صميم الذات؟

ـ تبلورت فكرة الكتابة عن الحرية منذ كنت طالبًا بقسم الفلسفة حيث طلب إلينا عمل بحث عن الحرية، هكذا بدون أية عناصر أو مراجع لكن الأمر متروك لكل طالب بمفرده.  وإذ كنت أقرأ القرآن الكريم وقفت عند الآية.. قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾  أي أن الله قد بين له  وعرَّفه طريق الخير والشر.. الهدى والضلال ليكون مؤمناً شاكرًا وإما كفورًا جاحدًا، فكانت نبراسًا لي، فالإنسان يمتلك إرادته وأيضًا يمتلك القدرة على تحقيق الإرادة، ومن هنا يمكن تعريف الحرية بأنها القدرة على تحقيق فعل ما بمقتضى الإرادة. لكن الإرادة مطلقة بينما القدرة محدودة وهنا تكمن فطنة الإنسان في الموازنة بين الإرادة اللامحدودة التي تستند إلى المعرفة والقدرة المحدودة بالزمان والمكان والمتاح.   

ـ وهل نجد هذه الرؤية عن الحرية في واقع الحياة المعاصرة؟

ـ هذا ما نجده في مختلف مجالات الحياة، الاقتصاد مثلاً يعمل على تحقيق أقصى إشباع ممكن في حدود الموارد المتاحة  وهي ما يعرف بالمشكلة الاقتصادية،  وهي مدار المذاهب الاقتصادية من الرأسمالية بأطيافها إلى الشيوعية والاشتراكية  وغيرها.  وفي المجال السياسي نفس الفكرة إذ أن كل فرد يسعى إلى تحقيق حاجاته الأساسية المعيشية بالإضافة إلى الأمن الداخلي وتأمين الحدود، ولعدم تعارض المصالح بين الأفراد كان من الضروري وجود هيئة حاكمة تتولى تنظيم العلاقة بين الأفراد  وحمايتهم  واستغلال الموارد والثروات الكائنة في نطاق هذه الحدود لصالح هؤلاء الأفراد ولفض المنازعات بينهم، ومن هنا جاء مفهوم الدولة وأيضًا نظرية العقد الاجتماعي.

 ومن الناحية الأخلاقية يحاول الفرد أن يتجاوز الكائن الواقعي الذي يعيشه بالفعل بكل ما ينطوي عليه من ضعف ونقص إلى الكائن المثالي الذي يتطلع إليه بكل ما فيه من سمو وكمال، لذا كانت هناك معايير ينتظم من خلالها سلوكه الأخلاقي وهو ما يُعرَف بالالتزام الخلقي الذي يستند إلى الدين والعرف والقانون الوضعي أو الجبر الذاتي.
ومجال الإبداع هناك عنصران، هما:  التجربة الشعورية التي تتكون لدى المبدع عند تأثره بما يدور حوله في الواقع، والعنصر الثاني هو نقل التجربة الشعورية إلى الآخرين أي خروج هذه الطاقة الانفعالية بشكل منظم في صورة عمل فني وهذا جوهر الفن وأيضاً جوهر الحرية، إذ أن هناك إرادة أي الحاجة إلى خروج الطاقة الانفعالية  وهناك قدرة وهي ما لدى المبدع من إمكانيات فنية لتحقيقها في الواقع لتكون ماثلة أمام الآخرين.

ـ تعرضتم للثقافة وأشرتم للبعد المفقود الذي حصرته في التزام الأديب بأفكاره والدفاع عنها. ألا تظن أستاذ عادل أن هذا قد يجرنا إلى صناعة "مالك الحقيقة"؟ أقصد ألا يمكن أن نضيف ركنا ثالثا يسمح بقبول أفكار الآخر؟

ـ التزام المثقف بأفكاره قولا عملا ثم الدفاع عنها يعكس "ضمنيا" حق الآخر في الدفاع عن أفكاره، وإلا أصبح كل فرد "مالكا للحقيقة" واختلط الحابل بالنابل وسادت الفوضى، ونحن متفقان في هذا.. أي الركن الثالث الذي صرحتم به وذكرته ـ أنا ـ  ضمنيًا.  والمثقف يعلم تمامًا بما لديه من ذائقة تكونت كمردود النشأة والتعليم والخبرات الشخصية أن الآخرين متباينو المشارب والاتجاهات نظرًا لاختلاف النشأة  والتعليم  والخبرات بل أن الفرد قد يتغير من فترة إلى أخرى، لذا يقول هيراقليطس: (الإنسان لا ينزل النهر مرتين لأن مياهًا جديدة ستغمره)، والإمام الشافعي يقول: (رأيي خطأ يحتمل الصواب،  ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ) ، وفولتير يقول: (إنني على استعداد للدفاع عن رأيك المخالف لي حتى الموت).   

ـ ألا تظن أن بعض كتبكم لم تتخلص فيها من الطريقة التربوية التعليمية فجاءت على ذات النسق تعليمية أكثر منها أدبية؟

ـ عندما أكتب أضع نصب عيني هدفًا هو وصول الفكرة إلى المتلقي، ويتوقف ذلك على نوعية الموضوع فإذا كان ما أتناوله يتطلب البحث والموضوعية والحيادية والوصول بأيسر الطرق قصدتُ إلى هذا ما استطعت إليه سبيلا، أما إذا تطلب الأمر التعبير عن المشاعر تجاه موضوع الكتابة فليكن التعبير الأدبي هو المطلوب  واجتهدت في ذلك لا أدخر جهدا، ولن أختلف معك؛ إذ تغلب على كتاباتي أحياناً تأثير المهنة، وأنا لا أتنصل منه بل أردد المثل: "يموت الزمار".

ـ لم تنل أعمالكم الأدبية حظها من النقد فلماذا؟ وإن كانت هناك دراسات نقدية فلتشر إليها؟

ـ استبعد مقولة الحظ في هذا، بل قد يكون التقصير من جانبي، وعندما تقدمت بطلب عضوية اتحاد كتاب مصر أتصل بي الأستاذ قاسم مسعد عليوه رحمه الله نائب رئيس الاتحاد في ذلك الوقت و أخبرني بأنه أعد دراسة حول مجموعاتي القصصية ثم حضر إلى السويس وتفضل بعرض الدراسة والمناقشة، لكن لا أعرف إذا كان نشرها أم لا؟  وفي بيت ثقافة فيصل تم تكريمي وبهذه المناسبة قدم الأستاذ السيد ياسين "قراءة" في بعض القصص ولا أعلم أيضًا إن كان نشرها أم لا؟

ـ حرصت على تقديم قيم تأسيسية للطفل في تنشئته. فلماذا لم تتبنى وزارة التربية والتعليم في مصر مجموعتكم "رؤى" أو أنك لم تحاول؟

ـ استهوتني كثيرا الكتابة للطفل فكتبت مجموعة "رؤى"  التي تحتوي على عشرين قصة، كل منها تتضمن فكرة لتعليم الطفل قيمة بصورة غير مباشرة مثل الدعوة إلى السلام وحب الوطن والوحدة الوطنية إلخ. ولقد ذهبت إلى ديوان عام وزارة التربية والتعليم بالقاهرة مرتين، وتقدمت بطلب لقراءة المجموعة وتبنيها، وتأكيدا لذلك بناء على تعليمات الوزارة سددت رسوما في البنك بإسم إدارة المكتبات بالوزارة وتركت بعض النسخ من المجموعة مع وعد بالاتصال والإفادة، لكن لم يصلني شيء ، كم كنت أتمنى ذلك!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق