الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

ماما عزة.. والبحث عن السعادة


            







على الرغم من أن الأديبة القديرة عزة أبو العز تمتلك ناصية اللغة العربية الرصينة، إلا أنها عندما تعتلي كرسي الحكاية تسرد على أطفالها أحداثها بلغة بين الفصحى والعامية الراقية تصوغها في قالب أشبه بالمقامة؛ فتأتي مسجوعة النهاية، موسيقية الجرس، بصوت يغلفه الصدق والدفء والحميمية، ومن خلال تلك الأدوات تبثهم فكرتها، وهي الأساس عندها وهدفها.

    لم تنسَ الأديبة عزة وهي تقدم ديوان الأطفال: "نادر يبحث عن السعادة" للشاعر السيد إبراهيم أحمد أنها ماما عزة وأن الديوان عن الأطفال ولذا فيجب أن تقدمه للأطفال باللغة التي يفهمونها والتي تعودوها منها، فهداها ذكاؤها إلى استخدام الحكاية في التقديم، وحولت كذلك التقديم إلى حكاية ليستفيد الطفل منها وهو الأهم عندها وإليه تسخر قدراتها، وتوجه اهتمامها، والآن سأنقل نص التقديم/الحكاية للدلالة على ما أقول، تقول ماما عزة:

(ياكل أصدقائى الصغيرين وأيضًا الكبار المتعلمين المتنورين، بحثت عن كتاب أكلمكم عنه يفيدكم ويمدكم بالمعلومة الذكية في شكل أشعار بالعامية المصرية، فاخترت كتاب نادر يبحث عن السعادة اللي كله معلومات وإفادة للكاتب الكبير السيد ابراهيم كتاب بسيط فى الحجم وعدد صفحاته التمانين ولكن في القيمة هنكتشف إنه بيضم من المعاني والميزات كل جميل وأصيل..بدأ المؤلف في كلمة التعريف الأولى ودخل في صميم الموضوع وهو واقع الطفل في عالمنا المعاصر اللي كبر قبل الأوان وربته الميديا والفضائيات والإعلام، وأصبح بيسأل عن معنى التلوث والإدمان والتعصب وخطف الأطفال وكمان بيسأل عن اختلاف الأديان وبيعترف الكاتب إنه كتب أبياته عشانكم أنتم أطفال الجيل اللي بالنسبة له أصبحتم اشكالية وبيعترف وبيقول إنه كتب أبياته عشان يغرس فيكم الوطنية وقيم الدين والتسامح واحترام الكبير وكمان بيعترف بسر خطير إنه بيخاطب الطفل المواطن اللي بيسكن قلبه الكبير.. وتعالوا يا أصدقائي الصغيرين نعرف معنى السعادة: السعادة من الكلمات اللي اختلف الناس في معناها، منهم اللي قال أن السعادة قرينة اللذة أو الراحة أو المال أو المنصب أو الشهرة، ومنهم اللي قال السعادة شعور ينبع من داخل النفس إذا شعرت بالرضا والطمأنينة وكمان منهم اللي قال السعادة مرتبطة بحلاوة الروح وجمالها ..عشان كده كتير من الناس أفنوا أعمارهم في البحث عن السعادة..ولازم نفهم يا أصدقائي إن كاتبنا الكبير اختار اسم جميل لموضوع أجمل شدنا كلنا كبار وصغيرين عشان نقف انتباه ونشارك نادر وباباه في رحلة البحث عن السعادة المنشودة، في 26 قصيدة شعرية من أشعار العامية المصرية وأغلبها تصلح تكون مجموعة من الأغاني الوطنية الهادفة زينها الكاتب بعناوين غاية في الجذب والتعبير عن مضامين موضوعات القصائد العامية .وشملت مجموعة من القصائد عدد من الدروس التربوية زى قصيدة "راجعين ولازم نتواصل" وكمان بيكلمنا عن فوائد الرياضة في قصيدة "الحريف" واحترام الصغير للكبير وبيعالج مشكلة المرور والسرعة المجنونة في قصيدة "حاسب حاسب" ومبعدش كتير كاتبنا عن واقع مجتمعنا ومشكلاته "في الحلم لما مات" لما صور حلم الطفل البريء في عمر الزهور رايح مدرسته بكل تفاؤل: 

                 الحلم انتهى والجاي كوابيس 

                 والحزن ابتدا بقطر في أتوبيس 

ليصور بذلك نهاية مأساوية في طريق ورحلة حياة كان المفترض تكون رحلة سعادة زي ما كلمنا في واحدة من قصائده الشعرية عن أضرار التدخين. وفي انسيابية لغوية يدعو الشاعر مجموعة من الدعوات وبيتمنى كتير من الأمنيات في قصيدة "ابني حبيبى" اللي فيها بيتمنى لابنه إنه يسير في درب آخر من دروب السعادة في نشأته على العلم والدين ويحثه على التمسك بتعاليم الدين الصحيح كما يتمنى له مجموعة من الأمنيات بأن يكون عالمًا أو قاضيًا أو قائدًا في جيش بلاده وبالتأكيد كل مهنة من هذه المهن ما هي إلا طريق من طرق السعادة، ويجسد الكاتب معنى كبير من معاني السعادة فى النشأة الدينية والحرص والمواظبة على الصلاة والصوم في قصيدة "اصحا يا أحمد" يفسر من خلالها معنى الاسلام فى قوله: 


تعرف إيه معنى الإسلام 

محبة وخير للعالم كله 

عاشت الدنيا في سلام ضله .

كما لم يغفل الكاتب في هذا الديوان درب من أهم دروب السعادة وهو علاقته بالأم والدعاء لها ودعواته لله ألا يحرمه منها ومن حبها وحنانها في قصيدة "أحلى البشر" ومن أجمل القصائد الباعثة على الأمل والتمسك بالحلم هي قصيدة "بكره هايحصل" الداعية إلى تمسك كل طفل بحلمه وعدم التخلي عنه وهذا أيضًا طريق من أهم طرق السعادة، وفي قصيدة من أروع ما يكون "مش معوق" يتكلم الكاتب عن المعاق اللي بإرادته وذكائه بيحول إعاقته لميزة من أهم الميزات وبرهن على كلامه بعدة أبيات في نهاية القصيدة قال فيها:

مشاهير ياما عُمي وصُم

أذكيا فاقوا وكانوم بكم

عاشوا بقوة راحوا وجم

أمسك حلمك أملك ضم

خلى في بكره الجاي مكانك

أوعى يجيلك وأنت مكانك

أحمد ربك قول سبحانك

عالم بيه رحيم رحمان.

   ويالها من دعوة نبيلة لكل الأصدقاء الصغار من ذوى الاعاقات إن مفيش إعاقة لو استطعنا التغلب عليها وبالاجتهاد والذكاء ننمي قدراتنا ونتغلب عليها، وكما يحثنا على التغلب على الإعاقة يدفعنا دفعًا إلى طريق آخر من أهم طرق السعادة وهو البعد عن الحزن في قصيدة "بلاش تحزن" الذى ختمها بعبارات فائقة الروعة، قائلاً: [داوى جروحك// دادى ف روحك// محدش فاضى عشان يواسيك]. ومن هنا يجب أن نأخذ العبرة فى أن يخفف الإنسان عن نفسه سواء كان صغيرًا أو كبيرًا ولا يفتح بابًا للحزن الذى يسد عليه  بالقطع طريق الوصول لأبواب السعادة.

  كاتبنا عارف بخبرته وفطنته إن حب الوطن درب من دروب السعادة لذلك عبر بكلماته الوطنية عن أهمية حب الوطن والفخر به على الدوام في قصيدة "قولها بفخر" وذكر فيها: 

مصر الباقية هتفضل باقية ...... مسله ومدنه جرس وآدان

مصر الريف الصحرا وبندر ....... مصر الحرة سلام وأمان

مصر في ضهرك صالبة جدارك .. مصر دي قمرك يا هنيالك

قولها بفخر أنا من مصر ........... أمك وأم أجيال جيالك

    وزي ما ذكر لنا الشاعر حب الوطن فى القصيدة السابقة تبعها بقصيدة من أهم قصائد الديوان وهي قصيدة "أركان الاسلام"في حوار شيق بين الأطفال وبين جدو الحبيب بيشرح لهم الصلاة وعدد ركعاتها وهنا ياأطفالي ربط الكاتب ربط ذكي بين حب الوطن وحب الله في ترتيب القصائد وبكده يكون قدم لنا اثنين من أهم أسباب السعادة فى الحياة وجاء بعد ذلك بقصيدة تنبهنا كلنا كبار وصغيرين بعدم سب الآخر وبالذات السب بالدين:   

فيه مؤمن بيسب عقيدته .... وهي صورته وهي حقيقته

وده سؤال مهم ينهانا عن سب الدين فعلاً يا أصدقائى الصغيرين فيه حد يسب  عقيدته وهي صورته وهي عقيدته؟, يلي ذلك قصيدة "هدية وهداية" التي تتحدث عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وبعض المعجزات التي حدثت له من شق القمر نصفين ورحلة الإسراء والمعراج واصطفاء الله له لينشر دين الإسلام.

    ثم ينتقل بنا الكاتب إلى محطة أخرى مهمة لو استطاع الإنسان أن يقف وقفة مع النفس على أبوابها لاستطاع أن يصنع لكل طفل مكلوم على هذه الأرض قدرًا من السعادة وهذه المحطة وضحها في ندائه إلى أطفال العالم التي يشرح من خلالها معاناة أطفال فلسطين ومن هم على شاكلتهم ويتمنى خروج العالم من حالات الحرب وسفك الدماء التى ترهب الأطفال ليل نهار متمنيًا على لسان الطفل الداعي بقدوم السلام بفعل مش كلام/ عشان عين الوليد مرة تغمض تنام/ تحلم بيوم جديد وتصاحب الحياة، وذلك كي يتساوى هذا الطفل المنكوب مع باقي  الأطفال في كل بلاد العالم، وفي قصيدة "يا عالم شوف" يكمل الكاتب فكرته حول ازدواجية العالم تجاه أطفال العرب التي من خلالها يوضح أن هذا العالم: 

        لسه حاكمه الدين واللون 

        دم الطفل العربى يهون 

        وإلا طفل بني صهيون     

وبعد هذه المجموعة من القصائد أختص الشاعر ابنه وأحفاده بثلاث من القصائد وجهها لولده نادر السيد وأحفاده جودي عادل ومحمد عادل وأنس بن ماجد، استخدم فيها اللفظة السلسة والصور المعبرة عن فرحة السبوع وفرحة الأهل والعيلة بالمولود الجديد.

يختتم الشاعر الديوان بصورة غنائية رائعة نتعايش فيها مع الطفل نادر طفل الصف الأول الإعدادى وهو في غرفة نومه في سريره يشاهد برنامجه المفضل قبيل النوم والذى تتسائل فيه المذيعة عن معنى السعادة، ويحلم نادر أنه أصبح مذيعًا يسأل الناس هو الآخر عن معنى السعادة ويتقابل مع مجموعة من الناس وكل يجاوب عن معنى السعادة حسب وجهة نظره من منطلق مهنته الوظيفية؛ فرجل الدين يقول: [السعادة لما ايمانك/ يملأ قلبك كل كيانك/ نافع لبلادك واخوانك/ ناجح دايمًا في امتحانك].  

  وهكذا بذكاء وخبرة كبيرة اعتمد الكاتب في الصورة الغنائية على أن يوضح مفاهيم السعادة بطرح نادر السؤال على كثير من أصحاب المهن، مثل: "رجل الدين، والطالب البليد، والمسافر، والرياضي، والناجح، والمُصلي، والعجوز، والشهيد" وقد أدلى كل منهم بمفهومه عن السعادة من وجهة نظره كما أفرد الكاتب مساحة كبيرة للحديث عن الشهيد وتعتبر هذه الجزئية صورة غنائية أخرى بداخل الصورة الكبرى يصف من خلالها حال الوطن وثورته المجيدة معبرًا:

وسلام على الشهيد 

اللى وحد ميدانها 

رجالها مع نسوانها 

من مختلف أديانها 

والشيخ جنب الوليد 

والحقيقة أن الصورة الغنائية قد أطالت الحديث والوصف عن الشهيد وعن أم الشهيد فبعد أن عدد الكاتب ميزات وعطاءات الشهيد، لم ينس أن يترك الشهيد لأمه رسالة في عيدها وهي رسالة التفاؤل والأمل في الغد التى أراد الكاتب أن يبثها لكل الأطفال فأتت فى صورة وصية الشهيد لأمه قائلاً: 

في يوم عيدك يا أمى

عايزك تعيشي ف عيد

إياك تشيلى همي

أنا عنك مش بعيد

بوسي صورتي وضمي

وقولي أنا أم الشهيد.

وفي ختام الصورة الغنائية يدرك نادر هو الآخر معنى السعادة التى زيلها بقوله: "السعادة فى حب الوطن"... ومجمل الكلام بعد ما نصلي على خير الأنام لازم تعرفوا يا أصحابي الصغيرين إن ديوان نادر يبحث عن السعادة جمع بين الفكرة الجيدة والتعبير السلس البسيط للكلمات مما جعله ديوانًا متسقًا مابين الشكل والمضمون استطاع من خلاله الكاتب توصيل المعلومة ومناقشة فكرة فلسفية وهي معنى السعادة في أبسط شكل على لسان الأشخاص من ذوي المهن المختلفة والكل جاوب حسب ميوله وطبيعة مهنته وهوايته وبكده ياأصدقائي نعرف إن مفهوم السعادة ليس مفهومًا فوقيًا بل هو نابع من طبيعة الفرد وتأثره ببيئته وجذوره الاجتماعية. لذلك بتمنى إن كل الأطفال يطلعوا عليه ويتعرفوا على أهم الرسائل اللي فيه علشان كل واحد مننا سواء صغير أو كبير يدور جواه وفي البيئة المحيطة به عن معنى السعادة وواثقة إن الديوان هيكون فيه كل الإفادة اللي هتعرفنا معنى السعادة).


المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/11/18/384967.html#ixzz3rqq8q63e 
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook