الأحد، 28 مايو 2017

دراسات يسيرة في رحاب السيرة ــ حلقة (2)...







هذه حلقتنا الثانية من حيث الترتيب، وهي الأولى من حيث الموضوع والتناول، ولقد آثرت أن يكون المفتتح فيها تحت عنوان: 


[التأدب الواجب مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم]



تحرز علماء السلف الصالحين من المناهضين للتوسل ونفي السيادة عن الرسول في الصلاة مخافة جلب الشرك إلى الدين الحنيف، وعدم مشروعية تخصيص قبره بالزيارة بل قصر نية الزيارة على مسجده بما فيه تضعيف حديث عرض الأعمال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل هذا جرأ على جناب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من تجرأ، وبات أحيانًا يذكرون اسمه بلا سيادة مما ينافي التوقير له، بل أحيانًا ماينظرون شذرًا لمن ينطق لفظة سيدنا مقرونة باسمه مخافة الظن أنه من الصوفية، وهذا مما يؤاخذهم عليه الصوفية أنفسهم بأنهم يوقرون علمائهم ويضفون عليهم من الألقاب الشئ الكثير بينما عند ذكر سيد ورسول الأمة ينادونه بلا لقب مع ماله من سيادة صلى الله عليه وسلم، حتى عاب عليهم بعض المتصوفة انتهاجهم مثل هذا المسلك بقولهم: (...يسمون النبى بلفظ محمد ـ أي السلفيون ـ هكذا مجردًا بحجة أنه قال: ’’لاتطرونى إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله’’، بينما نجدهم يطرون ابن تيمية ويأتون بألقاب كثيرة تسبق اسمه) [سلسلة الفتوحات العزمية.. دراسة نقدية لتوحيد السلفية ص116ـ117 ].



أن جمهور الفقهاء ذهبوا أخذًا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأذان الذي تعلمه الرسول من جبريل عليه السلام جاء فيه: " أشهد أن محمدًا رسول الله" وعلى ذلك ذهب مالك وأحمد وأبو حنيفة، ولكن الشافعية أجازوا تسييد الرسول في الأذان . لأن الأدب مع رسول الله واجب فإذا كنا نُسيد من يعلمنا علمًا من العلوم الشرعية والقرآن الكريم فكيف لا نُسيد ــ عقلاً ونقلاً وتأدبًا ــ من نزل على قلبه القرآن وهدانا إلى الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟! 



إن السيادة للرسول صلى الله عليه وسلم من أوجب الواجبات على كل مؤمن، وإذا كان الحديث الذي أخذ به الأئمة الثلاثة، يؤخذ من منطوقه عدم سيادة الرسول في الأذان، فأن مفهوم اللفظة وإن كان يُفهم منه لا يُسيد وهو حاضر، إلا أنه حال غيابه صلى الله عليه وسلم له الفضل والسيادة وزيادة.
وقد بحث قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية مسألة تسويد النبى استعرض فيه المسألة من كافة جوانبها بعلمية وحيادية أنقل منه بتصرف أهم ما جاء فيها:



(فإن سيدنا محمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو جوهرة النفوس، وتاج الرؤوس، وسيد ولد آدم أجمعين، ولا يدخل الإنسان دائرة الإيمان إلا بحبه وتعظيمه وتوقيره والشهادة برسالته؛ فهو أحد ركنَي الشهادة؛ إذ لا يقبل الله تعالى من أحد الوحدانية حتى يَشفَعَها بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رسوله إلى العالمين. 



وقد عَلَّمَنا الله تعالى الأدب مع سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم حين خاطَب جميع النبيين بأسمائهم، أما هو فلم يخاطبه باسمه مجرَّدًا بل قال له: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾، وأمَرَنا بالأدب معه وتوقيره فقال: ﴿إنَّا أَرْسَلناكَ شَاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا * لِتُؤمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلا﴾ [سورة الفتح: (8-9)].



ومِن توقيره تَسوِيدُه عليه الصلاة والسلام كما قال السديُّ:’’وتوقروه’’: أي تُسَوِّدُوه، ذكره القرطبي في تفسيره، وقال قتادةُ: أمَرَ الله بتسويده وتفخيمه وتشريفه وتعظيمه . أخرجه عبد بن حميد وابن جرير الطبري في التفسير، ونهانا عن التقديم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وحذَّرنا مِن رفع الصوت فوق صوته الشريف صلى الله عليه وآله وسلم أو الجهر له بالقول، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة الحجرات: (1 ــ 3)]. 



 كما نهانا أن نخاطبه صلى الله عليه وآله وسلم كما يُخاطب بعضُـنا بعضًا فقال سبحانه: ﴿لا تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ سورة النور: (63).



قال قتادة: "أَمَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ وَأَنْ يُسَوَّدَ". أخرجه ابن أبي حاتم وغيره في التفسير. فكان حقًّا علينا أن نمتثل لأمر الله، وأن نتعلم مع حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأدبَ معه، ومن الأدب معه أن نُسَوِّدَه كلما ذُكِرَ، وأن نصلي عليه كلما ذُكِر، وأن لا نخاطبه باسمه مجرَّدًا عن الإجلال والتبجيل). 



ولا فرق بين النداء والذِّكْر في ذلك؛ فكما يُشرَع استعمالُ الأدب والتوقير والتعظيم عند دعائه صلى الله عليه وآله وسلم يُشرَع كذلك عند ذكر اسمه صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليه من غير فرق؛ لوجود العلة في كلا الأمرين، وهي النهي عن مساواته بغيره من المخلوقين، وذلك حاصل في الذكر كما هو حاصل في الخطاب والنداء، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا. 



أجمعت الأمَّة على ثبوت السيادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى عَلَمِيَّته في السيادة، قال الشرقاوي: "فلفظ "سيدنا" عَلَمٌ عليه صلى الله عليه وآله وسلم"، وأما ما شذَّ به بعضُ مَن تمسَّك بظاهر بعض الأحاديث متوهِّمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يُعتَدُّ به، ولذلك اتفق العلماء على استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع.



كما اتفقوا على عدم زيادتها في التلاوة والرواية:



أما التـلاوة: فإن القرآن كلام الله تعالى لا يجوز أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه، ولا يقاس كلام الله تعالى على كلام خلقه.
وأما الروايـة: فإنها حكايةٌ للمَرْوِيِّ وشهادةٌ عليه؛ فلابُدَّ من نقلها كما هي، على أن بعض العلماء نصُّوا على أن هذا بحسب الوضع في الخط، وأما مِن حيث الأداء ــ حيث يُؤمَن اللبس وإيهامُ الزيادة ــ فالأَوْلَى أن لا تَعرَى عنها في المرْوِيِّ وغيره، كما قال الإمام العارف بالله أبو عبد الله الهاروشي المالكي وغيره.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق