يؤكد الأستاذ فاروق
متولي أنه الجدير بلقب "جبرتي السويس
المعاصر" وذلك من خلال هذا الكتاب والذي هو
الثاني له عن مدينته الأثيرة لديه "السويس" غير أنه
لا يأتي تكرارًا لما سبق أن طرحه في كتابه الأول "ذكريات سويسية .. ما
أحلاها" بل هو إضافة ثرية نوعية في مضمونه وطريقة إعداده، اعتمد فيه على ذكرياته
الخاصة وخبراته المتراكمة ومعايشته لهذه الأماكن، وبعض كتب المرحوم حسين العشي، ثم
عمد إلى الأقدمين من الأحياء من أهل بعض تلك المناطق ليستعيد معهم ذكرياتهم فيها، وعنها
وعن كل ما يتصل بها.
على طريقته المعهودة لا يدخل الكاتب إلى موضوعاته مباشرة إلا بعد أن
يتم التعارف بينه وبين قارئه من خلال وثيقة تتضمن سيرته، وهو ما يحسب له ويأتي متسقا
مع موضوعات الكتاب التي تتناول تاريخ أهم أماكن السويس فمن الأولى أن يستعرض تاريخه
أيضا لما فيه من إرساء لمبدأ الموثوقية في
المادة التاريخية التي يضمها الكتاب، يضاف إليه ما اعتاده قارئه في أسلوبه البعيد عن التصنع أوالتكلف في صياغة
تتسم بصداقة ضافية بين الكاتب والمكان وبين القارئ وكأنه يعاينه ويعايشه عبر فتراته
التاريخية.
يضم الكتاب أربعة
فصول وملحقا في نهايته يضم كثير من الصور التي تتعلق ببعض الموضوعات التي تعرض لها،
أما الفصول فتأتي بالترتيب على النحو التالي:
فصل يتناول نشأة
بورتوفيق وهي ضاحية من أهم ضواحي السويس التي يصول فيها قلم الكاتب ويجول عبر رحلة
تاريخية معمارية فنية في أنحائها وشوارعها، والتركيبة السكانية للضاحية وأثر التغير
الاجتماعي نتيجة للاحتكاك المصري بالأجانب، وأزعم أنه لا يوجد غير قلة ممن يعرفون هذا
التطور التاريخي والجغرافي لهذه الضاحية التي تكاد تكون مدينة وحدها.
لقد أحسن
"جبرتي السويس" في تخصيص فصل لشوارع حي السويس منفصلا عن ضاحية بورتوفيق
ولم يضمه إلى الفصل الأول على الرغم من تبعية بورتوفيق لهذا الحي، وقد تجولت عدسة وعقل
وذكريات الكاتب في شارع الشهداء، وشارع حليم، وشارع سعد زغلول، وشارع الجلاء، وشارع
الإمام محمد عبده، وشارع المشير أحمد بدوي وغيرها من الشوارع.
مثلما تناول الكاتب
نشأة بورتوفيق تناول نشأة حي الأربعين الأكثرعددًا للسكان في فصل خاص بما يحتويه هذا
الحي من شوارع عريقة يتردد اسمها على ألسنة السوايسة وغيرهم ومنها: شارع شميس، وشارع الترعة، وشارع النيل، وشارع أحمد
عرابي، ومنطقة الزراير، كما لم ينسَ الكاتب أن يذكر بعض الجمعيات التي تخص أبناء السويس
من ذوي الأصول الجنوبية الصعيدية، ومنها: جمعية قوص، وجمعية أبناء القرعان وغيرها،
ويسير الكاتب على نفس منهجه في الكتاب ككل من السرد التاريخي الشيق الذي يربط الجديد
بالقديم في انتقالات ذكية مدروسة.
ولقد عمد الأستاذ
فاروق متولي إلى فصل مستقل يجمع فيه بعض الأماكن التي لم يتعرض لها في فصوله السابقة،
ومنها: "الجزيرة الخضراء، و"ميدان الكسارة"، و"قهوة خبيني"،
و"حمام الكراني"، و"قسم الآربعين" وغيرها من الأماكن التي يحكي
عنها بحب وشغف شديدين ولعل من سيطالع ما كتبه عن الجزيرة الخضراء سيتأكد من ذلك بوضوح.
منذ الكتاب الأول
لكاتبنا الكبير وهذا الكتاب الذي بين أيدينا
لا تفارق الحيوية موضوعاته أومقدماته التي ينجح في جذب القارئ في الإبحار فيها دون ملل، فلا يكاد يخلو موضوع من لمحاته الذكية
الناقدة منبها لسلوك مشين يجب الإقلاع عنه لتعود المدينة لسابق عهدها رائعة الجمال
كما عهدتها عينيه وكما عاش فيها، وهذا حرص منه عليها ويرى أن من حق الأجيال القادمة
أن تسعد بمدينتها كما سعد هو، وقد أحسن حين رسم صورة السويس السعيدة عبر العصور عسى
أن يخرج من أصلاب السوايسة من يعيد السويس إلى ما كانت عليه من تألق.
وأختتم بما قلته
سابقا عن الكتاب الأول وأضم إليه هذا الكتاب الثاني، أنهما لا يهمان المواطن السويسي
المعاصر فقط بل والأجيال القادمة من أبناء السويس وأبناء مصر أيضا، ذلك أن السويس مدينة
كوزموبوليتانية "كونية" منذ نشأتها تضم كل أبناء مصر من الذين عملوا ويعملون
فيها، ومن الذين يؤدون خدمتهم الوطنية في الجيش الثالث الميداني، ومن المهتمين بتاريخها
الطويل والعريض ودراسته على مستويات عدة ولم لا وهي صانعة التاريخ وأرضها مسرحه في
حقب تاريخية عديدة، وهنا تبرز أهمية الكتاب في معلوماته، وأسلوبه.
غير أني أتقدم بالشكر
العميق للأستاذ فاروق متولي لما طالبته به في نهاية مقالي عن كتابه الأول: (أن لا تخرج
الطبعة الثالثة من الكتاب إلا وقد زادها، أو يصدر كتبا على نفس المنوال، فالسويس تستحق)،
وقد فعل وأصدر الرجل هذا الكتاب الرائع في مادته الغنية بكل جديد وتليد ومفيد بما يستحق
أن يكون مرجعا لكل من أراد أن يكتب عن السويس كتابا أو يخرج عملا فنيا، ولمن يحب السويس
ويريد أن يعرفها عبر تاريخها وجغرافيتها وذكرياتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق