إيجاز كتاب العزلة من كتاب:
"إحياء علوم الدين"
كتاب
العزلة هو الكتاب السادس من ربع العادات من كتاب إحياء علوم الدين، للإمام
الغزالي، وقد دار بين الناس اختلاف في
تفضيل الاعتزال على الخلطة، ولكل منهما فوائد، غير أن أهل العبادة من الزهاد يفضلون العزلة.
يضم
كتاب آداب العزلة بابين، هما:
ــ الباب الأول: في نقل المذاهب
والأقوال، وذكر حجج الفريقين في ذلك:
هناك من
اختار العزلة من التابعين ومنهم من فضل الاختلاط، وأوردوا حججًا ضعيفة في تفضيلها،
ومنها الاستناد إلى أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها. ومن ثم يرى الإمام الغزالي
أن الأدلة والحجج من الجانبين المؤيد والمعارض لفوائد العزلة لا شفاء فيها، فلا بد
من كشف الغطاء بالتصريح بفوائد العزلة وغوائلها ومقايسة بعضها بالبعض ليتبين الحق
فيها.
ــ الباب الثاني: في فوائد العزلة
وغوائلها وكشف الحق في فضلها:
يشبِّه الغزالي خلاف الناس حولهما مثل
اختلافهم بين فضيلة الزواج والامتناع عنه، والناس في هذا الاختلاف ليسوا سواء. كما
يرى أن للعزلة فوائد دينية ودنيوية. ويحصرها في ست فوائد.
ــ فوائد العزلة دينية ودنيوية الست:
1ــ فراغ القلب للتعبد، في مناجاته لله
تعالى أنسًا به، فالعزلة ليست غاية في ذاتها بل وسيلة.
2ـ في العزلة ابتعاد عن المعاصي، التي
يجلبها الاختلاط بالناس، من نم واغتياب، والمراءاة، والقعوس عن القيام بالنهي عن
المنكرات، وعدم الأمر بالمعروف.
3ـ النجاة بالبدن والروح بالخلوص لله
تعالى والبعد عما يفتن القلوب، ومن نوى العزلة فقد غنم السلامة.
4ــ الابتعاد عن شرار الخلق، الذين لا
يتعبون من نقل الكلام، والإيقاع بين الناس، حسدًا وعدوانًا.
5ـ قطع أمل الطامعين فيك، وبتر طمعك
فيهم، ففي حضورهم تضييع للأوقات، وفوات الفوائد والمعاذير.
6ــ تحاشي الاختلاط بمن يتحامقون عليك،
أو من تستثقل ظلهم فتتكلف لهم ما لا تستطيعه دومًا.
ــ آفات العزلة:
يرى الإمام الغزالي أنه على الرغم من فوائد
الاعتزال إلا أن حاجات الدنيا لا تتحقق إلا بمخالطة الناس، ويضع قاعدة هامة في هذا
الشأن لمن يرغب في الاعتزال أو المخالطة، فيقول لكليهما معًا: (كل ما يستفاد من
المخالطة يفوت بالعزلة، وفواته من آفات العزلة، فانظر إلى فوائد المخالطة والدواعي
إليها).
على أنه يجب العلم أن ما يتحقق من خير مع الاعتزال يفوت بالاختلاط، وما يجنيه
المرء من فوائد في الاختلاط يضيع في الاعتزال، وهذا مقصود الإمام.
فوائد الاختلاط عند الغزالي:
يحدد
الإمام الغزالي فوائد الاختلاط ودواعيه في
سبع فوائد، كالتالي:
ـ1ـ التعليم والتعلم للإنسان المخالط،
ولن يتحصل عليهما بالاعتزال، وهما من أعظم العبادات في الدنيا، وقد فصَّل الإمام
في فضلهما ما احتواه كتاب العلم الذي سبق إيجازه,
2ــ أن ينفع الناس بعضهم البعض بمالهم
أو بدنهم، وينتفع بهم في المعاملات، وهذا لن يكون إلا بالمخالطة، ومن استطاع أن
يجمع بين نفع المسلمين مع حرصه على القيام بحدود الشرع فهذا أفضل له من اعتزال
الناس ومجتمعهم، لما فيه من نفع العباد ونفع نفسه.
3ــ أن المخالط للناس سيتحمل أذى من
يؤذونه، ويقمع شهواته بالصبر والتحمل، وهذا أفضل لمن لم تتهذب أخلاقه فمخالطته
للناس أفضل من اعتزالهم، وذلك بكسر النفس في خدمة الناس حتى تتعود على التواضع.
4ـ الأنس بالمتقين، ففيهم ترويح للقلوب
والنفوس، ومسامرتهم والحديث معهم حول ما يفيد في الدين، فهذا النوع من الاستئناس
في بعض أوقات النهار ربما يكون أفضل من العزلة في حق بعض الأشخاص، وشرطه عند
الغزالي أن يتفقد المسلم المخالط للناس قلبه وأحواله، ثم يتفقد أحوال جليسه، فإن
فعل الأمرين وتحقق منهما فليجالس.
5ـ فائدة الاختلاط في نيل الثواب
وإنالته، ونيل الثواب يتأتى بالحضور في الأمور الاجتماعية والتعبدية التي تدعو إلى
الجماعية، ومنها: شهود الجنازات، وزيارة المرضى، وصلوت الجماعة المفروضة خمس مرات
في اليوم والليلة وصلاة الجمعة.
هذا نيل الثواب أمَّا إنالته بأن
يسمح المسلم الخالط للمسلمين أن يزوروه أو يعزوه أو يعودوه. وينصح الغزالي المسلم
إن فعل ذلك أم يوازن بين الثواب العئد عليه من المخالطة ويقارنه بأفات العزلة، وما
يراه خيرًا لحاله فليمضي فيه، وينحاز إليه.
6ـ في الخُلطة كسر للكبر، ولن تُجدي
العزلة في التعرف على هذه الصفة، وقد تضخمه العزلة.
7ـ مخالطة الناس تكسب التجارب، والخبرات
التي لا غنى للناس عنها، ويفقتقدها في العزلة، ويرى الغزالي أنه لا خير لمعتزل لم
تحنكه التجارب، فالمخالطة لها فائدة عظيمة ظاهرة للعيان في استخراج خبائث النفس
وإظهارها، والسفر يُسفِرُ عن الأخلاق، فهو نوع من المخالطة الدائمة.
وأقول بعد كلام مولانا الإمام في الختام
أترككم في سلام، وألقاكم في الحلقة القادمة مع كتاب "ذم الغرور" من ربع
المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين.. دمتم آمنين...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق