الخميس، 24 أغسطس 2017

أوجزت لك .. لتقرأ أنت الحلقة 10:







كتاب :"أحكام العبادات في التشريع الإسلامي" [1 ــ 2]:


     أوجزت لك الفصل الثاني من كتاب :"أحكام العبادات في التشريع الإسلامي"،  من تأليف فايق سليمان دلول، وقد صدر عن مركز الأصدقاء للطباعة عام 2006م، في مدينة غزة بفلسطين، ويقع في (206) صفحة من القطع المتوسط، ويضم من غير المقدمة خمسة فصول، عناوينها هي: الفصل الأول: أحكام الطهارة في الشريعة الإسلامية، والفصل الثاني: أحكام الصلاة ومشروعيتها، والفصل الثالث: تشريع أحكام الصوم، والفصل الرابع: حقيقة الزكاة وأنواعها، الفصل الخامس: مشروعية الحج والعمرة.    

   ولعلك ستسأل عن أسباب اختيار الفصل الثاني من الكتاب، ذلك أن هذا الفصل من الكتاب
يتناول أحكام الصلاة ومشروعيتها، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة التي لها من عظيم القدر والأهمية في حياة كل مسلم، كما أنها  مظهر الإيمان العملي الكامن بالتصديق القلبي، والحد الفاصل بين الكفر والإيمان ومن عظم قدرها أن الله تعالى لم يجعل فيها عذر بإسقاطها ذلك أنها واجبة على كل مسلم ومسلمة كما قال صلى الله عليه وسلم، كما يمكن للمسلم أن يؤديها بالحال التي هو عليها، فالإسلام دين التيسير، وأن هذه الفرضية العظيمة جعل الله لها شروطًا إن لم يقم بها المسلم حق قيام لا يتقبلها الله منه، كما حدد لها مواقيتًا يجب أن تصلى فيها، وهي في الإسلام خير موضوع كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

    ومن هنا كان سبب اختياري لهذا الفصل للوقوف على أركان وشروط الصلاة وأنواعها، ونواقضها، وتبيان كل هذا عبر هذا الإيجاز الذي أرجو ألَّا يكون مخلًا، كما أرجو أن لا يكون مسهبًا حتى يعود القارئ لأصل الكتاب فيتزود منه.

   يضم هذا الفصل إحدى عشرة نقطة أساسية على النحو التالي:

التعريف بالصلاة وحكمها،  تاريخ مشروعيتها، الحكمة من تشريع الصلاة، حكم تارك الصلاة، شروط الصلاة، مواقيت الصلاة، أركان الصلاة، سنن الصلاة، كيفية الصلاة، سجود السهو، قضاء الصلاة.

وقد تناول المؤلف تعريف الصلاة لغة واصطلاحًا بأنها الدعاء في اللغة، وفي المصطلح الشرعي هي الأقوال والأفعال المخصوصة بحسب شروطها أولها التكبير ونهايتها التسليم.

  ثم تعرض الكاتب لحكم الصلاة وأوردها من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وإجماع العلماء للدلالة على وجوبها، ثم تناول تاريخ مشروعية الصلاة في ليلة إسراء ومعراج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقبل الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعام ونصف العام، ومكان تشريعها فكان السماء وهي العبادة الوحيدة التي فرضها الله في هذا المكان.

  يتناول الكاتب في النقطة الثالثة الحكمة من تشريع الصلاة، ويبينها في أنها الصلة المباشرة بين المخلوق والخالق عز وجل، وأنها الصون والحماية للمسلم من الإقبال على المعاصي والذنوب، وأنها مما يداوي بها المسلم قلبه ونفسه، وتكون سلوة له من المتاعب والآلام.

يفرق الكاتب في النقطة الرابعة التي تتناول حكم تارك الصلاة، بين المسلم الذي يتركها كسلًا منه وتهاون في أدائها، أو من يتركها جحودًا لها ونكرانًا، ويفصل في تلك المسألة، بالآتي: أن المسلم التارك للصلاة على سبيل النكران والجحود فهو كافر لا محالة كما أجمع على ذلك علماء الأمة، بل أنه مرتد يجب أن يستتاب فإن تاب وصلى عفى الله عنه ما كان من أمره، وإن أصر على جحوده وجب قتله ذلك أن الصلاة من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة. أما المسلم المؤمن بفرضيتها ولكنه لا يصلي فقد وجب أن يستتاب أيضًا فإن صلى فقد عفى الله عنه وإن أصر وجب على الحاكم قتله على سبيل الحد باعتباره من العصاة غير أنه يعامل معاملة المسلمين.

  يذكر الكاتب عند تناوله لشروط الصلاة في النقطة الخامسة أن الصلاة لا تعد صحيحة ومقبولة إلا بعد أن يتم استكمال شروطها، والتي يقسمها الكاتب إلى شروط وجوب وشروط صحة؛ فالوجوب أن يكون من يؤديها مسلمًا، بالغًا، عاقلًا، فلا يؤديها من ذهب عقله في غير حرام، والمغمى عليه، والحكم إذا استردا عقليهما من الجنون والإغماء فقد وجب عليهما قضاء ما فاتهما عند بعض العلماء ومنهم الإمام الشافعي.

أما شروط صحة الصلاة فالمقصود بها ما يتعلق بطهارة جسم المسلم  من الحدثين الأصغر والأكبر، والأصغر يكفيه الوضوء إذا فقده، والغسل إذا مسته الجنابة. كما أن من شروط صحة الصلاة العلم بدخول الوقت، وعليه أن يعلم ذلك قبل دخول وقتها، سواء بالمتيقن من العلم، أو عن طريق الاجتهاد أو بتقليد العلماء من أهل البلدة التي يقيم فيها، ثم يتحرى استقبال القبلة وهي شرط.

   يتناول الكاتب في النقطة السادسة مواقيت الصلاة، وفي النقطة السابعة يتناول أركان الصلاة، ويعرف الركن لغة بأنه الجانب الأساسي والقوي في الأمور، وأما تعريفه في الاصطلاح فهو الذي يتوقف عليه الأمر، ومن أركان الصلاة ، ثلاثة عشر ركنًا يأتي ترتيبهم على النحو التالي:

 أولها النية: واشتراطها مقصود به التفرقة بين العبادة والعادة، وتكون حاضرة مع تكبيرة المسلم للدخول في الصلاة بما يسمى تكبيرة الإحرام، ولو شك في استحضارها بطلت صلاته.

وثاني الأركان القيام مع القدرة خاصة في الصلوات المكتوبة، وثالثها تكبيرة الإحرام: أي أن بدخوله في تأدية الصلاة فقد حَرُمَ عليه أن يقول أو يعمل ما ليس فيها أو منها، ومن شروط تكبيرة الإحرام: أن تكون باللغة العربية أو بأي لغة تؤدي المعنى إن لم يستطع النطق بها، وأن يسمع بها نفسه، وأن يكون قائمًا مستقبلًا القبلة.

وتأتي قراءة الفاتحة بكونها الركن الرابع من أركان الصلاة، بل هي ركن في كل ركعة، فيقرأها الإمام، والمأموم، والمنفرد أي الذي يصلي وحده دون جماعة. وتكمن أهميتها في أن الصلاة بدونها لا تسمى صلاة، وتبدأ من البسملة وتنتهي بـ "ولا الضالين"، وتقرأ جهرًا في الصلوات الجهرية، وتقرأ سًرا في الصلوات التي تتطلب الإسرار.

ويشكل الركوع والطمأنينة فيه الركن الخامس، كما يشكل الاعتدال منه الركن السادس، ويشكل الركن السابع السجود والطمأنينة فيه، بينما يختص الركن الثامن بالجلوس بين السجدتين، ويشكل الجلوس الأخير الركن التاسع من أركان الصلاة، وهو الجلوس الذي يأتي بعد انتهاء المصلي من آخر ركعة في صلاته، والذي يأتي بعده السلام، ثم الركن العاشر وهو التشهد في الجلوس الأخير، أما الركن الحادي عشر فهو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، والتسليمة الأولى هي الركن الثاني عشر، وهي التي تأتي بعد الانتهاء من الصلاة في حال القعود، وأقلها: السلام عليكم مرة واحدة،  وأكملها: السلام عليكم ورحمة الله مرتين يمنة ويسارًا، ويعتبر الترتيب هو الركن الثالث عشر وهو أن يأتي المصلي بأركان الصلاة بحسب مكانها على الترتيب بحيث لا يقدم ركن ولا يؤخر ركن عن محلهما وإن فعل ذلك على سبيل التعمد أو بدون تعمد فقد بطلت صلاته.

  عند هذا القدر اكتفى على أمل اللقاء بكم مع الجزء الثاني من هذه الحلقة، والذي به يتم التعرف على الصلاة في الإسلام وأحكامها.. ألقاكم على خير.. في أمان الله..



أوجزت لك .. لتقرأ أنت الحلقة 9:






رواية "مهندس على الطريق..أمير الظل"..



أوجزت لك رواية "مهندس على الطريق..أمير الظل" للمهندس السجين عبدالله غالب البرغوثي، التي تقع في مائة وخمسة وستين صفحة من القطع المتوسط، كتبها وهو قابع في سجنه منذ عام 2003م، ليقضي مدته التي تزيد عن الخمسة آلاف عام بقرنين فوقهما بحسب حكم أحد المحاكم الصهيونية، والرواية صدرت في طبعتها الأولى عام 2012م لدار نشر مجهولة الهوية، ربما لظروف أمنية وسياسية، وعلى الرغم من ذلك فقد شاعت وانتشرت، حيث كان يكتبها من زنزانة العزل الانفرادي الذي ظل قابعًا فيها منذ عام 2003م، وقد أهدى كتابه إلى والديه وأولاده، ولكل من ساهم في أن يرى هذا الكتاب النور، كما يهديه إلى فلسطين والقدس والأقصى، ولكل من لعن الاحتلال.


موجز الرواية:
                             
 الرواية من أدب السيرة الذاتية، وقد يرى البعض أنها تنتمي لأدب السجون، وهي كلها حكاية طويلة يحكيها الأب السجين لابنته الكبرى التي تدعى "تالا"  في إجابة على سؤال سألته إياه لماذا تركها وهي صغيرة في سيارة تحاصرها الكلاب من كل ناحية؟، والسؤال الأصعب أن يجيبها من هو؟

يستطيع القارئ أن يرصد ويحدد أماكن الرواية بدقة عبر: الكويت، الأردن، كوريا، فلسطين، لذا فقد رأى الكاتب أن يبدأ أحداث روايته المثيرة  من دولة الكويت التي ولد فيها لأصول فلسطينية، فأحبها وعاش على أنه وطنه ولم يكن يعلم غير هذه الحقيقة، وكيف نما رياضيًا محبًا للرياضة العنيفة والتدريب على السلاح والعمل في محل لإصلاح الأجهزة الكهربائية تلك التفصيلات التي سيستخدمها الكاتب ببراعة في الفصول الآتية ولذا فقد كان من المهم أن يتعرض لها.

ينتقل الكاتب بأحداث الرواية من الكويت إلى عمان  في الأردن عقب الغزو العراقي للكويت، وقد أكمل الثانوية العامة ولكن والده  بات غير قادر على إلحاقه بالجامعة،  مما يلجئه ـ أي البرغوثي ـ إلى أن يستدين مبلغًا من المال ليفتح كراجًا ليساعد أسرته ولكن ظروف الأردن الاقتصادية كانت هي الأخرى سيئة، ومن ثم يتعرف على أحد الأصدقاء ويعزم معه على السفر إلى كوريا الجنوبية التي بقي فيها وحيدًا بعد أن غادر صديقه المطار عائدًا إلى عمان مرة أخرى، وفي كوريا يتعلم أشياء كثيرة ظهرت من خلالها مهارته لحب الأجهزة الإلكترونية تلك التي أفاده فيها تعلمه لإصلاح الأجهزة الكهربائية في دولة الكويت، ثم أقبل على تعلم لعبة التايكوندو والتي كانت معروفة في كوريا نظرًا إلى كونهم يكرهون الجودو لكرههم لليابانيين الذين احتلوهم سابقًا، فأصبح ماهرًا فيها إلى جانب الجودو، ثم مارس القرصنة الالكترونية مثلما تعلم صناعة المواد المتفجرة  والمواد الالكترونية القادرة على تفجيرها من خلال النت ثم طبقها في إحدى الغابات الكورية، كما تعلم قتال الشوارع أو قتال القوات العسكرية النظامية، ومع كل هذا فلم يتنازل عن هويته ودينه وعاداته الحميدة لكونه مغتربًا في كوريا، بل كان يواظب على أداء الصلوات في أوقاتها وممارسة الرياضة يوميًا.

   عاد البرغوثي إلى عمان ومعه زوجته الكورية، وذلك لأنه فضّل الزواج مبكرًا من فتاة كورية ولو بلا حب، مخافة الوقوع في الزلل، وهروبًا من الفتيات اللاتي دأبن على ملاحقته، كما عاد ومعه ثروة جيدة أيضًا، ولو أراد أن يقف عند هذا الحد لكفاه كما فعل غيره، غير أن زوجته الكورية لم تكن تنجب، ووالدته لم تزل تلح عليه في الزواج ممن تأتي له بالولد، كعاداتنا العربية، فلم يجد بدًا من أن يعرض الأمر على زوجته الكورية، بالزواج من فتاة عربية تنجب له على أن يستمر زواجهما، لكنها أصرت على الطلاق والرحيل لبلدها فلم يغمطها حقها؛ فلقد كان رجلًا منصفًا بحق فلم يهنها بل اشترى لها ولأهلها الهدايا الثمينة من الذهب والمجوهرات  وأعادها كريمة لبلادها، لتنتهي  قصته مع كوريا لتبدأ مع فلسطين.

   والتي بدأت القصة والدته المريضة التي أزالت كل مظاهر الحياة الكورية فيه لتعيده من جديد بيتًا فلسطينيًا، ملأته بصور القدس وفلسطين، والتي انتظرت ولدها عند عودته من المطار  لتعلنها عليه ثورة في بيته بعد عزمه السفر للسياحة في أسبانيا؛ فقد هددته وتوعدته أن يمتنع عن السفر وأن يتزوج، فوافقها بعد أن حدد شروطه بأن تكون زوجته القادمة فلسطينية، وبرغوثية من عائلتهم، وأن تكون متعلمة ولهاد دراية بتربية الأطفال، وأن لا تعمل أبدًا  بل تتفرغ لأسرته.

 عند هذه النقطة من الأحداث الدرامية في الرواية والتي من أهمها أن والدته وجدت له العروس في فلسطين، وأنه سافر إلى هناك، ودخل أريحا، ثم صلى بالأقصى، وطاف في القدس المحتلة، ثم غادرها إلى رام الله، ثم غادرها إلى مدن فلسطينية أخرى ومنها الناصرة التي زار فيها كنيسة البشارة، مثلما كان يزور المعابد في كوريا، على الرغم من تمسك البرغوثي بإسلامه، إلا أن نظرته تجاه العقائد الأخرى وما يمثلها كان حضاريًا فيه قدر من التسامح، غير أنه ليس عنده من جزاء لمن يسب الذات الإلهية إلا الموت، حتى وإن دفعه ذلك لممارسة العنف تجاه من سب.

   بعد جولات البرغوثي السياحية أقسم أن يحرر القدس من الصهاينة، ومن الفلسطينيين الذين باعوها ويقصد منظمة فتح ورجالها، ثم عاد إلى قريته التي فيها منزل جده، وكان في انتظاره المهنئين بالعودة والزواج ومنهم ابن عمه  بلال البرغوثي، وبدأ كفاح عبد الله البرغوثي بعد أن تسلم حقيبة تخص الشهيد المهندس يحي عياش، وكأن القدر قد أعده ليكون خليفته، ومن هذه اللحظة تبدأ أحداث البرغوثي الذي عرف طريق الجهاد من حكايات ابن عمه بلال البرغوثي والذي كان منضمًا في جماعة مسلحة مع أصدقائه الطلبة، ومن خلال ذلك قرر البرغوثي أن يكون هو يحي عياش الثاني، وحكى حكايته لابن عمه، فقررا أن يكونا معًا كتيبة من كتائب القسام، وقام بعدة عمليات إلى أن تم تعقبه وسيارته التي أخذوها بعد أن ألقوا طفلته  "تالا" منها في السوق..
    الأحداث وتفصيلاتها كثيرة تحكي قصة بطل قدم نفسه فداءً لوطنه، وقد كان يحكي لابنته "تالا" كيف أن الذي زج به في السجن وأبلغ عنه أحد العملاء من بني جلدته من المتعاونين مع العدو الصهيوني غير أنه عَفَ أن يحكي عنه في كتابه أو روايته التي تستحق أن تكون مقررًا دراسيًا في المدارس العربية لتعلم أبنائنا التضحية والفداء، والوطنية التي يدفعها الوطني من دمه بحق وليس عبر الكلمات الجوفاء، والصراخ والشجب والتنديد.

    في رواية أمير الظل إرساء لروح الانتماء للوطن الذي ولد البرغوثي على أرضه وهو الكويت، وانتماء للوطن الذي ينتمي إليه في الأصل فلسطين، وفيها إرساء لقيم البر بالوالدين وطاعتهما، والمسئولية تجاههما، والتمسك بالقيم والمباديء الدينية في الوطن وخارجه، والعفاف بالزواج عند الاستطاعة، والقيام بدور الأبوة مهما كانت الظروف؛ فقد كان لا ينسى مواعيد أعياد ميلاد أولاده حتى وهو بالسجن، والوفاء بالوعد، فقدم البرغوثي الدليل الناصع على الوطنية الصادقة، والتدين بلا ادعاء، والفداء بلا متاجرة، والإقبال على ممارسة الرياضة، والدأب على التعلم منذ الصغر حتى الكبر، ومسايرة روح العصر وتعلم علومه، ودراسة وإتقان اللغات الأجنبية، ومقاومة الغاصب للوطن، والتضحية بالمال والنفس والولد من أجله، مهما كانت الظروف، قدم البرغوثي تجربته وخبرته للآخرين حتى في محبسه الأخير.. لعلها تفيد من يقرأها من أبناء العروبة.


بعد ما تقدم أقول:

اجتهد الكاتب في بسط الأحداث التي مرت به أمام ابنته الكبرى "تالا"، فبدأ قص حكايته لها عبر رسالة طويلة هي عدد صفحات الكتاب من ميلاده حتى آخر لحظاته خلف قضبان العدو، ولما كانت ظروف الكتابة مرهونة باللحظة التاريخية والواقعية له من حيث سجنه، ومرهونة بواقعية الأحداث المروية، وعدم احترافه لأي جنس أدبي سابقًا غير اطلاعه على بعض مساقات الأدب الكوري، كل هذا أثَّرَ بالإيجاب في صدق تناوله للموضوع، وسلاسة عرضه بلغة تفهما ابنته التي بلغت الثالثة عشر من عمرها وقتها، ويتابعها المهتم بالقضية الفلسطينية.

   قد يلاحظ ناقد الأدب أن الكتاب يفتقد للكثير من أركان الرواية مثل افتقاده  لجماليات التشكيل، والوصف النفسي، وجماليات اللغة، على الرغم من تدافع الأحداث داخل العمل، وأن لغة الرواية الأدبية جاءت  ركيكة بعض الشيء غير مترابطة، مع وجود بعض الأخطاء اللغوية والإملائية، وعدم وجود أسلوب واضح أو منهجي للكاتب في كتابة أجزاء الرواية، وهذا مردودٌ عليه أن صاحب الرواية ليس كاتبًا محترفًا أو حتى روائيًا، ولم يشأ أن ينشئ رواية، بل كان بطلًا مقاومًا لقوات الصهاينة، يسرد لابنته وقائع سيرته الذاتية وتفاصيلها، منذ مولده وحتى التحقيق معه في أقبية الاحتلال الصهيوني التي دامت قرابة العشرة أعوام حتى وقت كتابة هذه الرواية،  التي كتببها بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، متمنيًا أن تكون نتائجها عاصفة على الصهاينة، كما أن  ملابسات الظرفية التاريخية التي تصاحب البرغوثي في تسجيل إجاباته على أسئلة ابنته في ظروف أمنية صعبة هي ما يغفر له هذه الزلات التي ذكرناها، والتي لا توهن من شأنها، والتي كان يجب أن تنتج تليفزيونيًا وأن يبادر إلى هذا التليفزيون الفلسطيني "المقاوم"!     



    وفي الختام بعد هذه الرحلة مع أمير الظل أو مهندس على الطريق.. أترككم في سلام، وألقاكم في الحلقة القادمة مع كتاب موجز جديد.. دمتم آمنين...

"عرعار" في ذاكرة التاريخ الجزائري...

   





     لم يكن الشهيد رمضان عرعار هو الشهيد الأول أو الأخير في تاريخ الجزائر الحافل بالبطولات والشهداء، ومن المؤكد أن ذاكرة المواطن العربي لن تتسع لكل تاريخ الشهداء الجزائريين الذين ضحوا بدمائهم من أجل جلاء الغاصب الفرنسي المحتل عن أراضيها، غير أن الشاعر الجزائري ياسين عرعار قد أحسن صنعًا حين تناول سيرة هذا الشهيد البطل في كتاب عنه، بعنوان: "الشهيد رمضان عرعار .. رجل من ذاكرة الجزاير"، من بحثه وتحقيقه والذي أصدره عام 2013م في طبعته الأولى  عن دَار الكتاب الرقمي للبرمجيات والنشر، سوريا.

   أحسن الشاعر عرعار صنعًا أيضًا حين عرَّفَ المواطن العربي في سطور يسيرة جاءت في مقدمة كتابه عن تاريخ الثورات الجزائرية، ليحدد له أي ثورة تلك التي شارك فيها الشهيد عرعار ونال فيها ثواب الشهادة، وليقدم بجلاء أن كِتَاب الشهداء الجزائريين من الكثرة والاتساع  حين يضم أسماء شهداء كثر غير رمضان عرعار.

    ومن هذه الكتب "سلسلة جهاد شعب الجزائر" لمؤلفه بسام العسلي الذي يقع في خمسة عشر مجلدًا، وكتاب "الثورة الجزائرية في عامها الأول" للدكتور محمد العربي الزبيري، وغيرها من الكتب التي لا يتسع المقام لذكرها.

  كما أحسن الشاعر صنعًا حين صدَّرَ الكتاب بإهداء منه تمثل في قصيدة له كتب في تقديمها:  إلى شهداء الوطن ورواد ثورة نوفمبر الخالدة بعد خمسين سنة من عمر الحرية البيضاء أُصلِّي، وعنوانها: "صَلاةٌ فِي مِحرَابِ الوَطَن"، قال في نهايتها:

وإلْيَاذةُ الفَخرِ فِينا تضِيءُ       تسابِيحها مِن عمِيقِ الحنَايَا
فَرُوحِي فِداءٌ لِأرضِ الشهِيدِ         لتحيا بِلادِ بِرغمِ البلايَا
لأنَّكِ أنتِ الجزائرُ قلبي          أحِبُكِ حبًا .. عدِيمَ الخطايَا


  استعرض الشاعر عرعار حياة الشهيد رمضان عرعار من خلال الوثائق، والوصف الجسماني، والسيرة الحياتية المتعلقة بالنشأة، والتربية، ونوع التعليم، والحياة الاجتماعية، والبيئة المحيطةبه، ثم انتقل إلى حياته السياسية التي بدأها بالانضمام إلى حزب "أحباب البيان والحرية" عام 1945م.

   كما ربط الكاتب بين إجادة الشهيد لمهنة القنص والصيد في حياته العملية وبين الحركات الجهادية الأولى له من خلال عدة عمليات صغيرة قام بها منفردًا، ولم تنجح في اصطياد الهدف، بقدر ما كان لها تأثيرها في ردود الأفعال الفرنسية وما أصابها من فزع بين صفوفها، غير أن العملية الناجحة التي أكدت سعي سلطة الاحتلال الفرنسي في طلبه فهي ذبح الإيطالي "نياطسو" صاحب الطاحونة التي كان من خلالها يتجسس لصالح الفرنسيين باستقصاء وجمع المعلومات عن المجاهدين الجزائريين من خلال بعض المواطنين الجزائريين الذين يترددون على الطاحونة، وقد كان هذا العمل بحق عملًا استراتيجيًا هامًا من قبل الثوار.

   يقدم الكتاب توثيقًا حول اتصال الشهيد رمضان عرعار بقادة الثورة الجزائرية في الشرق الجزائري، وعددًا من الشخصيات المعروفة، وعددًا من المجاهدين في سوق أهراس موطنه، كما قدم الشهيد ليس نفسه فقط بل منزله أيضًا ليكون مستودعًا للمؤن والسلاح  للمجاهدين يلجأون إليه للتزود منه، كما يسجل الكتاب المعارك التي شارك فيها الشهيد عرعار.

   لم يفت الشاعر عرعار أن يذكر المواقف الإنسانية من الأبوة الحانية للشهيد عرعار أنه كان يحمل الحلوى والملابس لأطفاله، وهو يأتي بالسلاح من الحدود الجزائرية التونسية، ولقد كان وصفًا صعبًا قاسيًا تهتز له النفوس، وتدمي له القلوب بحق، ذلك حين وصفت "أم الخير" ابنة الشهيد الأحداث الدرامية التي صاحبت استشهاد والدها منذ اللحظة الأولى التي رصدها عساكر الفرنسيين من عبوره للحدود ودخوله بيته بعد غيابٍ دام شهرين.

      وكم كان اجتماعًا لم يغب عنه ضوء القمر المتسلل إلى غرفة الشهيد وهو في لباسه العربي وأولاده حوله فرحين بمقدمه وبما جلب لهم، ليباغته جنود الاحتلال بوشاية من بعض الجزائريين بعد محاصرتهم للبيت فترة ثم اقتحامهم لغرفته بكلابهم وجنودهم الكثيرة وبكامل أسلحتهم فيخرجوه أمام أطفاله وهم يودعون خمس رصاصات في صدره الطاهر الجسور، ولم يكن قد فارق الحياة بعد، فقد كان ــ رحمه الله ـ قوي البنية، ليجرونه خارج المنزل بعشرة أمتار ليتقدم القائد الفرنسي بكل خسة ونذالة وحقارة ليودع رأسه بخمس رصاصات أخرى في 23 نوفمبر عام 1956م، ثم يتكلمون عن حقوق الإنسان، وهم يتفاخرون بذبح العرب والمسلمين في كل الأزمنة والأمكنة بطول بلاد العرب والمسلمين دون أن يطرف لهم جفن.

   كل ما أستطيع قوله أن الكتاب يستحق القراءة من كل عربي لأنه يلقي بعض الضوء على بعض التاريخ الجزائري الطويل، خاصة خلال الحقبة الفرنسية  السوداء في تاريخ الجزائر، ويقف شاهدًا على أن المدنية التي يفاخرون بها قامت على جماجم وعظام ورؤوس العرب من الأطفال والكبار، وكنت أتمنى أن يواصل الشاعر ياسين عرعار مشواره هذا وأن يكون له عودة مع شهداء قدمتهم منطقته، على الأقل، لا كل الجزائر.

    وأقول مع الزبيري أن ثورة 1954م كانت ثورة عملاقة بحق تستحق الدراسة حيث تعرضت للإهمال حتى من جيل الإستقلال نفسه، وليس في هذا وفاء للشهداء ومنهم الشهيد رمضان عرعار.
     

الجمعة، 18 أغسطس 2017

قصة القطار..







لم يكن فى نيته يومًا الارتباط بها، فليس كل الأقارب يتزوجون بالضرورة من أقربائهم، لكنها تصر عليه...

ــ تربينا معًا، وعشنا معًا، وكبرنا معًا، حتى العمل بالمدينة نذهب إليه معًا ونعود منه معًا.. اللعنة على مشوار المدينة اليومd، فهو الذي يغذي ذلك الوهم النابع من رأسها فقط ..

ينحدر بهما الطريق الرملي جانبًا وهما في طريقهما لركوب قطار العودة .. أحس برعدة كاد أن يسقط.. تدركه من ذراعه . يمتقع لونه وهو ينظر إليها مشفقًا.. يخلفان وراءهما غبارًا خفيفًا..


الأقدام تفر من تحتها الرمال، الشمس يخنقها الغروب. تتوارى.. المقابر تسير مع الطريق تصاحب الأحياء رحلة الدرب الرملي الطويل .. ينظر نحوهم يتمنى لو كان هناك، تبدو عربات القطار المسترخية على أشرطة القضبان الفرعية أمام بقايا من بيوت رحل عنها ساكنوها.. ينظر نحوها يتمنى لو كان مع من رحلوا..

ــ ما ذنبي؟! أبى يهجرني صغيرًا لأمٍ أنهكها الانتظار وشماتة المحيطين فهجرتني رغمًا عنها بالموت، يربيني عمي في بيته.. أكبر معها، تحبني ولا أحبها، ومن أحببتها وتزوجتها بعيدة حيث العاصمة وابني معها..

ينظر نحوها بعطف، تنظر إليه شذرًا، يسكنه اللون الأصفر.. عيون الأموات ترقب حياتهما، كادت تتعثر في حجرٍ ناتئ صغير، يمسك يدها تجذبها دفعةً واحدة، يغزوه اللون الباهت ثانيةً. يرتعد. تثبِّت عينيها في عينيه.. شفتاها تتحركان، تتلو صحيفة جرائمه. يسقط فى يده. يتسمر..

ــ من المؤكد أنها عرفت قصة زواجه وانجابه سرًا ممن استأمنهم عليه فأذاعوه.

  تتكلم .. لم يكن معها . تنهره في عنف . يغرس بصره في موقع قدميه . تزجره . يتشجع على الكلام .. تدمدم الأرض تحتهما.. يغزو الكون صوت قادم . احتواهما الفزع .. قطار آتٍ من بعيد .. يتكلم .. تسرح . لاتسمعه .. تستصرخه.. يحاول الكلام .. صوت القطار يبتلع صوته .. لا تسمع . تتلو عليه ذنبًا آخر.. يعلو صوته مدافعًا رافضًا موقفه الذليل لفضل أبيها الذي تُحسَّن استغلاله .. تصغي في ذهول .. يأكل صوته غضب القطار البطيء .. تصرخ في وجهه.. يتقهقر، تمضي أمامه يائسة .. السكون يشجعه على الكلام .. فتح فمه .. التقط صفير القطار عباراته. محاها .. تشده إليها .. القطار الغاضب مازال يسير الهوينى على القضبان المنهكة التي لا ترحب باستقباله .. نظر إليها النظرة الأخيرة..


ليس له من أملٍ هنا، شاع أمر زواجه عندها فمن المؤكد أن البلدة كلها علمت بأمره وأهلها والعمدة وإمام المسجد وعمه وهذا ما فعلته ابنته فكيف هو؟ .. محاكمات في المجالس وتقطيع سيرته سهارى وحكايات على المصاطب و .... و .... و ...


ــ سأركب القطار.. ابني ليس له عم هنا أو هناك..

ــ قطارنا لم يأت موعده بعد .. انتظـ ـ ـ ـر .....

لم يسمعها .. كان قد أخذ قراره، واتجه نحو القطار مسرعًا.. يعانق ظله ظله.. يتحدان.. تصرخ فيه.. رأتهما جسدًا واحدًا.. خيل إليها أنه غطى بجسده القطار أو أن القطار قد تمدد فيه.. يلوح لها من العربة الأخيرة.. تحاول أن تلحق به، تصرخ باكية:

ــ عد ..

يتكلم . تصغي .. يأكل آخر كلماته صوت قطار يعلن عن رحيله .. لم تسمع . تزجره .... ذهب صوته.. وذهب القطار... لتبقى وحدها والدرب الطويـــل...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* فازت قصة القطار فى مسابقة "قصص على الهواء" التي تنظمها "مجلة العربى" الكويتية، مع هيئة الإذاعة البريطانية " BBC"، وقد اختارها الناقد البحريني فهد حسين لتفوز عن شهر مايو 2010م، معللاً سبب اختياره لها بقوله : (قصة فنية تعاملت مع شخصيتين رئيسيتين لإيمان القاص بقدرة القصة على طبيعة استيعاب الشخصيات في القصة، بلغة قصصية جميلة وتقنية تعاملت مع القص بشكل فني. وضحت فكرة البعد التراثي في الفكر التقليدي للعائلات في المجتمع).


رابط إذاعة BBC:

http://www.bbc.com/arabic/tvandradio/2010/04/100408_storytrain.shtml#

” أَوْجَزْتُ لَك .. لِتَقْرَأ أَنْت ” الحلقة 08:






إيجاز كتاب التفكر من كتاب: "إحياء علوم الدين"..



هو الكتاب التاسع من ربع المنجيات في كتاب إحياء علوم الدين، ولا يحتوي هذا الكتاب إلا على موضوعه بدون سرد لأبواب، وذكر المصنف أن الله تعالى قد حض على التفكير في كتابه الكريم، وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لما في التفكير من خير عميم، لا يعلمه إلا من جربه. 

ــ فضيلة التفكر:

ما ذكره الله من فضله في كتابه الكريم في مواضع كثيرة، وثناؤه سبحانه على من يتفكرون من عباده.

ــ بيان حقيقة الفكر وثمرته:

وهو أن الفكر إذا تحدد مساره فيما يخص الدين، وذلك في الطاعات وأنواعها، والمعاصي وما يؤدي إليها، وكل النعوت المهلكة، والنعوت المنجية من المهالك، وقد يكون التفكير في أمور تتعلق بغير الدين.

يرى الإمام أبي حامد الغزالي أن اجتماع المعارف في القلب وتثنيتها بازدواج، تنتج معارف، ومن عرف التفكر ومارسه، نال فائدته، والتي منها، إكثار العلم واستحضاره على القلب بحيث لا يجد طريقه إلى المحو، وهذا هو الفرق بين من يتفكر ومن يتذكر، واستمداد المعارف لا تنتهي لأنها من أقباس نور الألوهية، ولا تعرف التوقف إلا بتوقف خروج النفس من الصدر، وعلم أن الآخرة خير من الدنيا التي خلقت لينظر الإنسان منها لما بعدها لا لها.

ــ مجاري الفكر وثمراته:

أما ثمرة الفكر فتكون كما سبق قوله بالتذكر، وبالتفكر، ونوال القلب المعرفة المقصودة، وتغير حال القلب بما زاد عليه من معارف أظهرت الفرق بين ما كان عليه قبلها وبعدها، ومن هنا تتحول جوارح الإنسان إلى خدم للقلب بتجدد الأحوال.

أما مجاري الفكر فلن نذكر منها المذموم ويفوق العشرين، ونكتفي بمجاري الصالحين التي تتحقق بترك الشبهات، والالتزام بالطاعات، بتكثير النوافل وتحريك اللسان بالاستغفارات، والتوسل لله تعالى أن يبعدهم عما يدنس القلوب من كل الأرجاس، بطلب الجنة والفرار من النار، والخوف من العزيز القهار، ومجاري الصالحين في التفكر في رب العالمين، والتنعم به سبحانه بنور القلوب.  

ختام الإيجاز:

    التزم الإمام أبي حامد الغزالي منهجًا وضحه في كتابه، وهو التزامه بما ألف فيه سابقوه من الموضوعات الواردة في كتابه، والتي ألفوا فيها كتبًا، غير أنه يتميز عنهم بأنه، يسر ما عقدوه وطلسموه، وفصَّل الكثير مما أجملوه، وعمل على ترتيب وتبويب ما نثروه وتنظيم وتنسيق ما شتتوه، ثم أتى على المكرمات التي يغرم بها المغرمون فاستبعدها بالحذف، وإذا ما وجد فيما حرروه ما يفيد وافق عليه وثبته.

أما عن أسلوب الإمام الغزالي، فالذي يشهد بانتشار كتابه، ومازالت عجلات المطابع حتى الأن تتفنن في طباعته مجلدًا واحدًا، أو أربعة مجلدات بحسب تقسيمه الرباعي له، فإنما يعود بالأساس في سهولة أسلوبه، وجزالة عباراته، وأن فهمه لا يستعصي على العادي من الناس، كما يفهم أسراره العلماء المتخصصون، وهو ما يشهد من تبحره في العلوم، ما حواه كتابه من فنون.

    إن المطالع لكل ربع ضمه الكتاب، ليشهد بما حواه من أفكار جيدة، تناولت قواعد العقيدة، وفقه العبادات وأسرارها أتقن الغزالي صبغها بالعلم والمحبة حيث لم يجعلها مادة جافة، ولذا فقد  نفذت في يسر إلى قلب المؤمن قبل أن تمر على جوارحه فأعانته على الفهم والتدبر والخشوع في أداء عباداته، ويكفي تحذير العباد من المهلكات بعشرة كتب، فيخالفونها بعشرة كتب من المنجيات تعينهم على النجاة والفوز والسبق شوقًا إلى الله، وطلبًا للجنة.

     وعلى الرغم من انتقاد الإمام لبعض المتشبهين بالتصوف، غير أنه كان منهم مما أوقعه هذا في أمور أحصاها عليه من نقدوه من بعض ألفاظ الصوفية الشهيرة، مثل: المكاشفات، المشاهدات، وما يذكره من لقائهم بالملائكة وأرواح الأنبياء، وألفاظ من قبيل الشراب، والشرب، وذكره لغرائب من طواف الكعبة حول بعض الأولياء، أو أن صلاة الرجل منفردًا تفضل صلاة الجماعة إذا كانت تزيده خشوعًا.

    والحقيقة أن العلماء من أهل الحديث، كانوا يعلمون قلة علمه رحمة الله عليه بعلم الحديث وهذا الذي جعل كتاب الإحياء يجمع من الأحاديث الضعيفة الكثير، وقد عدها ابن الجوزي من الأحاديث الباطلة، ولكنهم عذروه لأنه لم يتعمد وضعها، وقد مدحه الإمام ابن تيمية لكنه لم يرحمه من المآخذ التي وقع فيها، ويقول أهل العلم عن الغزالي ملتمسين له العذر: أنه كتبها كما اقتراها لا أنه افتراها. وقد عالج ضعف الأحاديث وتبيينها الحافظ العراقي، وكل طبعات الإحياء الحديثة تخرج مقرونة به في الهوامش، مما عظم فائدته، وداوى سقطته في قلة علم الحديث.

   مع نهاية حلقتنا مع الربع الأخير مع التفكر نكون قد وصلنا مع الحلقة الأخيرة من رحلتنا  مع كتاب "إحياء علوم الدين" ... ألقاكم مع إيجاز كتاب جديد، وحلقة جديدة قادمة.. وإلى ذلك الحين أترككم في خير..







التراث الطبي في الحضارات: المصرية واليونانية والإسلامية...

 قد تتساءل كيف يضم سطرًا واحدًا ثلاث حضارات كان لها تاريخها المجيد مع "الطب"، غير أن الحضارة الأولى هي التي لها حق الريادة والعماد...