الاثنين، 14 أغسطس 2017

” أَوْجَزْتُ لَك .. لِتَقْرَأ أَنْت ” الحلقة 07:



                                         




إيجاز كتاب ذم الغرور من كتاب: "إحياء علوم الدين"




ختم الإمام إبي حامد الغزالي "ربع المهلكات" من كتابه : "إحياء علوم الدين" بالكتاب العاشر المعنون "ذم الغرور"، الذي يضم بابين، هما:

ــ الباب الأول: بيان ذم الغرور، وحقيقته، وأمثلته:
يُعَرِّف الإمام الغزالي الغرور بأنه: (سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان). 

وهو يرى أن أكثر الناس تبعًا لهذا من المغرورين لأنهم يظنون في أنفسهم الخير، وهم مخطئون فيه، وأن أشد الناس غرورًا هم الكفار، ويضرب له ولغرور العاصين لله مثالين:
يكمن غرور الكفار بالله في ظنهم بأنهم أحق الناس بمعاد الله، قياسًا على أنهم أوفر حظًا في الدنيا، كما يقيسون تأخير الله تعالى لعذابه في الدنيا أنه سيؤخره كذلك في الآخرة. ويرى الغزالي أن هذا القياس من أقيسة أبليس لعنة الله عليه.
أما غرور العصاة من المؤمنين، فيكمن عند الغزالي في الطمع في عفو الله عنهم، ورجائهم في كرمه، واتكالهم عليه، مع إهمالهم للقيام بالأعمال، مع غلبة ظنهم أن الرجاء في الدين مقام محمود.


يَرُدُ الإمام الغزالي على من يستحسنون فعل وكلام العاصين ويرون أنهم ليسوا مخطئين ودليلهم على ذلك عندهم أنهم يحسنون الظن بالله تعالى، فيقول: (ما هذا إلا كلام صحيح مقبول الظاهر في القلوب، فاعلم أن الشيطان لا يغوي الإنسان إلا بكلام مقبول الظاهر مردود الباطن، ولولا حسن ظاهره ما انخدعت به القلوب).

ويصوب الغزالي المفهوم فيرى أن مظنة الرجاء في الله تعالى وموضعها المحمود إنما يأتي في أمرين:
أولهما حين يتوب العاصي المنهمك ثم يقنِّطه الشيطان من رحمة الله بأنه لن يقبل توبته لكثرة معاصيه. ويقرر الغزالي أن علاج هذا يكمن في أن يقطع العاصي التائب اليأس بالرجاء؛ فإن تَوقَع المغفرة مع التوبة.. فهو من الفائزين، ولئن تَوقَعها مع إصراره وقيامه على فعل المعاصي .. فهو مغرور.

أما الأمر الثاني: حين تفتر همته في الإتيان بفضائل الأعمال، فيرجو الله تعالى بمقاومة الفتور الذي يمنع النشاط، فكل توقع يشجع على التوبة أو إقبال على عبادة وطاعة لله فهو توبة، وكل رجاء تبعه فتور في العبادة، أو ميل للبطالة فهو غرة، فالخوف والرجاء قائدان للعمل، بعكس التمني والغرور.

ــ الباب الثاني: بيان أصناف المغترين، وأقسام فرق كل صنف، وهم أربعة أصناف:

يرى الإمام الغزالي أن الغرور هو جهل إلا أن كل جهل ليس بغرور بل يستدعي الغرور. ويفرق بين المغرور فيه والمغرور به، وجاء تصنيفه لهم على ما أشار إليه من كونهم أربعة أصناف، وكل صنف يندرج تحته العديد من الفرق من المغرورين، على النحو التالي:

ـ الصنف الأول: أهل العلم والمغترون منهم فرق:
ينضوي تحت هذا الصنف فرقة من الذين تعمقوا في العلوم الشرعية غير أنهم لم يلتزموا بالطاعة وانساقوا خلف المعاصي، وهناك فرقة أحكموا العلم والعمل معًا فأقاموا الطاعات الظاهرة وتركوا المعاصي، غير أنهم أهملوا متابعة القلوب بمحو الصفات الذميمة من الكبر والحسد وطلب الدنيا من رياسة وغيرها، وفرقة عَلِمتْ الأخلاق الباطنة المذمومة شرعًا غير أنهم ظنوا أنها لن تصيبهم وإنما تصيب العوام من الناس، وفرقة أخرى التزموا بالعلم والعمل والطاعات، واجتنبوا المعاصي ظاهرها وخفيها، غير أنهم مغرورون بباقيات في زوايا قلوبهم من مكائد النفس والشيطان.

ـ الصنف الثاني: أرباب العبادة والعمل والمغرورون، ومنهم فرق كثيرة:

ومنهم فرق أهملوا الفرائض واشتغلوا بالنوافل، ومنهم فرقة غلبت عليها وسوسة النيات وغيرها، وفرقة اغترت بقراءة القرآن وحفظه وختمه دون تدبر معانيه، وفرقة اغترت بالحج ولم تؤدي مظالم الناس وحقوقهم، والتماس رضا الوالدين، وقضاء الديون، وغيرها من الفرق.

ـ الصنف الثالث: المتصوفة وما أغلب الغرور عليهم، والمغترون منهم فرق كثيرة:

ومنهم فرقة اغتروا بالزي والهيئة، وفي إظهار الخشوع والتفكر، والتزام كثير من الشمائل والهيئات تشبهوا فيها بالصادقين من الصوفية فاغتروا أنهم منهم، وغيرهم فرق كثيرة وقعوا في الغرور.

ـ الصنف الرابع: أرباب الأموال، والمغترون منهم فرق:
ومنهم فرقة ممن ينفقون أموالهم في بناء المساجد معنونة باسمهم، وقد يكون الأموال التي بنوها بها من مال حرام، وهم لا ينفقون أموالهم إلا فيما عليه اسمهم فقط، وهناك فرقة مغرورة ممن يبنون المساجد من مال حلال غير أنهم يبتغون الثناء وهذا رياء، ولا ينفق على فقراء محتاجون.

يرى الغزالي أن من عرف نفسه، وعرف ربه، وعرف الدنيا، وعرف الآخرة، عرف العبودية والذل، ومن غلب على قلبه حب الله بمعرفته به، يحتاج إلى العلم الذي يقربه من الله وبما يبعده عنه، ومن عرف ريع المهلكات عرف جميع العقبات المانعة في طريق الله، وعرف الصفات المحمودة الكامنة في ربع المنجيات .. فإذا أحاط بجميع ذلك أمكنه الحذر من الغرور والوقوع فيه.

وأقول بعد كلام مولانا الإمام في الختام أترككم في سلام، وألقاكم في الحلقة القادمة مع كتاب "التفكر" من ربع "المنجيات" من كتاب "إحياء علوم الدين".. دمتم آمنين...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق