الجمعة، 23 يونيو 2017

معه صلى الله عليه وسلم في رمضان







فرض الله تعالى صوم شهر رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد صام تسع رمضانات، ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة، وهو ما أجمع العلماء عليه وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية  في مجموع الفتاوى.

   واستلهامًا من كون شهر رمضان شهرًا للتواصل الإيماني، فقد كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ليس كشأنه وحاله في أي من شهور العام،  غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستقبل رمضان قبل دخوله وذلك بداية من شهر شعبان الذي كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه باعتباره من السنن الرواتب التي ترافق الصلوات المكتوبة، بما يعني أن صوم شهر شعبان راتبة قبلية كتقدمة لفرض شهر رمضان مثلما جعل صيام الست من شهر شوال راتبة بعدية له.

    كان لشهر رمضان في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم موقعًا كبيرًا، وفرحة بقدومه، واستبشارًا به، ولهذا كان ينقل هذا البشر والسرور بمقدمه بما يشيعه صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضي الله عنهم وذلك من مثل قوله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ: "أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"[البخاري:1899].
   فإذا رأى صلى الله عليه وسلم هلال شهر رمضان، قال: "اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ" [الترمذي: 3451].   

   ومع أول ليلة من أيام رمضان كان صلى الله عليه وسلم يقول محفزًا أصحابه وأهل بيته والمسلمين أجمعين: " إذا كان أَوَّلُ ليلة من شهر رمضان، صُفِّدَتِ الشياطينُ وَمَرَدَةُ الجنِّ، وَغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ فلم يُفْتَحْ منها بابٌ، وَفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقَاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ" [رواه الترمذي]. 

   كان صلى الله عليه وسلم يتهيأ لشهر الصبر كما كان صلى الله عليه وسلم يسميه بالكثير من أن واع الطاعات والقربات من العبادات، ومنها مدارسته صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم مع أمين السماء جبريل عليه السلام، كما كان صلى الله عليه وسلم يكثر من إخراج الصدقات، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، كما كان صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود الناس وأجود ما يكون في هذا الشهر عن غيره من الشهور ليس في الصدقات فقط بل بكثرة الإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف.

  ربما يدل على خصوصية شهر رمضان من العبادة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  دون غيره من شهور العام، لتلتقي خصوصية هذا الشهر مع خصوصية من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يواصل الصيام يومين أو ثلاثة حتى يتفرغ لعبادة الله تعالى، ناهيًا أصحابه رضي الله عنهم أن يحذوه حذوه لأنهم ليسوا بمنزلته ومكانته عند الله تعالى.

ففي الصحيحين وغيرهما، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ فِي رَمَضَانَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ. قِيلَ لَهُ أَنْتَ تُوَاصِلُ، قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى".  

   كان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان حثه على التعجيل بالإفطار بعد غروب الشمس وقبل أن يصلي المغرب ولو بشربة ماء، وتأخير السحور ولو تناول صلى الله عليه وسلم أقل القليل من الطعام.
 وأما في التعجيل بالفطور:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر" [رواه البخاري ومسلم].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رُطَبات، فإن لم تكن رُطَبات فتُميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وأما بالتأخير في السحور:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تسحَّروا فإن في السحور بركة" [رواه البخاري ومسلم].

    كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن رمضان هو شهر الدعاء، وشهر الاستجابة والمغفرة، وأنه هو الذي بين لأمته فضل الدعاء في بعض الأوقات، وأن الدعاء عبادة عظيمة، وأن من أحب الأوقات في الدعاء للعبد وهو صائم ذلك لما فيه من صفاء النفس، والخضوع والانكسار لله تعالى، والإقبال عليه بالكلية والانقطاع عن الخلق وعن شواغل الدنيا  لحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: "ثلاثٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصائم حتى يُفطِر، والإمامُ العادل، ودعوةُ المظلوم" [صحيح، رواه الترمذي وابن ماجه 1752].

   ولهذا كان يدعو صلى الله عليه وسلم عند الإفطار فيقول بما ثبت  في سنن أبي داوود وحسنه الألباني، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".  

 قال الطيبي: (قوله صلى الله عليه وسلم "ثبت الأجر" بعد قوله "ذهب الظمأ" استبشارًا منه لأنه من فاز ببغيته ونال مطلوبه بعد التعب والنصب وأراد اللذة بما أدركه ذكر له تلك المشقة ومن ثم حمد أهل الجنة في الجنة). 

  يضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل للمسلمين في هديه في شهر رمضان حيث كان يُسافر فيه للغزو والجهاد في سبيل الله، كما كان في سَفَره يصوم ويفطر، ولكنه كان يخير الصَّحابة بين أن يصوموا أو يفطروا، ولكن يأمرهم بالفطر عندما يقتربون من مكان العدو؛ لما في الصوم مع السفر مشقةً عليهم وأخذ من قوتهم وعزمهم.   
ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنِ رَوَاحَةَ".


   كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا تكون هناك جفوة أو مباعدة بين الرجل وزوجته، فكانت القبلة ممن لا يخشى على نفسه إنزال المني، ذلك أن القبلة في الصوم ليست محرمة.
كما جاء في باب الصوم عند البخاري، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ.

  والمباشرة المذكورة في الحديث بمعنى "الملامسة" والمراد هنا غير الجماع. ومعنى"أملككم لإربه" أي أنه أقوى منكم في التحكم في نفسه صلى الله عليه وسلم فلا يخشى منه من نتاج تلك المباشرة الإنزال أو بواعث الجماع.  

 لم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمته دون أن يعلَّمها من هديه مع أهل بيته في رمضان لتتأسى به، ومن ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يصبح جُنُبًا من جماع، فيدركه الفجر وهو على حاله تلك، ثم يقوم بعد طلوع الفجر فيغتسل ويصوم.

كما كان من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان أن يصب الماء على رأسه وهو صائم، ويتمضمض ويستنشق أثناء صومه مع نهيه عن المبالغة في الاستنشاق، وكان يتسوَّك حال صيامه.

  وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان الحث على قيامه والترغب فيه؛ قال ابن شهاب: عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرغِّب في قيام رمضان من غير أنْ يأمر بعزيمة، فيقول: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [رواه البخاري 37 ومسلم].
  قال ابن شهاب: فتُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وكان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرٍ من خلافة عمر.

  وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل؛ يعيد إليه صلى الله عليه وسلم نفحات خلوته الأولى في غار حراء، مستقلًا بذاته عن الدنيا، ليس في قلبه سوى ربه عز وجل، الذي يتفرغ لذكره ومناجاته، غير أن الإسلام دين الجماعة، فجعل الله الاعتكاف خلوة كل معتكف مع نفسه وربه في إطار الجماعة، ذلك أن الإسلام دين الجماعة.

    وفي العام الذي قُبض فيه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يومًا. وكان إذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره، مجتهدًا ومثابرًا على العبادة والذكر كما حكت عن ذلك السيدة عائشة رضي الله عنه. كما كان صلى الله عليه وسلم يرغِّب بالاعتمار في رمضان ويعلم من حوله أنَّ عمرة في رمضان تعدل حجة معه، والترغيب في إطعام الصائمين، وتحري ليلة القدر

 هذا هو حال رمضان مع النبي صلى الله عليه وسلم، كما عشناه معه صلى الله عليه وسلم ، وكيف كان رمضان شهر له مذاق خاص في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من الطاعات المضاعفة المتصلة والتي ينتظرها بشغف، ويحييها بحب، ويدعو إليها من حوله كفرصة يغتنمونها، يعرف قدر هذا الشهر رسول له قدر مبعوث لأمة لها قدر، كرمها الله تعالى بصيام وقيام هذا الشهر، فكان التطبيق العملي لها في الاقتداء بنبيها الكريم صلى الله عليه وسلم.


http://www.alwan-group.com/report.php?pid=1682

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق