الاثنين، 24 يوليو 2017

دراسات يسيرة في رحاب السيرة الحلقة (24):








مع هذه الحلقة نمضي في دراسات يسيرة في رحاب السيرة ونستكمل موضوعنا عن الحياة البرزخية للرسول صلى الله عليه وسلم”:

نعم مات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كيف يكون ميتًا صلى الله عليه وسلم وقد ظهر للسلطان نور الدين زنكي فى رؤيا منامية يستغيثه صلى الله عليه وسلم أن ينقذه من أولئك الذين أرادوا سرقة جثمانه الطاهر صلى الله عليه وسلم ونقله إلى بلادهم، وقد عصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من أن تمس جسده الشريف يد آثم منهم أو غيرهم. وقد نقل هذه الرؤيا نورالدين على بن أحمد السمهودي في كتابه: “وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى”، فقال: (أن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى كان له تهجد يأتى به بالليل وأوراد يأتى بها فنام عقب تهجده فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فى نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: ’’انجدني! انقذنى! من هذين’’. فاستيقظ فزعًا ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه ـ أي المنام نفسه ـ فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضًا مرة ثالثة فاستيقظ وقال: “لم يبق نوم”.

وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي فأرسل خلفه ليلاً وحكى له جميع ما اتفق له فقال له : “وما قعودك اخرج الآن إلى المدينة المنورة النبوية واكتم ما رأيت”.

فتجهز في بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة فى عشرين نفرًا وبصحبته الوزير ومالٌ كثير، فقدم المدينة فى ستة عشر يومًا. فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة وزار ثم جلس لا يدري ماذا يصنع.

فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة فى المسجد: “إن السلطان قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحضر أموالاً للصدقة، فاكتبوا مَنْ عندكم”.

فكتبوا أهل المدينة كلهم، وأمر السلطان بحضورهم وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التى أراها النبى صلى الله عليه وسلم فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالإنصراف إلى أن انفضت الناس.

فقال السلطان: “هل بقيَّ أحد لم يأخذ شيئًا من الصدقة؟”،
قالوا:”لا”، قال: “تفكروا وتأملوا”…

فقالوا: “لم يبق إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئًا وهما صالحان غنيان يُكثران الصدقة على المحاويج ـ المحتاجين ـ”
فانشرح صدره وقال: “عليَّ بهما”, فأتى بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليهما بقوله :’’انجدنى. أنقذني من هذين’’.
فقال لهما: “من أنتما؟”،
فقالا: “من بلاد المغرب، جئنا حاجين فاخترنا المجاورة فى هذا العام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: “أصدُقاني”… فصمما على ذلك..
فقال: “أين منزلهما؟”.
فأُخبر بأنهما فى رباط ـ منزل ـ قرب الحجرة الشريفة فأمسكهما وحضر إلى منزلهما فرأى فيه مالًا وكُتُبًا في الرقائق، ولم ير شيئًا غير ذلك، فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير..
وقالوا: “إنهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات في الروضة الشريفة وزيارة النبى صلى الله عليه وسلم وزيارة البقيع كل يوم بُكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردان سائلًا قط بحيث سَدَّا خُلة أهل المدينة في هذا العام المُجدب”..
فقال السلطان: “سبحان الله”..

ولم يظهر شيئًا مما رآه. وبقي السلطان يطوف فى البيت بنفسه فرفع حصيرًا في البيت فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك..
وقال السلطان عند ذلك: “أصدُقاني حالكما”.

وضربهما ضربًا شديدًا.. فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما الصليبيون في زي حجاج المغاربة وأمالوهما بأموال عظيمة وأمروهما بالتحيل لسرقة جثة الرسول صلى الله عليه وسلم فأمر نور الدين بضرب رقابهما، ثم أمر بحفر خندق عظيم حول الحجرة الشريفة من كل جوانبها حتى بلغ الماء وأمر بإذابة رصاص فملأ به الخندق، فصار منه حول الحجرة سور متين لا يستطيع أحد اجتيازه).

على الرغم من نقلي لهذه الرواية عن السلطان نور الدين زنكي، والتي تناقلها غير السمهودي العديد من المؤرخين مثل:ابن الأثير، وابن خلكان، والفيروز آبادي في كتابه: “المغانم المستطابة في معالم طابة”، ومحمد لبيب البتنوني في كتابه: “الرحلة الحجازية”، وابراهيم رفعت باشا في كتابه: “مرآة الحرمين”، وكذلك مؤلف كتاب “تحفة النصر بتلخيص معالم الهجرة”، وذكرها الأستاذ محمد إلياس عبد الغني في كتابه: “تاريخ المسجد النبوي الشريف” وغيرهم حتى بلغت عند بعضهم حد التواتر، على الرغم من أن هناك من تعقبوا تلك الرواية بالإنكار لها، وهذا ليس مكان مناقشته، ولكن ذكرته من باب الأمانة العلمية.

وأختم بما قاله العلامة الفقيه الشيخ أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المكي السعدي الأنصارى:

تواتــــرت الأدلة والنـــقول فما يحصى المصنف مايقولُ
بأن المصطفى حي طـــري هلال ليس يطرقة أفــــــــولُ
وأن الجسم من بقاع لحـــٍد كورد لا يدنسه الذبـــــــــول
وأن الهاشمى بكُلِّ وصفٍ جميــــــــلٌ لا يُغَيِّرُهُ الحلولُ
وأنَّ الدودَ لا يأتى إليــــــهِ كذا الآفاتُ ليسَ لها وصولُ
ولم تأكل له الغبـراءُ لحماً ولا عظماً فأَثْبِتْ ما أقــــولُ

معًا… نبدأ الإبحار غدًا مع موضوعٍ جديد من موضوعات “سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ” ومنها نتعلم ونستفيد.. فحتى ألقاكم على خير إن شاء الله..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق