الأحد، 23 يوليو 2017

دراسات يسيرة في رحاب السيرة الحلقة (14):




مع الحلقة الرابعة عشر نمضي في دراسات يسيرة في رحاب السيرة، ونستكمل نصيحتنا لمن أساءوا لشخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “اعرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن تسيئوا له):

ياليت من أساءوا سمعوا وتأملوا ماقاله الكاردينال “ترانكون” مطران مدريد ورئيس أساقفة أسبانيا فى افتتاح الملتقى الثانى لجمعية الصداقة الإسلامية المسيحية:

(كيف يستطيع المسيحي أن يقدِّرَ الإسلام والمسلمين، دون تقدير نبيهم والقيم التى بثها ولا يزال يبثها في حياة أتباعه؟ إن ذلك سيكون دليلًا على عدم المحبة، وعلى عدم احترام هؤلاء المسلمين الذين يجب أن ننظر إليهم بعين التقدير. أليس الإصغاء إلى ما تقوله العقيدة الإسلامية عن محمد هو أحسن سبيل إلى الاقتراب بكل احترام ومودة من إخواننا المسلمين، لن أحاول هنا تعداد قيم نبي الإسلام الرئيسية الدينية منها والإنسانية، فليست هذه مهمتي، غير أني أريد أن أبرز جانبين إيجابيين ـ ضمن جوانب أخرى عديدة ـ وهما: إيمانه بوحدة الله، وانشغاله بالعدالة: أما إيمانه بالله الأحد فهو سمة رسالته وحياته، أنها أهم عقيدة تركها لأمته؛ فالشهادة بوحدة الله وجلاله هي إحدى القيم الإنسانية التى لا تزال حية في عالمنا) [فاروق شوشة، العلاج بالشعر وأوراق أخرى، دار المعارف، القاهرة،1982م، ص 72ـ73].

وأضاف الدكتور “نوجا ليس” الرئيس المسيحي للجمعية وعميد كلية الآداب:

(أن محمداً ليس إنساناً أي إنسان، بل هو إنسان أثرىَ بالقيم الإنسانية والدينية التى تركت أعمق الأثر فى التاريخ . إنه واحد من هؤلاء الرجال الذين خصصهم الله لدعم القيم الدينية والروحية للإنسانية . إن محمدًا له من الأبعاد الإنسانية والتاريخية ما يستحق معه احترامنا وتقديرنا . خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تاريخه بكل أبعاده وسعته على أنه تاريخ الخلاص، ولكى نقيَّم نبي الإسلام يجب علينا أن ننطلق من عامل أساسي وهو أنه بالنسبة للمسلمين ليست هناك قيم إسلامية لا تتعلق بمحمد. وطبقًا للدين الإسلامى فإن محمدًا هو الرجل الذي اختاره الله لكي ينقل قيم الإسلام. كما أن الاستجابة التي ينتظرها الله من المؤمنين هى الاستجابة الإسلامية، والتي ليست في جوهرها أكثر من الاستسلام الكامل لله. لذلك لا يمكن احترام وتقييم الإسلام والمسلمين تاركين محمدًا جانبًا فهو مفتاح كل القيم الدينية والإنسانية، لقد حانت اللحظة لتغيير العقلية تجاه محمد وما يمثله بالنسبة للمسلمين. إن محمدًا ـ كما يعتبره المسلمون ـ هو المثل والمثال لكل الفضائل الإسلامية وهو الذى يلهم القيم السامية. وهم يكادون لا يقبلون فضيلة غير موجودة به ومحمد مثال المسلم الكامل والمؤمن الكامل الذي يسلم لله، ويجب على المسيحي أن يعترف بقيمة محمد هذه بالنسبة للمسلمين. اليوم لا يجوز الإساءة إلى نبي الإسلام كما حدث في الماضي لأن ذلك ضد محبة القريب، وضد احترام العقائد والحياة الروحية للآخرين، وضد التعايش الجماعي بين الطوائف المختلفة في المجتمع الحديث) [المصدر السابق ص 74ـ 75].

وضع المستشرق فرنسي دي سلان ماك غوين، (1810ـ 1879) فهرس المخطوطات الشرقية، وترجم لمقدمة ابن خلدون، والتي تكلم فيها عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في إطاره التاريخي، والشريعة الإسلامية السمحاء، فوجده متقدمًا على أقرانه من الرسل ، ووجد الإسلام متميزاً عن باقي الشرائع، فيقول : (إن العرب أمة تمتاز بكثير من الصفات، ولها دين جامع شامل، لا يعيبه إلا من يجهله، وصاحب دينهم محمد الفقير، وقبل أن نعرف الدين يجب أن نعرف من أتى به، وحقًا أقول ليس كمحمد في سلسلة الأنبياء، ولا كشريعته في سلسلة الشرائع، لا نبالغ إذا قلنا إن محمدًا خير من أتى بشريعة، ولقد وقف في وجه الطغاة من قريش، حتى أتم ما أراد، وبلغ منتهى الطريق الذي سلكه وعمل له، وإذا به وبشريعته يتمتعان بذكر عاطر وحديث حسن، وليس باستطاعتنا أن نثير عليمها غبار الانتقاص).

اهتم المستشرق السويسري “ماكس فان برشم” ( 1863ـ 1921) بدراسة الإسلام منذ كان يعد موضوع أطروحته لنيل الدكتوراه، وعنوانها: “ضرائب الأراضي في الإسلام” فى لا يبزج بألمانيا، وهو دارس للغتين الأكادية والعربية، وله اهتمام بالنقوش والدراسات العربية، كما كان له أكثر من خمسة آلاف صورة عن الآثار الإسلامية التي يحتويها اليوم أرشيف متحف مؤسسة ماكس فان برشم في مدينة جنيف موطنه. يذكر ماكس برشم فى معرض حديثه عن دور النبي محمد صلى الله عليه وسلم التاريخي العظيم في حياة العرب والشعوب التي دخلت في الإسلام، فارتقت من وهاد الضلالة إلى معارج النور والحضارة، يقول في كتابه: “العرب في آسيا”: (أن محمدًا نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية، وأن ظهور محمد للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال، وإن افتخرت آسيا بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم، إن من الظلم الفادح، أن نغمط حق محمد الذي جاء من بلاد العرب وإليهم، وهم على ما علمناه من الحقد البغيض قبل بعثه، ثم كيف تبدلت أحوالهم الأخلاقية والاجتماعية والدينية بعد إعلانه النبوة، وبالجملة مهما ازداد المرء إطلاعًا على سيرته ودعوته إلى كل ما يرفع من مستوى الإنسان، إنه لا يجوز أن ينسب إلى محمد ما ينقصه، ويدرك أسباب إعجاب الملايين بهذا الرجل ويعلم سبب محبتهم إياه و تعظيمهم له).

يقول الباحث الإنجليزي لايتنر في كتابه: “دين الإسلام”: (إني لأجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى المسيح احترامًا عظيمًا وذلك باحترامهم محمدًا، ولا ريب في أن المسيحي المعترف برسالة محمد وبالحق الذي جاء به هو المسيحي الصادق).

هل قرأ من أساء قول الدكتور الفرنسي فارنند برودال: (إن التهجمات ضد محمد أو ضد القرآن, هي ولا شك أقل حجة وإقناعًا من إلحاح المسلمين وتركيزهم على إنسانية المسيح. وهي طريقة لإنكار إلوهيته ورفض التثليت والتي بمفردها تعد نفيًا لوحدانية الله) [مقدمة كتاب “المورسكيون الأندلسيون والمسيحيون: المجابهة الجدلية للدكتور الفرنسي لويس كاردياك، ص16].

ليتهم سمعوا كلام عقلائهم لأراحوا واستراحوا، فهل من حرية التعبير أن يعتدوا على ما يعتقده الغير وخاصة الإسلام وعلى وجه الخصوص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم العف الحليم الودود؟!

لقد صدق العقاد عندما يقول: (إن تصوير إنسان مقدس بالصورة التي تنزع عنه القداسة أيسر جدًا من عناء الدراسة في نقض العقائد وإدحاض الأفكار، إنها مهارة رخيصة تنجح بقليل من الجهد، إذ تعتمد على سهولة الإصغاء إليها في طبائع الجهلاء والأغرار، ولكن خبرًا صادقًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ينكشف للإنسان الغربي فيهدم مئات الأخبار الكاذبة التي لفقها المبشرون) [ما يقال عن الإسلام، ص 207].

ومن الآن فليكن شعارنا ـ كمسلمين في كل مكان ـ إننا نعبد الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، ولا يعنى هذا أننا نشتري العداوات أو نفرض على غيرنا ديننا بالإكراه، وكما يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه: “هموم داعية”: (فليعبد من شاء ماشاء! وليتركنا تحت شعار التوحيد نحيا وإلى نهجه ندعو. ليست الإنسانية المزعومة أن تجمع الواحد الذي أؤمن به مع الثلاثة التي تؤمن بها فيكون الحاصل أربعة، يؤمن كل منا بأثنين على التساوي، وبذلك تتحقق العدالة! هذا أيضًا جنون، الإنسانية المحترمة أن أظل على وحدانيتي، وتظل إن شئت على شركك وتظلنا مشاعر البر والعدالة والتعاون الكريم، لن أجعل حقي باطلًا لترضى، ولن يعنيني سخطك آخر الدهر إذا حنقت بي، وأنا أؤمن بأن النبي العربي أشرف من مشى على الثرى وأن أمجاد البشرية كلها التقت في شخصه، وأن تراث النبوات من بدء الخلق إلى الآن موجودٌ فى كتابه وسنته، وأن تعاليمه نسيجٌ محكم من الوحي الأعلى تزدان الأجيال به وترشد، أن محمدًا بشرٌ له منهاجه المرسوم من وحي الله. فنحنُ نتبعه لِنُرْضِي ربنا ولنقف في محراب عبادته راغبين راهبين، وستبؤ بالفشل جميع المحاولات لإبعلدنا عن محمد وصرفنا عن رسالته).

نعم ونحن نؤمن بأن سيدنا ومولانا وربيع قلوبنا سيد الأولين والآخرين، وأغلى على كل مسلمٍ مؤمن موحد من نفسه ووالديه وبنيه وبكل غالي نفتديه، وأغلى أمانينا أن يجمعنا الله به كما جمع بين الروح والجسد في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة ماءٍ هنيئةٍ مريئةٍ لانظمأُ بعدها أبدًا من حوضه المورود، وأن يرزقنا شفاعته صلى الله عليه وسلم، وليكن شعار كل مسلم ضد كل من يحاول النيل منه أو إقصائنا عنه صلى الله عليه وسلم، بإذن الله ستبؤ بالفشل جميع محاولاتكم الدنيئة والرخيصة بإبعادنا عن نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصَرّفنا عن رسالته.

ويا ليت من أساءوا أو ينوونها قرأوا ماكتبه المنصفون من أبناء جلدتهم أو تجشموا قليلاً من العنت فامتدت أيديهم إلى أحد الكتب أو المواقع التى تتناول سيرته صلى الله عليه وسلم وهى كثيرة بحمد الله وبكافة اللغات ، فلا عذر لمسيء لأنه لا يعذر الجاهل بجهله وقنوات العلم أمامه مترعة يستطيع أن يرتوي بيسرٍ منها ، فإن لم يهتد للإسلام فلا ضير ولكن سيكون أمامه الحكم الصحيح من واقع الرؤية الصحيحة.

عند مقولة باريت سنتوقف ونستأنف نصيحتنا لمن أساءوا أن يعرفوه صلى الله عليه وسلم.. في أمان الله وسلامه أترككم على أمل اللقاء بكم في دراسات يسيرة في رحاب السيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق