الأربعاء، 8 مايو 2019

مروان محمد.. حروف منثورة في الأدب والنشر..






     تحت سماء المدينة الكونية التاريخية عروس المتوسط "الإسكندرية" نشأ الأديب مروان محمد، وإلى عاصمة الألف مئذنة قاهرة المعز رحل وأقام، ومثلما جمع بين البحر والنهر في حياته، جمع بين الأدب والفن في إبداعه؛ إذ مارس كتابة القصة وعشق السرد الروائي ومال نحو النقد، واحترف الحاسب الآلى معلمًا، ومصممًا للجرافيك والمواقع، ورسام لرسوم الأطفال.

  أصدر عبر مسيرته الأدبية ثلاث روايات: "ثلاث مرات"، و"شارع الست نخلات"، و"حكاية البيت الهابط"، ومجموعتين قصصيتين، هما: "وش القهوة"، و"حكايات لمن يكرهون النوم"، وكتاب "كلام عن الأدب"، ورواية أوشكت على الصدور: "التربة الحمراء..انتقام بأثر رجعي"، ولهذا فقد شارك فى الفعاليات الثقافية لمعرض الكتاب بالإسكندرية عام 2004، ومعرض "فن تشكيلى الرواد" بمركز الإسكندرية للإبداع من العام.

     تحول المبدع الفرد مروان محمد إلى ما يشبه المؤسسة حين قام بإطلاق "دار حروف منثورة للنشر الألكتروني" في مايو 2013 التي تقوم بنشر أعماله وأعمال عدد كبير من الكتَّاب المصريين والعرب، تلك الأعمال التي تغطي كافة الأجناس الأدبية، والفكر الديني والسياسي والعلمي والتنمية البشرية، يتولى كافة شئونها ومهامها بنفسه، من تصميم الأغلفة ونشر الكتب في المواقع المعتبرة، وحققت نجاحًا كبيرًا، واحتلت موقعًا خطيرًا وشهيرًا على خريطة النشر الرقمي. 

    في هذا الحوار سنحاول التعرف على باقي حروف أديبنا المنثورة المنحوتة والمطمورة في ذاته، ليجليها لنا في إجاباته ولفتاته وفلتاته، بعد أن نثر بعضها على درب الأدب والنشر الألكتروني:


ــ أنجبت الإسكندرية عددًا من الروائيين الكبار، في سؤال يبدو تقليدي، هل كان انجذابك لكتابة الرواية تأثرًا بأحدٍ منهم أم من غيرهم؟

ــ الحقيقة أنني لم أبحث يومًا عن بيئة وموطن أي كاتب قرأت له، ولكنني كنت أتفاعل مع الكتاب فقط الذى يقع بين يدي مُهْمِلاً في أي بيئة تكوّن هذا الكاتب ونشأ إلا إذا كان العمل الذي بين يَدي يحمل أصداء لسيرة الكاتب الذاتية فيهمني وقتها أن أعرف عن تاريخ نشأته، وموطنه الأصلي ولكنني أستطيع أن أخبرك أنني تأثرت بعدد من الكتّاب الذين عرفت فيما بعد الموطن الأصلي لعدد منهم مصادفة والبعض الآخر حتى الآن لا أعرف مَنشأه، تأثرتُ بالطبع بالأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد والأديب إبراهيم أصلان والأديب الكبير نجيب محفوظ وأيضًا في صغري تأثرت بالطبع بكتابات نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق ولكن كانت تلك في مرحلة الإعدادية والثانوية فقط، ومن ثَم ابتداءً من الجامعة بدأت أقرأ لمن سلف ذكرهم قبل هذين الاسمين وغيرهم.

ــ لماذا لجأت لاستخدام الرمز في روايتك القصيرة "حكاية البيت الهابط"، وليس هناك قيد على التعبير، والرمز يلجأ إليه الكاتب في زمن المنع؟

ــ لأننا بالفعل نحيا في زمن المنع فنلجأ للرمز هذا مما لا شك فيه وأيضًا أنا أحب القصص الرمزية بصرف النظر عن كوننا في زمن المنع، وذلك لأنها تفتح أمام القارىء باب تأويل الرموز التي استخدمها الكاتب في نصه الأدبي وكأنه يحاول إشراك القارئ في عملية صياغة وصناعة ذلك العمل الأدبي، يدعوه لأن يفكر فيه ويجيب معه عمَّا تحمل تلك الرموز من دلالات وكيف يراها؟ وهل تتفق رؤىَ الكاتب في الدلالة التي يحملها كل رمز مع ما ذهب إليه القارئ أما أن القارىء خرج بتأويل مختلف لكل الدلالات الرمزية للنص؟

ــ في نفس الرواية تركت الحل في تصعيدك الدرامي بيد امرأة، أيأتي هذا انعكاسًا لثورتك على الرجال، أو لتحريض المرأة على الثورة، أو اعترافًا بدورها كحارس للحياة؟

ــ لَستُ من أنصار الحركة النسائية ولاتعنيني في شيء بل على العكس أراها تأخذ صورة سلبية فى مجتمعاتنا العربية وهى محل رفض شخصي ــ بالنسبة لي على الأقل ــ ولا أتصور نفسي أحد ممن يزعمون أنهم من أبواق حماة الدفاع عن حقوق المرأة، ولكن اختياري للمرأة رمزًا للتصعيد الثوري يأتي في كونها ــ في الزمن الراهن ــ هي التي بيديها مقاليد الأمور في تنشئة الأسرة الصغيرة، كما أنها التي تضطلع بدور تربية الأبناء، وبالتالي هى الأقدر ــ في الفترة الراهنة ــ على إخراج جيل حر يستطيع أن يقف في وجه المظالم وهي في نفس الوقت القادرة على أن تربي جيل خانع مستسلم, لم يعد دور الأب فى المجتمعات الراهنة ذو أثر كبير فى تربية الأطفال بقدر ما هي الأم إن لم ينعدم دور الأب فى كثير من الأحيان وبالتالي فالراهن كله على المرأة، إذا استطعنا أن نعد فتاة اليوم بالشكل الملائم والمأمول فمن الممكن أن تخرج لنا فى المستقبل أجيال قادرة على إحداث تغيير، وليس الرهان على الصبي بقدر ما هو على الفتاة وذلك يتعلق بالظروف الاجتماعية التي يحياها مجتمعنا المصري على وجه الخصوص.

 ــ على الرغم من إبداعاتك في عالم الرواية والقصة إلا أن يد النقد أبت أن تمد يدها إليك.. هل هذا قصور منك أم من النقاد؟  

ــ ما سأقوله لا يدخل في باب التواضع أو تصنع التواضع ولكنه يدخل في باب الحقيقة كما أراها؛ فلا أتصور أن ما أكتبه يمثل إبداع حقيقي أو مثير للجدل بحيث يدفع الآخرين لتناول أعمالي بالنقد الأدبي ولا أتصور نفسى معروفًا في الوسط الأدبي بالشكل الكافي التي تجعل الآخرين يتناولون أعمالي بالنقد ولكن أرحب بنقد أعمالي على كل حال ولكن هناك فئة من النقاد الحقيقة لا أقيم لهم وزنًا ولا أعتبر أن ما يهدرونه من حبر على ورق يعتبر نقد ولكنه من قبيل الفذلكة الكذابة التي لا تفيد الكاتب بشيء، وأعتبر أن كثير من النقاد نتيجة لفشلهم في كتابة أعمال أدبية ناجحة غير مملة اتجهوا لكتابة النقد الطلسمي من أجل تعويض الفاقد والانتقام من الكتّاب، لربما تكون هذه نظرة مجحفة متغطرسة متعالية ربما سيراها البعض كذلك، ولكنني ــ للحق ــ قرأتُ عددًا من الكتب النقدية ولم أفهم منها حرفًا وقد أدركت بعد عدة قراءات أن عدم فهمي لِمَا يكتبون ليس لِرُقِيِّهِ أو علوٍ في المستوى بقدر ما هو تعبير عن النقص والفقد والرغبة في كتابة لغة طلسمية غير مفهومة حتى بالنسبة لهم وأكثر من أهتم بنقدهم فى أعمالى ــ إن وجد ــ  هم الكتّاب مثلى؛ فهم أقدر الناس على نقد الأعمال الأدبية وتشريح النص لأنك تتعامل مع شخص متمكن من الأدوات ومارسها ونجح فى ممارستها وهذا هو الأهم، مثل مقاليين نقديين للكاتب السوري علاء الدين حسو بخصوص روايتين من إنتاجى، وهما: "حكاية البيت الهابط" ورواية "ثلاث مرات"، حقًا استمتعت بنقده الأدبي كثيرًا.

ــ زخرت المكتبة العربية بالدراسات المنهجية حول بداية واستهلال النص الروائي، من خلال كتاباتك لثلاثة نصوص روائية كيف تصف لنا الفاتحة النصية الخاصة بك؟


ــ وفق تصوري الشخصي وقد أكون مخطئًا أنني لا أرى في أعمالي أني أتبع هذا النمط من الكتابة وهو مفتتح العمل الأدبي أو النص الاستهلالي الذى يكون بمثابة مقدمة وتمهيد للعمل؛ فأنا أضع القارئ في قلب الحدث مباشرة منذ الصفحة الأولى ومن ثم مع تسلسل الأحداث وتداعياتها يستطيع أن يكتشف لوحة "البَازِل" التي أتركها مبعثرة أمامه وأكون بمثابة المعاون له على قدر تصوري فى أن يجمع تفاصيل الصورة أمامه حتى تكتمل ولا أعتمد لأعمالي نهايات تأتي بالحل بعد العقدة  الدرامية ولكنى أفضل أن أنهي العمل في منتصف الطريق بهدوء تاركًا مساحة للقارىء أن يستكمل الباقي أو يختار خياري ويترك النهاية بلا نهاية، مثل: "رواية ثلاث مرات".. فأتصور أنى أقحمت القارىء فى الأحداث التي بدت أنها جارية وهو قد أتى بعد أن فاته الربع الأول من الفيلم ليستكمل باقي الفيلم، ومن ثم أنهيت العمل بدون نهاية،  وتعد من النهايات الخاتمة باعتبار أنه يكفي القارىء هذا القدر من الأحداث لهذه الشخصيات التي ستتركها وهي ما تزال جارية كما دخلتها أول مرة بينما كانت تحدث وحضرت شوطًا منها، ثم تركتها لتكمل أشواطًا أخرى كما هي الحياة، ولكن هذا لا يعنى أنني أرفض هذا النوع من الكتابة الأدبية ولكنني لم أمارسه بعد، ربما سيكون جليًا في روايتي القادمة "التربة الحمراء" التي أعدها للنشر فهي تحمل بدايات تعتبر نص استهلالى ومن ثم نهاية خاتمة للعقدة ومن ثم الحل أحب أن أجرب كل الأشكال الأدبية.

ــ في روايتك "شارع الست نخلات" التي استغرق زمن كتابتها سنوات طوال، تعاملت مع الشيئية فجعلت الشارع هو البطل/الوعاء الذي يجمع الحكايات العشر المتنوعة لشخوصها، وأعتقد أنها كانت تقنية فريدة في إبداعكم، حدثنا عن تلك النقلة وأسبابها؟ 

ــ هي ليست بالتقنية الفريدة، والحقيقة أنها ليست من إبداعي ولكن يمكن أن تقول أنني أعجبت بالفكرة من أعمال سبق وأن قرأتها وقررت أن أمارسها أنا فيما بعد؛ فقد فعلها من قبل إبراهيم أصلان فى روايته "وردية ليل" وهي عبارة عن مجموعة قصصية لا اتصال بين أحداثها والرابط بينها هو شخص واحد يتكرر فى حكايات المجموعة القصصية التي شكلت في نفس الوقت رواية محورها هذا الشخص، ولكن طبيعة الأحداث بين كل قصة وأخرى منفصلة فكأنه أراد أن يقول لقد جمعت بين شكلي من أشكال الكتابة النثرية القصص القصيرة في قالب روائي وهكذا فعلت، أنا جعلت القالب للعمل روائى ولكن فى مضمونه قصص متنوعة بينها اتصال وانقطاع وتقاطع في بعض النقاط والأحداث وانفصال وكان البطل المحوري فيها الشارع  وذلك أحيله لحبي للمكان وتاريخية أى مكان.

ــ في قصتك القصيرة "وش القهوة" وضعت البطل أمام ثلاثة قرارات، وفي روايتك  ثلاث مرات رواية، طرحت نفس الفكرة مقسومة على أبطال ثلاثة، هل هذا من باب التجريب، أو تطوير القصة إلى رواية؟ 


ــ اقتربت كثيرًا فعلاً مما كنت استطبنه بدواخلي أثناء كتابة هذه القصة، هي فعلاً نوع من التجريب الذى أحببت أن أنقله من نطاق الرواية إلى نطاق القصة القصيرة، وكنت أتساءل هل ستنجح فعلاً؟ هل هو تكنيك يصلح للرواية والقصة القصيرة معًا أم لا؟ ولم أهتم بالإجابة عن تساؤل آخر، وهل نجحت فعلاً؟ لا أعرف.. وأترك ذلك للقارىء، إلا أنني وقت كتابة هذه القصة كنت لازلت تحت تأثير رواية ثلاث مرات فبالتالى خَرَجَتْ كأنها صورة مصغرة من الرواية.

ــ درس الراحل القدير نجيب محفوظ الفلسفة، ودرست أنت علم الاجتماع، هل تترك دراسة المبدع ظلالًا على إبداعه، أم للكتابة تقنيات أخرى؟

ــ هذه هى المرة الأولى التي أعرف فيها أن نجيب محفوظ درس الفلسفة وهذا قصور منى بالطبع ولكن شكراً أولًا على المعلومة، وللإجابة عن سؤالك الرائع, نعم أعتقد أنها تترك بصمات بشكل ما ولو بطريق غير مباشر على العمل الأدبي؛ فسؤالك ذكرني برواية لنجيب محفوظ اسمها "رحلة ابن فطومة" تقريبًا، كنت أراه يتلمس فيها بعض النواحي الفلسفية ــ ولو أنها كانت طفيفة جدًا ــ  ولكنها كانت تتجلى لي في بعض المواطن وأيضًا رواية "الخيميائى" أو "ساحر الصحراء" لباولو كويلو فهي في الأساس تعتمد على الفكر اللاهوتي المسيحي المتصوف الذي درسه وتعمق فيه الكاتب البرازيلي؛ فبالتأكيد الدراسة تترك آثارها على العمل الأدبي ولكن هل حدث ذلك معى في أي من أعمالي السابقة, الحقيقة لا أستطيع الحكم على نفسي ولكن ــ ربما ــ  تجد لدراستى لعلم الاجتماع  أثر ما في روايتى القادمة "التربة الحمراء".

ــ بل الشكر مني لك على سعة صدرك .. في ملاحظة شكلية.. جَمَعَتْ عناوين إبداعكم كلمات متشابهة وأرقام: "حكاية، حكايات، ثلاث، ست"، بما يمكن تفسيره انحيازكم للرقم مهنيًا، وللحكي هواية، وجمعتهما اهتمامًا بهما في النشر الرقمي.. توضيح أكثر؟

ــ ضحكت وأنا أقرأ هذا السؤال وكأن نفسي التي تسألني, لماذا حقًا أفعل ذلك, لماذا أعمالي السابقة كلها تعتمد إما على الأرقام أو على لفظة الحكي بمختلف مشتقاتها؟ الحقيقة لا أعرف، هل هو ولع عندي بالأرقام؟ بالتأكيد لا .. فأنا لست محبًا للرياضيات الحقيقة! وبهذه المناسبة ضبطتُ نفسي متلبسًا بأنني كنت أنوى تسمية روايتي "التربة الحمراء" قبل أن أسميها بهذا الاس، باسم: "اثنى عشر رجلًا"، و لكني عدلت عن ذلك وقررت تسميتها التربة الحمراء، لَمَّا ضبطتُ نفسي متلبسًا بهذه المتلازمة الغريبة وهو جنوحى لعنونة أعمالي بالأرقام والحقيقة لا أعرف ما هو السر في أننى كررت ذلك لعدة مرات.

ــ وأنت تحدد معايير ومواصفات الكاتب في القرن الحادي والعشرين لم تخرج عن آليات المذهب الواقعي الذي ظلت الرواية العربية وفية له ومشدودة إليه، كما خرجت على تعريف الرواية بأنها جنس أدبي خيالي، حين اعترضت على الخيال، فما قولك؟

ــ أعتقد أن البعض أساء فهم هذا المقال تحديدًا فأنا لا أعترض على الخيال, إن لم يكن للكاتب خيال جامح فيما يكتب أو خيال خصب وليس جامح لأنها تبدو كلمة سلبية بعض الشيء فكيف سيكتب؟! القضية بالنسبة لي لا تتعلق بأن الخيال يمثل لي مشكلة فروايتى "شارع الست نخلات" تعتمد بنسبة 100% على الخيال فقط وليس أيًا منها له صدى واقعى! من المؤكد أنها مخزون لحكايات قرأتها وخبرتها بنفسي ولكن عند صياغتها لم أستدعى تلك الحكايات فقد كنت أراها نابعة من خيالى فقط ..هنا يأتى السؤال: هل يكفى للكاتب أن يعتمد نمط الخيال وحده فقط لكتابة كافة أعماله, هل هذا مقبولاً الآن فى هذا القرن الحادى والعشرين؟ في تصورى الشخصى وقد أكون مخطئًا فى ذلك، أنه لم يعد يكفى أن تبهرني كقارىء بخيالك فقط مهما كان خصبًا، لأنه كلما تقدم عمر الكتابة في تاريخ الإنسانية، أصبحت مهمة الإبحار بالخيال وحده مسألة صعبة جدًا، وتعد بالنسبة لي مغامرة لا يحمد عواقبها، ولكن يجب أن ندعم الخيال بشيء من الواقعية.. بشيء من المعلوماتية وإذا جاز لى تسمية هذا الأمر بـ "الرواية المعلوماتية".

 ــ وإذا أتيت بعمل من غير أعمالك مثالًا وتطبيقًا لما تقول؟

ــ ستجد ذلك مثلًا حيًا فى رواية "النبطى" للدكتور يوسف زيدان؛ فهذه الرواية خير مثال على ما ذهبت فيه فى هذا المقال من رأي، أن الخيال لم يعد كافيًا للقيام بعمل جيد مبهر يحدث ضجة, فلو حاولت انتزاع أحداث رواية النبطى من سياقها التاريخي قد تبدو عادية مملة غير خصبة على الإطلاق، إذن ما الذى أعطى هذه الرواية كما أراها أنا كل هذا الزخم والأهمية والذى أتصور أنها واحدة من الروايات العظيمة التي تستحق التخليد في تراثنا الأدبى العربى؟ هو السياق التاريخى الذى وضعنا فيه الكاتب؛ فقد تناول حقبة زمنية ــ في تصوري ــ لم يسبقه فيها كاتب ـعلى قدر علمى وهذا فى حد ذاته مخاطرة كبيرة جدًا من الكاتب تستلزم منه جهودًا مضنية للإلمام بظروف ذلك العصر من كل جوانبه الاجتماعية والعادات والتقاليد والطراز المعمارى والملبس والمأكل والمشرب والمعتقد وشكل القرى وقتها وأيضَا الفوارق بين المذاهب إلى هذه الدقة وصل الكاتب فى عمله؟  نعم, لقد فعل وكأنه ركب آلة الزمن بالفعل وارتحل بها إلى ذلك العصر وعاش بين أهله لفترة من الزمن يستقصي أخبارهم، ثم عاد إلى الحاضر ليقص علينا طرفًا مما رأى وبالأخص خط سير ارتحال العرب الأنباط من مصر إلى موطنهم, شيء مذهل وإلمام دقيق جدًا بالتفاصيل، مع قدرة رائعة على تصوير سينمائي عالى الجودة والدقة والاحتراف.

   لم يعتمد زيدان على الخيال فى روايته وإنما اعتمد على دراسة عميقة دقيقة جدًا لأجواء ذلك العصر ومن ثم صاغه بأسلوب أدبى مشهدي رائع، أليس هذا في حد ذاته إبداعًا؟! أليس من الإجحاف حصر الإبداع في  خيال المؤلف الخصب وحسب؟! 

ــ أتيت في مقالتك النقدية الانطباعية المذكورة بمثال غير عربي؟

ــ نعم، بالنظر إلى أعمال دان بروان فى "ملائكة وشياطين" و "الرمز المفقود" و "شيفرة دافنشي",  لم يختلق براون أو يصطنع الحقائق التى أوردها في أعماله؛ فكلها حقيقية، حتى الأماكن التي أتى على ذكرها في أعماله كلها حقيقية ولكن على الرغم من كونها حقيقية بدت لنا كحقيقة أغرب من الخيال، فقد صاغ كل ذلك في إطار أدبي رائع, أليس هذا إبداع في حد ذاته؟! أعتقد أن ما كان يفعله عبد الحليم عبد الله ويوسف أدريس ويوسف السباعى من إطلاق العنان لخيالهم لصياغة أعمالهم الأدبية لم يعد مقبولًا اليوم بالشكل الذي نتصوره، فنحن أمام قارىء مختلف إختلاف كلي عن قارىء الأمس, قارىء اليوم نتيجة لوسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا يستطيع أن يحصد يوميًا مئات بل آلاف المعلومات الحقيقية الشيقة التى هى ممتعة أكثر من خيال كثير من المؤلفين إذن أنا أتعامل اليوم مع قارىء مختلف توسعت وتمددت مداركه وتحصيله المعلوماتي عن قارىء الأمس أضعاف مضاعفة فهل أواكب هذا التطور المذهل في عقلية القارىء أم أبقى أسير نهج الأولين الذى لا أعيب عليه ولكن ــ كما قلت ــ  لم يعد يكفى أن نتسلح به فقط ومن ثم نجلس ننتظر النتائج.

ــ صرحت في إحدى أحاديثك الصحفية أن الأدب المطبوع لم يصنع نجومًا، فهل صنع النشر الرقمي نجومه؟ وهل أنت مع من يرى أن الكتاب المطبوع سيختفي خلال الثلاثين عامًا القادمة؟

ــ هذا السؤال يحتوى بداخله عدة أسئلة تحتاج إلى إجابات كثيرة  وقد تبدو منفصلة ولكنها فى النهاية تتصل كلها ببعضها البعض، فدعنا نبدأ أولًا: هل صنع الأدب المطبوع نجومًا، وهل فعل ذلك فعلاً؟ هل في الحراك الأدبي الحالي ما يمكن أن نطلق عليهم نجوم الأدب الورقي؟ من الإجحاف لو جزمت بعدمية هذا الأمر، هناك واحد أو اثنين دعنا نقول أربعة أسماء يعرفها الجميع، وهم: أحمد مراد، علاء الأسواني، يوسف زيدان، أحمد خالد توفيق، هل من اسماء أخرى تحولوا إلى نجوم فى عالم الأدب الورقى؟ لا أعتقد، هل بزوغ نجم أربعة أسماء يعد علامة تستحق أن نقول أن فى الوقت الراهن استطاع الكتاب الورقى أن يصنع نجومه؟ لا يمكن أن نتخذ منهم مقياسًا أو مؤشر لأن مقارنة بالحقبة الناصرية يمكنى أن أعد لك العديد والعديد من الأسماء، هل هناك نجوم فى عالم الأدب مطمسون إعلاميًا؟ نعم بلا شك، مثل: إبراهيم عبد المجيد، إبراهيم أصلان على سبيل المثال لا الحصر.

   ولكن ماذا عن الجيل الحالى لا يمكن أن تعد من جيل الشباب من بزغ نجمه سوى أحمد مراد فقط والذى هو أيضًا محل خلاف في الوسط الأدبي، إذن ماذا عن النشر الإلكترونى هل حقق النجومية الأدبية لأى من الكتّاب؟ الحقيقة أنه حتى الآن لم يحقق النجومية بالمعنى المتعارف عليه مثل ما حازه توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ ولكن ببعض النجومية من خلال العالم الافتراضي، نعم يمكن أن تقول ذلك،على سبيل المثال لا الحصر هناك كاتبة عامية ساخرة اسمها: "هند عبد الله" الشهيرة بـ "نور مانجا" استطاعت أن تحقق مجد أدبي كبير جدًا على مستوى النشر الإلكتروني لا أتصور أنها حققت ولو جزء بسيط منه على مستوى النشر الورقي وهذا ليس لعيب فيها ولكن العيب فى ظروف النشر الورقي، وأما بالنسبة للشق الثالث من السؤال هل سيختفي النشر الورقي بعد ثلاثين عامًا من الآن؟ أتصور أنه قبل ذلك بكثير، أنا أراهن على خمس سنوات فقط فى مصر والعالم العربي فقط وليس فى العالم الغربي، لماذا؟ 

   هذا سؤال مهم جداً وقد يطول وقت الإجابة عليه، ولكن في عجالة سريعة لأن النشر الورقي فى مصر متهم بالنصب والاحتيال على الكاتب وغلو أسعار الكتب الورقية بالنسبة لمتوسط دخل المواطن المصري العادي بالإضافة إلى أن كل الكتاب  الأسماء لا تتجاوز عدد أصابع اليدين هم فقط من يحصلون على حقوقهم المادية وأولئك ليسوا بالكثير، إذن ما هو حال البقية؟ لا حَظ مادي لهم، إذن فهم يبحثون فقط عن المردود المعنوي، من القادر الآن على تحقيق المردود المعنوي الأكبر للكاتب الكتاب الورقي أم الإلكتروني؟ الإلكترونى وبلا منازع، فمن أين هذه الثقة المفرطة التى أتحدث بها، دعنا نتحدث بلغة الأرقام التى أكرهها ولكن أحبها فى هذه المواضع تحديدًا، دور النشر المحترمة فقط هي من تكون طبعتها ألف نسخة وبنسبة كبيرة لا تتجاوز الخمسمائة نسخة فقط، كم قارئ سيقرأها؟ 

نفترض أن من سيقرأ الخمسمائة نسخة عشرة أشخاص لكل نسخة، إذًا كم قارئ قرأ هذا الكتاب الورقي؟ خمسة الآف شخص فقط على أقصى تقدير ولو كانت الطبعة ألف نسخة فهم عشرة الآف شخص، كم يحقق الكتاب الإلكترونى مثلًا من خلال دار حروف منثورة للنشر الإلكتروني الغير معروفة إعلاميًا ولا تنتشر الانتشار الكافي لها على كل شبكة الأنترنت العربية، أقل كتاب في حروف منثورة يحقق ألف مرة تنزيل ويصل إلى أربعة عشر ألف مرة تنزيل وهناك مواقع أخرى التي تعتمد على الكتب الإلكترونية المقرصنة تحقق أكثر من مئة ألف مرة تنزيل!

   ليس فى شهور أو سنوات و لكن فى بعضة أسابيع وأيام، إذن لا مجال للمقارنة بين النشر الورقي في مصر تحديدًا وبين النشر الإلكتروني، لماذا لا يحدث هذا الصراع بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني في الغرب؟ باختصار لانتفاء كافة الأسباب المعوقة للكتاب الورقي والتي تحدث فى مصر من النصب والاحتيال على الكاتب، انتفاء العائد المادي للكاتب من وراء عمله الأدبي، وتناسب سعر الكتاب مع دخل المواطن الغربي، لذلك فلا خطر على الكتاب الورقي من الكتاب الإلكتروني في العالم الغربى ومازالت الكتب هناك تباع ليست ببضعة ألوف ولكن أقلها بمئات الألوف والجيد منها بالملايين! وأيضًا النشر الإلكتروني فى الدول الغربية يشهد ازدهار غير مسبوق بالتزامن والتوازى مع النشر الورقي، وهذا ما تفتقده مصر وبسبب غباء وجشع دور النشر والمكتبات والمطابع واحتيالهم على الكتّاب سيخسر النشر الورق في غضون سنوات قليلة مكانته وستكون السيادة وقتها للنشر الإلكترونى وحده.

ــ هل جنى بالسلب اهتمامك بحروف منثورة للنشر الألكتروني على إبداعك في الرواية أم بالإيجاب؟

ــ بالسلب ولو أمكن القول بأن اهتمامي بالنشر الإلكتروني لم يسلبني الوقت في الاهتمام بالإبداع فى مجال الكتابة والرسم فقط ولكنه سلبني الوقت للاهتمام بشئوني الأسرية والعملية، أتصور أن حروف منثورة على الرغم من حبي الشديد لها تمثل بالنسبة لي داء عظيم ينخر في عظامي ويسلبني حريتي إلى حد كبير مع الأسف.

ــ يرى الكاتب الفلسطيني علي البتيري أن أخطر ما في الأدب الإلكتروني أنه يطرح نفسه دون ضوابط نقدية ودون مقاييس إبداعية كبديل عن الأدب المطبوع، وأن جمهوره من أنصاف المثقفين وأرباع المتذوقين الذين يروجونه ويكيلون لأصحابه المديح.. بماذا يرد مؤسس لدار تنشر هذا الأدب؟

ــ نعم، هذا الجانب موجود وبشكل ملحوظ جدًا في مجال النشر الإلكتروني ولا أختلف معه فى حرف واحد مما يقول ولكنه كمن قال ولا تقربوا الصلاة ثم التزم الصمت! وتغافل عن عمد أو بدون قصد الجوانب الأخرى الإيجابية للنشر الإلكتروني, إن هناك دور نشر إلكترونية غير حروف منثورة مثل دار كتابات جديدة للأستاذ الدكتور جمال الجزيرى تضع ضوابط صارمة للنشر الإلكترونى لقبول العمل، منها: أن يكون الكتاب مدققًا إملائيًا, محرر أدبيًا بشكل جيد ولا تقبل الدار أي أعمال للنشر ولكنها تنتقي مما يرسل إليها ما تراه يصلح للنشر وهذا ما اتجهت إليه حروف منثورة ولكن عن طريق الاستعانة بمتطوعين في مجال التدقيق اللغوي، وربما تختلف مع دار كتابات جديدة في أنها لم تضع نفسها في مكان القيّم على النشر بمعنى أنها لا تتدخل في تقييم الكتاب على المستوى الأدبي إذا كان يصلح للنشر أم لا و يترك هذا الأمر للقارئ ليحدد بنفسه؛ فالقارئ واعٍ ذكي يستطيع أن يفرز الكتابات الجيدة من السيئة ويتلخص دورنا في تدقيق العمل إملائيًا قبل نشره ونترك الحكم على جودة العمل من عدمه للقارئ، فبالتالي رأى الأديب الفاضل لا يحمل الإنصاف لأنه لم يرى الأمر على كل وجوهه.

ــ في حين يتشارك أكثر من واحد في دور النشر الألكتروني الأخرى، نرى أن حروف منثورة يقوم بمهامها واحد فقط .. ألا يؤمن محمد مروان/ المؤسس بفكرة فريق العمل؟

ــ لن أتجمل في الإجابة عن هذا السؤال وسأحاول أن أكون قدر الإمكان صريحًا في الإجابة عن هذا السؤال، الحقيقة أن من آفة ثقافتنا العربية رفضنا لفكرة فريق العمل و حب العمل الفردي وأن يكون المسئول مُمْسِك بكل الخيوط في يديه، هذه آفة أحاول أن أتخلص منها ولكنني لا أدعي أنني بريء منها تمامًا والأهم في الإجابة عن هذا السؤال، إن الجهود التطوعية دائمًا ما يكون نصيبها الفشل والتوقف ومن ثم الطمس والنسيان لأنها جهود تطوعية تدوم لفترة من الوقت مهما طالت ثم تذهب ريحها، أن تجد فريق عمل متطوع يقوم بكل ما تقوم به حروف منثورة من خدمات دون نظير ولكن تطوع فقط هو لأمر وجدته أنا شاق جدًا، وكثيرًا ما اجتمع لديَّ عدد من الأشخاص للتطوع ثم أنفضوا من حولي نتيجة انشغالهم أو عزوفهم عن عمل يضيع وقتهم ولا يدر عليهم أي دخل قائم على الفعل المجاني فقط والسبب الثالث هو أنني أعترف بفشلي الذريع في تكوين فريق عمل من المتطوعين كما فعلت دور نشر إلكترونية أخرى مجانية وأحاول أن أتخطى هذه العقبة ولكنني حتى الأن فشلت فى تخطيها مع الأسف الشديد.

ــ لو قدَّم الروائي والناشر مروان محمد كشف حساب بإنجازاته في إبداعه، وفيما قدمه من خدمة جليلة لفئة عريضة من أصحاب المواهب والتخصصات، والمفكرين، والكتَّاب.. وعما ينوي أن يقدمه مستقبلًا.. ماذا سيكتب فيه؟

ــ هنا فى الإجابة عن هذا السؤال تحديدًا مرة أخرى أحب لغة الأرقام لأنها الأسهل والأقدر على إيضاح أى فكرة وخاصة فيما يتعلق بالإنجازات التي حققتها الدار وبالتالي يمكن أن أجمل لك إنجازات الدار في التالي: كما ورد فى مقدمتكم الرائعة تأسست الدار فى مايو 2013 وأخرجت للنور حتى تاريخه 281 عمل إلكتروني 99% منها ينشر لأول مرة و الـ1% الباقية كانت أعمال ورقية وبناء على رغبة أصحابها قرروا نشرها إلكترونيًا مرة أخرى.

يندرج الـ281 كتاب الذين صدروا حتى الأن تحت 23 تصنيف مختلف, على سبيل المثال: كتب طبية، إسلاميات، روايات، شعر فصحى/عامية، مجموعة قصصية، فلسفة، تاريخ، كتب مقالات الرأي،  أدب الرحلات، ساخر، خواطر، كتب نقد أدبى، نصوص مسرحية ... إلخ.

   قدمنا للقارئ العربي147 كاتب وكاتبة من مختلف أقطار الوطن العربي، أكثرهم من مصر والسعودية واليمن وسوريا وفلسطين والعراق والسودان وتونس والمغرب والجزائر، وصلت أعداد التنزيل منذ إنشاء دار حروف منثورة للنشر الإلكتروني حتى الأن لإجمالي الكتب الصادرة عن الدار إلى 427 ألف مرة تنزيل.

   أما بالنسبة للمشاريع المستقبلية أحاول الأن وأتمنى أن أنجح في ذلك أن أكون فريق عمل خاص بالمرحلة الثانية من مشروع النشر الإلكترونى  وهو مرحلة نشر الكتب الإلكترونية الصوتية بعد نجاح المرحلة الأولى وهي مرحلة نشر الكتب الإلكترونية المقروءة وأصدرنا حتى الآن ثلاث كتب إلكترونية صوتية ولازال المشروع فى بداياته وهذه الكتب الإلكترونية الثلاثة الصوتية تم تحويلها من المقروء من إصدارات الدار إلى الصوتي.

بصدد تخصيص ركن لأدب الطفل وذلك يرجع إلى أهمية هذا الشق المهمل للأسف في عالمنا العربي وخاصة أن أطفال اليوم أصبح جل يومهم يقضونه على الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية مما يستدعي منا تحرك سريع لملء الركن المخصص لأدب الطفل بالكثير من الكتب الإلكترونية التي تهم الطفل وتشغل أوقات استخدامه لهذه الأجهزة في شىء مفيد وبصدد إصدار أول كتاب إلكتروني للأطفال مشفوع برسومات أطفال من رسام أطفال متطوع اسمه "مؤمن توفيق" ولدينا كتب أطفال أخرى بصدد إعدادها للنشر الإلكتروني. 


  من المشاريع الثقافية المستمرة منذ ثلاث سنوات في دار حروف منثورة، هي: "المسابقة الإلكترونية الأدبية لحروف منثورة"، والتي تقام كل عام وفي العام الحالي هي في دورتها الثالثة وقد فتحت المسابقة أبوابها في دورتها الثالثة لاستقبال الأعمال في شهر يناير عام 2015 وأغلق باب استقبال الأعمال في شهر نوفمبر 2015 على أن تعلن نتائج المسابقة فى شهر أبريل 2016، ومن ثم يعاد فتح الباب للمسابقة الأدبية الإلكترونية في عامها الرابع فى الأول من شهر يوليو2016. 


أيضًا بدأنا مشروع جديد بالاشتراك مع دور نشر إلكترونية أخرى لإقامة أول معرض كتاب إلكتروني عربى سيقام في شهر مارس القادم إن شاء الله بمشاركة دار حروف منثورة للنشر الإلكتروني من مصر، ودار كتابات جديدة من مصر، ودار وهج للنشر الإلكترونى من فلسطين، ودار أدباء 2000 من مصر، وسيستضيف موقع دار حروف منثورة للنشر الإلكتروني فعاليات هذا المعرض لمدة عشرة أيام وسيكون لكل دار نشر مشاركة جناح إلكتروني تعرض فيه أعمالها المشاركة في المعرض، ودليل لكل دار بالإضافة إلى فعاليات ثقافية متمثلة في ندوات أدبية وثقافية لمدة عشرة أيام وهي أيام المعرض تدير كل دار ندوتين من هذه الندوات وندوتين باقيتين عامتين، وفى المستقبل البعيد بعض الشيء نريد أن نبدأ في إنجاز المرحلة الثالثة من المشروع الثقافى لدار حروف منثورة للنشر الإلكترونى وهو ترجمة جميع الأعمال الصادرة عن الدار للإنجليزية لتكون متاحة أمام القارئ بالإنجليزية وبالتالى إصدار نسخة إنجليزية من موقع الدار موازية لنسخة الدار العربية ولكن هذا المشروع مؤجل لبعض الوقت لحين نجاح المرحلة الثانية من المشروع وهو تحويل جميع كتب الدار الإلكترونية المقروءة إلى كتب إلكترونية صوتية أو مسموعة.

وأخيراً أحب أن أشكر الأديب اللامع الدكتور السيد إبراهيم أحمد على هذا الحوار الرائع ولا أجامل أو أبالغ إذا قلت أن هذا الحوار هو من أمتع اللقاءات الحوارية التى وجهت إلى وأدهشنى إحاطة الأديب اللامع بجوانب كثيرة، فكانت الأسئلة أكثر من رائعة وتَنُم عن دراسة مشكورة منه لكل تلك الجوانب والتمعن فيها قبل إجراء هذا الحوار الشيق فبالنسبة لي هذا الحوار من أفضل اللقاءات الحوارية التى وجهت إليَّ، فجزيل الشكر لك يا دكتور السيد إبراهيم أحمد.

     بدوري أتقدم بخالص الشكر الجزيل للروائي الكبير الأستاذ مروان محمد لما قدمه للمكتبة العربية من إبداعه الذي يقف وراءه فكر وبحث وتجريب، ولما قدمه من إضافة ثرية للمكتبة العربية والإسلامية من إبداع غيره من أجيال مختلفة الأعمار والمشارب والبلدان، فنم هذا عن نظرة شمولية كلية واعية للدين والعلم والأدب والفن. 

الخميس، 2 مايو 2019

الثورة والشباب في كتابات الدكتورة رانيا الوردي..



 
   تشكل الدكتورة رانيا مصطفى الوردي جسرا ثقافيا هاما بين الثقافة العربية والثقافة الغربية وخاصة الألمانية بوصفها أستاذ مساعد الأدب الألمانى بكلية التربية بجامعة عين شمس المصرية، وعضو الهيئة الاستشارية العلمية لهيئة إنست الدولية بفيينا، وهي الهيئة الداعمة للحوار الثقافى القومي والعابر للقومية، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للكاتب النمساوي "يورا صويفر" بفيينا، ورئيس منتدى الحوار العربي الأوروبي باتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب.   

   لا تدعو الدكتورة إلى الثورة كوسيلة من وسائل التغيير الذي ينتهي غالبا بإسالة الدماء والنموذج الماثل أمامها في الثورة الفرنسية، وفي الاشتراكيين الثوريين الذين تناولتهم من خلال مقالها: "الاشتراكى الثورى فى أدب التحولات الثورى .. مفجرًا للثورات الدموية أم للثورات الصناعية؟" وهي تقدم من خلاله النموذج السلبي للأدب الألماني، والذي يتمثل في  الإشتراكيين الثوريين، الذين ساهموا بأفعالهم وأفكارهم فى دعم قيام الثورة الدموية، التى أطاحت بأحلام الفقراء والمهمشين فى حياه إنسانية كريمة، على الرغم أن ذلك كان يتناقض مع ما تصبو إليه القيادة الثوريه الإشتراكية من تحسين أحوال وأوضاع الفئات الفقيرة والمهمشه. ولقد قدم الكاتب الألماني بيتر فايس من خلال مسرحيته: "مار دي صاد" التي ما زالت مصدر إلهام المسرحيين في كل بلاد الدنيا التي تمر بنفس الفترة التاريخية التي تتبناها المسرحية،  وترى الوردي أن فشل القيادة الثورية داخل هذا النص يرجع فى الأساس إلى الميل لاستخدام العنف كوسيلة لفرض الرأي.
 ولمَّا كانت الثورة والشباب قرينان جاء اهتمام رانيا الوردي أكاديميا بهما معا بالدرجة الأولى؛ فقد جاءت رسالة الدكتوراه الخاصة بها حول "النموذج الفكري للتحول في مرحلة ما قبل الطفرات الاقتصادية والتحولات السياسية في ألمانيا"، وكان من رموز تلك المرحلة بل ومن أهم إنجازاتها الفكرية الداعمة لتصحيح المسار الثوري والمتخذة أنموذج يقتدي بها الشباب العربي هو الكاتب النمساوى الثائر "يورا صويفر" الذى ولد فى الثامن من شهر ديسمبر عام1912م فى "كاركو" الروسية ثم هربت عائلته عبر اسطنبول لتستقر في فيينا، غير أنه لقى مصرعه  فى السادس عشر من فبراير عام 1939م وهو لم يتجاوز عامه السادس والعشرين فى معسكر اعتقال “بوخنفالد" الذي أسسته النازية قرب مدينة فايمار شرق ألمانيا للمعارضين من أنحاء أوروبا.
     ولقد ترك صويفر ميراثًا أدبيًا يوضح كيفية التحول السلمي لمجتمع الحداثة، ترجمت الدكتورة رانيا بعضا منه، مثل قصيدته "أنشوده الإنسان البسيط" التي تنادي بضرورة أن تثور البشرية ضد نفسها لكى تستعيد بصيرتها وتتحرك بوجه مؤمن نحو رأس العام الجديد حتى يمكن ميلاد عام جديد أيضا، وهو ما يعني أن القصيدة  كانت وما زالت دعوة للسلام من قريحة شاب ثائر عاش في زمن احتدمت فيه الثورات في دلالة على أن صويفر كان داعيا للسلام فى أعماله الأدبية بالمناداة بالثورات الإصلاحية الداعمة لثقافة السلام والمعززة لإعادة بناء الإنسان والمجتمع، وهو ما يأتي اتساقا مع إيمان الدكتورة الوردي بدور الثورات الإصلاحية الهام الذي يمكن أن تلعبه في أي مدى زمنى قصيرًا أو طويلا ومردوده الإنساني والمجتمعي.

    تتسم الثورات الإصلاحية بالبعد عن الفوضى والدموية والتخريب، وقد عرفته عديد من الدول ومنها اليابان في القرن التاسع عشر أو ما يعرف بـ "الميجي أشن"، وعرفتها بريطانيا فيما يعرف بالثورة المجيدة أو الثورة البيضاء التي قادها البرلمانيون ضد الملك جيمس الثاني عام 1688م، ولهذا تراها "الوردي" هي الثورة المطلوبة لواقعنا العربي المعاصر التي تتبناها في كتاباتها وحواراتها خاصة أنها قد رأت كيف أظهر أدباء مرحلة ما قبل الطفرات الاقتصادية والتحولات السياسية للدول الناطقة بالألمانية الدور المحوري للشباب في إعادة بناء مجتمعاتهم، وقد تجلى هذا في مسرحية "التحول" للكاتب الألماني والسياسي الثائر "أرنست تولر" الذي أوضح من خلالها أهمية دور الشباب في القيام بثورات تربوية تعليمية يستطيعون من خلالها تحريك المشاعر الإنسانية والقدرات الفكرية لدى أفراد المجتمع الذين اغتالهم توحش الفكر الرأسمالي، كما تناول الكاتب الألماني الآخر "أرش كستنر" الدور القيادي للشباب في إعادة بناء السياسة والصناعة والتجارة التي أفشلتها أجيال الاباء وذلك من خلال مسرحيته "حكاية واعظ"، غير أن الكاتب النمساوى "يورا صويفر" قد سلط الضوء على دور الشباب في إحداث ثورات صناعية مرتكزة على ثورة علمية وأخرى تكنولوجية تحمي مجتمعهم من الانهيار والفقر والجوع. 
  
     ولقد اقترحت وطبقت الدكتورة رانيا الوردي قبل اندلاع ثورة الربيع المصري مشروعًا يدعم الأمل لدى الشباب في إمكانية العبور للمستقبل، كما اقترحت فكرة إنشاء مكتبة سياسية في الجامعات المصرية لدعم التربية السياسة لشباب الجامعات باعتبارها مدخلا رئيسيا لدعم التحول الديمقراطي.

   تشرح الدكتورة رانيا الوردي في مقالها: "ثوره ميدان التحرير وثورات ميادين الحياة" رؤيتها لثورة 25 يناير وتقييمها لها في إطار مفهومها للثورة الإصلاحية التي تؤمن بقيمها وأهدافها ودورها، حيث ترى ضرورة البناء على هذا الحدث، أي ثورة يناير،  وإعادة تقييمه بما له وما عليه، بما يمكننا في النهاية من توظيفه بما يخدم عملية إعاده بناء الإنسان وإعاده بناء المجتمع معا، كما ترى أنه لا أحد يستطيع التشكيك في كون هذه الثورة ثورة جماهيرية قادها الشباب، ودعمها فئات المجتمع المختلفة، بل دعمها وحماها الجيش المصري بنفسه مما جعل منها حدثا تاريخيا متفردا في تاريخ العصر الحديث، وقفت كافة الدول والشعوب أمامه بالتقدير والإجلال لتوافق الجميع بما فيهم الجيش نفسه على السلام حتى مع إحداث التغيرات الجذرية فى المجتمع، التي ستعمل على نقل المجتمع بالتدريج من الدولة العسكرية إلى الدولة المدنية الحديثة.

     ترى الدكتورة رانيا أنه على الرغم من إيجابيات تلك الثورة إلا أنها لم تستطع تحقيق أهدافها المرجوة، وذلك لغياب الفكر الثوري الإصلاحي وغياب القياده الثورية المحنكة القادرة على إدارة الثورة، ولهذا لم تتطور ثورة ميدان التحرير، كما تسميها، لتصبح ثورات إصلاحية عديدة فى ميادين الحياة على الرغم من صدق نوايا شباب التحرير، إلا أنها لم تفرز رموزًا ثورية قائدة تنشد وتنشر الإصلاح في ميدان النفس البشرية مما يجعلها قادرة على قيادة ثورة ضد نفسها عبر رموز ثورية من المصلحين الذين يستطيعون تفجير الثورة داخل النفس البشرية لتصنع ثورات أخلاقية، أو تتطور حتى تصبح ثورة إصلاحية في ميدان الصناعة تنبثق منها ثورة صناعية تقوم على ثورات علمية وأخرى تكنولوجية على أن يتم هذا بسواعد الطبقات العمالية التي تقودها عقول عمالية مستنيرة.
   كانت رانيا الوردي ترغب أن تصل ثورة التحرير الإصلاحية إلى  ميدان البحث العلمي فينبثق عنها ثورات علمية داعمة للثورات الصناعية، ولا تنطفئ جذوتها حتى تصل إلى ميدان السياسة ليخرج عنها أحزابًا سياسية منطلقة من الأيديولوجيات الفكرية إنطلاقا من أرض الواقع لتغير الواقع، وعندها تأخذ التيارات الثقافية الداعمة للتربية السياسية للمواطن والمؤهلة له للتأقلم مع متطلبات الدوله المدنية الحديثة حيث التعددية الحزبية، على أن لا يغفل المد الثوري الإصلاحي الوصول لميدانيّ الثقافة والتربية والتعليم لانبثاق الثورات الثقافية التي ستعيد بناء العقلية الثقافية للإنسان المعاصر والأجيال التالية، وهو ما يعني أن ثورة التحرير المصرية وكافة الثورات العربية التي انطلقت من تونس مرورا بليبيا وانتهاءً بثورتي الجزائر والسودان لم تحقق أهدافها حتى وقتنا هذا.  
   ولهذا تطرح دكتورة رانيا الوردي سؤالًا مستقبليا لا تود الإجابة عليه أو عنه تاركة الوقت للشباب المصري والعربي ليتولوا هم إجابته، وليحددوا بأفعالهم مفهوم الثورة التي تعيد بناء الإنسان في بلادهم وبناء مجتمعاتهم، فتقول: هل سيتعلم الشباب المصري والعربي من الحقائق التاريخية الواردة في الأدب الثوري للدول التي مرت بظروف مشابهة للظروف التي تمر بها مصر  وبعض أقطار الوطن العربي؟