الخميس، 19 سبتمبر 2013

الأديب المصري ( السيد إبراهيم أحمد ) لجريدة( الحوار) الجزائرية

  1. الأديب المصري ( السيد إبراهيم أحمد )
    لجريدة ( الحوار) الجزائرية :- 

    ( المصريون غير متيقنين مع من يقفون ..
    لعجزهم عن تقويم الواقع بالسلب أو الإيجاب )


    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    حاوره من الجزائر الأستاذ ياسين عرعار 



    مقدمة :-
    في خضم التقلبات السياسية الراهنة التي شهدتها جمهورية مصر العربية خاصة في الآونة الأخيرة مع بداية شهر رمضان الكريم حيث عرف المجتمع المصري تحولات سياسية طارئة لفتت أنظار العالم و المتتبعين لتفاعل المصريين مع الخيار السياسي الذي يقود البلاد و يحقق استراتيجياتها المحلية و الدولية ، ولنا في هذا الموضوع بصمة لأديب مصري قدم لنا شيئا عن المجتمع المصري بشفافية العاقل المتتبع للحدث السياسي في مصر .


    هو الأديب - السيد إبراهيم أحمد
    المؤهل الدراسى :

    - حاصل على بكالوريوس التجارة .
    - دبلوم الدراسات العليا فى المحاسبة المالية، جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية .
    - دبلوم الدراسات العليا بالمعهد العالى للدراسات الاسلامية بالقاهرة، حاليًا بماجستير الإقتصاد الإسلامي.
    - عضو في اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، و منسق اتحاد المثقفين العرب .
    العمل:-

    :مدير مالى سابق بشركة مصر للسياحة، وحالياً متفرغ للكتابة .
    ـ الخبرات السابقة والحالية :

    عمل محرراً بجريدة البيان العربى .
    حالياً محرر بجريدة فرسان السويس .
    - محرر بجريدة حديث البلد.
    -محرر بجريدة الوسط .
    ــ إنتاجه العلمي:

    -كتاب: "المعجزة المحمدية".
    -كتاب: "محمد صلى الله عليه وسلم .. كما لم تعرفوه" .
    -موسوعة: "سياحة الوجدان فى رحاب القرآن".
    ـ كتاب: "نساء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم".
    ـ كتاب: "حبًا في أمي عائشة".
    ـ كتاب: "سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مهما أساؤوا".
    -مجموعة قصصية (سلطان عرش الدخان) .
    -ديوان للأطفال (نادر يبحث عن السعادة).
    - له كتب تحت الطبع ، مثل : الإعجاز المحمدي ، هذا رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ، حكايات اسلامية معاصرة ، القرآن ماذا فعلنا به ؟ و كذلك ديوان بالعامية المصرية .... وغيرهم .
    -سجل عدداً من البرامج الدينية لبعض القنوات، مثل قناة النيل الفضائية.و قناة الناس وقناة النيل الثقافية
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    حاوره من الجزائر
    - الأستاذ ياسين عرعار 

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    - بصفتكم من الأدباء البارزين في مصر ما تعليقكم على الحدث السياسي الراهن في مصر؟ 


    ـ أولا أشكركم على سؤالكم . فمابين انقلاب ناعم.. وفشل )رئاسي إخواني( لأكبر فصيل سياسي في العالم العربي .. تأرجحت مشاعر المصريين بشكل يغلب عليه التعاطف.. والنفعية، والمصلحة.. لاتستطيع أن تلوم من خرجوا يهتفون بسقوط مرسي، فلم يترك لهم الرجل برعونته أي اختيار.. هتفوا له، ومنحوه أصواتهم، لكن وطأة الفقر والحاجة زادت، الأسعار تشيطنت، والأمل في غدٍ أفضل بات ضربًا من خيال..
    لقد كتبتُ أغنية لمرسي والإخوان ـ وأنا لستُ إخوانيًا ـ في حملة الإعادة بينه وبين شفيق، وقدت حملة تأييد له عبر حزب الوسط ، لكنه خذل حتى من تعاطف معه وإن لم ينتخبه، فما بالك بمن عقد الأمل عليه على رجل يحفظ كتاب الله، وابن الطبقة المتوسطة، فكيف لايهتف بسقوطه، ويحتمي بحكم "السيسي" وإن كان من العسكر .. لقد سقطت الريادات من حولنا، وأصبحنا نتعلق بقشة من يلوح لنا بالنجاة .. فلا حيلة أمام المشرف على الغرق..
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    - وهل تعتبرون هذا التغيير المفاجئ سلبيًا أم إيجابيًا في مصر؟

    ــ الطبول تعزف لمرسي في ميدان رابعة، بينما تردد الحناجر بميدان التحرير أغاني النصر والتأييد للجيش وقائده العام الفريق الأول عبد الفتاح السيسي، والناس بينهما خلف شاشات التلفاز سكارى يترنحون بين التعاطف مع مرسي الذي يتألمون لمصيره وهم يقرون بأنه ساهم في صنعه نتيجة لسياساته غير الصائبة، وهذا هو الفصيل الذي يحتكم إلى العقل، بينما يصرخ المتعاطفون معه ويصرون على أن الرجل ظُلِمْ وأن العسكر انقلبوا عليه ويستميتون من أجل إعادته، ويعلمون أنها ليست أكثر من محاولة فاشلة، وهناك من ينتصرون للسيسي ويرحبون بصنيعه ولا يرون فيه شبهة انقلاب بل تأييد للشرعية الشعبية، فقد سقط مرسي لحنثه بالعهود والوعود، ولاسبيل من الاحتكام لشرعية الصندوق، وهناك قسم من الشعب يؤيد التغيير ولكنه يجد فيه مستقبلاً فوضويًا أمام كل رئيس قادم ..فلن يبقى طويلاً في حكمه الذي ستنتزعه منه دومًا الشرعية الشعبية، مما سيعرض الدولة لفوضي غير خلاقة بالمرة.

    أما الحكم بالسلب أو الإيجاب فلا نستطيع الحكم عليه، فمازال غبار المعركة المحتدم يملأ سماء المشهد، مما يحجب الرؤية عن المؤيد والمعارض، خاصةً وأن أبواق أتباع مرسي والسيسي تنظم نفسها لاستلاب عقول وعيون المشاهدين كل ليلة.. بينما الناس كالمستجير من الرمضاء بالنار.. لايعرفون ماهو القرار الأصوب .. ويتركون مصائرهم بيد الله .. "يحلها من عنده، وربنا يولي من يصلح" .. وهي إشارة كبيرة تبين عدم تيقنهم مع من يقفون.. لعجزهم عن تقويم الواقع بالسلب أو الإيجاب.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    - ماذا تتوقعون لمستقبل أنصار محمد مرسي في ظل التعددية و الديمقراطية السياسية في مصر؟
    ــ أنصار مرسي و أنصار الشرعية، لأن المشهد يضم الفصيلين، فهناك من يؤيد مرسي وهم الإخوان وبعض الأحزاب الصغيرة لتيار الإسلام السياسي.. وهناك من يؤيد الشرعية دون الاهتمام بشخص مرسي، وهم فصائل من الشعب من خارج التيار السابق، بل منهم من لاينضوون تحت أي لواء حزبي، والأمر لبعضهم بمثابة ثأر لكرامتهم من إهمال أصواتهم التي أعطوها لأول رئيس منتخب مدني عبر الصناديق، ويطالبون بتقرير مصيره عبر الصناديق أيضًا احترامًا للعملية الديمقراطية التي توافق عليها الجميع، وأهم مظاهرها هو الاحتكام للصندوق، فلا يحق لأي فصيل أن يقرر وحده عبر الاستمارات، أو استطلاعات الرأي مدة حكم من يحكم.

    أما الإخوان وهم من يمثلون الفصيل الأغلب المؤيد لعودة مرسي، فقد جرب الاعتصامات بالشوارع، والمواجهات مع الجيش والشرطة بل ومع بعض الشعب، دون جدوى بل فقدوا كثير من الدماء الزكية وسيفقدون، وقد جلبوا عليهم سخط كثير من الشعب حتى المتعاطف معهم، ويرى أكثر المحللون السياسيون تفاؤلاً أن الإخوان أمامهم عشر سنوات لكي يعودوا للمشهد السياسي، والأوسط تشاؤمًا أن أمامهم الانتظار فوق الستة عقود من الزمن، بينما الأكثر تشاؤمًا يقسمون بأنهم انتهوا.. والأصوات العاقلة من كل الأطراف السياسية تنادي بالمصالحة، وعدم الإقصاء، شريطة المحاسبة لكل من قام بفعل جنائي أو حرض عليه.. وقد خرج من فصيل الإخوان "إخوان بلا عنف".. وهم شباب من عقلاء الإخوان قد يقودون الجماعة في السنوات القادمة بعد أن تحتضن السجون والمعتقلات شيوخ الإخوان من المرشد وأعوانه..
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    - أكيد أنكم عايشتم ثورات الربيع العربي ، فماذا أضافت هذه التجربة السياسية إلى حقيبتكم الأدبية من إبداع ؟

    ولدي نادر آخر أبنائي وهو ممن عايشوا ثورات الربيع العربي، وهو على أعتاب المرحلة الإعدادية، الوحيد الذي نشأ في بيتي معارضًا، والذي يشتاق لسماع باسم يوسف، ويناصر تمرد، والميادين التي يحب أن يراها ميادين الثوار وخاصةً ميدان التحرير، ولذا فليس هناك ألذ عنده من سماع "ارحل"..

    - سأنقل لكم الحوار الأخير الذي دار بيني وبينه بالفصحى، رغم جماله وسخونته بالعامية، ناوشته ونحن نشاهد التليفزيون المقسمة شاشته بعدد ميادين مصر، وذلك بعد عزل مرسي، وتولية عدلي:

    ـ ما اسم رئيس مصر الحالي يا نادر؟
    ـ مرسي عدلي السيسي.
    ـ وكيف هذا.. المفروض رئيس واحد فقط؟!
    ـ مرسي هو الرئيس المعزول، وعدلي هو الرئيس المؤقت، والسيسي هو الرئيس الفعلي.
    ـ الفريق السيسي وزير دفاع فقط.. وليس رئيسًا..
    ـ لولا أن الفريق السيسي عزل مرسي ما كان جاء عدلي، والمظاهرات المؤيدة لمرسي تطالب من بعودة مرسي؟.. ها .. أجبني أبي.. تطالب من؟
    ـ تطالب السيسي.
    ـ إذن فالسيسي هو الرئيس الفعلي كما قلت لحضرتك.. ولا أدري لماذا الإصرار على عودة مرسي؟
    ــ أنا كنت متعاطفًا معه، وشرعيته ، ولكن بعد هذه المعارضة، وعزله فيما يشبه إنقلابًا عليه، تجعل أمر عودته مستحيلاً إلى حدٍ ما.
    ــ لا ليس انقلابًا.. فالسيسي لم يتولى مكانه الرئاسة.. السيسي نفذ مطالب الشعب.
    ــ كان يعطيه فرصة.. يمهله .. جيلنا تحمل مبارك سنوات..
    ــ (مقاطعًا).. جيلكم صبور.. ما شأننا؟!.. عام مضى من فشل إلى فشل أكثر و أكبر.
    ــ كان بودنا ينجح فقد كان ممثلاً للتيار الإسلامي..
    ــ مال مرسي وجماعته ومال الإسلام، أنت وماما تحزنان على مصيره، وتعتقدان أن هذا هزيمة للإسلام، ونصر للعلمانيين والمسيحيين، وهذا خطأ، لأن الإسلام قبل الإخوان وبعدهم، والمسيحيون والعلمانيون ليسوا أكثر منا، والعلماني فيه مسلم ومسيحي.. يعني هذه خسارة جماعة .. وليس الإسلام.. وكان عليه أن يخرج ويعتذر للمتظاهرين، ويعلن تركه لهذا المنصب حقنًا لدماء الشباب الذين يموتون.. أليس له أولاد .. أأولاده أهم من أولاد الناس؟!
    ــ هذا الكلام الذي تسمعه من المعارضين للتيار الإسلامي..
    ــ أبدًا هذا من مناقشاتي أنا وأصدقائي على فكرة ..
    ــ هيا إلى النوم مبكرًا لكي تستيقظ على السحور.
    ــ ما هذا.. أرمضان أتى؟!
    ـ نعم .. يا فالح أتى، وغدًا أول أيامه..
    ــ لا .. ليس هذا عدلاً .. لقد جاء بسرعة، ولم أكن أعلم.
    ــ قلنا لك وأنت نسيت .. وإذا لم يعجبك يا حبيبي إعمل حركة تمرد ضده.. واجمعوا استمارات تطالب برحيل "رمضان" ..
    ــ أو نعمل مظاهرات ونطالب بعودة "شعبان" المعزول، تضامنًا مع الشرعية.
    ــ رمضان ليس مرسي أو مبارك.. رمضان قادم .. قادم .. وليس لك إلا الاستسلام والإنسحاب من الميدان.. وتمضي إلى سريرك..
    ــ (متذمرًا).. ما هذا .. مرسي وعدلي والسيسي .. ورمضان في يوم واحد ..

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    - كلمة أخيرة عقب هذا الحوار ؟
    جزيل الشكر على هذه المساحة الراقية التي عبرت فيها عن المشهد السياسي المصري الراهن.
    دمتم بخير و دامت الجزائر و خالص تحياتي إلى الشعب الجزائري العظيم .

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    حاوره الأستاذ:-
    ياسين عرعار 
    الجزائر 



    الحوار منشور بجريدة ( الحوار) الجزائرية
    العدد (1973) الصفحة (09) بتاريخ :-
    يوم الأربعاء 12 ذو القعدة 1434 هجرية
    الموافق ليوم 18 سبتمبر 2013 ميلادية


    المصغرات المرفقة المصغرات المرفقةاضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	حوار الأديب (السيد إبراهيم أحمد).jpg‏
المشاهدات:	7
الحجـــم:	65.1 كيلوبايت
الرقم:	649  

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

الصحابة .. معجزته صلى الله عليه وسلم - سيرة - موقع آفاق الشريعة - شبكة الألوكة

الصحابة .. معجزته صلى الله عليه وسلم - سيرة - موقع آفاق الشريعة - شبكة الألوكة


كان لصحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - المكانة العالية عند الدارسين والمهتمين بالسيرة العطرة سواءٌ في ذلك المسلمين أو أهل الغرب من الذين أنصفوا أو حقدوا، فأفردوا لها صفحات في كتبهم، والتقت آراء الجانبين في مواضع كثيرة منها بالإشادة التي حكموا بمعجزيتها بعد أن قلبوها على كل وجوهها فحصًا وتمحيصًا.

استلفت الانتباه سر تلك العلاقة النبيلة الخالصة المخلصة بين الصحابة - رضوان الله عليهم - وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى أنتجت هذا الجيل العبقري الفريد الذي لم يتوفر مثله لنبي قبله، ولن يتكرر في قابل الإيام جيل مثله يلتف حول قائده.

أرجع بعضهم سر تلك العلاقة إلى المحبة الناشئة بين الصحابة ونبيهم التي تبلغ حد الإعجاز، فيقول العقاد[1]: (هي المحبة التي جعلت كثيرًا من الناس يؤمنون بمحمد لمحبتهم إياه واطمئنانهم إليه، فكانت سابقة في قلوبهم وأرواحهم لحب العقيدة والإيمان، إن عطف العظيم على الصغير حتى يستحق منه هذا الحب لفضيلة يشرف بها المقام العظيم في نظر بني الإنسان. ولكن قد يقال إن استحقاق العظيم أن يحبه العظماء لأشرف من ذلك رتبة وأدل على حظه الجليل من فضائل التفوق والرجحان.. هذا صحيح لاريب فيه.. وهنا أيضًا قد تمت لمحمد معجزته التي لم يضارعه فيها أحد من ذوى الصداقات النادرة. فأحدقت به نخبة من ذوي الأقدار تجمع بين عظمة الحسب وعظمة الثروة وعظمة الهمة، وكل منهم ذو شأن في عظمته تقوم عليه دولة وتنهض به أمة.... تلك هي بلا ريب عظمة العظمات، ومعجزة الإعجاز في باب الصداقات).

لقد أحب الصحابة - رضي الله عنهم - نبيهم - صلى الله عليه وسلم - حبًّا جاء بعد حبهم لله قويًّا نقيًّا خالصًا أعلى من حبهم أنفسهم وأولادهم، حتى صار حبهم هو معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الدكتور محمد عبده يماني ويتجلى أدناه عند الصحابيات المؤمنات دون الرجال عندما سمعنَّ بما أصابه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد من كسر رَبَاعِيته، وشج رأسه الكريم، ومنهنَّ من مات أبوها وأخوها وزوجها ومن مات ابنها وقد استصغرن مصابهن ما دام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخير، إذ يقول[2]: (أرأيت إلى الحب كيف يصنع المعجزات؟ أرأيت كيف يغرس الرسول صلوات الله وسلامه عليه هذا الحب الذي يصنع المعجزات؟ امرأة يموت زوجها ويموت أخوها ويموت أبوها جميعًا في معركة واحدة، وتكون هذه المصائب الثلاث، وكل واحدة منهن فادحة، مفزعة، مجزعة، تكون كلها مجتمعة، إذا نجا الرسول صلوات الله وسلامه عليه، تكون كلها صغيرة هينة... حتى عند النساء لا الرجال.. والله لو لم تكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا هذه المعجزة وحدها لأغنته... صلى الله عليه وسلم).

ولكن لماذا أحبّوه هذا الحب؟ إذ لا يوجد في التاريخ كله قوم أحبّوا إمامهم أو زعيمهم أو شيخهم أو قائدهم أو أستاذهم كما أحبّ أصحاب محمد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حتى افتدوه بالمهج، وعرّضوا أجسامهم للسيوف دون جسمه، وضحوا بدمائهم لحمايته، وبذلوا أعراضهم دون عرضه، فكان بعضهم لا يملأ عينيه من النظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالاً له، ومنهم من ذهب إلى الموت طائعًا ويعلم أنها النهاية وكأنه يذهب إلى عرس، ومنهم من احتسى الشهادة في سبيل الله كالماء الزلل، لأنه أحبّ محمدًا ودعوته. بل كانوا يتمنون رضاه على رضاهم، وراحته ولو تعبوا، وشبعه ولو جاعوا، فما كانوا يرفعون أصواتهم على صوته، ولا يقدمون أمرهم على أمره، ولا يقطعون أمرًا من دونه، فهو المطاع المحبوب، والأسوة الحسنة، والقدوة المباركة.

أما دواعي هذا الحب وأسبابه، فأعظمها أن هذا الإنسان هو رسول الرحمن، وصفوة الإنس والجان، أرسله الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويقودهم إلى جنة عرضها السموات والأرض، ثم إنهم وجدوا فيه - صلى الله عليه وسلم - الإمام الذي كملت فضائله وتمّت محاسنه[3].

لم تكن المحبة وحدها هي العامل الوحيد في تلك الوشيجة الكريمة بين هذا الجيل وقائده، بل يكمن وراءها سببٌ أعظم ألا وهو تربية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم والتي مازالت تُدْرس وتُدَرس عبر رسائل علمية أكاديمية عدة، شهد له فيها ثُلة من علماء العرب والعجم بالإعجاز البشري للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم الشيخ محمد الغزالي حين يقول[4]: (إن تربية محمد - صلى الله عليه وسلم - لهذا الجيل معجزته الكبرى بعد القرآن الكريم).

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم إنه مرسَلٌ للناس كافة، ومرسل لبني آدم مابقى على ظهر الأرض منهم واحد، ولا نبوة بعد بعثته، كما كان يدرك أنه لن يُعمَّر حتى يطوف القارات ويهدى العصور المتطاولة ولهذا فقد ربي الجيل الذي يستمع إليه تربية خاصة تؤهلهم لحمل أنوار الرسالة وعبء هداية تلك الشعوب من بعده.

والمنصفون يقولون: حسب محمد شرفًا أن ينشئ من الأميين شعبًا راقيًا واعيًا. فكيف وقد أنشأ منهم أمة حركت الرواسي وأتت العجائب.. من كان يخرج الرومان من مستعمراتهم التي احتلّوها قروناً عديدة؟ من كان يحاكم مواريثهم الفكرية والروحية التي فرضوها بالحديد والنار؟ من كان يقدر على تقليص ظلالهم وكسر كبريائهم بعد ما هزموا الفرس، واحتكروا السيادة في الأرض بالطول والعرض؟.. لقد قدر على ذلك الرجال الذين صلوا وراء محمد في سجدة التواضع بالمدينة، وسمعوا منه القرآن فحفظوه فلم يسقطوا منه حرفًا، ونقلوه إلى من حولهم وإلى من بعدهم في دقة لم تعرفها صحائف الوحى منذ نزل وحي.. من روح محمد القائد العابد الداعي إلى الله على بصيرة، انطلق قادة عُبّاد صوب المشارق والمغارب، و ما أُثِرَ عنهم اعتداد بجنس ولا اشتهاء لغرض ولا إخلاد لأرض، ولا تكاسل عن آخرة! فإذا حضارة جديدة تقوم، هتافها الدائم أذان يتكرر من الفجر إلى العشاء يدعو العباد إلى أداء واجبهم نحو رب العباد. إن محمداً صناعةً إلهية لم تتكرر، فسبحان من أبدع محمدًا[5].

لم تكن مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم - مهمة سهلة بل هي من أشق المهمات إنها مهمة صناعة الرجال؛ فيثبت الدكتور محمد عمارة[6]أن الصحابة صناعة وتربية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: (إن صناعة الرجال هي أعظم الصناعات الثقيلة في هذه الحياة.. وأعظم الزعماء في العبقرية هم أوائل الذين يعرفون المعادن النفيسة للرجال، فيضعونهم في مواضعهم الطبيعية فيحدثون التحولات الكبرى في النهوض والتقدم وتغيير مجرى التاريخ.. ولقد كان من إعجاز مدرسة النبوة في دار الأرقم بن أبي الأرقم.. وفي الروضة الشريفة صناعة الجيل الفريد من الرجال والنساء الذين غيروا مضمون الحضارة والمدنية والثقافة ووجهة التاريخ.. هذا الجيل الفريد الذي هزم الشرك والوثنية وأقام الدين وأسس الدولة وأزال بالفتوحات الإسلامية القوى العظمى الظالمة - الفرس والروم - التي قهرت الشرق دينيا وثقافيا وسياسيا ونهبته اقتصاديا لأكثر من عشرة قرون.. وذلك عندما فتح هذا الجيل الفريد في ثمانين عاما أوسع مما فتح الرومان في ثمانية قرون.. وكان فتحهم تحريرا للأرض.. وللضمير).

ونتاج هذه التربية تبدى في بلوغ الصحابة شأو العظمة التي فاقت حد الإعجاز كما يشهد بهذا خالد محمد خالد[7]، فيقول: (إن التاريخ لم يشهد رجالاً عقدوا عزمهم ونواياهم على غاية تناهت في العدالة والسمو، ثم نذروا لها حياتهم على نسق تناهي في الجسارة والتضحية والبذل، كما شهد في أولئك الرجال حول الرسول.. لقد جاؤوا الحياة في أوانهم المرتقب، ويومهم الموعود.. فحين كانت الحياة تهيب بمن يجدد لِقِيّمِها الروحية شبابها وصوابها، جاء هؤلاء مع رسولهم الكريم مبشرين وناسكين. وحين كانت تهيب بمن يضع عن البشرية الرازحة أغلالها، ويُحرر وجودها ومصيرها، جاء هؤلاء وراء رسولهم العظيم ثوارًا ومحررين.. وحين كانت تهيب بمن يستشرف للحضارة الإنسانية مطالع جديدة ورشيدة، جاء هؤلاء روَّادًا ومُسْتَشرِقين.. كيف أنجز أولئك الأبرار كل هذا الذي أنجزوه في بضع سنين..؟! كيف دَمْدَمْوا على العالم القديم بإمبراطورياته وصولجانه وحوَّلوه إلى كَثيب مَهيل..؟! كيف شادوا بقرآن الله وكلماته عالَمًا جديدًا يهتزُّ نَضْرَة.. ويتألق عظَمة.. ويتفوق اقتدارًا..؟! وقبل هذا كله، وفوق هذا كله.. كيف استطاعوا في مثل سرعة الضوء أن يضيئوا الضمير الإنساني بحقيقة التوحيد ويَكنُسوا منه إلى الأبد وثَنِية القرون..؟!

تلك هي معجزتهم الحقة.. وأيضًا فإن معجزتهم الحقة تتمثل في تلك القدرة النفسية الهائلة التي صاغوا بها فضائلهم واعتصموا بإيمانهم على نحو يَجِلُّ عن النظير..!!

على أن كل معجزاتهم التي حققوها، لم تكن سوى انعكاس مُتواضع للمعجزة الكبرى التي أهَلَّت على الدنيا يوم أذن الله لقرآنه الكريم أن يتنزل، ولرسوله الأمين أن يُبلغ، ولموكب الإسلام أن يبدأَ على طريق النور خُطاه..!!).

إنهم تلامذة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين التحقوا بجامعته منذ أن نطقوا الشهادتين، وعاشوا في هذا المحيط التربوي الإلهي المحفوف بالروعة والجلال، يا لها من جامعة استمرت ثلاثة وعشرين عامًا تخرج فيها الخلفاء والقادة وأمراء الجيوش، وولاة الأمصار والقضاة والفقهاء، والمحدثون والمستنبطون والمشرعون، تخرجت فيها أمة كاملة تحب العدل، وتعتز بكرامة الإنسان، وترضى بالمساواة، وتركَن إلى الشورى، وتمجِّد الوفاء، وتحفظ حقوق العلماء، تعلم الجهلاء وترشد السفهاء... ثلاثة وعشرون عامًا والوحي ينزل من السماء ومحمد يبلغ ويحدث، فتبليغه وحي، وكلامه سُنة، وفعله قدوة، والناس راضون والإسلام يعلو شأنه يومًا بعد يوم، ومن هذه المدرسة اندفع الرعيل الأول من المؤمنين إلى العالم يحملون قرآن - رب - محمد - صلى الله عليه وسلم - وأدبه، والقدر يخط لهم في صحائف المجد في فتوح البلدان ونور الإسلام يشع فيضيء الدجنة الحالكة بين الناس، تخرج فيها: أبو بكر في إدارته وحزمه، وعمر في تنظيمه وعدله، وعثمان في كرمه وحلمه، وعلي في شجاعته وزهده، وقادة الجيوش وأمراؤهم: خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص، وغيرهم من عباقرة الإسلام[8].

ألا يكفي هذا الجيل الفريد العبقري الفذ شهادة وإشادة القرآن الكريم لهم ولقائدهم وأستاذهم من قبلهم النبي المعلم - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾[9].

من أشد ما يدهش معظم المستشرقين ممن تناولوا تاريخ وإنجاز جيل الصحابة هيَّ تلك البيئة الحاضنة لهم، والتي تحولوا فيها، وشهدت انطلاقتهم إلى باقي الأمم، وذلك عبر دراسة استقصائية لمروياتهم تتبعًا لكتبهم ودراساتهم ولا يتسع المقال بالطبع لسردها على نحوٍ تاريخي، ومعقد الدهشة هو أن البيئة بكل معطيات المنطق الذين درسوه لا يمكن أن تؤدي إلى تلك النتيجة الباهرة التي لا تفوق حد الواقع فقط بل حد الخيال.

ربما تمثل هذا أحسن تمثيل بالنيابة عن أصحابها من أهل الاستشراق الكاتبة الإيطالية الدكتورة (لورا فيتشا فاليري)[10]، فتقول: (في بلدٍ قَفرٍ بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ منعزلٍ عن الإنسانيةِ المتمدنةِ، تفجَّرَ ينبوعُ ماءٍ سلسلٍ عذبٍ منعشٍ، بين قومٍ من الهَمَجِ جبابرةٍ غلاظِ القلوبِ لا يخضعونَ لسلطانٍ ولا يتقيدون بقيدٍ. ذلك الينبوعُ هو دينُ الإسلامِ الذي تدفَّقَ بغزارةٍ، واتَّخَذَ سبيلَه في الأرضِ سربًا، فكان نُهَيرًا استحالَ بعده إلى نهرٍ عظيمٍ. سرعانَ ما تفرَّعَتْ منه آلافُ الجداولِ والأنهارِ التي تغلغلتْ في البلادِ طولاً وعرضًا. ولم يلبثْ الناسُ أن تذوَّقوا هذا الشرابَ العجيبَ، وشُفوا من أمراضِهم الاجتماعيةِ، واتَّحَدَ المختلفون منهم والمتخاصمونَ، وانطفأتْ نيرانُ الحقدِ والكراهيةِ المبثوثةِ في صدورِهم، وزالَ من بينهم أسبابُ النفورِ والخلافِ. استحالَ هذا الماءُ المقدَّسُ سيلاً جارفًا اكتسحَ بقوته الساحرةِ بلادًا عظيمةً، فثَلَّ عروشَها وطُوِيَ مجدُها طيّ السجِلِّ للكتبِ. لم يعرفْ التاريخُ حادثًا مماثلاً لهذا الحادثِ الخطيرِ، لأن السرعةَ العظيمةَ التي أتم بها الإسلامُ فتوحاتِه، كان لها أبلغَ الأثرِ في حياته. إذ أنه بعدَ أن كان عقيدةَ نفرٍ كثيرٍ من المتحمسينَ، أصبحَ دينًا لعدةِ ملايينَ من الناسِ! وليتَ شعري كيف تأتّى لهؤلاء المجاهدينِ غيرِ المدربينَ أن ينتصروا على شعوبٍ يفوقونهم مدنيةً وثروةً، ويزيدونَ عليهم درباً ومراساً للحروبِ؟ وكيف استطاعوا أن يبسطوا سلطانهم على بلادٍ متسعةِ الأرجاءِ، وأن يحتفظوا بفتوحاتِهم هذه ويوطِّدوا هذا الصرحَ العظيمَ الذي ثبتَ أمامَ حروبٍ شديدةٍ استمرَّتْ قروناً عديدةً فلم تقوَ على هدمِه ونقضِ بنيانِه الشامخِ المتينِ؟ وكيف أمكنَ لهذا الدينِ أن يوطِّدَ في نفوسِ أولئك المهتدينَ الحديثي الإيمانِ أمتنَ الأسسِ؟ وكيف تسنى له أن يحتفظَ بحيويته العظيمةِ التي لم تعرِفْ مثلَها ديانةٌ أخرى من قبلُ، حتى بعدَ ثلاثةَ عشرَ قرنًا خَلَتْ بعد حياةِ مؤسِّسِهِ؟ وكيف استطاع هذا الدينُ أن يغرسَ تلكَ الحماسةَ الدينيةَ في نفوسِ أتباعِه الجددِ، المختلفينَ عن أتباعه الأولِ في الجنسِ والثقافة، فحذَوْا حَذْوَهم في الإخلاصِ والتضحيةِ في سبيله؟ لعَمري إن هذا كلَّه ليبعثُ في الإنسانِ الشيءَ الكثيرَ من الدهشةِ والذهولِ.

أفليسَ من أكبرِ معجزاتِ هذا الدينِ الجديدِ أن يؤلِّفَ بين قلوبِ أقوامٍ كهؤلاءِ العربِ، عاشُوا أجيالاً عديدةً في مخاصماتٍ شديدةٍ وحروبٍ أهليةٍ مستمرةٍ، فعرفوا بفضلِه الاتحادَ والإخاءَ والسلامَ؟

إن الإسلامَ يمتازُ بفضائلَ، وأكبرُها فضيلتا الرحمةِ والعدلِ. وإن الناس لتتلهفُ على دينٍ يتفقُ وحاجياتهم ومصالحهم الدنيوية ولا يكون قاصرًا على إرضاءِ مشاعرِهم، بل يريدون أن يكونَ وسيلةً لأمنِهم وطمأنينتهم في الدنيا والآخرة. وليس هناك من دينٍ تتوفَّرُ فيه هذه المزايا كلُّها بشكلٍ رائعٍ سوى دين الإسلام).

من الملاَحظ أن لورا فيتشا فاليري أرجعت ما أصبح عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى الإسلام فقط كمعجزة بينما الواقع يشهد أنهم ما تشرَّبوا هذا الدين بعباداته ومعاملاته وسلوكياته قولاً وفعلاً إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى جسَّد الإسلام تجسيدًا شبهته فيه زوجه السيدة عائشة- رضي الله عنها- بأنه كان خلقه القرآن، فيصبح فضل ماهم فيه مردود إليه صلى الله عليه وسلم.

يؤكد هذا الشيخ محمد الغزالى[11]، حين يقول: (ونبى القرآن كان في حياته الخاصة المثال الأول، والأزكى، والأرقى، لكل ما أرضى به الله ووجه إليه العباد.. أمر الله بفرائض، وحث على نوافل، وأحل حلالا، وحرم حرامًا، وضع حدودًا، وساق عبرًا إنك واجد ذلك كله "نظريًا" في كتاب الله، ولكنك واجد التنفيذ "العملي" له ظاهرًا وباطنًا في سيرة محمد نبي القرآن).

إن ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أخرج للبشرية هذا الجيل الفائق الجودة في كل منحى ليقف - وحده - دليلاً كافيًا من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - لا يحتاج دليل سواه، ويشهد بهذا الفقيه المالكي شهاب الدين أبو العباس القرافي، فيقول: (لولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه، لكفوه لإثبات نبوته)[12].


[1] عباس العقاد، عبقرية محمد ص 81-82.
[2] الدكتور محمد عبده يماني، السلام عليك يا رسول الله، مجلة المنهل العدد 484 المجلد 52.
[3] الدكتور عائض القرني، محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه ص115.
[4] محمد الغزالي، علل وأدوية ص 122.
[5] محمد الغزالي، الغزو الثقافي يمتد في فراغنا ص 136-137.
[6] الدكتور محمد عمارة، رجال عصر النبوة بمجلة المنار الجديد العد 39/ 2007.
[7] خالد محمد خالد، رجال حول الرسول ص 7-8.
[8] الدكتور محمد بديع شريف، المساواة في الإسلام ص47-49.
[9] سورة الفتح: 28-29.
[10] لورا فيتشا فاليري، محاسن الإسلام، ص 115.
[11] محمد الغزالي، ركائز الإيمان بين العقل والقلب ص 195.
[12] الرسول المعلم للشيخ عبدالفتاح أبو غدة ص 14.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/59421/#ixzz2dkUpaEHG

الخميس، 11 يوليو 2013

مرسي عدلي السيسي رمضان..بقلم السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي

مرسي عدلي السيسي رمضان..بقلم السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي



نادر آخر أبنائي ممن عايشوا ثورات الربيع العربي، وهو على أعتاب المرحلة الإعدادية، الوحيد الذي نشأ في بيتي معارضًا، والذي يشتاق لسماع باسم يوسف، ويناصر تمرد، والميادين التي يحب أن يراها ميادين الثوار وخاصةً ميدان التحرير، ولذا فليس هناك ألذ عنده من سماع "ارحل".. 
سأنقل لكم الحوار الأخير الذي دار بيني وبينه بالفصحى، رغم جماله وسخونته بالعامية، ناوشته ونحن نشاهد التليفزيون المقسمة شاشته بعدد ميادين مصر، وذلك بعد عزل مرسي، وتولية عدلي:
ـ ما اسم رئيس مصر الحالي يا نادر؟
ـ مرسي عدلي السيسي.
ـ وكيف هذا.. المفروض رئيس واحد فقط؟!
ـ مرسي هو الرئيس المعزول، وعدلي هو الرئيس المؤقت، والسيسي هو الرئيس الفعلي.
ـ الفريق السيسي وزير دفاع فقط.. وليس رئيسًا..
ـ لولا أن الفريق السيسي عزل مرسي ما كان جاء عدلي، والمظاهرات المؤيدة لمرسي تطالب من بعودة مرسي؟.. ها .. أجبني أبي.. تطالب من؟
ـ تطالب السيسي.
ـ إذن فالسيسي هو الرئيس الفعلي كما قلت لحضرتك.. ولا أدري لماذا الإصرار على عودة مرسي؟
ــ أنا كنت متعاطفًا معه، وشرعيته ، ولكن بعد هذه المعارضة، وعزله فيما يشبه إنقلابًا عليه، تجعل أمر عودته مستحيلاً إلى حدٍ ما. 
ــ لا ليس انقلابًا.. فالسيسي لم يتولى مكانه الرئاسة.. السيسي نفذ مطالب الشعب.
ــ كان يعطيه فرصة.. يمهله .. جيلنا تحمل مبارك سنوات..
ــ (مقاطعًا).. جيلكم صبور.. ما شأننا؟!.. عام مضى من فشل إلى فشل أكثر و أكبر.
ــ كان بودنا ينجح فقد كان ممثلاً للتيار الإسلامي..
ــ مال مرسي وجماعته ومال الإسلام، أنت وماما تحزنان على مصيره، وتعتقدان أن هذا هزيمة للإسلام، ونصر للعلمانيين والمسيحيين، وهذا خطأ، لأن الإسلام قبل الإخوان وبعدهم، والمسيحيون والعلمانيون ليسوا أكثر منا، والعلماني فيه مسلم ومسيحي.. يعني هذه خسارة جماعة .. وليس الإسلام.. وكان عليه أن يخرج ويعتذر للمتظاهرين، ويعلن تركه لهذا المنصب حقنًا لدماء الشباب الذين يموتون.. أليس له أولاد .. أأولاده أهم من أولاد الناس؟!
ــ هذا الكلام الذي تسمعه من المعارضين للتيار الإسلامي..
ــ أبدًا هذا من مناقشاتي أنا وأصدقائي على فكرة .. 
ــ هيا إلى النوم مبكرًا لكي تستيقظ على السحور.
ــ ما هذا.. أرمضان أتى؟!
ـ نعم .. يا فالح أتى، وغدًا أول أيامه..
ــ لا .. ليس هذا عدلاً .. لقد جاء بسرعة، ولم أكن أعلم.
ــ قلنا لك وأنت نسيت .. وإذا لم يعجبك يا حبيبي إعمل حركة تمرد ضده.. واجمعوا استمارات تطالب برحيل "رمضان" ..
ــ أو نعمل مظاهرات ونطالب بعودة "شعبان" المعزول، تضامنًا مع الشرعية.
ــ رمضان ليس مرسي أو مبارك.. رمضان قادم .. قادم .. وليس لك إلا الاستسلام والإنسحاب من الميدان.. وتمضي إلى سريرك.. 
ــ (متذمرًا).. ما هذا .. مرسي وعدلي والسيسي .. ورمضان في يوم واحد!!

السبت، 15 يونيو 2013

هل هاجرت "بركة" وصامت؟

  



كانت بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمر بن النعمان الحبشية - جارية عبدالله بن عبدالمطلب والد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي مات بالمدينة وولده جنينًا لم يمر عليه في أحشاء أمه سوى شهرين، فآلت ميراثًا إلى ابنه.

 

ولذا فقد صاحبت رسول الله من قبل مولده وحتى بعد أن وُلِد إلى أن توفاه الله - صلى الله عليه وسلم - فشاركته أفراحه وأحزانه، بل لم تفارقه حتى في بعض غزواته.

 

صاحبت بركة آمنة أم النبي - صلى الله عليه وسلم - رحلتها الأخيرة من مكة إلى المدينة، بعد أن بلغ الطفل أعوامه الستة، وأدرك أن له والدًا توفِّي يافعًا لم يره، وكانت رحلة آمنة الأخيرة في الحياة لتبدأ بعدها رحلتها الأولى إلى الآخرة، وذلك بعد عودتهم من المدينة في منطقة الأبْوَاء بين مكة والمدينة.

 

ثم انتقلت مع انتقال حضانة الطفل اليتيم إلى دار جده عبدالمطلب، وبعد وفاة الجد انتقلت مع الطفل اليتيم إلى دار عمه أبي طالب دون غيره من الأعمام، مع كونهم أيسر منه حالاً؛ وذلك لأنه كان شقيقًا لعبدالله والد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ أمهما فاطمة بنت عمر بن عائذ، إلى كونه القائم مقام المطلب في قريش‏.‏

 

كما انتقلت معه إلى بيت الزوجية حين تزوج - صلى الله عليه وسلم - السيدة خديجة - رضي الله عنها - ولم يرض أن تظل جاريةً له، وكيف وهو الذي يقول عنها: "إنها أمي من بعد أمي"، فأعتقها في يوم زواجه؛ لتحس معه بالفرحة، وتكون حاضرةً بوصفها أمه بحق وهي حرة مختارة، ورأت خديجة حب زوجها لبركة، فأكرمتها، بل تكفلت بتجهيزها عندما تقدم إليها عبيد بن زيد من بني الحارث بن الخزرج، فولدت له أيمن، ثم مات عنها.

 

دخل الإسلام دار خديجة، فأسلمت وأسلمت أيضًا أم أيمن - رضي الله عنهما - في أول العهد بالإسلام مع من أسلم من بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت من السابقين الأولين، بل ومن الذين هاجروا الهجرتين إلى الحبشة - كما يشاع - وإلى المدينة بعد ذلك.

 

ومن المؤكد أنها هاجرت إلى المدينة، غير أن الحافظ قال: (إنها لم تهاجر إلى الحبشة، ماتت في أول خلافة عثمان، وهي غير بركة أم أيمن الحبشية، التي كانت مع أم حبيبة بالحبشة، فبركة الحبشية التي كانت مع السيدة أم حبيبة كانت تكنى أم يوسف، وفي كون أم أيمن هاجرت إلى أرض الحبشة، قولٌ فيه نظر؛ فإنها كانت تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجها مولاه زيد بن حارثة، والثابت أن زيد لم يهاجر إلى الحبشة، ولا أحد ممن كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك، فظهر أن هذه الحبشية غير أم أيمن وإن وافقتها في الاسم، قال الأبي في السيرة الحلبية: والمعروف أن الحبشية إنما هي بركة أخرى جارية أم حبيبة، قدمت معها من الحبشة، وكانت تكنى أم يوسف، كانت تخدم النبي؛ أي: وهي التي شربت بوله)[1].

 

ولم يذكر أحد من العلماء أن بركة أم أيمن خادمة النبي - صلى الله عليه وسلم - هاجرت إلى الحبشة سوى ابن عبدالبر، وتبعه في ذلك ابن الأثير، والقول في ذلك مع ابن حجر[2].

 

وهذا ما يؤكده عبدالرحمن كيلاني[3] في رده على الكاتب الإسرائيلي أرليتش هاغاي الذي تناول حدث هجرة المسلمين إلى الحبشة في كتابه: "أثيوبيا والشرق الأوسط"، فقال كيلاني: (لقد احتوى الفصل الأول من كتاب أرليتش عدة أخطاء دينية وتاريخية، ولا عجب؛ فعلى سبيل المثال يدعي المؤلف أن أم أيمن - رضي الله عنها - وقد كانت أمة حبشية أعتقها النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت من ضمن الذين هاجروا إلى الحبشة في الدفعة الأولى، ولم يأت المؤلف بدليل على زعمه هذا، ومحمد بن إسحاق وغيره لم يدرجوها بين أسماء الذين هاجروا إلى الحبشة).

 

والمعلوم أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا من القرشيين، ولن يجد من يستقصي أسماء من هاجروا من الصحابة اسم أحد من الموالي، مع أنهم كانوا أصحاب الحظ الأوفر من التنكيل والتعذيب أكثر مما نال غيرهم ممن هم من أصحاب المنعة والنسب والمكانة في قريش.

 

بعد عرض ما تقدم نخلص إلى أن أم أيمن لازمت الرسول - صلى الله عليه وسلم - طيلة حياته، ولم تفارقه إلا حين سبق - صلى الله عليه وسلم - بناته وزوجه سودة بنت زمعة إلى المدينة مهاجرًا، وأما فراقها له بعد زواجها، فما كان ليدعها تنتقل إلى بيت الزوجية دون زيارتها، يدل على هذا ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - فيقول: "ذهبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أم أيمن نزورها، فقربتْ له طعامًا أو شرابًا، فإما كان صائمًا، وإما لم يرده، فجعلت تخاصمه؛ أي: كُلْ)؛ رواه مسلم، وفي رواية: فأقبلت تضاحكه وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبتسم لتصرفاتها ويهش لها.

 

حتى بعد زواجه من السيدة عائشة لم ينقطع عنها ولم تنقطع عنه - صلى الله عليه وسلم - وذلك فيما روته السيدة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -: "شرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا وأم أيمن عنده، فقالت: يا رسول الله اسقني، فقلتُ لها: ألرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقولين هذا؟، قالت: ما خدمته أكثر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صدقت" فسقاها.

 

روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ "لما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفنا وخلف بناته، فلما استقرَّ بعث زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظَّهر، وبعث أبو بكر معهما عبدالله بن أريقط ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى ابنه عبدالله بن أبي بكر أن يحمل أمي أم رومان، وأنا وأختي أَسْمَاء، فخرجوا مصطحبين، وكان طلحة يريد الهجرة فسار معهم، وخرج زيد وأبو رافع بفاطِمَة وأم كُلْثُوم وسودة بِنْت زمعة، زوج النبي - صلّى الله عليه وسلّم - وأم أيمن، فقدمنا المدينة والنبِي - صلى الله عليه وسلم - يبني مسجده وأبياتًا حول المسجد، فأنزل فيها أهله‏"؛ أخرجها الثلاثة[4].

 

وأخرج الطبراني من وجه آخر عن عائشة قالت‏: "لما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر خلفنا بمكة، فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة وأبا رافع، وبعث أبو بكر عبدالله بن أريقط وكتب إلى عبدالله بن أبي بكر أن يحمل معه أم رومان وأم أبي بكر، وأنا وأختي أسماء، فخرج بنا وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة، وأخذ زيد امرأته أم أيمن وولديها أيمن وأسامة، واصطحبنا، حتى قدمنا المدينة، فنزلت في عيال أبي بكر، ونزل آل النبي - صلى الله عليه وسلم‏ -‏ عنده، وهو يومئذ يبني المسجد وبيوته، فأدخل سودة بنت زمعة أحد تلك البيوت، وكان يكون عندها، فقال له أبو بكر: ‏ما يمنعك أن تبني بأهلك؟‏ فبنى بي"؛ الحديث‏[5].

 

ذكرت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في الحديثين المتقدمين من هاجرن معها أو من هاجرت معهن، وفيهن أم أيمن؛ كما جاء في الحديث الأول، وفي الحديث الثاني فصلت فألحقت بأم أيمن ولديها أيمن وأسامة، وغني عن الذكر أن زيد بن حارثة زوج أم أيمن مُرسل بتكليف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإحضار أهل بيته، فهل يعقل أن يخالف زيدًا التكليف النبوي؟ وهل سيتخلى عن مروءته ويترك أم ابنه لتهاجر وحدها؟! وما هي الضرورة التي تقتضي ذلك؟

 

كما أن الذي يُفهَم من الحديثين أن المهاجرات الطاهرات بدأن الرحلة معًا وأنهينها معًا، أما ما ورد في حديث جرير بن حازم: حدثنا عثمان بن القاسم، قال: "لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء، فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة، وجهدت، فدلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فشربت، وكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشتُ[6]، فيوؤل أن أم أيمن - ربما - ضلت الطريق عن الركب حال التوقف، ثم عادت وانضمت إليهم ثانية؛ وذلك لأنها لم تصل المدينة وحدها.

 

والروحاء - المشار إليها في حديث عثمان - بينها وبين المدينة مرحلتان، وفي صحيح مسلم: بينهما ستة وثلاثون ميلاً؛ أي: ما يعادل السبعين كيلو مترًا[7]، وهذا ما ينفي خروجها وحدها من مكْة.

 

وإذا احتج أحدٌ بأن أم أيمن لم تكن وحدها التي هاجرت من مكة إلى المدينة وحدها، فقد صنع نفس الصنيع كلٌّ من أم سلمة وأم كلثوم بنت عقبة، قلنا: إن لكل من الصحابيتين الجليلتين ضرورة مُلحة في الخروج وهذه الضرورة منتفية تمامًا عند أم أيمن، فأم سلمة سبقها زوجها بالهجرة واحتبسها قومها وابنها عنه، فأرادت اللحاق به، وأم كلثوم عزمت على الفرار بدينها خوفًا من الفتنة على دينها وقومها أهل شرك عتيد، ثم إن كلاًّ منهما لم تهاجرا وحدهما؛ فأم سلمة لقِيتْ بالتنعيم عثمان بن طلحة أخا بني عبدالدار، فأخذ بخطام بعيرها، حتى أوصلها إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء وفيها زوجها، وأم كلثوم التقاها رجلٌ من خُزاعة من نفس المكان (التنعيم)، فاطمأنت إليه لدخول (خزاعة) في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعَقده، فأوصلها للمدينة.


والملاحظ أن الرجلين كانا على خلقٍ قويم التزما بآداب الصحبة والنخوة والمروءة العربية رغم كفر عثمان وإيمان الخزاعي، ولم تمش كلٌّ من المرأتين المسافة كلها من مكة إلى المدينة؛ فالتنعيم يبعد عن مكة - بداية هجرتهما - ستة كيلو مترات، فما بالنا بامرأة معها طفليها وزوجها المكلف بإحضارها ومن يضمهن بيت النبوة.. أكان تاركها؟! ولو تركها لظروف لا نعلمها، أيتركها بلا راحلة ولا زاد؟!


وإذا أثبتنا أنها لم تهاجر، نسأل: أي صوم صامته أم أيمن وهي في طريق هجرتها إلى المدينة؟ فالثابت أن الصوم فرضه الله - عز وجل - في السنة الثانية من الهجرة، وكما قال النووي: (صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضان تسع سنين؛ لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة )[8].

 

قصم ظهر الصحابية الجليلة أم أيمن فقدها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكته وبكته حتى أبكت من حولها حين قالت[9]:

حين قالوا الرسول أمسى فقيدَا 
ميتًا كان ذاك كل البلاء 

وابكيا خير من رزئناه في الدنيا 
ومن خصه بوحي السماء
 
بدموع غزيرة منك حتى 
يقضي الله فيك خيرالقضاء
 

 

عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر - رضي الله عنه - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها"[10].

 

إنها (بركة) التى بارك الله في عمرها، لتنعم بالقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعايشته بما لم تحظ به أمه التي أنجبته؛ إذ هي الصحابية الوحيدة - ربما - التي حظيت بطول الصحبة به من قبل ميلاده، وطوال حياته، وحتى وفاته، فلم يفكر في أن يبعدها عنه، ولا هي فضلت العيش بدونه، كانت معه وحوله، أحبته بالقول، وأحبته بالفعل فصدقت في الاثنين.



[1] دراسة نقدية: هجرة المسلمين إلى الحبشة، هامش ص11.

[2] الحافظ ابن حجر؛ الإصابة في تمييز الصحابة (7 / 37).

[3] عيسى مصبح خلف؛ تعقبات الحافظ بن حجر في كتابه الإصابة على الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب، ص 104.

[4] ابن حجر؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -وأصحابه إلى المدينة، المستدرك على الصحيحين (6716).

[5] ابن حجر؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري، بقية كِتَاب الْمَنَاقِبِ، باب تَزْوِيجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ وَقُدُومِهَا الْمَدِينَةَ وَبِنَائِهِ بِهَا.

[6] الإصابة 4 / 77 ودلائل النبوة (2372) حسن لغيره.

[7] صحيح البخاري، كتاب الصلاة، أبواب استقبال القبلة، باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم.

[8] النووي، "المجموع" (6/250).

[9] ابن سعد: الطبقات الكبرى (2/332).

[10] رواه مسلم في كتاب "فضائل الصحابة"، باب فضائل أم أيمن برقم (2454).



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/56454/#ixzz75EpDD0um


 

الثلاثاء، 28 مايو 2013

الأديب المصري المتألق السيد إبراهيم أحمد في حوار مفتوح من تنشيط الشاعر ياسين عرعار


في نهاية هذا الحوار الياسيني الرائع، أقدم مجددًا أسمى آيات الشكر 
للشاعر الكبير والمحاور القدير الأستاذ/ ياسـين عرعار الذي أفسح لي ـ مشكورًا ـ هذه المساحة الطيبة من البوح على صفحاته المضمخة بتلاقح الأفكار، واستدرار الأسرار، وذلك من صنع أسئلته التي اتسمت باللماحية والشفافية واختراق حجب المكنون، لتكون عنوانًا لمقدرته الفذة في فن الحوار. وأشهد الله بأنني لم أسعد بمثل هذا الحوار من قبل.. لا على المستوى المقروء أوالمنطوق أوالمرئي، من حيث عمق السؤال، وبراعة الاستهلال، وتوليد الأفكار من الاستفسار، والمناورة والاستكثار، بغية سبر الأغوار، وإثراء الحوار. فالشكر كل الشكر لما حباني به من ثمين وقته، وما أفاض عليَّ من تكريم أرجو أن أبلغه. .................................................. ............ كما لايسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر العميق.. للشاعر الكبير الأستاذ/ عادل سلطاني الذي استقطع من وقته الثمين لكي يضمخ هذا الحوار بعبير وعميق أسئلته التي أرهقتني وأسعدتني.. وأشكر له مجهوده المبذول والمحمود في تنقيح وترتيب، ومراجعة هذا الحوار.. .................................................. .. ولايمكن أن أنسى الناقدة البارعة والأديبة الرائعة الدكتورة/ عبير البرازي على كريم ترشيحها لشخصي، ورعايتها لهذا الحوار الذهبي.. بالدعوة إليه، ومداخلاتها الواعية.. وإطلالتها الدائمة الساهرة عليه.. ............................................. وأتقدم مختتماً بحسن الختام إلى سيادة المفكر الكبير وسفير الثقافة العربية الدكتور/ محمد حسن كامل رئيس إتحاد الكتاب والمثقفين العرب .. على تفضله بإبلاغي بالترشيح لهذا الحوار الذهبي، والعصف الذهني، ورعايته الكاملة رغم مشاغله.. ومداخلاته المتميزة .. وأجدد مناشدتي له ـ مشكورًا ـ أن يتمم كريم فضله في تقديم هذا الحوار واعتماده من اليونسكو كما أشارت بذلك السيدة نائبة المدير العام.. .................................................. .... وأشكر كل من شارك بتقديم التهنئة على صفحات الحوار، أو بالبريد .. ومن لم يشارك.. وخالص مودتي وتقديري وتحياتي وامتناني

الأحد، 14 أبريل 2013

المنظومة الأسنى في الأسماء الحسنى بقلم السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي

المنظومة الأسنى في الأسماء الحسنى بقلم السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي



وبأسماء المولى تعالى ـ ـ ـ ـ الحُسنى لله لَبيـــــــــــتْ
اللهُ الرحمان يرحمنــــا ـ ـ ـ ـ بالرحيم سَميت وبديـــتْ
الملك القدوس يجمعنـا ـ ـ ـ ـ للسلام المؤمن جيــــــتْ
بالمهيمن هِمنـا جـلالاً ـ ـ ـ ـ يا لعزيز بالعزة ناديـــــت
يُجبُرنا الجبــار مولانا ـ ـ ـ ـ يا لمتكبر نظرة ياريـــــتْ
الخالقْ البـــاري تجلىَ ـ ـ ـ ـ للمصور أنا صليــــــــــت
والغفــــار إن يغفر ليِّاَ ـ ـ ـ ـ القهار يقهر طواغــــــيت
الوهاب وبفضلهُ وهَبْ ليِ ـ ـ الرزاق أعطاني وعَطِيت
الفتـــاح فتَّحْ لي ابوابه ـ ـ ـ ـ وبعلمِ العَليم خَطْيـــــــت
القـــابض شر أعادينــا ـ ـ ـ ـ الباسط لآل البيـــــــــــت
مايخفضنا الخافض أبدًا ـ ـ ـ ـ والرافع عَزِّني فَعْلِـــــيت
من عـــــز المعز العزة ـ ـ ـ ـ وبذل المُذل بكـــــــــــيت
يسْمعني السميع يرحمني ـ ـ ـ ـ البَصير بَصْرْني مشيت
الحكم العــــدل ونصفني ـ ـ ـ ـ اللطيف يلطف ماجنـــيت
الخبيـــر بأمري وحِلْمهُ ـ ـ ـ ـ الحليم منُ اتحليـــــــــــت
بالعظيم أقسمت ما أعصى ـ ـ ـ ـ الغفور أبدًا ماحيــــيت
الشكـــــور إن تشكر زادك ـ ـ ـ ـ ولْربي العَلِّي طاطيــت
الكبيــــــر ولا غيرك أكبر ـ ـ ـ ـ الحفيظ يحفظني دعيت
المُقيـــت قواني بقُوُتـه ـ ـ ـ ـ الحسيب حاسب ماعصيت
الجليل ساجد لجمــــــاله ـ ـ ـ ـ ولكرم الكريم حنيــــــــت
الرقيــب يخشــاه العارف ـ ـ ـ ـ يالمجيب ارفع مابَليـــت
الواسع وبفضله وَسَعْني ـ ـ ـ والحكيم من هديه روِيـت
الوَدود وبــــودهُ وَصَلْني ـ ـ ـ ـ وبمجد المَجيد عَدِيـــــت
الباعث بالخيــــر يبْعَثني ـ ـ ـ ـ وِشهَدْ لي الشهيد فنْجيت
الحق الوكيــــل سبحانـــه ـ ـ ـ ـ القوى متين فقوِّيـــــــت
الوَليِ بعبــــــــدهُ توِّلىَ ـ ـ ـ ـ ع الحميد حمدًا أثنيــــــــت
المُحصي أفعالنـــا المُبدي ـ ـ ـ ـ المُعيد محيي ومميـــــت
الحي القيــوم الواجــــــد ـ ـ ـ ـ للماجد طفت بالبيــــــت
الواحد الصمد القــــــادر ـ ـ ـ ـ مُقتَدِرٌ مولانـــا ناجيـــــت
المُقَدِمُ محا ماتقـــــــــــدَمْ ـ ـ ـ ـ يامُؤخِر أخِرْ ماحَصِــــيتْ
الأول و الآخر ربـــــــــي ـ ـ ـ ـ للظاهر باطن صَفِـــــــيت
الــوالي يتـــولى شــئوني ـ ـ ـ ـ بالمُتعالي البَر عَفــــــيت
التواب يتقبِل توبـــــــــــتي ـ ـ ـ ـ يا منتقم العفو نْسِــــيت
الرؤف المالك مُلكـــــــهُ ـ ـ ـ لذوالجلال لاكرام خَطيـــت
المُقسط يجمعنا الجامع ـ ـ ـ ـ بالغني المغني غِنيـــــــــت
المانـع الضار يحميــني ـ ـ ـ ـ النافع بالنـور حســــــــيت
الهادي البــــديع ولا أبــدع ـ ـ ـ ـ البــاقي مسلم مابقــيت
الوارث ولا غيـــرك وارث ـ ـ ـ الرشيد بهدايته هَديـــت
يصبَّرني الصبور أتحمِّلْ ـ ـ ـ ـ وبأسمائك الحسنى دعيت
تدخلني الجنة برحمـاتك ـ ـ ـ ـ مش حمل النار إن خشيت
تجمعنا يارب برســـولك ـ ـ ـ ـ ف الفردوس ياما أتمنيت
واسقيني بالحب طهــورًا ـ ـ ـ ـ لأسمائك طايــع أحصيت
تتقبــل مني ما أنشــــدته ـ ـ ـ ـ للسامع وشايفني ياريت

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

الوفاء .. معجزته صلى الله عليه وسلم - سيرة - موقع آفاق الشريعة - شبكة الألوكة

الوفاء .. معجزته صلى الله عليه وسلم - سيرة - موقع آفاق الشريعة - شبكة الألوكة


لمَّا ثبت في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصدق وهيَّ صفة عظيمة تتجاور إلى جانبها صفات أخريات، بل وتتولد عنها صفات، ثبت في حقه أيضًا الوفاء الذي هو أخو الصدق، وقد عدد الرسول صلى الله عليه وسلم الصفات ونقائضها بتراتبية عجيبة بدأها بالإيمان، وثنى عليها بالصدق، وأقام بعدهما الوفاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"[1].

وقال ابن حزم: "الوفاء مركب من العدل والجود والنجدة"[2].. فيما يثبت أن الصفات الطيبة تجمعها التكاملية، كما تتجاذب الصفات السيئة في الشخص الواحد.

إذن فكيف لايكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيًا والوفاء سجيةٌ وطبعٌ مركوز فيه وهو الذي يتلمسه فيستبينه المُطالع لسيرته دون عناء؛ فالوفاء عنده صلى الله عليه وسلم دروب متنوعة حتى يخال المرء أنه عم كل حياته كأن ليس فيها إلا تلك الخصلة؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم وفيًا مع ربه عز وجل، وفيًا في عهوده حربًا وسلمًا، وفيًا في معاملاته، وفيًا لأمه في مروره على قبرها في غدواته وروحاته، وفيًا لأقاربه المؤمن برسالته والكافر ويقف عمه أبو طالب خير شاهدٍ على ذلك، وفيًا لمن أرضعنه ثويبة وحليمة السعدية ومن رعته منهن أم أيمن وفاطمة بنت أسد، وفيًا لأصحابه ومن أخطأ منهم خطأً جسيمًا كحاطب بن أبي بلتعة، وفاؤه - صلى الله عليه وسلم - لعهوده وشروطه حتى مع أعدائه ويكفينا ذكر صلح الحديبية وإرجاع أبي بصير مع مجيئه مسلمًا، بل امتد هذا الوفاء النبوي حتي عم الحيوان والشجر والحجر.

أما الذي استرعى الانتباه فهو وفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوجه الأول خديجة والتي سبقت إلى الدار الآخرة في حضور زوجة صغيرة، مليحة، على قيد الحياة، في واقعة استلفتت الكافة من عرب ومن عجم فأداروا فيها الفكر وأمعنوا فيها النظر، وتلك الواقعة نقلتها لنا السيدة عائشة، فقالت - رضيَّ الله عنها -: "اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ؛ فقال: "اللَّهُمَّ هَالَةَ"، قالت: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ الله خَيْرًا مِنْهَا"[3].

ولن نجد غير الأحاديث المروية لتنقل لنا تصوير حدث استقبال سؤال أمنا عائشة المباغت، ففى مستدرك الحاكم ومسند أحمد نقلا قول عائشة - رضى الله عنها - وأرضاها عن موسى بن طلحة: "فتمعر وجهه تمعرًا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحى" "والتمعر هو تغير فى الوجه تعلوه صُفرة"، أما فى صحيح مسلم فكان قول عائشة: "فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب"، ولمتخيلِ أن يتخيل ماذا سيجيب رجل بمثل هذا الغضب وتغير الوجه حتى أنه لعظم غضبه - صلى الله عليه وسلم - شبهته - عائشة - بما يعتوره من تعب تلقى الوحى، إذ كان نعت عائشة لخديجة بـ "حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ"أي العجوز التي سقطت أسنانها من الكِبَر، نعتًا قاسيًا على صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

كان جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاجراً ورادعًا: "والله ما أبدلني الله خيراً منها".. وأخذ يعدد مناقب زوجته السابقة كأحسن ما يناجي الحبيب حبيبه، وهذا علي خلاف المتوقع "آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ ك-ذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الولد دون غيرها من النساء"[4].

مكمن الإعجاز في الجواب، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فضَّل الزوجة المسنة المتوفية، علي الزوجة الصغيرة المليحة التي مازالت معه حية ترزق ولم يكتف بهذا، بل أخذ يدلل علي سر عظمتها عنده واستحقاقها لهذا الوفاء الصادق نقطة نقطة إلي أن وصل إلي النقطة الفارقة بينهما ألا وهي الإنجاب فلم يؤلمها بها، حيث قال بشكل ضمني يفهم سامعه المراد منه "دون غيرها من النساء" ولا يظن ظان أن حسم إجابة الرس-ول - صلى الله عليه وسلم - صدرت منه بهذه الحدة الظاهرة عن كره لزوجته الحالية، كلا.. فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب السيدة عائشة حبًا شديدًا، اعترف به صراحة ودون مواربة أمام صحابي جليل هو عمر و بن العاص حين سأله ذات مرة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ". قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا"[5].

وهنا يكمن سر الإعجاز البشري للرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما تكلم عن زوجة سابقة أحبها في حضور زوجة حالية يُكنُ لها الحب أيضا، ولكنه في قرارة نفسه ظلت خديجة عنده سيدة النساء ليس كمثلها امرأة وإن تكن عائشة بنت صديقه أبا بكر الذي يكن له الحب أيضًا، فقد كان صلى الله عليه وسلم يشع-ر بالبنوة مع خديجة، ويشعر بحنان الأبوة مع عائشة، فقد كانت السيدة خديجة أمًا ترعاه، تمده وتتعهده بالعقل والحنكة، رافقته بدايات رحلة الدعوة الأولى وهو بعد يتلمس الأنصار الأكفاء لدعوته الوليدة، بينما كانت السيدة عائشة بنتًا يدللها ويرعاها، تدخل السرور على قلبه بطرافتها وجمالها وذكائها وعقلها وفطنتها، أكملت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - خواتيم رحلة الدعوة بعد الجهر والقوة والمنعة، كما صاحبته خواتيم حياته الشريفة نفسها فبين صدرها ونحرها كانت وفاته - صلى الله عيه وسلم.

وتذكر كتب السيرة أن السيدة عائشة التي كانت الزوجة الأثيرة عنده - صلى الله عليه وسلم - وختم حياته في بيتها، لم تجرؤ بعد هذا أن تذكر السيدة خديجة أبدًا.

يقول توماس كارليل[6] منبهرًا بوفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لزوجته السابقة المتوفاة: (...كان وفاؤه وفاءً لا تحده حدود.... إنه لم ينس أبدًا زوجته الطيبة الكريمة الأخلاق خديجة. وبعد وفاة زوجته أم المؤمنين خديجة بوقت طويل، سألته زوجته الشابة، وهى امرأة كانت تشعر بمكانتها المتميزة بين نساء النبي، وسألته يومًا قائلة له: " ألستُ أنا الآن أفضل من خديجة؟ لقد كانت أرملة تقدم بها العمر، وكانت قد فقدت رونق شبابها. ألست تحبني أنا أكثر مما كنت تحبها؟ فقال لها: " لا، والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتنى إذ كذبني الناس، ورزقت منها الولد وحُرِمتموه مني").

وحين نسمي هذا إعجازًا في كوننا لا نضعه على قائمة محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما نقصره في بشريته وحسب، فعلى من رأى أن الأمر جد يسير فليطبقه على نفسه ويرى ما هو فاعل وقائل فى حضور زوجته إذا ما ذكر لها طرفًا يسيرًا من سيرة زوجة سابقةً عليها قضت، أو ضمها معها وهما على قيد الحياة.. فهل سيكون بمثل هذا الوفاء؟!.. وهنا يتبدى الإعجاز في وفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ينضم إلى سائر صفاته المعجزة التي سقناها والتي لم نسقها بعد.


[1] رواه البخاري (34)، ومسلم (58).
[2] "الأخلاق والسير" لابن حزم (ص145).
[3] (البخاري ومسلم).
[4] مسند أحمد برقم (24745).
[5] سنن الترمذي، كتاب المناقب، بَاب مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حديث رقم (3820)، وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[6] توماس كارليل، الأبطال وعبادة الأبطال والبطولات فى التاريخ.