رواية "مهندس على الطريق..أمير
الظل"..
أوجزت لك رواية "مهندس على
الطريق..أمير الظل" للمهندس السجين عبدالله غالب البرغوثي، التي تقع في مائة
وخمسة وستين صفحة من القطع المتوسط، كتبها وهو قابع في سجنه منذ عام 2003م، ليقضي
مدته التي تزيد عن الخمسة آلاف عام بقرنين فوقهما بحسب حكم أحد المحاكم الصهيونية،
والرواية صدرت في طبعتها الأولى عام 2012م لدار نشر مجهولة الهوية، ربما لظروف
أمنية وسياسية، وعلى الرغم من ذلك فقد شاعت وانتشرت، حيث كان يكتبها من زنزانة
العزل الانفرادي الذي ظل قابعًا فيها منذ عام 2003م، وقد أهدى كتابه إلى والديه
وأولاده، ولكل من ساهم في أن يرى هذا الكتاب النور، كما يهديه إلى فلسطين والقدس
والأقصى، ولكل من لعن الاحتلال.
موجز الرواية:
الرواية من أدب السيرة الذاتية، وقد يرى البعض
أنها تنتمي لأدب السجون، وهي كلها حكاية طويلة يحكيها الأب السجين لابنته الكبرى
التي تدعى "تالا" في إجابة على
سؤال سألته إياه لماذا تركها وهي صغيرة في سيارة تحاصرها الكلاب من كل ناحية؟،
والسؤال الأصعب أن يجيبها من هو؟
يستطيع القارئ أن يرصد ويحدد أماكن
الرواية بدقة عبر: الكويت، الأردن، كوريا، فلسطين، لذا فقد رأى الكاتب أن يبدأ
أحداث روايته المثيرة من دولة الكويت التي
ولد فيها لأصول فلسطينية، فأحبها وعاش على أنه وطنه ولم يكن يعلم غير هذه الحقيقة،
وكيف نما رياضيًا محبًا للرياضة العنيفة والتدريب على السلاح والعمل في محل لإصلاح
الأجهزة الكهربائية تلك التفصيلات التي سيستخدمها الكاتب ببراعة في الفصول الآتية
ولذا فقد كان من المهم أن يتعرض لها.
ينتقل الكاتب بأحداث الرواية من الكويت
إلى عمان في الأردن عقب الغزو العراقي
للكويت، وقد أكمل الثانوية العامة ولكن والده بات غير قادر على إلحاقه بالجامعة، مما يلجئه ـ أي البرغوثي ـ إلى أن يستدين مبلغًا
من المال ليفتح كراجًا ليساعد أسرته ولكن ظروف الأردن الاقتصادية كانت هي الأخرى
سيئة، ومن ثم يتعرف على أحد الأصدقاء ويعزم معه على السفر إلى كوريا الجنوبية التي
بقي فيها وحيدًا بعد أن غادر صديقه المطار عائدًا إلى عمان مرة أخرى، وفي كوريا
يتعلم أشياء كثيرة ظهرت من خلالها مهارته لحب الأجهزة الإلكترونية تلك التي أفاده
فيها تعلمه لإصلاح الأجهزة الكهربائية في دولة الكويت، ثم أقبل على تعلم لعبة
التايكوندو والتي كانت معروفة في كوريا نظرًا إلى كونهم يكرهون الجودو لكرههم
لليابانيين الذين احتلوهم سابقًا، فأصبح ماهرًا فيها إلى جانب الجودو، ثم مارس
القرصنة الالكترونية مثلما تعلم صناعة المواد المتفجرة والمواد الالكترونية القادرة على تفجيرها من
خلال النت ثم طبقها في إحدى الغابات الكورية، كما تعلم قتال الشوارع أو قتال
القوات العسكرية النظامية، ومع كل هذا فلم يتنازل عن هويته ودينه وعاداته الحميدة
لكونه مغتربًا في كوريا، بل كان يواظب على أداء الصلوات في أوقاتها وممارسة
الرياضة يوميًا.
عاد البرغوثي إلى عمان ومعه زوجته الكورية، وذلك لأنه فضّل الزواج مبكرًا
من فتاة كورية ولو بلا حب، مخافة الوقوع في الزلل، وهروبًا من الفتيات اللاتي دأبن
على ملاحقته، كما عاد ومعه ثروة جيدة أيضًا، ولو أراد أن يقف عند هذا الحد لكفاه
كما فعل غيره، غير أن زوجته الكورية لم تكن تنجب، ووالدته لم تزل تلح عليه في
الزواج ممن تأتي له بالولد، كعاداتنا العربية، فلم يجد بدًا من أن يعرض الأمر على
زوجته الكورية، بالزواج من فتاة عربية تنجب له على أن يستمر زواجهما، لكنها أصرت
على الطلاق والرحيل لبلدها فلم يغمطها حقها؛ فلقد كان رجلًا منصفًا بحق فلم يهنها بل
اشترى لها ولأهلها الهدايا الثمينة من الذهب والمجوهرات وأعادها كريمة لبلادها، لتنتهي قصته مع كوريا لتبدأ مع فلسطين.
والتي بدأت القصة والدته المريضة
التي أزالت كل مظاهر الحياة الكورية فيه لتعيده من جديد بيتًا فلسطينيًا، ملأته بصور
القدس وفلسطين، والتي انتظرت ولدها عند عودته من المطار لتعلنها عليه ثورة في بيته بعد عزمه السفر
للسياحة في أسبانيا؛ فقد هددته وتوعدته أن يمتنع عن السفر وأن يتزوج، فوافقها بعد
أن حدد شروطه بأن تكون زوجته القادمة فلسطينية، وبرغوثية من عائلتهم، وأن تكون
متعلمة ولهاد دراية بتربية الأطفال، وأن لا تعمل أبدًا بل تتفرغ لأسرته.
عند هذه النقطة من الأحداث الدرامية في الرواية
والتي من أهمها أن والدته وجدت له العروس في فلسطين، وأنه سافر إلى هناك، ودخل
أريحا، ثم صلى بالأقصى، وطاف في القدس المحتلة، ثم غادرها إلى رام الله، ثم غادرها
إلى مدن فلسطينية أخرى ومنها الناصرة التي زار فيها كنيسة البشارة، مثلما كان يزور
المعابد في كوريا، على الرغم من تمسك البرغوثي بإسلامه، إلا أن نظرته تجاه العقائد
الأخرى وما يمثلها كان حضاريًا فيه قدر من التسامح، غير أنه ليس عنده من جزاء لمن
يسب الذات الإلهية إلا الموت، حتى وإن دفعه ذلك لممارسة العنف تجاه من سب.
بعد جولات البرغوثي السياحية أقسم أن يحرر القدس من الصهاينة، ومن
الفلسطينيين الذين باعوها ويقصد منظمة فتح ورجالها، ثم عاد إلى قريته التي فيها
منزل جده، وكان في انتظاره المهنئين بالعودة والزواج ومنهم ابن عمه بلال البرغوثي، وبدأ كفاح عبد الله البرغوثي بعد
أن تسلم حقيبة تخص الشهيد المهندس يحي عياش، وكأن القدر قد أعده ليكون خليفته، ومن
هذه اللحظة تبدأ أحداث البرغوثي الذي عرف طريق الجهاد من حكايات ابن عمه بلال
البرغوثي والذي كان منضمًا في جماعة مسلحة مع أصدقائه الطلبة، ومن خلال ذلك قرر البرغوثي
أن يكون هو يحي عياش الثاني، وحكى حكايته لابن عمه، فقررا أن يكونا معًا كتيبة من
كتائب القسام، وقام بعدة عمليات إلى أن تم تعقبه وسيارته التي أخذوها بعد أن ألقوا
طفلته "تالا" منها في السوق..
الأحداث وتفصيلاتها كثيرة تحكي قصة بطل قدم نفسه فداءً لوطنه، وقد كان يحكي
لابنته "تالا" كيف أن الذي زج به في السجن وأبلغ عنه أحد العملاء من بني
جلدته من المتعاونين مع العدو الصهيوني غير أنه عَفَ أن يحكي عنه في كتابه أو
روايته التي تستحق أن تكون مقررًا دراسيًا في المدارس العربية لتعلم أبنائنا
التضحية والفداء، والوطنية التي يدفعها الوطني من دمه بحق وليس عبر الكلمات
الجوفاء، والصراخ والشجب والتنديد.
في رواية أمير الظل إرساء لروح الانتماء للوطن الذي ولد البرغوثي على أرضه
وهو الكويت، وانتماء للوطن الذي ينتمي إليه في الأصل فلسطين، وفيها إرساء لقيم البر
بالوالدين وطاعتهما، والمسئولية تجاههما، والتمسك بالقيم والمباديء الدينية في الوطن
وخارجه، والعفاف بالزواج عند الاستطاعة، والقيام بدور الأبوة مهما كانت الظروف؛
فقد كان لا ينسى مواعيد أعياد ميلاد أولاده حتى وهو بالسجن، والوفاء بالوعد، فقدم
البرغوثي الدليل الناصع على الوطنية الصادقة، والتدين بلا ادعاء، والفداء بلا
متاجرة، والإقبال على ممارسة الرياضة، والدأب على التعلم منذ الصغر حتى الكبر،
ومسايرة روح العصر وتعلم علومه، ودراسة وإتقان اللغات الأجنبية، ومقاومة الغاصب
للوطن، والتضحية بالمال والنفس والولد من أجله، مهما كانت الظروف، قدم البرغوثي
تجربته وخبرته للآخرين حتى في محبسه الأخير.. لعلها تفيد من يقرأها من أبناء
العروبة.
بعد
ما تقدم أقول:
اجتهد الكاتب في بسط الأحداث التي مرت
به أمام ابنته الكبرى "تالا"، فبدأ قص حكايته لها عبر رسالة طويلة هي
عدد صفحات الكتاب من ميلاده حتى آخر لحظاته خلف قضبان العدو، ولما كانت ظروف
الكتابة مرهونة باللحظة التاريخية والواقعية له من حيث سجنه، ومرهونة بواقعية
الأحداث المروية، وعدم احترافه لأي جنس أدبي سابقًا غير اطلاعه على بعض مساقات
الأدب الكوري، كل هذا أثَّرَ بالإيجاب في صدق تناوله للموضوع، وسلاسة عرضه بلغة
تفهما ابنته التي بلغت الثالثة عشر من عمرها وقتها، ويتابعها المهتم بالقضية
الفلسطينية.
قد يلاحظ ناقد الأدب أن الكتاب يفتقد للكثير من أركان الرواية مثل افتقاده لجماليات التشكيل، والوصف النفسي، وجماليات
اللغة، على الرغم من تدافع الأحداث داخل العمل، وأن لغة الرواية الأدبية جاءت ركيكة بعض الشيء غير مترابطة، مع وجود بعض
الأخطاء اللغوية والإملائية، وعدم وجود أسلوب واضح أو منهجي للكاتب في كتابة أجزاء
الرواية، وهذا مردودٌ عليه أن صاحب الرواية ليس كاتبًا محترفًا أو حتى روائيًا،
ولم يشأ أن ينشئ رواية، بل كان بطلًا مقاومًا لقوات الصهاينة، يسرد لابنته وقائع
سيرته الذاتية وتفاصيلها، منذ مولده وحتى التحقيق معه في أقبية الاحتلال الصهيوني التي
دامت قرابة العشرة أعوام حتى وقت كتابة هذه الرواية، التي كتببها بعد اندلاع ثورات الربيع العربي،
متمنيًا أن تكون نتائجها عاصفة على الصهاينة، كما أن ملابسات الظرفية التاريخية التي تصاحب البرغوثي
في تسجيل إجاباته على أسئلة ابنته في ظروف أمنية صعبة هي ما يغفر له هذه الزلات
التي ذكرناها، والتي لا توهن من شأنها، والتي كان يجب أن تنتج تليفزيونيًا وأن
يبادر إلى هذا التليفزيون الفلسطيني "المقاوم"!
وفي الختام بعد هذه الرحلة مع أمير الظل أو
مهندس على الطريق.. أترككم في سلام، وألقاكم في الحلقة القادمة مع كتاب موجز جديد..
دمتم آمنين...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق