الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

أوجزت لك .. لتقرأ أنت الحلقة 12:





كتاب: “خبز الأقوياء”…


أوجزت لك كتاب: ” كتاب: “خبز الأقوياء” لمؤلفه إبراهيم المصري، الصادر عن دار المعارف المصرية ضمن سلسلة “اقرأ” في عام 1974م، ويقع في (232) صفحة من الطع المتوسط.
ولد الكاتب الراحل ابراهيم سليمان الحداد المعروف بـ “إبراهيم المصري” في عاصمة مصر “القاهرة”، في مطلع القرن العشرين لأسرة تعود جذورها إلى بلدة دير القمر بجمهورية لبنان، من آل الحداد “سليمان الحداد”، ويعد المصري رائدًا للقصة النفسية، وواحد من كبار كتّابها، وله العديد من المؤلفات الأخرى، منها: “قصص البطولة”، و”كأس الحياة”، “نفوس عارية”، “وثبة الإسلام”، “صراع الروح والجسد”، “المرأة في حياة العظماء”، “الحب عند شهيرات النساء”، “عشرة من الخالدين”، “أعلام في الأدب النسائي”، “قلب المرأة”، “أغلال القلب”، “شروق الإسلام”، “أرواح ظامئة”، “الشاطئ والبحر”، “الوجه والقناع”، “أضواء على الأدب والحياة” الناس والحب” وغيرها من المؤلفات التي تتميز بالغزارة والتنوع والعمق والرشاقة في الأسلوب، وإن ظل كتاب “خبز الأقوياء” الماثل بين أيدينا أقواها، وأعلاها، وأحلاها.
يتناول الكتاب العديد من القيم:

في قيمة الأخلاق، في قيمة المال، في قيمة الإرادة، في قيمة الحب، في قيمة الثقافة، في قيمة الأدب، في قيمة الفن، في قيمة الوطنية، في قيمة الدين، وقد أشار الكاتب في كلمته القصيرة التي صدر بها كتابه إلى أن القيم المعنوية هي فخر الإنسان، وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدونها وإذا عاش فسيكون بلا روح، كما سيكون نهبًا لغرائزه التي ستنطلق من عقالها لتتحكم فيه: (وفي هذا الكتاب خواطر وتأملات في تلك القيم، من خلقية، وعاطفية، ووطنية، وثقافية،أعتقد وأؤمن أن الحياة لا تكتمل إلا بها، وأن في رياضة النفس والفكر عليها تتمثل في الواقع قيمة الإنسان…. فإلى كل من لا يقنع بالمتوسط الشائع المألوف من الآمال والرغبات، بل يتطلع في لهفة الجائع إلى حياة خصبة عليا، أقدم هذا الخبز المنتقى، خبز التجربة والألم، خبز الطامحين الأقوياء).

ومن آخر كلمات التقدمة يأتي عنوان الكتاب، الذي يبدأ بقيمة الأخلاق وبالتفرقة بين عبقرية التفوق والتحدي في ميادين العلم والفن والأدب التي قد لا يدركها الفرد ولكن في مقدوره أن يتحدى المتفوقين في ميادين الفضائل والأخلاق.
يبين “المصري” السبب، لأن التفوق في العلم أو الأدب يصدر عن مواهب العقل ومميزات الفطرة، أما التفوق في الفضائل والأخلاق فيصدر أكبر ما يصدر عن القلب والروح، فمن الميسور على الإنسان والحالة هذه، أن يعوض نقص مواهب عقله بوفرة فضائل قلبه وروحه، إذ لكل إنسان قلب وروح يهديانه بالغريزة الاجتماعية المشتركة، إلى الإحساس بما للفضائل والأخلاق من قيم عملية وخصبة، إن هو استمسك بها استطاع أن يطاول أصحاب العبقرية في العلم أو الأدب أو الفن، بعبقرية مثلها، أو أبلغ منها؛ ألا وهي الفضائل والأخلاق.
تتميز الخواطر القصيرة التي يسوقها إبراهيم المصري في كل قيمة من القيم التي يتناولها بالبلاغة الشديدة حين لا يعمد إلى الترادف إلا إذا كان من باب إثارة الدهشة بالمقابلة أو إثارة التفكير، كما يبدو أنه بحق من الكتاب المتميزين في التعامل مع النفس بالبشرية من الدراسة والعمق والغرق في مكنوناتها، والخروج بالمضنون به في الإعلان عنه ومحاولة تكتمه.
من هذه الخواطر في قيمة الأخلاق تلك الخاطرة الشائعة والشهيرة عنه، وعنوانها: “الله والمال”، والتي يقول فيها: (إن من يريد أن يعبد ربين: الله والمال، لابد أن ينتهي رغمًا منه إلى الاعتقاد بأن الله غير موجود).
وحين ينتقل المصري إلى فصل “في قيمة الإرادة” تتأكد للقارئ معرفته الحقة بالنفس الإنسانية حين يرفض القدرية والاستسلام لحكمها، والتعويل عليها، فيقول: (القدر المحتوم علينا، هو القدر الذي نرضاه لأنفسنا)، فرد الأمر على الإنسان في رضاه بما هو عليه.
ثم هو يحذر في خاطرته “سلطان الخوف”: (تنبه إلى حقيقة نفسية ثابتة، وهي أن العقل لا يؤخذ إلا بالفكرة التي يريد أن يهتم بها. فإذا هاجمتك بغتة فكرة سوداء، فاسلاع وانصرف عنها إلى فكرة تناقضها، فكرة لا تمت إليها بأية صلة، ثم اهتم بهذه الفكرة اهتمامًا صادقًا لا يدع مجالًا لغيرها).
يتناول الكاتب إبراهيم المصري من خلال القيم التي صاغها مجموعة من القضايا التي تشغل الإنسان بصفة عامة، والعربي بصفة خاصة، والمجتمع المصري الذي يعيش فيه، ويلاحظ القارئ هذا بنفسه في عناوين خواطره والتي منها ما قد يبدأه بسؤال “هل الحب أعمى؟”، “من هو الفنان؟”، “لمن يصفقون؟”
كما أن هناك من العناوين التي يسوقها وتفرض في ثناياها سؤالًا خفيًا، يثيره في نفس قارئه، وحثًا ودافعية نحو تعقب إجابة الكاتب بشكل لا يفارقه الشوق واللهفة، والتي تأتي أحيانًا من كلمتين يفصلهما حرف العطف، أو عنوان مباغت، مثل: “أثوابنا وأرواحنا”، “بين العلم والفلسفة”، “بين العلم والدين”، “الإيمان والسعادة”، “الشعلة والمطرقة”، “الأسرة والوطن”، “تململ وطموح”، “الله والجمال”، “وحدة وكمال”، “الرمز والتجربة”، “بين النبوغ والعبقرية”، “نقيض وشبيه”، “وطن وفكر”، “الدين والدنيا”، الواقع والغيب”، “الله والوجود”، الشكل والمضمون”، “نجم وكارثة”، “الوهم والخيال”، “الحكيم والفنان”، “السنبلة والعجلة”، “الغباوة والكبرياء”، “الفلسفة والفضيلة”، “الكبرياء والطيبة”.
أما العنوان المباغت فيتمثل في: “عدو الفن”، “عدو الجمال”، آفاتنا الأربع، “المتعة المثلى”، “حبك يشبهك”، “روحانية الجسد”، “روح الله”, “بيروقراطية نزيهة”، “امتياز الروح”، “الشر الواعي”، “فوق الفلسفة” وغيرها.
يقول الكاتب إبراهيم المصري في كلمات قليلة كثيرة موجية ذات دلالة موجعة تحت عنوان “عزلة مروعة”: (أفجع ضروب العزلة ما نشعر به ونحن بين أهلنا).
ويقول مفرقًا بين الخيال والوهم: (ليست الفنون وهمًا، كما يعتقد البعض، إنها خيال، والخيال شيء، والوهم شيء آخر، الوهم يتغذى من نفسه، فيستنزف نفسه، فيختنق في بهو الدماغ المليء بالأشباح، أما الخيال فيصدر عن الواقع ويرتد إليه).
ينحاز إبراهيم المصري خلال كتابه إلى الحب المثالي، الروحاني، المتعالي على الجسد، فيصيغ كل هذا في خاطرة قصيرة مفهومها يتسع طولا وعرضا، فيقول: (كل حب يعلو على حب الجسد هو طريق نحو الله).
ما أروع الكاتب إبراهيم المصري حين ينفذ إلى نفس الشعب المنحط، ويربطه بمشاعر الأنثى، وكأنه فَقِه علم الاجتماع، وعلم السلوك، وسيكلوجية المرأة، وقيمة الاحترام والكرامة، فيقول: (في نفس كل شعب منحط، خلق أنثى، لا يحترم إلا متى خاف).
بعد ما تقدم أقول:
الواقع إنني لو تركت العنان للقلم لطفق ينقل من كلمات الكاتب الراحل معظم صفحات الكتاب سوى الصفحات التي بدأها بإهداء إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ثم الصفحات التي تناول فيها وطنيته حين بدأ الكلام في فصل “في قيمة الوطنية”، وتلك التي قصرها على المجتمع المصري، ولا أعلم السبب من وراء ما كتب، غير أنني كنت ارى أن الكتاب عندما يتناول العام المشترك يكون أرحب وأعم وأنفع، وأنه حين يتناول في بعض جوانبه الخاص، يكون أضيق، كما أن لحظة الاحتفاء بشخصية من الشخصيات تكون في وهجهها حال حضور الشخصية واللحظة الباعثة على هذا الاحتفاء، وعندما تمضي تفقد بريقها ووهجها، ولا تترك غير ذكرى في الكتاب غالبًا ما يمر عليها القارئ دون التفات أو اهتمام، على أن هذا لا ينقص من الكتاب قيمته وجودته وجدته، وحتى ما أشرت إليه تناوله قلم المصري بحب وصدق وإخلاص بعيدًا عن التملق والنفاق، وأن هذه كانت بمثابة مشاعر جياشة تجاه رجل يستحق؛ فقد كانت بعد أن أحرز نصر أكتوبر الكبير، وكتبها بأناقة أدبية لا تقل عن مستوى الأسلوب الغالب في الكتاب ككل.
ولو عاد الزمان دورته، لكنت عاتبت الرجل ـ رحمة الله عليه ـ على أن جاء بقيمة الدين في آخر ترتيبه لسلم القيم الذي أورده في الكتاب، وهو الذي كان يجب أن يأتي في أوله أو على الأقل بعد قيم الأخلاق، وهو الأعلم بموقع الدين من المزاج العربي، ولكن أن يأتي به في ذيل القائمة فهذا ولا شك أمر كان يجب الاحتياط له، غير أنه ربما عكس موقعه من نفس الكاتب، ذلك أن صفحاته جاءت أقل في العدد بالنسبة لصفحات باقي القيم.


في نهاية هذه الحلقة .. أترككم في سلام، وألقاكم في الحلقة القادمة مع كتاب موجز جديد.. دمتم آمنين…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق