الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

’’أخلاقه ’’معجزته صلى الله عليه وسلم

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرو
 

لم يغب عن بال من تناولوا سيرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الملامح الإعجازية في شخصه - صلى الله عليه وسلم - فإذا بهم يوردون تلك الملامح شذرات تضيء مؤلفاتهم إلا أنهم لم يفردوا لها كتباً مستقلة، فمنهم من رأى خلقه وصفاته النفسية وكمالاته - صلى الله عليه وسلم - يقوم كل منها معجزة وحده، بينما رأى آخر أن صدقه كان معجزته الأولى - صلى الله عليه وسلم -، ورأى أحدهم أن شخصيته وأفكاره - صلى الله عليه وسلم - كانت المعجزة، ويؤكد آخر أن سيرته - صلى الله عليه وسلم - تبقى المعجزة، والذى رأى في تربيته - صلى الله عليه وسلم - للصحابة رضوان الله عليهم في حد ذاته معجزة، والمعجزة المقابلة لها هو حب الصحابة له - صلى الله عليه وسلم -، وينبري أحدهم بأن ما فعله - صلى الله عليه وسلم - في دنيا الناس هو المعجزة، بينما انتشار الإسلام كدين يدين به الناس بهذه السرعة وهذا الحب هو المعجزة.
يلفت مصطفى لطفى المنفلوطي أنظارنا التي تسير سيراً خاطئاً في إثبات معجزة الرسول بالدلالة على أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -؛ بينما هو يعكس ذلك المفهوم المتجذر فينا حيث يرى أن صفات الرسول النفسية وكمالاته هي المعجزة الدالة على تصديق الناس ما أوتي على يديه من خوارق المعجزات، بل أن ما كانت قريش لتصدق دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - إلا لأنها تصدقه هو بشخصه وجوامع خلقه الكريم فما كان لمثل محمد احتياج لكل هاتيكَ الخوارق مهما كان قدرها.
إذ يقول[1]:
(إن في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجاياه التي لا تشتمل على مثلها نفس بشرية ما يغنيه عن خارقة تأتيه من الأرض أو السماء، أو الماء أو الهواء إن ما كان يبهر العرب من معجزات علمه، وحلمه، وصبره، واحتماله، وتواضعه، وإيثاره، وصدقه، وإخلاصه أكثر مما كان يبهرهم من معجزات تسبيح الحصى وانشقاق القمر، ومشي الشجر، ولين الحجر؛ وذلك لأنه ما كان يريبهم في الأولى ما كان يريبهم في الأخرى، من الشبه بينها، وبين عرافة العرافين، وكهانة الكهنة، وسحر السحرة، فلولا صفاته النفسية، وغرائزه، وكمالاته ما نهضت له الخوارق بكل ما يريده، ولا تركت له المعجزات في نفوس العرب ذلك الأثر الذي تركته؛ ذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾[2].
يؤيد ما ذهب إليه المنفلوطي ما قاله سعد الدين التفتازاني [3]: (وأما الاستدلال على نبوة محمد بما شاع من أخلاقه وأحواله فهو عائد إلى المعجزة).
يناجى الدكتور أحمد محمد الحوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [4] قائلاً:
(حبيبي يا رسول الله.. يا لها من حديقة فَيْحاءَ غَنَّاءَ، كل ما فيها طيب المظهر والمخبر، عَبِقُ الشَّذى، حلو الجنىَ، شهىٌ إلى كل نفس.. إنها أخلاقك الفُضْلى التي تتسامى عن الأنظار فلا يُدرك أحد أيُها أعلى مكاناً، وتتسابق إلى القلوب فلا يعرف أحد أيها أسرع جرياناً، ولا أيها أعظم في النفوس آثارا وأرسخ بنياناً.. لقد قضيتُ أسعد أيام العمر سادناً في هذه الحديقة، وكلما أمضيت في ظل فضيلة من فضائلك زمناً خُيل إلىَّ أنها أبرز فضائلك، فإذا أويتُ إلى ظل أخرى تراءت لي أعظم شمائلك، ثم أتفيأ ثالثة فتبدو كأنها أعظم خمائلك، فلا سبيل إلى مفاضلة أو موازنة أو ترجيح).
بينما يرى الدكتور محمد سيد أحمد المسير [5]: (إن الصدق - يقصد صدق الرسول عليه الصلاة والسلام - هو المعجزة الأولى التي دفعت الناس إلى الإيمان بالرسالة لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -).
يقول الإمام أبو حامد الغزالي [6]:
(اعلم أن من شاهد أحواله - صلى الله عليه وسلم - وأصغى إلى سماع أخباره المشتملة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وعاداته وسجاياه، وسياسته لأصناف الخلق، وهدايته إلى ضبطهم، وتألفه أصناف الخلق، وقودهم إياهم إلى طاعته مع ما يُحكَى من عجائب أجوبته في مضايق الأسئلة، وبدائع تدبيراته في مصالح الخلق، ومحاسن إشاراته في تفصيل ظاهر الشرع الذى يعجز الفقهاء والعقلاء عن إدراك أوائل دقائقها في طول أعمارهم، لم يبق له ريب ولا شك في أن ذلك لم يكن مكتسباً بحيلة تقوم بها القوة البشرية، بل لا يتصور ذلك إلا بالاستمداد من تأييد سماوي وقوة إلهية، وأن ذلك كله لا يتصور لكذاب ولا مُلَبِسْ، بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعة بصدقه حتى أن العربي القح كان يراه فيقول: والله ما هذا وجه كذاب، فكان يشهد له بالصدق بمجرد شمائله، فكيف من شاهد أخلاقه ومارس أحواله في جميع مصادره؟!، فأَعْظِمْ بغباوة من ينظر في أحواله، ثم في أفعاله، ثم في أخلاقه، ثم في معجزاته، ثم في استمرار شرعه إلى الآن، ثم في انتشاره في أقطار العالم، ثم في إذعان ملوك الأرض له في عصره وبعد عصره مع ضعفه ويتمه، ثم يتمارى بعد ذلك في صدقه).
نعم إنه الصدق وهو ماتنبه له بعقله الأديب البريطانى هـ.جـ.ويلز: (إن من أرفعِ الأدلةِ على صدقِ محمدٍ كونَ أهلِه وأقربِ الناسِ إليه يؤمنون به. فقد كانوا مطَّلعينَ على أسرارِه، ولو شكّوا في صدقِه لما آمنوا به).
يجد بلاشير معجزة محمد في صدقه أيضاً حين كان أسلوبه الخاص في أحاديثه النبوية مفارقاً تماماً لإعجاز القرآن حتى صار هذا إعجازه - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول [7]: (الإعجاز هو المعجزة المصدقة لدعوة محمد الذي لم يرتفع في أحاديثه الدنيوية إلى مستوى الجلال القرآني).
ليس هناك ما ينفي اقتران الإعجاز بالبشرية في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الدكتور منصور رحمانـي [8]، إذ يقول:
(وأما الإعجاز في حياته - صلى الله عليه وسلم - فنعني به أنه حقق بجانبه البشري في وقت وجيز ما عجز عنه غيره من البشر سواء كانوا أنبياء أو قادة أو زعماء، وهذا يشير بوضوح إلى تفضله على غيره، وأنه الأولى بالتقليد والاتباع، وهذا الجانب لا نستدل به على صدقه بقدر ما نستدل به على عظمته، وهذه العظمة تقود فئات من الناس إلى اتباعه في كل أقواله مطمئنين إلى أنه أفضل قدوة، وأفضل من يتبع، فأقواله هي أصح وأصدق الأقوال، وأفعاله وأحكامه هي أعدل الأحكام، وتشريعه أفضل تشريع، ودينه أفضل الأديان).
يقول الدكتور سعد الدين السيد صالح [9]معلقاً ومؤكداً وشارحاً: (كانت أخلاق محمد ضرباً من خوارق العادات. إذ كيف يخرج على أخلاق قومه وعاداتهم وتقاليدهم؟ فلم يسجد لصنم قط، ولم يشرب خمراً قط، ولم يكذب أبداً وهو الذى نشأ في بيئة انطبعت بهذه الصفات، إذاً فأخلاقه كانت ضرباً من الخوارق. إذ المعهود أن تأتى أخلاق الفرد وصفاته صورة لبيئته أو كما قالوا إن الإنسان هو ابن بيئته، فكون أخلاق الرسول تأتى مناقضة لأخلاق بيئته، هو أمرٌ خارق للعادة).
ويؤكد أحمد بهجت [10]:
أن معجزته الأولى - صلى الله عليه وسلم - هي شخصيته وأفكاره.. صارت معجزته الكبرى بعد القرآن.. هي هذا البناء الروحي الشامخ الذى احتمل في الله ما احتمل، وقاسى في الحق ما قاسى، وأدى أمانته بكمال لا يطاول...
ومنهم من يرى أن سيرته العطرة وصحائفه الناصعة - صلى الله عليه وسلم - لخير دليل على صدق دعوته وثبوت نبوته، بما لا يحتاج معه لمعجزة فيقول ابن حزم[11]: (فإن سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - لِمَن تدبرَهَا تقتضي تصديقَه ضرورةً، وتشهد له بأنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حقا فلو لم تكن له معجزة  سوى سيرته - صلى الله عليه وسلم - لكفى). 
كما أن ابن حزم هو القائل: (من أراد خير الآخرة، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليستعمل أخلاقه وسِيِره ما أمكنه).
ومع أن الشيخ على الطنطاوي يذهب نفس مذهب من يرى أن سيرة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - تكفي وحدها لتكون معجزته، لكنه آثر أن يدلل على ما يقول ففصل المجمل[12]:
(كانت سيرة حياته - صلى الله عليه وسلم - كلها معجزة، عجز عظماء العالم جميعاً عن أن يتركوا لهم سيرةُ مثلها... في كل ناحية منه عزة وعظمة، في قوة جسده، وتكوينه الرياضي. في روحه الرياضية، لا يستخفه النصر حتى يبطره، ولا تزلزله الهزيمة حتى تثير غضبه، أو تذهب بعزمه، في ثباته في المعامع الحُمر حتى كان أبطاله الصحابة يحتمون به، وفى شجاعته التي تَضعْضَعَ أمامها صناديد الرجال، وفى تواضعه للمسكين والفقير، ووقوفه للأرملة والعجوز، في إقراره الحق، في صدق التبليغ عن الله، حتى أنه بلغ الآيات التي نزلت في تخطئته وفى عتابه، في احترامه العهود وحفاظاً على كلمته، مهما كلفه الحفاظ عليها من مشقة ونصب، سواء عنده في ذلك معاملاته الشخصية وشؤون الدولة، وفى ذوقه وحسه المرهف، وأنه هو الذي سن آداب الطعام، وقرر قواعد النظافة في وضعه مع أصحابه إذ يعلمهم ويعمل معهم، ويعيش مثلما يعيشون، ويستشيرهم ويسمع منهم، ويجلس حيث يجد المكان الفارغ في آخر المجلس حتى كأن القادم عليه ليراه، ينظر في وجوه القوم فيقول أيكم محمداً؟). 
ولعل ما قاله المستشرق الإنجليزي يورسورث سميث (1815 – 1892) [13]يُعد فهماً حقيقياً للمعجزات التي أتاها اللهُ محمداً، فقد اعترف سميث بأن لمحمدٍ معجزات غير القرآن، وعنده يكمن ما هو أعظم من المعجزة هو صدقه - صلى الله عليه وسلم -: (أن المعجزة الخالدة التي أداها محمد هي القرآن والحقيقة إنها كذلك... وإن أعظم ما هو معجزة في محمد نبي الإسلام أنه لم يّدع القدرة على الإتيان بالمعجزات وما قال شيئاً إلا فعله وشاهد منه في الحال أتباعه، ولم ينسب إليه الصحابة معجزات لم يأتها أو أنكروا مبدأ صدورها منه، فأي برهان أقطع من ذلك؟).
يرى الشيخ محمد الخضر حسين [14] أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان راجح العقل، غزير العلم، عظيم الخلق شديد الإخلاص، صادق العزم، جليل العمل رائع البيان، وأن من يبتغي عظمة رجل فليبحث عنها في ناحية عقله، وعلمه، وخلقه، وإخلاصه، وعزمه، وعمله، وحسن بيانه إلى أن يقول عن عظمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها: (عَظَمَةٌ انتظمت من هذه المعاني العالية؛ وكل درة في عقد حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - معجزة).
كما يقول أيضاً[15]: (إن الباحث في السيرة على بصيرة ليجد في كل حلقة من سلسلة حياته معجزة، ولو استطعت - ولا إخالك تستطيع - أن تضعها في كِفة، ثم تعمد إلى سيرة أعظم رجل تحدث عنه التاريخ، فتضعها في الكِفة الأخرى، لعرفتَ الفرق بين من وقف في كماله عند حد هو أقصى ما يبلغه الناس بذكائهم وحزمهم، وبين من تجاوز ذلك الحد بمواهبه الفطرية، وبما خصه الله به من معارف غيبية، وحكم قدسية).
هكذا شهدوا له - صلى الله عليه وسلم -، وما كان في حاجة - صلى الله عليه وسلم - لشهادة أحد، ولكنهم شهدوا لأنفسهم وشهدوا لنا شهادة الصدق والحق، في نبي الله بحق.. في منحى واحد من مناحيه الرائعة والفاضلة والنبيلة.. وشهد غيرهم بالإعجاز له - صلى الله عليه وسلم - في مناحي أخرى.. سنعرفها في حينها.
هوامش
[1] مصطفى لطفي المنفلوطي، الأعمال الكاملة لمؤلفاته ص131-133.
[2] سورة آل عمران: من الآية:159
[3] سعد التفتازاني، شرح المقاصد جـ 2 صـ 133
[4] الدكتور أحمد الحوفي، من أخلاق النبي ص 6، 7.
[5] الدكتور محمد أحمد المسير، النبوة المحمدية ص23.
[6] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين جـ 3 صـ 479، 484.
[7]بلاشير، ترجمة للقرآن الكريم للفرنسية ص 105.
[8] الدكتور منصور رحماني، الإعجاز في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[9] الدكتور سعد الدين صالح، المعجزة والإعجاز في القرآن الكريم صـ 22.
[10] أحمد بهجت، أنبياء الله ص 380ـ 381.
[11] ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل ج1ص342.
[12] على الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام حيث يقول ص 184.
[13] يورسورث سميث، الأدب في آسيا ص 346.
[14] محمد الخضر حسين، محمد رسول الله وخاتم النبيين ص206.
[15] محمد الخضر حسين، هدى ونور ص 45.

الخميس، 18 أكتوبر 2012

الصور والرسوم المسيئة للمسيح عليه السلام




     انفجرت موجات عنف غاضبة وثارت أعاصير شغب صاخب من المتشددين النصارى ضد صور بالحجم الكبير تمثل شخص المسيح عليه السلام وتجعله شاذاً جنسياً في معرض للفنون بدولة السويد. جاءت تلك الصورة المسيئة مع مجموعة صور أخرى فاضحة ضمن كتاب مصور صدر مؤخراً يجعل المسيح أيضاً في جنس انثى عارية تماماً على الصليب، وقد جعلت الصور المسيح عليه السلام في أوضاع جنسية مختلفة فمرة هو شاذ جنسياً مع ذكر يقف خلفه في وضع شائن ومرة هو في وسط مجموعة من النساء العاريات في حفلة دعارة جماعية ومرة هو انثى مهووسة بالسحاق والعياذ بالله من تصاوريهم كلها. من جانبها حاولت مجموعة من النصارى المتطرفين اشعال النار في الصور بالمعرض الفني، بمدينة تعد أحد معاقل الطائفة الانجيلية النصرانية الكبري في السويد، إلا أن جمهوراً من ثلاثين شخصاً من النصارى العلمانيين حاولوا منعهم فقام المتشددون بالتعدي عليهم بالضرب
      وقد أقيم مؤخراً معرض فني آخر في نيويورك عرض تمثالاً يصور آدم عليه السلام وحواء عاريين في عملية جنسية كاملة ولوحة لفنان نصراني آخر تصور يسوع وهو يقبل بشهوة أحد آلهة الهندوس من الاناث على فمها. يبقى أن أذكر أن من أشرف على اعداد الكتاب المصور الفاضح سحاقية نصرانية تعتز بصليبها تدعى (كيتريدج تشيري Kittredge Cherry) وهي تحمل درجة لاهوتية رفيعة حيث تعمل في خدمة الكنيسة والتنصير منذ سنوات وعضو مجلس الكنائس الامريكية National Council of Churches وهي كذلك تشغل منصباً هاماً في مجلس الكنائس العالمي World Council of Churches وتشرف القسيسة السحاقية على موقع الكتروني ضخم ترعاه عدد من الكنائس الداعمة لتوجهها حيث خصص لاستيعاب الشاذين جنسياً والسحاقيات والمخنثين (الجنس الثالث) تحت عنوان (يسوع في حالة حب Jesus in Love) (1).
    ولقد زرتُ هذا الموقع للتأكد مما قرأت وقد هالنى ما وجدت ، فمنذ صفحة الغلاف وحتى عرض الصور أو تلك اللوحات يصيبك نوعٌ من الغثيان والقرف والإشمئزاز من أناس يعملون فى إلههم ـ كما يزعمون ـ  مثل هذه الأفاعيل تحت مايسمى بحرية الإبداع أولاً ثم حرية التعبير .

   والشىء اللافت للنظر أن هذه ليست المرة الأولى كما أنها لن تكون الأخيرة .. أما المرة الأولى فقد قام بها جون ويلكس فى القرن السابع عشر الميلادى وهو عضو فى مجلس العموم البريطانى وكان عندهم أحد أبطال الحرية فى إنجلترا ، وذلك حين اتهمته الحكومة بإحتفاظه فى عقر داره بمطبعة وعامل طباعة أمره بطبع اثنتى عشر نسخة من مقال له بعنوان ( مقال عن المرأة ) وهى محاكاة ذكية وبذيئة .. يقول الدكتور رمسيس عوض (2) :… فعلى صفحة الديوان الأولى كانت هناك صورة لقضيب هائل الحجم وصفت إحدى قصائد الديوان أن طوله يبلغ ثلاث عشرة بوصة كما تضمن الديوان مقدمة يقال أن رئيس أساقفة مشهور سطرها وأنه مكتوب تحت القضيب عبارة " مخلص العالم " باللغة الأغريقية .... ويستكمل د. رمسيس فيقول : " سعى أعداء ويلكس إلى إثبات صحة هذه الإتهامات بكافة الطرق ، فذكر أحدهم أنه ورد فى أحد حواشى المحاكاة أن الحمار كان ينعم بالتقدير والإحترام بسبب ضخامة قضيبه حتى دخل يسوع المسيح أورشليم على ظهر أتان ... وأشار الشانئون إلى قصيدة تمتدح القضيب قالوا عنها أنها زراية بالثالوث الذى شبه بقضيب تحيط به خصيتان .  
   
      والأدهى والأمر أن دفاع ويلكس عن نفسه كان مقبولاً من وجهة نظر الذين ينادون بحرية التعبيرالأن ، فبالرغم من أن ويلكس لم يجاهر بتلك الصور خارج بيته ولم يسع لنشرها ، بل ضبطتها الحكومة على إثر وشاية من راعى كنيسة سىء السمعة هدد المطبعجى ورشاه وضغط عليه حتى اعترف ، إلا أن ويلكس قال بإستخفاف ودهشة : أن من حق الحكومة معاقبة الزراية بالمقدسات ولكن من حق الفرد أن يعبر عن زرايته بهذه المقدسات فى خلوته فهو حر فى السخرية مما يشاء.
  
     وبالرغم من أن هذه السخرية كانت بيتية فردية لم تنشر ، ومع هذا فقد أصر مجلس اللوردات على إتهامه بإستخدام البذاءة فى إهانة المسيح والله .. وهرب ويلكس لما علم بإتجاهات المحكمة فقامت الحكومة البريطانية عام 1764 بمحاكمته غيايبياً أمام محكمة الملك التى قررت إدانته ... وأهدرت المحكمة دمه ...

     ولكن ويلكس كان قد أرسى مبدأ السخرية مما يشاء ولو كان الله نفسه ، وتلك هى ركيزة حرية الإبداع والتعبير السارية فى الغرب منذ أن أخذ بالعلمانية ديناً بديلاً عن الدين وأسكن المسيحية الكنائس والكاتدرائيات والأديرة ، فلا تلامس حياة البشر إلا على سبيل الطقوس والإحتفالات . أما حرية التعبير والرأى فقد أصبحت فى مفهومها الواسع هى الحرية الكاملة أحياناً فى التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أوعمل فنى بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لايمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن إعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التى سمحت بحرية التعبير ، ويصاحب حرية الرأى والتعبير على الأغلب بعض أنواع للحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية .

    وعندما قلت أن هذه الرسوم لن تكون الأخيرة ، سواء تلك التى جاءت من ويلكس ومروراً بالموقع  المشار إليه كنت أعنيها فقد كانت هناك لوحة قام الفنان الأمريكى من أصول كوبية وأفريقية  اندريس سيررانو Andres Serrano   برسم لوحته المسماة " البول على المسيح " Christ Piss  وهى عبارة عن صورة لصلب المسيح قام الرسام بغمسها فى بوله الشخصى ، بل يعتقد البعض أن اللوحة قد غمست فى دم اندريس نفسه لكون لوحته حمراء اللون  . ووجهة نظر الفنان الفنية هو إظهار الطابع الإنسانى للمسيح وترابطه مع الإنسان البسيط ، الذى يقوم بعملية البول .. أحدثت هذه اللوحة جدلاً كبيراً واجتمع بسببها مجلس الشيوخ الأمريكى 1987 ودار النقاش المعتاد بين حرية الفنان فى التعبير والإساءة لرموز الدين ، وكان هنك معارضين وأعتبروا تلك اللوحة إهانة شخصية للمسيح .
   بل يقول محمود سلطان : في عام 1960 صدرت رواية لليوناني "نيكوس كازانتزاكس" بعنوان مسيء للمسيح عليه السلام يقول ""آخر وسوسة للمسيح" ، ثم تحولت بعد ثمانية وعشرين عاما ـ أي عام 1988 ـ إلى فيلم سينمائي، بل لم يتورع الفنان الأمريكي "أندريس سيررانو" قبل عرض الفيلم الأخير بعام ـ أي عام 1987 ـ عن رسم صورة للمسيح بعد أن بال عليها أو غمسها في بوله الشخصي كما قيل، وعرفت لوحته باسم "البول على المسيح".. والفنان "كوزيمو كافالارو" نحت تمثالا للمسيح من الشيكولاتة أسماه "إلهي الحلو" ، عرض في صالة لعرض الأعمال الفنية بحي "مانهاتن" بنيويورك في مارس عام 2007 (3).

أن على  أرض الدانمارك ـ أرض الإساءات ـ  كان سيقام  ولعله أقيم ـ معرض تحت عنوان :(الإباحية أو عالم الإثارة) سيشارك فى هذا المعرض ما يزيد علي 200 ألف مصور سيرتدى بعضهم ملابس مشابهة ومماثلة تماما للملابس التي كان يرتديها السيد المسيح في زمانه لكن بطريقة مثيرة وفيها كثير من الإباحية، ويشترك فيه كذلك عدد من أشهر نجوم ونجمات أفلام البورنو في العالم ، والمؤسف أن هذا المعرض القذر تواكب موعده مع يوم الجمعة الحزينة حسب التقويم الغربي وهو اليوم الذي يقدسه ويحترم ذكراه كل المسيحيين في العالم.
أساقفة الدانمارك عبروا عن استيائهم الشديد مما جري وأكدوا أن اختيار هذا اليوم  كان مقصودا بعينه لإقامة هذا المعرض وذلك زيادة في الاستهزاء وامعاناً في السخرية وعدم مراعاة الشعور المسيحي لذكري اليوم المقدس. وليس خفياً على أحد أن يوم الإباحية موجود أيضا في برلين بألمانيا وتاريخه معروف ومحدد في كل أوروبا.
   وقد شهدت الدنمارك قبل سنوات قليلة قضية مشابهة للاساءة للسيد المسيح حيث قامت بعض مصانع الأحذية وعلي الأخص «الصنادل» بطبع صورة أو وشم عليها يعتقد أنها أو إنه صورة السيد المسيح مما أثار حفيظة واحتجاج المواطنين المتدينين وأدي الغضب إلي سحب «الصنادل» من الأسواق الدانماركية .

  وقد نشرت صحيفة ’’ تايمز’’ اللندنية تقريرا في موضوع الإساءة إلى الديانات وردود الفعل التي أثارتها،نجتزىء منه ما نحن بصدده :
ـ فيلم  يصور رجلا نصابا، يدعي أنه ينادي بدين، من أجل تكوين الثروة ويصبح
 رجلاً غنيا. حظر عرض هذا الفيلم في الولايات المتحدة، حيث رفعت الكنيسة السيانتولوجية ضده دعوى قضائية، رغم ادعاءات صانع الفيلم بأنه لا يتحدث عن مؤسس هذه الكنيسة، رون هوبارد. وقال أتباع هذه الكنيسة إن الفيلم أعد من أجل التأثير على هيئة المحلفين في قضية ليزا ماكفرسون، التي ماتت أثناء وجودها في رعاية كنيسة سيانتولوجية في فلوريدا.
 ـ تجمع الجمهور محتجا أمام مسرح برودواي، في نيويورك، عندما كانت تعرض مسرحية عن المسيح ويهودا على المسرح لأول مرة، إذ اعتبر المسيحيون أن تصوير المسيح على أنه رجل وليس إلهاً يعد إهانة، كما أن إغفال ذكر قيامة المسيح في المسرحية كان نقطة أخرى للخلاف والجدل. واعتبرت بعض الجماعات اليهودية أن المسرحية معاداة للسامية في تصويرها لليهود وهم مجتمعون مطالبون بموت المسيح.
 ـ في التصوير الروائي لشخصية الأب نيقولا، الذي يعيش في مدينة البابا،(مدينة الفاتيكان)، ويعمل كمحرك لشخصية البابا الكرتونية، ظهر كبير الأساقفة كشخصية غبية جدا. وحذفت تلك الحلقات المسلسلة التي أنتجتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي (، من جدول العرض على التليفزيون البريطاني ، خشية أن تعد إهانة للكاثوليك في روما. وفي ألمانيا قامت حملة شرسة ضد هذه الحلقات.
 ـ جرى تصوير عملية صلب المسيح في شخصية كوزيمو كافالرو على حلوى الشيكولاتة، وسحبت من معرض نيويورك الفني أثناء الأسبوع المقدس لدى المسيحيين، تحت ضغط الرابطة الكاثوليكية . كما أن التمثال الكبير الذي كان يصور الأعضاء التناسلية للمسيح أثناء احتضاره، أثار رابطة الكاثوليك ، الذين أمطروا المعرض في مانهاتن بوابل من رسائل البريد الإلكتروني المحتجة.
ــ  أما الصور التي كانت تصور المسيح وهو يأكل مع اللوطيين، ومع من يغيرون جنسهم في معرض في السويد، فأثارت موجة من الاستغراب في أوروبا وجعلت تلك الصور البابا السابق، يوحنا بول الثاني، يلغي اجتماعا مع رئيس الأساقفة الإصلاحي السويدي، كارل غوستاف هامر، الذي كان يساند هذا المعرض.
 ــ أدى غلاف الألبوم الذي كان يصور مريم أم المسيح، وهي تحمل فأرا في المهد، ومكتوب تحته "مهنة الغانية"، وهي عبارة من اللغة السلوفانية، والتي كانوا يطلقونها على تعاليم الكاثوليك بشأن عملية الإجهاض، (أدى) هذا الغلاف إلى حدوث ثورة عارمة، إذ تجمع حوالي أربعة آلاف معارض أمام مكتب النائب العام، وقدموا أكثر من ألف اتهام ضد الألبوم . ورفضت المحكمة هذا الألبوم، قائلة إنه يخلو من الذوق، إلا أنها لم تحدد ما هو المسموح به، وما هو غير المسوح به.
 ــ صورت أوبرا بريطانية شخصية المسيح، وهو يرتدي ثياب طفل رضيع، وقد اتسخت ملابسه. وعندما عرضت الأوبرا على التليفزيون البريطاني، اعترض المسيحيون، وأقدموا على إحراق رخص عمل تليفزيون البي بي سي، أمام مركز هذا التليفزيون نفسه، بينما كانت هناك مظاهرات أخرى متفرقة في أماكن أخرى، ولكنها غير شرسة.
 ــ أما الفيلم الذي مدته ساعة، والذي أعده مونتي بايثون عن حياة بريان، فهو تصوير كوميدي لشخصية بريان كوهين، الذي أحرق خطأ على أنه هو السيد المسيح. ولكون هذا الفيلم يتهكم ويسخر من التدين، فقد منع من العرض في العديد من المدن في المملكة المتحدة، لما يحتويه من سب للدين. ورفعت دعوى قضائية ضد مشهد الصلب في الفيلم، الذي يصور أولئك الذين جرى إعدامهم وهم يغنون أغنية على الموسيقى بعنوان :"أنظر دائما إلى الجانب المشرق من الحياة". وفي نيويورك، فتشت الراهبات والحاخامات عن دور السينما، حيث كان محظورا عرض الفيلم نهائيا في بعض الولايات. أما في ايرلندا، فلم يعرض الفيلم إلا بعد ثماني سنوات من إعداده، وعرض في إيطاليا بعد أحد عشر عاما. وبعدها تم عرضه في كنيسة في نيوكاسل، حيث أثار ضجة لدى جماعة الصوت المسيحي المحافظة.
  ــ في ألمانيا، حكم على مانفريد فان بالسجن لمدة عام، لأنه أرسل ورق نظافة يستعمل في المرحاض، مكتوب عليه آيات قرآنية، إلى مساجد ووسائل إعلام . واجه فان تهمة الإساءة إلى معتقدات دينية بطريقة تهدد الأمن العام.
 ــ أوفيلي هو الرجل الذي عرض صورة مريم العذراء مرسومة بروث الفيل، ومحاطة بأعضاء جنسية أنثوية من صور مجلات إباحية. وجرى استبعاد تلك الصور من متحف بروكلين للفن، في معرض عام 1999 بعد أن هدد رودي جولياني، الذي كان يشغل منصب العمدة في ذلك الوقت، بسحب منحة قدرها 7 ملايين دولار أميركي، كانت مخصصة للمتحف. وهي صورة رسمتها دانوتا نيتزنلاسكا، ويقول عنوان تلك الصورة" كل شيء بصراحة". وحكم على من رسمت هذا الرسم بالسجن لمدة ستة أشهر، تعمل خلالها في الخدمة العامة كعقوبة لها.
   أما صورة السيد المسيح المعلق على الصليب وهو يتدلى متبولا في جرة، ففازت بجائزة مركز الجنوب الشرقي للفن المعاصر، عام 1989، وهي جائزة تشارك في رعايتها وكالة المنح الوطنية للفن، وهي وكالة حكومية في الولايات المتحدة الأميركية. وثار الجدل حول تلك الصورة في مجلس الشيوخ الأميركي ..
    كما جاءت مسرحية (المسيح المثلى)لكى تتمم منظومة الإساءة  وقد عرضت على مسرح نيويورك ،ورفض مدير المسرح آنذاك حذف أى من مشاهدها، تلاها عرض مسرحية «كوربو كريستى» فى لندن، والتى أدت بإحدى الجماعات الإسلامية هناك إلى استصدار فتوى بإهدار دم ماك نالى مؤلف العمل. كما كان هناك عرض «جيرى سبرينجر» الغنائى، الذى لعب على الفكرة نفسها وعرض على العديد من مسارح لندن وبثته قناة الـ «بى. بى. سى2»، لا يخلو الأمر من التشكيك فى عذرية السيدة مريم العذراء من وقت للآخر مثلما حدث فى حلقة أذاعتها قناة البى بى سى 1 عام 2002 شككت خلالها فى معجزة ولادة المسيح ووضعت من خلال فيلم أذاعته وتناقش الضيوف حوله عدة افتراضات أخرى لكيفية حمل السيدة العذراء التى كانت تعامل ابنها المسيح بعدم احترام. كما أذاعت القناة الرابعة بنيوزيلاندا حلقة كارتونية ساخرة، إنتاج أمريكى بعنوان «بلودى مارى» أو «مريم الملطخة بالدماء»، والتى سخرت فيها من معجزات الشفاء التى يقول بابا الفاتيكان إن العذراء تصنعها من خلال مشاهد وألفاظ صنفت على أنها للكبار فقط، مما أثار غضب المطارنة الكاثوليك الذين طالبوا نصف المليون كاثوليكى الذين يعيشون فى نيوزيلاندا بمقاطعة القناة الرابعة و أختها قناة «تى فى3» التى عرضت هذه الحلقة فى الوقت الذى قدمت فيه اعتذاراً لعرضها الرسوم الدنماركية المسيئة لرسول الإسلام (4).

الجمعة، 5 أكتوبر 2012

حرية.."التعبير المراوغ"


حرية.."التعبير المراوغ"



بينت أحداث الإساءات المتكررة والمتواصلة لشخص رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - مدى تناقضات الغرب وبلادته، وكراهيته للإسلام التي عبر عنها الرئيس الفرنسي نيكولاى ساركوزي بالقول إن: المبالغة في الكاريكاتير مطلوبة أكثر من المبالغة في الرقابة، وهو الذي منع تداول كتاب يتحدث عن حياته البائسة، كما مارس ضغوطاً لنزع ملصقات من محطات المترو تتناوله شخصياً.

وواقع الأمر أن الرجل هنا يستخدم حقه كمواطن فرنسي في الأساس لأن القانون الفرنسي يمنع التعرض للحياة الشخصية للأفراد، ولكن عندما يتعلق الأمر بالإسلام، يحول ذلك إلى (حرية التعبير) دون تفريق بين الحرية والعدوان.

وتأسيساً على مبدأ احترام الحرية الشخصية تراجعت النمسا عن عرض صور لقادة غربيين تناولهم رسامون بالنقد والتجريح، حيث استجابت اللجنة النمساوية المشرفة على أعمال الفنانين الأوروبيين، لطلب حكومة نمسا، والداعي لإزالة جميع الملصقات التي وصفَتها باللاأخلاقية، والتي تم توزيعها على الأماكن المخصصة للإعلانات في الشوارع الرئيسية والساحات العامة، وتضم صوراً فاضحة لبوش وساركوزي، وقد شمل هذا الإجراء إزالة ثلاث لوحات مثيرة للجدل، وأثارت ما وصف في بعض وسائل الإعلام بحملة من الاستياء والاستنكار في مختلف الأوساط السياسية والحزبية والرأي العام، ليس في النمسا فحسب، بل وفي غالبية عواصم دول الاتحاد الأوروبي، ولم توصف تلك اللوحات بأنها تعبير عن الحرية، وحقوق الإنسان، وعدم تقيد الفن بأي قيود أخلاقية بل أعتُبِرَ ذلك إسفافاً وانحطاطاً للفن، واختفى مضمون وجوهر حرية التعبير، ذلك المعنى والمفهوم المراوغ.

ولقد أثار رسم كاريكاتوري جاء على غلاف مجلة (نيويوركر) الأمريكية  ضجة كبيرة في الولايات المتحدة، بعدما صوّر الرئيس الأمريكى باراك أوباما في زيّ إسلامي، بينما ظهرت زوجته على شكل إرهابية تحمل رشاشاً.

أما في إسبانيا فقد أدانت المحكمة العليا كلاً من الرسامين جييرمو توريس ومانيل فونتدفي بتهمة (إهانة ولي العهد)، وأمرت بتغريمهما مبلغ 3000 يورو (4500 دولار) بعد أن نشرا رسوماً كارتونية بصحيفة (الجيفيز الساخرة)، ومصادرة جميع نسخ تلك الصحيفة، بدعوى أن القانون الجنائي الإسباني يحظر أي إهانات موجهة للعائلة الملكية في إسبانيا، كما أكدت المحكمة أنها اتخذت تلك الخطوة بعد تلقيها شكوى من مكتب المدعي العام للدولة وصف فيها تلك الرسوم بأنها: تشهيرية تستوجب العقاب.

كما تم سحب دمية من الأسواق تسخر من بابا الفاتيكان وتقول: الأب والابن والرايخ الثالث، وفيما له اتصال بالبابا فقد اضطرت هيئة رسمية في أمريكا لسحب فيلم فيديو قصير كان يروج لتخفيف حدة الازدحام المروري أثناء زيارة بابا الفاتيكان للعاصمة الأمريكية بعد اعتراضات من الكنيسة الكاثوليكية لوجود لقطات في الفيلم لدمية تمثل البابا اعتبرت مسيئة لكونه (شخصية مقدسة)!!

الغريب في الغرب الحر العادل أنهم يثبتون القداسة لمن لا قداسة لهم من البشر لمجرد أنهم وضعوهم فوق كرسي ديني، ثم بكل حماقة وجهالة ينزعون القداسة ممن قدسه الله عز وجل بأن اصطفاه واختاره وجعله سيداً للبشر - صلى الله عليه وسلم -، بل أن بابا الفاتيكان المقدس لم يحترم مقدسات أهل دين آخر حين تطاول على المسلمين في دينهم وربهم ورسولهم، في محاضرته الشهيرة بألمانيا.

لقد أوهمونا أن حرية التعبير مقدسة مطلقة، ودوخونا في الانتقال بين المربعين، مربع حرية التعبير ومربع الحرية الشخصية، والفرق بينهما واضح؛ فرسم أي شخصية بشكل ساخر مهما كان منصبه أو مكانته هي حرية تعبير، وتصوير الإنسان على أي وضع دون إذن منه بنشر هو اعتداء على حرية شخصية.

يؤيد هذا منع القضاء الفرنسي مجلة "كلوزر" من بيع أو إعادة نشر صور دوقة كامبريدج التي التقطت لها بمنطقة بروفانس في جنوب فرنسا و تظهر فيها عارية الصدر، بدعوى انتهاك الحياة الخاصة لها.

يبارزوننا بانتهاك الحرية الشخصية حين يمس السخرية والتهكم بعض رؤسائهم وشخص البابا بينما يجمدوننا في المربع الأول (حرية التعبير) حين يمس الأمر شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم عند المسلمين من كل شخص عندهم مهما بلغ شأنه.

وتأتى شهادة الفيلسوف الفرنسي الشهير (ريجيس دوبريه) لتؤكد كل ما ذهبنا إليه والتي أدلى بها للمجلة الفرنسية الأسبوعية "لونوفيل أو بسرفاتور" بأن حرية التعبير ليست مطلقة في أوروبا، فالمادة الحادية عشرة من شرعة حقوق الإنسان لعام 1789 (عام الثورة الفرنسية) تنص على أن: لكل مواطن الحق في التعبير عن آرائه بحرية، على ألا تتجاوز الحدود التي نص عليها القانون، ويضيف دوبريه بأن كافة المجتمعات دون استثناء لديها مقدساتها التي تحرم المس بها، وإذا كانت أوروبا رفعت القدسية عن الدين، إلا أنها صبغتها على أشياء أخرى مثل المحرقة اليهودية والطفولة والمساواة بين البشر، وهي تعتبر كل من ينتهكها بمثابة من يدنس المقدسات.

ولا يتبقى إلا النداء الأخير:
أيها الغرب أفق.. فالإسلام الذى تحاربه ليس بعيداً عنك، فهو من زمن بعيد تدرسونه في جامعاتكم، وأصبح الآن يشكل تجمعات كبيرة كجزر واسعة في أراضيكم، بل إن جزءاً من شعوبكم صار مسلماً ويصير، فلا داعى لهذه السخافات التي سحبت من رصيد انبهارنا بكم الكثير، وتزرع العداوة والبغضاء، يامن تصدعون رؤوسنا بدعاوى المحبة والسلام، ومن أسف كنتم مصدر إرهابنا، فمن منا الإرهابي، والمراوغ.