الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

ذهبت سمحة.. فلتأتي رانيا..





















قبيل نكسة يونيه 1967عرفت الموسيقى في مدرستي تل القلزم الابتدائية بالسويس، وعرفتها أكثر في مدرسة بني هارون الابتدائية بمحافظة بني سويف بعد تهجيرنا إليها، وكانت مدرسة بالطوب اللبن مكونة من طابقين في إحدي غرفها تقبع آلات موسيقية توزع علينا في حصة الموسيقى بمعرفة الأستاذ عبد التواب الذي كان يأتينا من البندر، أما أولادي الذين التحقوا بمدارس اللغات فلم يعزفوا بل لم يمسكوا آلة طوال حياتهم الدراسية مقارنة بالألوف التي أدفعها، والقروش التي دفعها والدي.


      ثم تابعنا رحلتنا مع الموسيقى عبر الإذاعة والتليفزيون من خلال برامج الدكاترة: يوسف شوقي، سمحة الخولي، رتيبة الحفني، وأخيرًا مع غواص في بحر النغم الراحل عمار الشريعي، ورغم ولوجنا إلى التدين إلا أن الموسيقى الراقية لم تزايل مكانها فينا،  وكنت أنقذ أولادي من الاستماع للموسيقى الهزلية الفجة التي طغت علينا بقعودهم معي أمام تلك البرامج التي ذكرت، حتى ترسخت فيهم القيم الجمالية الأصيلة والناقدة والحاكمة على كافة ما يقدم من فنون.

  ولم يحاول التليفزيون المصري، تليفزيون الدولة، أن يتقدم خطوة نحو إعادة لا تلك البرامج ذاتها، وإنما تقديم برامج مثلها بوجوه جديدة، خاصة أن أرض مصر لم تنضب من مثيلات الدكتورة سمحة الخولي، ولو تطوعت بمشاركة شخصية مني لاختيار إحداهن لاخترت على الفور الدكتورة رانيا يحي، ليس لمحبتي وتقديري لها الشديد، ولكن لتميزها بعدة مواصفات مجتمعة فيها لاتتاح لغيرها، تؤهلها عن جدارة لتقديم برنامج ثقافي ناجح وناجع في آن، أما تلك المواصفات، فهي:

أن رانيا يحي أكاديمية مثل من سبقها، بل تفوقهن بتخصصها في آلتها منذ صغرها، وتشترك مع الدكتورة سمحة في أنها كانت طالبة في ذات الأكاديمية التي أنشأتها، وتدرس فيها الآن مما يجعلها تقف على أهم معوقات التذوق الفني عند هذا الجيل.

  كما أن الدكتورة رانيا شابة، وهو ما سيكسر هذا الإيهام عند الشباب بأن تلك الموسيقى العالمية لاتناسب إلا الطاعنين في السن، وبالتالي سيقبل عليها محاولاً تذوقها.

  بحكم تخصص الدكتورة رانيا في النقد، وإجادتها اللغة العربية بطلاقة، مكنها من تناول الظواهر الحياتية المختلفة سواء أكانت اجتماعية أو فنية أو ثقافية بالنقد من خلال مقالاتها التي تنشرها لها أكثر من جريدة يومية ومجلة أسبوعية، وهو ما سيضفي على برنامجها الحيوية والتجديد بتناول تلك الظواهر من خلال استضافة المسئول عنها، والنقد والقراءة الصحيحة مشترك قوي بين الدكتورتين سمحة ورانيا، وسيكون للقراءة الصحيحة الأثر البالغ في تقديم البرنامج.

   بحكم عمل الدكتورة رانيا في المجال الثقافي سواء في الأكاديمية، أو المجلس الأعلى للثقافة، أو الأوبرا، أو جمعية كتاب السينما، سيتيح لها التعرف على الأنشطة والفرق والوفود والفعاليات الوافدة، وتقديمها للمتلقي الذي لا يعلم عنها شيئًا، كما يتيح لها الإطلاع على كافة المثالب والظواهر السلبية من الفساد والترهل والتراخي الإبداعي، وتسليط الضوء عليها ومحاربتها، ومحاصرتها إعلاميًا، فالثابت أن ليس الخطاب الديني وحده هو ما يحتاج إلى تجديد بل الخطاب الثقافي برمته يحتاج إلى ترميم أو إعادة بناء، وليس هناك أفضل من هذه السيدة فهي من آل البيت الثقافي، وأدرى بشعابه.

  من خلال حفلات الدكتورة رانيا التي تقدمها لجمهورها بانتظام تستطيع الوقوف وتلمس ما تطلبه الذائقة العربية والمصرية، كما أن مزجها للغربي والشرقي من خلال مقطوعاتها التي تعتمد بشكل كبير على الهارموني، أتاح لموسيقى الحضارتين الدخول بلا فظاظة إلى عقل وقلب السامع، كما أن إقبال الجمهور المصري والعربي كمًا ونوعًا ليدل دلالة بالغة على مدى نجاح الدكتورة رانيا في تسويق الموسيقى الراقية، وعلى مدى قبولها عند مشاهديها ومستمعيها، مما يعطي مؤشرًا جيدًا ولا شك على أن الجماهير التي لا تعرفها ستقبلها ولا شك وتقبل على برنامجها.

  ولأن البرنامج الذي أقترح اسمه أيضًا "ساعة مع رانيا"، ستكون مدته ـ بداهةً ـ ساعة تنقسم إلى فقرات تتناول في مقدمته أحد أهم القضايا التي تناولتها خلال مقالاتها، ثم اللقاء بأحد الشخصيات ممن ترى لهم علاقة بسخونة الأحداث الجارية، أو شخصية ثقافية عربية زائرة أو مقيمة، أو مصرية لها ثقلها، وتقديم فقرة تاريخية عن أحد أعلام الموسيقى الراحلين، وتقديم عمل عالمي أو محلي وتشرحه ببساطة وتفسر الألفاظ الموسيقية السائدة عند الناس، وتقديم عمل من أعمالها من آن لآخر.


    أرجو أن ينال اقتراحي هذا مكانه اللائق من وقت وفكر القائمين على التليفزيون المصري ممثلاً في رئيسه، أو رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، أو وزير الثقافة، والقائمون على الإعلام، أو السيد محلب رئيس الوزراء، أو نترجمها في صورة استغاثة ونداء إلى السيد رئيس الجمهورية نفسه، فمع تقديرنا لكافة الشيفات والأطباء والمحللين السياسيين والإستراتيجيين وفقرات المسلسلات والأغاني، نحتاج إلى جانب كل هؤلاء ثقافة أصيلة تتناولها مثقفة متخصصة أصيلة مثل الدكتورة رانيا يحي، ولا داعي للتعلل بالتمويل فهذا برنامج قومي خدمي تنموي مردوده أقوى من نفقاته.

المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/06/30/370722.html#ixzz3lHd9mKoQ
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

رحلة فوزي محمود عبر ضوء القمر...


عبر أربعة عشر قصة  تفترش تسعين صفحة تضمها مجموعة: "رحلة عبر ضوء القمر للأديب المصري الأستاذ فوزي محمود، السويسي المولد والإقامة نسبة إلى مدينة السويس إحدى محافظات جمهورية مصر العربية، ندخل في جوانب سيرة ذاتية في معظمها، ومع ذلك فهيّ تخالف شرط الراحل نجيب محفوظ في اعتبارها سيرة ذاتية لافتقادها عنصر المصارحة الذي يوجب على كاتبها النص على أنها سيرته هو، وفي هذا لم يخالف فوزي محمود سابقيه بل سار على نهجهم من اجترار كلمات: الفتى، الصبي، هو، صاحبنا. وقد دار معظمها في جنبات المجموعة مضافًا إليها الرجل السويسي.

  ما أجمل هذا السرد التاريخي الطويل الذي انتظم مشوار حياة الأديب الذي عاشه ولم ينقله حكايةً عن الأقدمين، ولم يتبرأ منه بفعل النسيان في خلفية حياته التي ضرب عنها صفحًا، ولم يفسره بحنكة الخبراء بفعل السنين، ولم يفلسفه برطانة المثقفين، ولم يبرر ما جاء فيه؛ إذ ليس فيه ما يخجل منه أو يدنس سيرته.

  نقلنا فوزي محمود ببراعة وحرفية كلاسيكية تنازل فيها عن تقنيات القصة الحديثة إلى عوالمه التي عاشها طفلًا ثم يافعًا، ثم شابًا، ثم شيخًا،والتي تنقل فيها تلميذًا موهوبًا، ثم عاملًا، ثم محاربًا، ثم محبًا، وزوجًا وأبًا وجدًا، عبر قصصه: "رحلة عبر ضوء القمر، وحلقت النسور من جديد، بعد الغروب، الليالي المقمرة، الأزرار المفقودة، شهود الزور، أحجار على الطريق، الثوب الأبيض، العزف على الوتر الثالثن وضحك القمر، طفولة صفحتها بيضاء، دماء على الشاطيء الآخر، الصورة، نصف قرن مضى".

   بلغت براعته وبراءته أقصاها حين صحبنا عبر ضوء القمر في رحلة امتزج فيها الخيال بالواقع دون تنافر، مع ذلك الطفل الذي اقتطعه من حياته الاجتماعية، ورماه نردًا وحيدًا على سطح مدينة لا يعيش فيها سواه، ليقودنا عبر رحلتين، أحدهما أرضية، تمثل جانبًا من حياته في شوارع وطرقات ومحلات مدينته التي حكى عنها بحميمية خالصة مع قارئه السويسي في المقام الأول، ومع قارئه بشكل عام الذي افترض فيه أنه خبير بدروب ومعالم مدينته التي تناولها بتفصيل كثير لم يكن لازمًا، وأخرى فضائية عبر التشبث بخيوط ضوء القمر الذي دار بينهما حديث طويل هاديء تطرحه أرضًا تقنيات القص الأخيرة.

   في نقلة مباغتة نقلنا فوزي محمود مع بطل قصته الذي جاوز مرحلة الطفولة إلى اليفوعة، ومن التلمذة إلى ميدان العمل، ومن السلام إلى الحرب، ومن الخيال إلى الواقع، ومن القرار إلى الانتقال، ومن عالمه الذي ألفناه، إلى عالم أسرته الذي خبأه عنا، وعالم وطنه الذي ادخره مع تاريخ تلك الحقبة ليلقيه فوق رؤوسنا ملتهبًا حادًا، أو جليدًا صادمًا، فتتلمس أقدامنا الأرض معه، عبر قصته "وحلقت النسور من جديد" التي تغطي حقبة وطنية، تاريخية، أفقية عبر تاريخ مصر الحديث، يبدأها بالهزيمة ثم ينهيها بالنصر، وعبر امتداد جغرافي من جنوب مصر إلى العاصمة مرورًا بالسويس، ثم مكان تجنيده، مع ذكر الأماكن للقاريء وكأنه يعرفها مثله!  ومع سخونة أحداث هذا الفصل، لم تنتقل ألفاظ القاص فوزي محمود إلى منطقة الزعيق والصراخ والنداء كالباعة الجائلين للتدليل على حبه لوطنه، وهذا يحسب له، بل قدم الدليل على وطنيته الصادقة تلك ووطنية أسرته عبر مشهد درامي واقعي حين تقدم للتطوع في الجيش المصري دون اعتراض من الأسرة وهو المعفي من التجنيد، ثم يكتشف أن شرط الإعفاء أُلغيَّ، والآن مطلوب القبض عليه من قبل الدولة لتهربه من التجنيد، بل يتبدى ذلك الحب للوطن حين يقضي أجازته من وحدته العسكرية ليس في العاصمة وملاهيها بل في السفر إلى مدينته المحتلة وبيته المهجور.

   لا يغمسنا فوزي محمود في عالمه الخاص والعام بالكلية ولم يبعدنا عنه أيضًا؛ إذ سرد لنا ما يعتنق من قيم نبيلة عبر قصتيه: "الأزرار المفتوحة" و "شهود الزور" للدلالة على الصدق مع النفس ومع الآخرين، والتنازل عن الانتقام لنفسه، في سرد هاديء لا ينفصل عن نفسه وقلمه طوال صفحات مجموعته الرائعة، ومن أجمل القصص التي تقدم عملاً شبه متكامل لقصة قصيرة كلاسيكية كحدوتة هادفة، ناطقة بمشاكل البعد الاجتماعي المصري والبلدان النامية، تأتي قصىة "طفولة صفحاتها بيضاء" لتلعب على تيمة قديمة تكرارية أبدية خالدة صاغها القاص بحبكة تدور في أجواء محلية عبر صفحات قليلة تتعانق فيها قيم الحب مع التضحبة من أجل سعادة الحبيب، وبينما نسرح ونتألم ونفرح مع بطلي القصة، يفاجئنا صوت الكاتب بوسيلة عفى عليها زمن القص، وركلتها السينما تمامًا من أفلامها، وهو يعلق على الأحداث في صوت جهوري أفقدنا بتلك السطور القليلة الإحساس بأن هذا العمل من أجمل قصص المجموعة.

  أن أكثر من عمل في هذه المجموعة القصيرة نسبيًا، يصلح لكي يتحول لعمل روائي قصير من خلال تقنيات السينما الحديثة مثل "رحلة عبر ضوء القمر" وتنقل البطل عبر مصر واليابان، وذلك الحديث الماتع مع القمر، والانسيابية الشعرية الصادقة في الوصف، والسير مع عالم طفل تلك المرحلة، لاستطاع  ذلك الفيلم مخاطبة طفل اليوم، وتعميق الانتماء الذي تطبل وتزمر حوله أبواق الإعلام ليل نهار، ولو سكتت ووفرت ما تنفق من أجل انتاج عمل كهذا لكان أجدى وأنجح.

    إن من أهم مزايا تلك المجموعة هو ذلك السرد التاريخي الذي رفض الأديب فوزي محمود ضمه بين جنباته باعتباره ملكية خاصة له، فسارع بتقديمه للأجيال القادمة من عائلته وأبناء مدينته ووطنه، سلط فيه الأضواء على مراحل تاريخية هامة من حياته وحياة الوطن، وقدم فيه شهادته على تلك المراحل التي عاشها وخاضها، ومثلما كان هادئًا منطقيًا متواضعًا صادقًا في حياته، كان كذلك في مجموعته، فلم يلجأ إلى التراكيب اللغوية الصعبة، ولا إلى التشبيهات المفتعلة الصياغة، ولا احتاج أن يبرز عضلاته الثقافية، بل ترك لفظه يسري فينا فوق موج الصدق والفهم والوعي، وتركنا لأنفسنا نصدق أو نكذب سيان عنده، فقد قال كلمته ومضى، مكتفيًا بتكريم التاريخ له على ما قدم من عطاءٍ خفي للوطن، وتقديمه تجربته المشحونة والحافلة بالأحداث في كتاب طبعه على نفقته ولم يطرحه للبيع بل وزعه إهداءً لمحبي الوطن، فآخر ما يتربح منه وطنه الذي عاش له وفيه.

تَلاَقِي الْأَكْفَاءُ..مصطفى محمود ومحمد حسن كامل... أنموذجًا...

كتب الراحل الكبير علي أدهم في بداية كتابه "تلاقي الأكفاء": (تلاقي الرجال العظماء الأفذاذ المختلفي الطرز والمواهب في رحاب التاريخ من المشاهد الشائقة، والأحداث الكثيرة الدلالة، وقد تسفر عن نتائج غير متوقعة، وتكشف جوانب من النفس الإنسانية مجهولة).

  وقد يلتقي الأكفاء بالجسوم وقد يلتقون بالأرواح، ولكن لا يظن ظان أن المطابقة أو المغالبة أو المقارنة هي الهدف الأصيل من تلك المقالة، فلا يمكن أن يتطابق اثنان تمام المطابقة حتى في الحالة المرضية، لاختلاف عوامل الوراثة، يزاد على هذا في مجال الفكر اختلافات نوعية منها الأصيل والفرعي، ولكنها تشكل في النهاية السمات العريضة لشخص من نتعرض لهما في مقالنا وغيرهما من حيث النتاج الفكري لكليهما.

   أما الدكتور مصطفى محمود فهو الأكثر شهرة، والأسبق في الوجود، وفي التأليف من الدكتور محمد حسن كامل الذي وجب أن نقدمه ونعرِّف به؛ فالرجل ليس غُفلًا من الشهرة، ولكنها قد تكون مقصورة  على النخبة والصفوة، ساهم في هذا أبحاثه الجادة والعسيرة الفهم ــ في بعضها ــ إلا  على من ذكرنا، واغترابه بعيدًا عن الوطن لآعوامٍ تربو على الربع قرن. 


   ولد الدكتور محمد حسن كامل في عام 1956بالإسكندرية إحدى أهم وكبريات محافظات جمهورية مصرالعربية، ثم  سافر إلى فرنسا بعد حصوله على ليسانس الآداب عام1981، والتحق بجامعة السوربون في باريس ودرس الأدب المقارن، ثم أصبح أستاذًا للأدب العربي في المدرسة الدولية، ثم عمل أمينًا للقنصلية المصرية في باريس حتى أكتوبر 1996، وقد تقلد عددًا من المناصب، منها: رئيس جمعية تحيا أفريقيا في فرنسا، وسفير السلام في إتحاد السلام العالمي في الأمم المتحدة، كما أسس ورأس إتحاد الكتاب والمثقفين العرب، وهو أستاذ بارز في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية والعالمية للإعجاز العلمي فى القران الكريم والسنة، وكاتب ومفكر في العديد من وكالات الأنباء العربية والعلاقات العامة الدولية، وعضو في العالم العربي لكتاب الإنترنت، وحصل على العديد من الجوائز في الفكر والثقافة والإبداع. 

   أما على مستوى الإنتاج الفكري، فهو: مؤسس النسبة الذهبية في نصوص القرآن، وأول من استخدم علم المثلثات في تفسير القرآن الكريم في العالم، وأول من أثبت واقع الرقم الذهبي في العالم للقرآن، وأول من استخدم تطبيق النسبة الذهبية في القرآن الكريم، وهو أيضًا أول من استخدم واكتشف نظرية فيثاغورس للرياضة العلمية في العالم عام 2010، وكتب هذا الموضوع "مثلث فيثاغورس في القرآن الكريم بين الجانبين من التوحيد ووتر الوحي، هذا عدا البحوث الكثيرة في مجاليَّ القرآن والسنة التي لا يتسع لها المقام.

  يلتقي الدكتوران مصطفى محمود ومحمد حسن كامل في مزجهما وعشقهما لربط العلم بالدين، ومتابعة التطور العلمي على المستوى العالمي، ويختلفان فقط من حيث قاعدة الانطلاق؛ إذ كانت دراسة الدكتور مصطفى محمود علمية ثم اتجه إلى الأدب، في حين كانت دراسة الدكتور محمد حسن كامل أدبية ثم اتجه إلى العلم.

    يجمع بين الرجلين حبهما للفن بعامة والموسيقى بخاصة، ونزوعهما نحو التصوف والكتابة عنه، ويختلفان من حيث رعاية الدولة لكليهما؛ فإذا كان الرئيس عبد الناصر قد أغضبه ما كتبه الدكتور مصطفى محمود في مطالع شبابه من كتابه: "الله والإنسان" ومطالبته بتقديمه للمحاكمة بدعوى الكفر إلا أن الرئيس أنور السادات قد بسط له يد التشجيع فكان برنامجه الشهير الذي حمل عنوان: "العلم والإيمان"، وهو نفس شعار الدولة المصرية آنذاك، في حين لم ترعَ كتابات وإنجازات الدكتور محمد حسن كامل لا الدولة ولا أي مؤسسة فكرية داخل البلاد أوخارجها، ولهذا فقد اكتفى بالإبحار وحده في محيط التصنيف والتأليف والبحث والتجريب حتى التفت إليه قلة من الفاهمين العالمين، فآثر الرجل أن ينظر إلى الداخل الثقافي العربي فأنشأ وأسس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب ليكون حاضنًا لأقلام المثقفين العرب، ونافذة يطل منها عليهم أيضًا ببحوثه ودراساته.

    تفرغت مؤسسات صحفية كبرى لنشر إنتاج الدكتور مصطفى محمود الغزير والمتنوع في آن، بيد أننا لا نستطيع أن نقف على حصر وعدد كتب الدكتور محمد حسن كامل لا في اللغة الفرنسية أو في اللغة العربية، وهذا ما جناه الرجل على نفسه حين ظن أن غايته التنويرية والتثويرية في الفكر العربي سيكون لها المردود الأوسع والأسرع في الوصول إلى قلب وعقل المتلقي العربي من خلال نشر المقالات والدراسات وحسب، وأرجو أن يراجع فيها كاتبنا نفسه كثيرًا؛ إذ الكتاب هوالأهم والأبقى في مسيرة الكاتب.

   لم يقدم الدكتور مصطفى محمود في برنامجه: "العلم والإيمان" سوى التعليق على الأفلام العلمية المصنوعة في الغرب، وكان يكثر من قوله: (عملنا) وكأن العمل تم في الداخل العربي، مما أثار حفيظة الصفوة من المؤمنين، وحنق الملاحدة واليساريين من محاولته ربط العلم بالدين، ولكنه ولا شك جذب الكثرة الكاثرة من أسماع وأبصار المشاهد العربي بتعليقاته الذكية واليسيرة التي كان يفهمها المتخصص ويتجاوب معها غير المتخصص، بيد أنه يُحسب للدكتور محمد حسن كامل البعد عن المناطق العلمية المأهولة، مخترقًا الآفاق المجهولة ليدلي فيها بدلوه مستخرجًا منها الجديد والقشيب، ومجددًا ما وقر في القلوب والفهوم، ومسلطًا الضوء على مناطق فكرية كثيرة سواء في كتاب الله تعالى وحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ليلفتنا إلى لآليء المعاني التي لم يتطرق لها أحد من قبل، فيجليها بعد طول عكوف عليها وتأمل.

    بالرغم من وجود الدكتور محمد حسن كامل خارج البلاد ردحًا طويلًا من الزمان، إلا أن هذا لم يُغره بِسَل سيف الانقلاب على الدين وإشهاره في وجوه المؤمنين به بدعوى محاولة إعادة تفسير النصوص لتجديد الإسلام، أو التجرؤ على هز الثوابت والأعمدة التي يقوم عليها تحت دعوى العصرنة، مثلما فعل عدد ،ليس بالكثير، من أبناء العربية والإسلام الذين تأثروا بالفكر الغربي ومنهم من سكن باريس ومنهم من فعلها وهو يسكن المجتمع العربي جسدًا لا روحًا.

   على قدر ما خدم الدكتور مصطفى محمود الإسلام في جوانب كثيرة على قدر ما كانت له كبواته القليلة والعميقة في آن، مما أوجد فجوة كبيرة بينه وبين المتعمقين في الدين لا تخلو من نظرة شك معقول ونقدٍ كثير حين يقبل على قراءة أعماله، ولم ينتفع بما فيها سوى من يقفون من الدين موقفًا وسطًا، ولا أدل على هذا من محاولة تفسيره العصري للقرآن الكريم، تلك المحاولة التي فزع منها وانبرى ضدها أكثر من عَالمٍ دين يردون فيها علي تجاوزاته أو شطحاته كما أطلقوا عليها حينذاك، وكذلك دعوته إلى علم نفس قرآني وكانت أيضًا مثارًا لجدلٍ كثير، ولم يشأ الرجل أن يختم حياته في سلام ويمضي إلى ربه في هدوء؛ فقد أثار عاصفةً هوجاء عليه حين أنكر في كتاب له "الشفاعة"، فتصدى له على الفور أكثر من عشرين كتاب يعارضه ويفند ما جاء به، إلى جانب العشرات من المقالات المنددة، والتي أحيَّت من جديد كل الجراح التي حاول أن ينكأها في جسد الإسلام، ولم يشفع له محاولاته المضنية المرئية والمكتوبة في تخفيف حدة  ما كتب أو تفسيره.

    غير أن الباحث عن مثل تلك الكبوات والهفوات في دراسات ومقالات الدكتور محمد حسن كامل سيرجع صفر اليدين لا محالة، فقد كان منهج الرجل محددًا منذ البداية في تجديد الدين من خلال الدين، وفي تثويره من خلال البحث عن النقاط التي رَكمَ عليها الجهل ركامه، وعشش فيها الفهم السقيم الذي لا يستقيم مع ما أتـى به صحيح الدين نفسه، فتلك المحاولات الانقلابية ليست من سمات الرجل، وتلك الفرقعات التي تلفت الآنظار سويعة من نهار وتمضي مخلفةً وراءها الدمار والعار والشنار لم تكن بغيته، بل دأبه خدمة الدين بزيادة اليقين فيه لا بنزعه عنه، والتمكين له فيما يفهمه من مزاوجته بالعلم الذي ليس هو بالغريب ولا الدخيل على الإسلام بل من مكوناته الأصيلة المبثوثة في الكتاب والسنة، ولذا فقارئه يمضي وراءه لا يشغل باله بكمين هنا أو سقطة هناك، ولكن يسير وهو يستحث وعيه وإدراكه إلى بلوغ أقصى الطاقات لتحسن استقبال ما سيطرحه الدكتور محمد حسن من أطروحات جديدة تتطلب الفهم العميق لذلك النسق الفكري الجديد.

   يلتقي الرجلان تلاقي الكفئان في أمور شتى، ولايثبت معها أنهما من مختلفي الطرز، كتلاقيهما في دمائة الخلق، وبث بعض المرح للتخفيف من وطأة المادة العلمية التي يعرضانها على المتلقي، وأنهما من أصحاب الأساليب الأدبية التي تشير إلى صاحبها دون غيره بما ابتكراه فيها من كلمات خاصة بهما، وأنهما يتقاربان كثيرًا في الحالة المزاجية والنفسية من حيث الأناقة في الملبس، والهدوء الشديد ذو الوتيرة الواحدة طوال حياتهما، والأدب الرفيع في الرد على المعارضين لهما في بعض ما يذهبان إليه.

     رحمَ الله المفكر المصري الكبير الدكتور مصطفى محمود جزاء ما قدم لوطنه ودينه، وغفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومدَّ الله تعالى في عمر المفكر المصري الكبير الدكتور محمد حسن كامل، ونفعنا الله بما مضى من علمه وبما سيأتي، وجزاه الله تعالى الجزاء الأوفى على ما قدم لأمته الإسلامية والعربية وسيقدم داخل البلاد وخارجها.

الأديب فوزي محمود تائهٌ في منخفض الوطن...


ما إن تقابل أديبًا أو شاعرًا أو إعلاميًا ويعلم إنك من السويس إلا ويسرد عدة أسماء من فناني وشعراء من السوايسة اتفق الجميع على شهرته لا على إنتاجهم أو جودته وذلك دلالة منه على عمق صلاته بتلك البلدة ونجومها.

   أُختُزلِت المدينة بتاريخها الفكري ولا مزيد في أولئك الذين لا يزيدون عن أصابع اليد الواحدة، بينما أسقطوا اسماء لها من القيمة والإبداع ما كان يستوجب على من يكتبون تاريخ السويس الأدبي أن يشيروا إليهم ويبرزوهم، ولكن تواطأ الجميع على هذا الفعل الشنيع، وأسقطوا من ذاكرة الوطن أدباء وشعراء أخلصوا لهذا الوطن؛ فدافعوا عنه بالروح والبدن والفكر والقلم، ولكنهم لأنهم يؤثرون العطاء، ويلتحفون بالصمت، تاهوا في منخفض الوطن، ومن هؤلاء الشاعر والعروضي والقاص فوزي محمود الذي أصدر ديوانه الأول بالفصحى "تائهٌ فى المنخفض" عام 1998، ثم في العام التالي أصدر ثاني دواوينه بالفصحى "عاشق البحر"، أما ثالث دواوينه بالفصحى "عندما يأتى الربيع" فقد صدر عن طريق النشر الإقليمي للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2003. ويتربع على عرش أعماله كتاب: "الدائرة الرقمية في الإيقاعات الشعرية" والذي أفنى فيه ست سنوات من عمره من 1993 إلى 1999 ثم أصدره فى عام 2005، وفى العام الذي يليه أصدر أول دواوينه الزجلية "كفاح شعب القناة" ثم اختتم انتاجه الأدبي في عام 2014 بإصدار مجموعته القصصية "رحلة عبر ضوء القمر" والرجل عضو عامل في اتحاد كتاب مصر.

  إن دور الناقد الحق هو البحث عن هذه القامات وإزاحة ركام النسيان المتعمد عنها، وتسليط الضوء عليها، ولهذا فقد سعيت إليه، والتقيته، وحاورته:

** للقاريء الذي يريد أن يتعرف على الأديب فوزي محمود.. ماذا تقول عنه؟

 ـ ولدتُ بمدينة السويس عام 1944، وأنهيت دراستى بحصولى على دبلوم فني متوسط، كانت بداياتي مع الشعر منذ عام 1958 أثناء المرحلة الإعدادية، وبعد حصولى على المؤهل الفنى تم تعيينى بإحدى الشركات برأس غارب بمحافظة البحر الأحمر عام 1966 ثم قامت حرب 1967 فالتحقت بالقوات المسلحة مجندًا، وأثناء تجنيدي كنت أواصل كتابة الشعر الوطنى وأنشر قصائدى على صفحات "جريدة الوعى" وكانت آنذاك الجريدة المحلية الوحيدة والشهيرة بالسويس، ولذا فقد كان السوايسة يحرصون على اقتنائها  فكانت تصلهم كل أسبوعين بانتظام في مناطق تهجيرهم فى شتى أنحاء مصر. مرت السنوات وانهيت فترة تجنيدي ثم تزوجت فى القاهرة عام 1974 حيث كانت تقيم أسرتى أثناء فترة التهجير. رزقنى الله بالمولود الأول فعدت إلى السويس لأقيم فيها مع زوجتى القاهرية وابنتنا هدى القاهرية أيضّا، وخلال كل هذه الأحداث لم انقطع عن كتابة الشعر الفصيح والعامية، ولظروف عملي لم أكن أشارك في الندوات إلى أن حضرت أول ندوة أدبية فى حياتى عام 1984 وأنا فى الأربعين من عمري، وكانت "ندوة الكلمة الجديدة" والتي كان يديرها الروائى محمد الراوي، ولذا فقد واظبت على حضورها. 


** أنت رجل صاحب موهبة في المجمل، ولكنك ظلمتها بقلة الانتشار، فلماذا إذن تطبع أعمالك وتنثرها على المقربين منك، ولا تطرحها في السوق؟

ــ بعد أن انهيت فترة تجنيدي، عملت بإجدى الشركات وكانت طبيعة عملي تتطلب مني أن أظل متنقلًا ما بين الصحراء الشرقية والغربية وفى البحر الأحمر، ولم أستقر فى السويس منذ حرب 1967 سوى عام 1984. وبعد الاستقرار، داومت على الانتظام فى المنتديات الأدبية، وكان أبنائي الأربعة فى مراحل التعليم، وأردت أن أترك لأسرتى مؤلفاتى مطبوعة في كتب مسجلة ومحفوظة تحت أرقام إيداع فى دار الكتب والوثائق القومية كتراث يحمل اسمىي،  وهذا أقصى ما كنت أتمناه، لأن ما نشرته فى الجرائد والمجلات أصبح غير ذى قيمة، عدا مانشر فى مجلة الشعر الفصلية. غير أنني إن شاء الله تعالى سوف أجمع أعمالى الشعرية "بعد تنقيتها" واطبعها تحت عنوان "الأعمال الكاملة لفوزى محمود"، وحينها تأخذ مؤلفاتى نصيبها من النشر والتوزيع ولا تقتصر على المقربين فقط .


** هل كرمتك المدينة التي تسكنها؟ أو الدولة التي تعيش فيها؟  

ــ لم يتعد التكريم حد منحى شهادات تقدير من أندية الأدب بالسويس والقاهرة ورابطة الزجالين وكتاب الاغاني، بل أهدروا حقي فى النشر الإقليمي مرارًا. 

** لماذا لم تدرِّس العروض سواء بالتفاعيل أو الرقمي لأبناء محافظتك عبر قصر الثقافة مثلما فعل الشاعر السكندري محجوب موسى؟

ــ فعلت هذا فى قصر ثقافة السويس مرارًا ولا ينكر هذا إلا جاحد، وفعلته أكثر فى رابطة الزجالين وكتاب الأغاني بالسويس .وفعلته مرات لاتحصى مع شعراء السويس فى جلسات خاصة بالإضافة إلى مراجعة وتصحيح أعمالهم قبل نشرها ولم أذع هذا بين الزملاء .


** عبر قصيدة "جارتنا" التي ضمتها مجموعتكم الشعرية "تائه في المنخفض" .. أظهرت معرفتكم بالنساء، وأسقطت الحارة على المجتمع الإنساني، وتلاعبت بالألفاظ بجدارة، وخرجت عن المألوف في نسقكم الشعري والقيمي..فلماذا؟

ــ أردت أن أسقط الحارة فى أسوأ صورها على الجارة التى حلت محل جارتنا الأصيلة بالقوة والتجاوزات إلى أن أصبحت واقعًا على الأرض وتحميها اتفاقيات دولية ومعاهدات إقليمية ودولية .


** ألا توجد علاقة ما بين قصيدة "السباحة في الممكنات" وقصة " رحلة عبر ضوء القمر".. كأنها كانت الإرهاصة أو النبتة لها؟ 

ــ المسافة الزمنية بين القصة والقصيدة تعد بالعقود، وكانت القصة أسبق، ولم انتبه لتلك العلاقة سوى من خلال ربطك بينهما فى سؤالك. لقد لاحظت ما لم ألحظه، وهو علاقة التحليق .

** تأخركم في نشر كتابكم: "الدائرة الرقمية للإيقاعات الشعرية" سلب حقكم في الريادة، خاصة بعد  أن تقدم العروض الرقمي وطوى صفحة ما أنجزتم؟

ــ لم أكن دارسًا أكاديميًا. زد على ذلك أننى تعلمت العروض بعد أن تجاوزت الأربعين من عمرى وذلك ببحثى بطريقة بدائية بين أمهات الكتب، وأنا الآن أهيء نفسى للاطلاع على ما فاتنى من العروض الرقمي. حين وضعت الدائرة الرقمية لم يخطر على بالى أن يكون لى سبق أو أن أكون منافسًا فى هذا المجال.  


** ألا ارى أن ترتيبكم وتقديمكم في كتاب "شرارة الثورات" كان ملائمًا لكم وبمكانتكم الأدبية؟ بل هل اشتراككم فيه كان مفيدًا أو إضافة لكم؟

لم أكن أود المشاركة في هذا الكتاب، ولكن إلحاح صديق لى فى المشاركة واعتبار أن عدم مشاركتى يعد نوعًا من الكِبر، جعلنى أوافق على مضض، والسيء فى هذا الكتاب أن أشعارا لغيرى ممن يكتبون على خلاف كتابتى للشعر نسبت أشعارهم لى، وهذا أغضبنى جدَا بالإضافة إلى أنهم أهدروا حقهم بانتساب قصائدهم لى. ولم يكن هذا الكتاب مفيدًا لى، كما أنه لا يشكل أي إضافة لى .
** تجاهل النقاد أعمالك الأدبية  ــ ما عدا الدكتور مدحت الجيار في عمل واحد ــمرجعه كونك لم تسعَ إليهم؟ أو أنها لم تصل إليهم؟ أو وصلتهم ثم ضربوا صفحًا عنها؟

ــ  لم يكن هناك تجاهلًا متعمدًا، ولكن كان التقصير منى بعدم السعي إليهم لأسباب تتعلق بانضباطى في عملي المهني الذى لم يكن يسمح لي بالسفر إلى القاهرة، ومسؤليتي تجاه أسرتى والتى كانت أحق برعايتي لها أكثر من الأدب، ولأن أعمالى لم تصلهم، فكيف لهم أن يتناولوها بالنقد؟!

** أصدرت عددًا من الدواوين الشعرية بالفصحى والعامية.. هل ترى مع من يروْن أن العامية تشكل خطرًا على الفصحى؟

ــ لا أرى خطورة للعامية على الفصحى. فالعامية لهجة، والفصحى لغة عربية أصيلة وباقية ولا خطر عليها.  

** في أي الميدانين تكمن طاقتكم الشعرية من حيث القوة، في الفصحى أم في العامية؟

ـ الاثنان معًا.. غير أن العامية تعفيني من قيود الفصحى .

** هل لجوئكم إلى الكتابة بالعامية اتهام للفصحى بعدم احتواء التجربة الشعرية، أو العجز عن احتوائها؟

ــ الحالة المزاجية والموضوعية هي التى تفرض على الشاعر نوعية الكتابة فصحى كانت أم عامية .

**هل أثرت العامية ببساطتها وموسيقيتها بالسلب على حساب اللغة في قصائدك الفصيحة سواء العمودية أو التفعيلة؟

ــ أدرك هذا الدكتور مدحت الجيار وتحدث عنه في مقدمة ديواني الأول "تائه فى المنخفض"، تحت عنوان: "بساطة النص".  

** لو أرشدنا القاريء عن أعمالكم التي أذيعت بإذاعة البرنامج العام، وإذاعة وتليفزيون القناة؟ 

ــ لم أقدم دراما، ولكنها كانت لقاءات وحوارات أدبية مع الإعلامي الشاعر السيد حسن وغيره من الإعلاميين والإعلاميات في برامج ثقافية مختلفة بالبرنامج العام  أما إذاعة وتلفزيون القناة فكان لى معهما لقاءات عديدة في برامج مسجلة أو على الهواء مباشرة على مدي أكثر من عشرين عامًا .

** عبر دواوينك ومجموعتك القصصية لم تتخل ّ عن الوطن، حيث ظللت مرهونًا به، أسيرًا له؛ فكتبته، وغنيته، وأرخت له.. فعلت كل هذا للوطن.. فماذا قدم لك الوطن؟

ــ قضيت المرحلة الابتدائية والإعدادية وأنا اهتف أمام العلم: "عاشت مصر حرة" فى طابور الصباح وكان يخرج من القلب كالدعاء، ثم تدرجت فى الأنشطة من الأشبال إلى كشاف، وعاصرت ثورة يوليو 1952، وعاصرت حرب 1956 وتأميم القناة وبناء السد العالي وشاركت في حرب الاستنزاف بعد نكسة 1967 وفرحت بانتصار أكتوبر، 1973، وازداد حبى لوطنى مصر .. فأنا معجون بحب مصر، ولا أنتظر من الوطن أن يقدم لى ولكن أسأل نفسى: ماذا قدمت أنا لمصر؟ وأتمنى أن يعود بي الزمان لأقدم لها، وأدفع عنها الخطر الذى يحيط بها، حفظ الله مصر .

من العدالة إلى الرواية..مع الكاتب والروائي أشرف توفيق...



     كان من المفروض أن أضيف لقب لواء اتفاقًا للحيلولة دون الخلط بين كاتبنا الروائي لواء أشرف توفيق وبين غيره ممن يحملون نفس الاسم ويبحرون بقاربهم مثله في عالم الرواية، ولكن الواقع أن للرجل أسلوبه الذي يتميز به عن غيره من حيث الرشاقة، وجزالة اللفظ المبثوث بمهارة في ثنايا تعابيره، والفكاهة وخفة الدم التي تزيل فتيل التوتر بينه وبين قارئه، والتنوع المعرفي أفقيًا ورأسيًا من حيث التخصص والهواية، الذي يبدو جليًا في كتاباته المختلفة، وهذا السر وراء كتابة الكاتب قبل الروائي وكان يجب أن أضيف قبلهما الباحث لولا طول العنوان.

   لا تستطيع أن تقرأ أشرف توفيق في إبداعه كتلة واحدة؛ فلابد أن تمرحل حياته ليس بشكل تاريخي لدراسته ولكن لأن حياته أصلًا تحمل مراحلها وتقدم نفسها لمن أراد أن يخبرها، ولولاها لما استطعت أن تتعرف على أسلوبه أو منهجه الفكري حين يكتب وهو الرجل الشرطي، والقانوني الأكاديمي، والروائي، وإن شئت الكاتب والمؤرخ. 

     هذا الرجل مهموم بالتوثيق الدقيق مستعينًا بالكتابة سواء الأدبية أو الأكاديمية لكل عمل قام به شرطيًا أو مدنيًا، ولم يقصر جهده وطاقته الإبداعية على فرع واحد من فروع المعرفة والأدب؛ فرسالته في الماجستير كانت عن "المعارضة ــ الأصول والممارسة"، وقد حصل قبلها على جائزة سعاد الصباح للدراسات الإنسانية فى بحث فى نفس الموضوع الذى استهواه فجعله فيما بعد أطروحته للماجستير. ولاهتمامه بفن المقالة حصل أيضًا على جائزة يوسف السباعى للمقال النقدى لثلاث سنوات.       تتالت أعماله حين انتقل إلى مقعد القضاء العسكرى بالشرطة:"أعمال النيابات العسكرية بالقوات المسلحة والشرطة"، فأخرج عدة كتب، هي: "دفاع المتهم في الجرائم العسكرية معلقًا عليها بأحكام النقض"، "الإستدلال بين الضبط القضائي والضبط العسكري"، "الدفوع الجوهرية أمام المحاكم العسكرية"، وحين ترك الخدمة ومارس مهنة المحاماة كتب رواية "الأفوكاتو"، ولما دخل سوق المال تكليفًا من الدولة لم يتركه حتى غرس فيه نبتة من قريحته وبراعته فكتب "كيف تتعلم استثمار الأموال في البورصة"، ورواية قصيرة "مائة يوم من البورصة".    استغل الروائي اللواء أشرف توفيق حال كونه ضابطًا كل أدوات مهنته في البحث والتحري، والترقب وعلم النفس الجنائي، وقراءة أحداق ومهج المتهم لإرباكه والضغط عليه حتى يفوز بالحقيقة، فأخرج أعمالًا تعتبر تمهيدًا وجسرًا عبر عليه حتى استقر على مرفأ الرواية، وقد اختلط في هذه الكتب التاريخ بالأسلوب القصصي، ولكنه ــ ويا للعجب ــ تجرد بل تبرأ من الأسلوب النمطي والمباشر الذي تتميز به محاضر الشرطة التي يدونها ضابط الاستقبال "النوباتجي"، والتي يستخدمها الضباط لغة للتخاطب بينهم من المرؤوس للرئيس والتي تشي بلغة ليس فيها غير التكرارية والهوة السحيقة بينها وبين جماليات اللغة العربية!..كيف فعلها؟!.. وليس العجب في التبروء والفقد بل العجب يكمن في اكتسابه لغة لها أسلوبها وقوامها لم تمر يومًا على مخفر أو مديرية أمن، فيخرج من جعبته أسلوبًا لغويًا وبيانيًا دال عليه، عدة كتب: "العالم السري للنساء (جرائم المرأة)"، "وقيدت ضد مجهول"، "مشاهير وفضائح"، "نساء الملك فاروق"، "حريم في حياة سعد زغلول ــ الثورة التي أيدها الحرملك" وكان إذا تناول شخصيات ضمن كتاب ثم راقه أن يتوسع فيها أفرد لها كتابًا خاصًا بها، وهذا هو النهج الذي يربط بين تلك الدراسات والكتب.    ثم قطع شوطًا فعاقر فن الرواية ولما لا وقد مهد لها بهذه الكوكبة من الكتب التي تصلح كل دراسة منها بأن تصنع رواية، كما أن المعهود عن الرجل أنه لا يدخل ميدانًا دون أن يقرأ فيه وعنه قراءة واعية يتجلى هذا حين غمس ريشته في نقد الرواية ليكتب كتابه: "في عشق الرواية"، والذي به يؤكد بأنه قرأ الرواية وقرأ النقد، والعنوان جاء محملًا بمعانٍ منها أنه لايكتب الرواية هوايةً بل عشقًا، وعلمًا، وفهمًا، بل أن مقالاته تحمل بين ثناياها سطورًا تفوح بمفهومه الخاص عن النقد ووظيفته ودوره كما يفهمه وكما يجب أن يكون، وبهذا الفهم والحرفية أخرجت قريحته إلى المكتبة العربية عدة روايات: "مخدع دافنشي"، "سرير بلا أحلام"، "غزوة وداد قرني"، "موال خرافي"، "قرصان يسرق بحري"، والرواية ذات الجزأين: ""الطريقة الفرنسية"، كما كان له عدة قصص منها: "موجة حارة"،  غير العديد من المقالات التي لا تخلو من روح القص، وأسلوبه كما في رواياته في الدخول على قارئه بحميمية وتلقائية ليضعه في مركز الدائرة أراد أم لم يرد ولكنه أمام هذا الفيض من الوصف والحكي يأتيه طوعًا.   المشكلة التي تقابل قاريء الكاتب والروائي أشرف توفيق هي التغييرات التي تصيب عناوين بعض كتبه ورواياته، فرواية "حبات رمان" تصدر بعنوان "غزوة وداد قرني" والأول كان الأفضل ولو تشابه مع غيره، "الرواياتي" صارت "الطريقة الفرنسية"، "قبلات وآهات" صار "فضائح المشاهير"،وأصبحت قصته أو روايته القصيرة "بقايا البن الراسب بالفنجان" إلى "بقايا زبيدة الراسب في الفنجان" بناءً على نصيحة من صديقه القاص الأردني صبحي فحماوي الذي قدم العمل، ليحيلها أشرف توفيق إلى رواية طويلة بعنوان "مملكة الجنة"،  ولهذا أتمنى أن يخلي الدرب مفتوحًا بلا عوائق بينه وبين القاريء.      مثلما درس الراحل جابريل جارثيا ماركيز القانون درس الروائي أشرف توفيق القانون، كما تمثل ماركيز وتمسك بشدة بمقولته: (أن قانون الرواية يخترق كل القوانين)،  ورأى أن من حقه أن يجمع بين الواقع والمتخيل، وأن يستخدم التناص، ويستدعي الهوامش كما فعل في روايته "مملكة الجنة" وسبقه إلى هذا جورجي زيدان في رواياته، وعبد الله العروي في روايته "أوراق"، وإميل حبيبي في روايته "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل"، وصنع الله إبراهيم في "نجمة أغسطس" التي جهر فيها بالمراجع التي اعتمدها في استجماع مواد التخييل؛ وغالب هلسا في روايته "سلطانة"؛ فالهوامش تعد ــ كما يقول الدكتور جميل حمداوي ــ من تجليات الخطاب الروائي العربي الجديد على الرغم من وجودها في بعض النصوص الروائية الكلاسيكية. ويهدف خطاب الهوامش باعتباره مظهرًا للتجريب والحداثة إلى خلق نص مجاور يتفاعل مع المتن النصي حوارًا وتناصًا وتخييلًا وتجسيدًا للمعرفة الخلفية التي انطلق منها الكاتب لإشراك القاريء في تفكيك النص وتركيبه من خلال فهم شفرة النص الثقافية والمرجعية والفنية. كما يهدف هذا النص الموازي إلى خلخلة الذوق السائد لدى المتلقي وتخييب أفق انتظاره بأنه أمام نص حداثي يتطلب منه المساهمة في خلق النص وإعادة إنتاجه من جديد.

  إن أشبه الروائيين بالروائي أشرف توفيق الروائي البريطاني لورانس داريل من حيث التنوع في تناول الأجناس الأدبية وغيرها؛ إذ كتب الرواية وانتقل إلى الشعر، وتركه ليكتب في أدب الرحلات، ثم دخل دهاليز المسرح وألف عدة مسرحيات، وكتب كتابين سخر فيهما من رجال السلك الدبلوماسي، ثم دخل ميدان النقد الأدبي، ثم عاد ثانيةً إلى الرواية ليخرج لنا رائعته: "رباعية الأسكندرية" والتي ننتظر أن يفرغ الروائي أشرف توفيق طاقته من أجل عملٍ كهذا دون أن يشتتها في كتابات متفرقة من أجل خلق نوع من الانتشار تجاوزه بما يبدع.

    وإذا كان المبدع وإبداعه ــ بحسب من يرى هذا ــ لا ينفصلان، فقد كان هذا العرض الذي أقدم فيه الكاتب والأديب أشرف مصطفى توفيق إلى نقاده وقراءه، من أجل خلق حالة من التواصل بين كل ما يحمل الرجل من فكر وخلفية ثقافية متنوعة لابد أن تترك أثرها في كتابته وبين ثقافة القاريء/المتلقي، والناقد الواعي غير التقليدي، بحيث لا يصبح العمل "المنقود" أو محل النقد هو نقطة البداية بل قبله بأمتار يجتر ذلك التاريخ وحينها سيكون مجال الرؤية أوسع وأعمق في دراسته وتحليله له ولما أبدع، خاصة ونحن لا نتعامل ــ في حالتنا هذه ومثيلاتها ــ مع روائي فقط كل همه من الإبداع إنتاج جنس أدبي واحد، وإنما أمام كاتب يحمل ثقافة متنوعة يتعانق فيها التخصص بالهواية والاحتراف، مما يحتاج أن يبذل في نقده مجهود خاص، وما أقوله ليس بدعًا من القول فقد تفرد الدكتور محمد حسن عبدالله أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة بمنهج نقدي جديد أسماه: "النقد الحضاري" يؤمن فيه بأن العمل الإبداعي هو ابن حضارته ويعكس خصوصياتها، وبالتالي فالعمل الإبداعي يتمتع بخصوصيته التجريبية وأهدافه التي تحاول صياغته في التجربة للوصول إليها، ومن ثم تأتي الجماليات الخاصة التي ينفرد بها العمل.

     كان من الواجب بعد هذه التقدمة التي كانت مفتتحًا للتعرف على الكاتب والروائي المصري المعاصر أشرف مصطفى توفيق أن ألتقيه وأحاوره وأخلي بينه وبين قارئه، ليضيف إليه ما يريد أن يزيل به المجهول حوله أو عنه:

** الكاتب والروائي أشرف توفيق غير ما حصلت عليه من جوائز مثل "جائزة سعاد الصباح و "شهادة تقدير" من حزب الوفد، وجائزة السباعي، هل نالك أي تكريم من أي جهة مصرية أو عربية على سعة ما كتبت؟

ـــ كتبت17 كتابا منها 10كتب بعيدة عن الكتابات الأدبية الإنسانية، وتخصصتُ بالأعم في القانون.و كنت بعيدًا بحكم التكوين عن أجواء الثقافة والمثقفين، وبطبيعة أنني لا أنتمي لمؤسسة صحفية أو ثقافية أو حزب، لم أتوقع الجوائز وكان النشر نهاية المطاف في رغباتى - المبتغى من رب العباد- وقد تقدمت لفرع البحوث في جائزة سعاد الصباح بسبب الدكتور سليمان الطماوي الذى كان مشرفًا على بحثي والذي كان يحذرني من الكتابة الصحفية، ويحاول وضعي على طريق الكتابة الأكاديمية المحايدة..فجمعتُ مالا يحبه أستاذي الفاضل ودخلت به المسابقة..

أما شهادة تقدير حزب الوفد فجأت من مركز أبحاث الوفد الذي كان يجمع أفضل كتب ودراسات عن الزعيم سعد زغلول وثورة1919..فوجدت في كتابي "حريم فى حياة الزعيم سعد زغلول- الثورة التي أيدها الحرملك" مايستحق التقدير..وبنفس الطريقة حصلت على شهادة تقدير أخرى من "الجمعية المصرية لتوعية الأسرة للوقاية من الإدمان" والمعروفة بـ (برايد- مصر) عن كتاب في المخدرات عنوانه:"بنات الأصول والمخدرات"..وكان ذلك في التسعينات، حيث دعيت للمؤتمر الثالث للجمعية، ولكن أعطيت لى الشهادة بصفتي الشرطية وسلمها لي  الدكتور جمال ماضي أبو العزايم

** إذا أردت أن تقدم نفسك للقاريء المصري والعربي من خلال سيرتك المهنية والعلمية والأدبية فماذا تقول؟

ــ أنا انتمى لفصائل نباتات الظل الإنسانى ..لا أحب الوهج ولست من فصيلة نباتات عباد الشمس الإنسانية..لنكتفي بابتسامة ..فهى مقادير وكلٌ ميسر لما خلق له..

** كتبت كتبًا في القانون، ودراسات تاريخية وغيرها، ماذا كان دافعك لأن تحط رحالك عند الرواية دون غيرها من الأجناس الأدبية؟

ــ تسنكحتُ كثيرًا في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة..حجر دائر لا ينبت عليه عشب ومنها قفزت لدنيا الكتاب..فبعد الكتابة بالقطعة أحيانًا وبدون مقابل معظم الوقت.وفي فترة استقرار بجريدة الأنباء الكويتية تقابلت مع صاحب مكتبة الأمين"رحمه الله" الذى وجهني لعمل كتابى الأول من تجميع حوارات مع الأديبات كنت قد نشرته بالأنباء والوطن، وأعجبته فوضعت له دراسة عن الأدب النسائي وأصدرته دار الأمين بعنوان:"اعترافات نساء أديبات" ليصبح الكتاب الأن مرجع في الكتابات النسائية..وكان من ضمن من حاورتهن بالكتاب دكتورة نوال السعداوي التي وجهتني لكتابة الرواية..ولم أنتبه للنصيحة إلا بعد أكثر من 15 سنة حيث ألحت عليَّ رواية مملكة الجنة..وكأن الرواية تكتب نفسها فكتبتها في2010 وبعدها صرت لا أصلح إلا للرواية دون باقي أجناس الكتابة..نادتني نداهة هذا النوع من السرد ولا زلت مسحورًا بعبق الرواية.

** في سؤال يأتي نمطيًا ولكنه ضروريًا: من المؤكد أنكم من جيل له أساتذة.. من مِن السابقين استهواك فيما أبدع؟ وبمن تأثرت عند كتابتك للرواية من الشرق والغرب؟


ــ تستهوينى الرواية النسائية كثيرًا من غادة السمان وأحلام مستغانمي حتى أصغر كاتبة..وتعلمت من روايات صنع الله ابراهيم أنه ملك كتابة التفاصيل..وتعجبني مواضيع روايات "زيدان" وطريقة كتابته..وأرجع كثيرًا إلى "اللص والكلاب" و "السراب" لنجيب محفوظ..أما الغرب فقد فرض"خوانتسيليو" الكاتب الأسباني نفسه عليّ منذ وقعت روايته المترجمة إلى العربية "أسابيع الحديقة" في يدى، فهو يخلط الواقع بالمتخيل..ويكتب كأنه يحرر جريدة؟!

** ما هو المنهج أو المذهب الذي تبنيته حين أردت أن تكون روائيًا؟ وذلك انطلاقًا من أن الرواية تحتاج إلى بناء فكري ومنهجي في الأساس، وما هو جديدك الذي تفخر بأنك أضفته إلى حقل الرواية العربية والمصرية خاصةً؟

ــ كل ما أستطيع قوله أني أكتب رواية ليست للتسلية وإنما للتفكير..أحب أن يكون للرواية صدى تعليمي كالكتاب..فهناك علوم جديدة ظهرت كالتنمية البشرية، ولغة الجسد وعلم النفس الجنائي مثلاً مجالها التطبيقي هو الرواية،  وقد لمستْ ذلك دكتورة أحلام المعمري في نقدها لروايتي "الرواياتى" فقالت يقدم لنا الكاتب الدليل العملي على نظرية (هيمنة الرواية)؟! باعتبار ان الرواية الوحش الجميل التى اجتاحت الأجناس السردية واستحوذت عليها بما لها فى جوهرها من روح هيمنه وتسلط مكنتها ان تذيب كل الإبداع السردي في أهابها، إن المؤلف لسابق تجاربه مع الصحافة يخرج لنا شكل روائي جديد له مذاقه الخاص هو (الرواية - الكتاب) أو (الكتاب - الرواية) ؟! 

ـــ صارت الرواية اليوم هي ديوان العرب وتكالب عليهل بل تجرأ عدد غير قليل ممن لا يتقنونها..فهل تبوأ أشرف توفيق مكانه اللائق كروائي على خارطة الرواية المعاصرة؟

 ــ لا زلت أحبو..مستمتعًا بالكتابة الروائية لتكون هدفًا في ذاتها.. 

** على تنوع إنتاجكم الروائي وتميزه..لما لم يتحول أي عمل من أعمالكم الروائية أو غيرها إلى فيلم أو مسلسل إذاعي أو تليفزيوني؟ 

ــ فى سنة 2002 أغرانى السيناريست محمد على فهمي بتحويل كتاب (حريم فى حياة الزعيم سعد زغلول- الثورة التي أيدها الحرملك) لمسلسل تلفزيوني، ووجدتها فرصة لتعلم السيناريو، وفرغنا من الكتاب كل مايخص علاقة سعد زغلول بهدى شعراوى واستعنا بمراجع أخرى أهمها مذكرات هدى شعراوى نفسها..وتقدمنا بخمس حلقات لقطاع الإنتاج بالتليفزيون. ولكنهم طلبوا نصف حلقات المسلسل فقدمنا بعد سهر وعمل 17 حلقة من (خمس نسخ) ولكن كان قرار لجنة النصوص الرفض من الأستاذ عبد المحسن حسين والسيدة بهية عمر، وقالا في تسبيب الرفض: (اعتمادنا نصوص غير محققة عن حياتها الخاصة وأمها ..مما يحط من كرامة المرأة وتناول حياتها الخاصة مع محمد الشعراوي زوجها وكيف تركها معلق سبع سنوات، لعقد زواج نص فيه على عدم رجوعه لزوجته الأولى بعد طلاقها وزواجه من هدى هانم..وقد أخل الشعراوي بنصوص العقد ورجع لزوجته الأولى بل أجب منها ولدًا)، وتظلمنا وذهبنا بالتاريخ والنصوص،وقالوا سيتم البحث..وبعد أسبوع قالوا: (آسفين معلوماتكم سليمة بس لاتصلح للعرض)..واتفقنا على التغيير والتبديل رغم أن المسلسل تاريخي..وفجأة قال قسم الفيديو والتنفيذ بعد الاتصال بالمدينة الإعلامية: (هناك مسلسل عن هدى شعراوي لكاتب كبير حجزه خلاص ولم يكن الكاتب الكبير كتب شييء بعد سوى مختصر بالموضوع فى خمس صفحات..والباقي معروف عن مسلسل هدى شعراوي التليفزيونى؟!

** لماذا تعمد إلى تغيير عناوين بعض كتبك ورواياتك، مثل: رواية "حبات رمان" التي أصدرتها بعنوان "غزوة وداد قرني"، و"الرواياتي" غيرتها لتكون "الطريقة الفرنسية"، وغيرت عنوان "قبلات وآهات" فصارت "فضائح المشاهير"،وأصبحت قصتك "بقايا البن الراسب بالفنجان" "بقايا زبيدة الراسب في الفنجان" ثم حولتها إلى رواية طويلة بعنوان "مملكة الجنة" ألا تشوش بهذا على قارئك؟

ــ قيل لنجيب محفوظ لماذا لاتكتب عن القرية..ولماذا تكتب فقط عن القاهرة والأسكندرية إنك تكرر نفسك؟! فقال: نحن نكتب عما نعرف ونرى ونعيش وأنا ابن المدينة فإذا كتبت عن الريف سيكون خيالي فى الخضرة والفطير المشلتت..أما عن التكرار فكل كاتب يعيش على فكرة أو فكرتين ويغير فى الشكل..كل منا له قضية .فلا شيىء يشبه شيىء فى الشكل..أما القضية أوالفكرة فتتكرر.

   نشر نجيب محفوظ روايته "الحب عند هضبة الأهرام" في الأهرام مسلسلة في وقت هيكل وعند نشرها في مطبعة مصر أدخل عليها تعديلات كثيرة..وقال النقد وقتها النص نصه  لم يسرق من أحد لم يعتد على نصوص الآخرين وكما يغير الكاتب في كتابه بإضافة فصل، فيمكن عمل نفس الأمر في الرواية..هذا هو جوهر الحق الأدبي.

وهذا ماحدث بالكربون في "غزوة وداد قرنى"؛ فقد نشرت مسلسلة في جريدة اليكترونية على حلقات،كل حلقة باسم..فجمعها الرائع أحمد طوسون في سلة واحدة بمدونته وأعطاها كلها اسم الحلقة الأخيرة:"حبات رمان"..أنا الكاتب صاحب الحق الأدبى حين نشرتها كاملة كرواية فى حروف منثورة أعطيتها اسمها الحقيقي.وهي في كل الأحوال تقرأ مجانًا والرواية طبعة واحدة اليكترونية ولم تطبع ورقيًا.

      الرواياتى ليست هى الطريقة الفرنسية..وكل ما في الأمر أن الروايتين في فرنسا.تمامًا كقصص حرافيش نجيب محفوظ ..الفتوة هو الفكرة ويتكرر الشكل ونعاود القراءة صفحة صفحة.

"قبلات وآهات" "ومشاهير وفضائح" بينهما أكثر من سنة والأول هو المتأخر عن الثاني وليس العكس والكتابين لناشر واحد مكتبة رجب..فهل الناشر يبقى عنده الكتاب ملكه ويشترى نفس الكتاب مرة أخرى؟!.أتمنى ذلك فأكون الكاتب الوحيد اللى ضحك على الناشر"! تبقى ملحوظتك الأخيرة ذكية ومنطقية للغاية..وإن كانت تمت بغير تكتيك واعٍ منى وإنما بضغط من العقل الباطن..كتبت رواية قصيرة نوفيلا "بقايا البن الراسب بالفنجان" "بقايا زبيدة الراسب في الفنجان"وكتب ناقد صديق واعٍ كلمة فى مقدمتها من باب "صديقك من صدقك..لا من صدقك" ما الذي فعله الناقد الواعي..هل تحركت لأكتب رواية كاملة "مملكة الجنة" لأغطى على الدفوهات فى "بقايا البن الراسب بالفنجان" "بقايا زبيدة الراسب في الفنجان"..أفكر الأن, وأقول يمكن..كان الأمر بقصد مصلحة القاريء لاتشويشًا عليه.



المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/08/02/373803.html#ixzz3lHZhKRTt 
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

ضابط في بلاط صاحبة الجلالة...



  

    لم يكن ضابط الشرطة أشرف مصطفى توفيق الوحيد أو الأول أو الأخير الذي عشق مهنته كضابط فأبلى فيها بلاءً حسنًا، ولم يكن ليتنازل عن حبه وعشقه للحرف.. للكلمة فحاول امتشاق القلم ليكون فارسًا للكلمة ليس في مجال الدراسة الأكاديمية وحده أو القصة القصيرة أو الكتابة التاريخية أو الروائية، ولكن أيضًا في فن المقالة الذي عشقه وأتقنه ليفوز ثلاث مرات بجائزة الراحل يوسف السباعي والذي كان ضابطًا صحفيًا وروائيًا أيضًا... ولكنه تجاوز الأمر ليس في مجال الدراسة الأكاديمية وحده أو القصة القصيرة أو الكتابة التاريخية بل وصل للرواية؛ فقد التقى بداخله ضابط البوليس بالجورنالجى،كما تتلاقى أنابيب الإختبار فى نظرية الأوانى المستطرقة..

   نحن اليوم في حضرته ليكلمنا عن مشواره الثري والسِري فى بلاط الصحافة، وهو أكثر تحررًا من ذي قبل بعد أن خرج من جلباب الوظائف ولم يخرج منه القلم.. والغريبة أنه لم يسكنه الألم..لا ضد أحد ولاضد أقداره..فهو مؤمن بأن كلٌ ميسر لما خلق له، فلنبدأ وأرجو أن نفوز في حوارنا معه بتوثيق تاريخي عن علاقته وقصته مع الصحافة:


ــ يجب أن يكون السؤال الأول للأديب والصحفي أشرف توفيق ماذا عن بداياتك المبكرة منذ الطفولة مع موهبة الكتابة؟
ــ  كل شيىء تدفق، انفجر فى المرحلة الثانوية، وكانت مدرسة التوفيقية هي البيئة التي فجرت فيَّ ذلك.. أما قبل هذا.. فأنا فى قمقم ..أسرة مسيطرة تقول وأفعل..وكانوا لا يريدون لي إلا النجاح والتفوق المدرسي،وغلب حبهم عنادي ..فاستسلمت لهم.وفى المدرسة التوفيقية خرج المارد من القمقم بقوة خروج البخار من حلة البخار الحديثة "سب"؛ إذ وجدت فيها فرع لمنظمة الشباب فدخلت..ووجدت فرق لكل لعبة فالتحقت بفريق الباسكت..ولعبت، وكنت أساسي فى الفريق، وجاء من يدخلني أشبال النادي الأهلي، واستمر الأمر معي حتى بعد دخولي كلية الشرطة فلعبت في فريق الكلية..وكان يصدر من منظمة الشباب مجلة "الشباب" وكان أصدقاء التوفيقية الذين دخلوا معي للمنظمة يكتبون فيها الشعر والقصة، وأنا معجب بهم، ولكن لا أعرف كيف أقلدهم،لا أعرف كيف يحدث ذلك؟ كيف يكتبون؟! حتى أصدر "نيكروما" كتابه عن"الإمبريالية والإستعمار الجديد" واحتفى به عبد الناصر..

ــ تقصد الرئيس الغاني "كوامي نكروما"؟
ــ نعم، وفى يوم وليلة كان الكتاب محل حديث المنظمة ..وجاءت كلمة السر ومعها وقت التحرك من يكتب عن الكتاب عرضًا وتحليلًا لنشره في المجلة.. ورفعت يدى وقلت: أنا.. ونشر ماكتبت وعرفت كيف أكتب.. وظهرت جريدة "الطلاب" وفيها تعلمت الصحافة من الخبر للريبورتاج ..وكيف تجرى حوارًا..حتى ماكيت المجلة تعلمته من الأستاذ "سليمة" الرسام التشكيلى الكبير.أما كيف ظهرت جريدة الطلاب؟! فأتذكر أول مظاهرة طلابية ضد عبد الناصر،حين خرج الطلبة ضد أحكام الطيران الهذيلة بعد النكسة سنة 1968, فى هذه المظاهرات وعند بلوغها مبني المجمع فى "التحرير" لم يكن مع قوات الأمن إلا الهراوات..وكان الضباط يركبون الخيل وشعر النظام بالخوف, لم يكن  في مصر وقتها أحزاب وإنما حزب واحد لتحالف قوى الشعب, كانت الفلسفة التي روج لها محمد حسنين هيكل وقتها:"أن الذى يحمى الديمقراطية هو أن يصل للسلطة وطنيون حقيقيون، لا أن نخلق تعدد فى المنابر داخل الحزب الواحد أو أن نسمح بالأحزاب). فالحزب في حقيقته كما قالوا لنا: (طليعة سياسية لطبقة اقتصادية أو اجتماعية ولايمكن أن يكون شيئًا آخر) وبالتالى فالحزب الواحد تأمين للصراع الطبقي فلا تتفاوت الفوارق لدرجة القطيعة, فلا يجتمع على الهدف الواحد إلا أصحاب المصلحة الواحدة.

   وقتها شرعية المعارضة كانت غائبة، وأمر بعدها ناصر بأن يكون للطلبة جريدة "جريدة الطلاب"  تعبر عنهم ووعد أن يعى الانتباه لها..

    خلال المرحلة الثانوية ومن الطقس الذى خرج فيه بخار كَبتى..حلمت وقررت أن 

أدخل"كلية الأدب – قسم صحافة"  ولكن من يقاوم سطوة العائلة؟..ظهرت نتيجة الثانوية العامة، وفجعت أمى 70%: (لم أحسن التربية؟ أين تفوقك السابق؟! أين ذهبت الـ90% فى الابتدائية و الـ 93 % في الإعدادية؟!..أفسدك الجورنارجيه)..ورفضت توزيع شربات النجاح ..ولبست الأسود، وقالت كلمة لم يتوقعها منها أحد: (ابنى لا يكون غير طبيب أو مهندس أو ضابط)..وانتقلت لبيت خالى، وكان ــ رحمه الله ـ فى مكان والدي الذي توفاه الله في طفولتى، وقال خالي لي: (إن كنت موهوبًا ستبقى موهبتك تدفعك في أى وظيفة كنت)، وحدثنى عن مصطفى محمود ويوسف أدريس كيف عملا بالطب ولكن لا أحد يقاوم موهبته، واستسلمت لحب وعناد أمى، وذكاء وحكمة خالي..وهى على كل حال أقدارنا..وتدربت فى جمانيزم،فلم يكن متاحًا طبقا لمجموع 70% من آمال أمى إلا أن اكون ضابطًا..رغم إنى أخذت الثانوية العامة عام1972.

ــ سبحان الله، فاز الأديب أشرف توفيق ثلاث مرات بجوائز صحفية في مسابقة يوسف السباعي  الأدبية، فعن أي مقالاتك كانت؟
ــ جائزة  يوسف السباعي أدبية وليست صحفية، وتعطى للمقالات النقدية عن الروايات فى الأساس.ولكن بدايتى معها جاءت صحفية محضة، فقد كتبت في الملحق الأدبى للأنباء الكويتية مقالًا عن: "يوسف أدريس ..المشاغب العاشق"، ذلك أني زرت الرجل في مكتبه وأجريت معه حوارًا ..فبهرنى.. كانت عيناه بها لمعة تسلمك لحضرته،قلت له: (أن يوسف أدريس على عكس النبى زكريا دعا ربه أن يذره فردًا، فجاء مختلفًا له تركيبة خاصة،كان يرى أن من حق الكاتب أن تكون له حرية مطلقة ضد أى طابو مقدس، حتى لوكان هذا المقدس قوانين الإبداع نفسها).

    وعشت معه من خلال كتاباته بحثًا عن نظريته في الحرية المطلقة للأديب .. واطلعت على أكثر من حوار معه، أذكر منها حوارًا امتد ثلاث حلقات بمجلة صباح الخير مع رشاد كامل، قال فيه إنه ليس من أنصار أن يهدى الكاتب شيئا مما يكتبه لزوجته وهو لم يفعل، وأنه يرسل زوجته إلى أمها كثيرًا بسبب الكتابة؟ فهو لا يعرف أن يكتب وحيدًاحد بالمنزل؛ فالكتابة عنده عورة لا يطلع عليها أحدًا حتى يتم النشر، كما لم يكن يؤمن بنظرية موت المؤلف..أويقول بماقال نجيب محفوظ: (الرواية إذا خرجت للمسرح والسينما صارت ملك لفنون أخرى فليس لى الولاية إلا على النص الروائي فقط). وانما هو يرى أنه الرب لكل عمل وضع تحته اسمه! ولذا لم يعتبر السينما عالم منفصل عنه..فالنص هو كل الفنون..ولذا أصر على اختيار "فاتن حمامة" للحرام وتدخل فى السيناريو ليكون التطبيق لروايته.. وكرر ذلك باصراره على "نادية لطفى" في قاع المدينة ،ولم يترك للمخرج أن يسمى فيلمه بغير اسم روايته.

 لم يكن هذا فقط بل هو كثير المعارك تارة ضد وزير الثقافة، وتارة مع توفيق الحكيم ضد الشعراوي، كان يفهم الدين بغرابة ثوري، يراه مع الحرية إذ سمح للحرية الإنسانية أن يكون لها حق الزواج والتعدد والطلاق، فهذا خير من ضياع العمر بلا حب حقيقي. ولكنه لايريد للدين أن يغيب عقله. ولذا قال للشعراوى: (ياشيخ عقلى يفتح الديوان). وذلك إثر حديث للشعراوى قال فيه: (العقل كالمطية يوصلك للسلطان ولكن لا يدخل بك عليه)..وغيرها وغيرها كقيامه بلا تكليف وبمبادرة منه بعمل مصالحة للعلاقات المصرية الليبية فى وقت كانت فيها متعثرة، وعرض النتائج فيما بعد على رئاسة الدولة! فيوسف أدريس له خلفية سياسية منذ أن كان عضوًا بارزًا في الحزب الشيوعي"حدتو"..

  طورت مقالتي بالحديث عن رائعته "بيت من لحم" وربطت بينه وبين مجموعتة القصصية: "أنا سلطان قانون الوجود".. فكان الموعد الأول مع جائزة السباع... فى المرة الثانية فهمت ولم انحرف عن قواعد الجائزة وكان المقال عن "رواية نجيب محفوظ - أولاد حارتنا".. أما الأخيرة فكانت عن توفيق الحكيم "من عبثية المسرح لرسالة إلى الله" وكان الحكيم فى آخر أيامه كتب عدة مقالات بعنوان:"حديث مع الله".. وعاتبه عليها أشد العتاب الشيخ الشعراوي لغويًا ودينيًا وقال له: (كليم الله موسى لا تشطط) وشط الحكيم فى وجهه وتبع يوسف أدريس ..وعاد الحكيم وغيرعنوان مقاله الأخير ليصبح:"حديث إلى الله"، ولكن لم ينتهِ أدريس من شططه حتى مماته، رحم الله الجميع.

ـــ ضمت الصحافة المصرية منذ نشأتها أعلام وأقلام ومدارس صحفية رائدة.. أيهم اتخذته رائدًا لك، وإلى أي مدرسة تنتمي؟
 ــ تسنكحتُ  كثيرًا في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة..وكنت في شارع الصحافة حجر دائر لا ينبت عليه عشب..أنا صحفي من بيوتهم غير منتمى لمؤسسة أو جرنان..فصعب القول بأني ماكتبت ينتمى لمدرسة  صحفية ولكن لو جمعت أوراقي من الصحف وكتبي غير القانونية لأمكنك القول..بأنها تننمى لمدرسة أخبار اليوم، وأعلامها المشاهير: محمدالتابعى ومصطفى أمين وأنيس منصور.

     أما عن علاقتى بالراحل أنيس منصور فهي علاقة روحية..وجدت كتبه بمنزلنا وحين بدأ الشغف بقراءة جورنال الصباح وتفليْته في المرحلة الثانوية، كان الأخبار، وشغفت بعمود أنيس منصور اليومي "مواقف"، ثم أدمنت مقاله كل يوم سبت فى العدد الأسبوعى من"أخبار اليوم"..وامتدت متابعته في الإذاعة فقد كان له عدة برامج أتذكر منها الآن: "شيء من الفكر"، وبرنامج عن حياته مع الكتب اسمه: "حياتي مع القلم ..حياتى مع الألم"وعشقت صوته ونطقه،وقابلته ــ رحمه الله ــ ثلاث مرات أجريت فيها حوارات معه ونشرتها فى: [جريدة الطلاب ــ الأنباء الكويتية ــ القبس]، وقد أهدانى ثلاث كتب: [الخبز والقبلات – قالوا - وكانت الصحة هى الثمن]،وعرفت أن احساسى بصوته الحلو حقيقة وأنه وصل لحد الذهاب لعبد الوهاب ليكون مطرب وفي كتبه حكايات مطولة عن ذلك يحكيها أكثر من مرة..وبسبب تعلقه بالغناء درس أشياء كثيرة عن الصوت وكانت له تعليقات عن الأصوات كصوت أم كلثوم وعبد الحليم وكانت تفخر"فايزة أحمد" بأن أنيس منصور وصفها بأفضل صوت معاصر.. ويأتى السؤال: هل تاثرت به؟ وأقول من عمل بالصحافة في زمني خلال السبعينات والثمانينات ولم يستفد من أنيس منصور فليرفع يده؟ لا أحد.. وأنا لم استفد فقط ولكن الرجل تغلغل داخلي ويبدو أن هذا قد طفح على كل كتبي فيما بعد؛ فكتبه مرجع أساسى لى..وقد وثق ذلك "حنفى المحلاوى" فى مقالة وطلع تعبير "الابن الروحى لأنيس منصور"..

ــ كنت ضابطًا مرموقًا فهل سعيك للكتابة في الصحف كان للشهرة أو للكسب المادي أو تأكيدًا لموهبتك في كتابة المقال؟
ــ هذا السؤال غريب بعد كل ماصرحت به فيما سبق. فلاسعيت للشهرة ولا اشتهرت ومدرسة البوليس تكسبك شهرة أكثر من الصحافة. ضابط المباحث فى منطقته أشهر من محمد حسنين هيكل.وقلت لك كتبت فى الصحافة متخفيًا بكل مهارات كلمبو..فلا كاب ولانجوم..وإنما بالجلباب، اختصرت الاسم ونسيت البوليس وتقمصت دور الصحفى..وكنت حجرًا لا ينبت عليه عشب. لو حصلت على كسب وتلبست به أُفصَل من البوليس.وإنما الكتابة مرض مزمن ،إدمان! وكانت الصحافة كلها تغرينى، فلم أكتب المقال فقط، حاورت أديبات مصر.. معظمهن..ونجيب محفوظ وأدريس وصنع الله إبراهيم. وكتبت التحقيق، حتى العمود الصحفي كان لي منه نصيب.

ــ هل حدث يومًا تعارض بين عملك بالشرطة وكتابتك في الصحف؟
ــ كتبتُ فى مجلة"الشرطة"وهى مجلة صحفية وليست أمنية، وكانت تصدر عن العلاقات العامة لوزارة الداخلية وجمعتْ بين ضباط ومدنيين، ومن هؤلاء المدنيين أسماء كبيرة كجمال الغيطانى مثلًا..ولم اشعر بتعارض بل بتشجيع فهي ليست مجلة سياسية..وكتب معى فيها نابغة فى الكتابة الساخرة وهو الضابط (حسام حازم) وكان يوقع"ح.ح" وفيما بعد احترف المسرح الكوميدى وله مسرحية شهيرة "ربع دسته اشرار" قامت ببطولتها الفنانة شريهان.. ورغم ذلك تسكعت بحذر في شارع الصحافة أسلم أوراقى وأنصرف، وعند بدايات نشر الاسم اخترت اسم مختصر لاسمى الذى يعرفنى به الضباط فبدلًا من أشرف مصطفى توفيق نشرت باسم "أشرف توفيق" فلم تكن لى صداقة ولا شلة صحفية، فمثلًا نشرت في روز اليوسف عشرة مواضيع وقصة قصيرة ولم يكن يعرف سري غير الصحفي "نبيل عمر" وهو صديق طفولة من "شبرا"..ولعدة سنوات ارتبطتُ بمكتب الأنباء الكويتية ولم يعرف أحد أني ضابط سوى "حسن عامر" وجعل العلاقة به مباشرة.. ودخلت مجلة سيداتي سادتي وخرجت ورئيسة التحرير "هالة سرحان" تعتقد أني صحفى لهلوبه بيلَّقط لقمته..ونفس الحال في مجلة (عيون) التى أسستها عائشة أبو النور ..ولكن نشأت صداقة كبيرة بيني وبين الصحفي "حنفى المحلاوي" من وقت أن كان يعمل في صفحة الأدب بالأخبار وكان من الطبيعي أن أرسل له كتبي، وبحسن نية وشهامة عرض كتابي "اشهر قصص الغرام"..وقال عن الكتاب: (كأنه يقرأ أنيس منصور).. وعقد مقارنة بيننا وقال عني أنني  تلميذه.. ثم فجأة أفشى السر: (أنه ويا للعجب العقيد شرطة فلان الفلان)!..فانتبهوا ..وكان وزير الداخلية وقتها اللواء زكي بدر.. وحولت للتحقيق بمعرفة التفتيش..ووقع التعارض..فمن هذا الضابط بتاع الحب والغرام؟!... إنه سيغيْر الصورة الذهنية للضباط عند العامة؟!

  قلت للواء فاروق الكاحل الذي أجرى الاستجواب معي: (الصورة الذهنية عننا  "لو كان صباعك عسكرى أقطعه!")..وتدخل اللواء فاروق الحينى وهو رجل خلوق..وشنه ورنه؛ إذ عُيْنَ وقتها بقرار رئاسي مع اللواء عبد الكريم درويش ليكونا وكيلين لوزير الداخلية زكي بدر فى سابقة تاريخية بالوزارة، وكنتُ قد عملت معه "بحث شُرَطي" بكلية الدراسات العليا للشرطة مع ضابطين آخرين"عن المخدرات" ومن الوهلة الأولى أصبح البحث مرجع عربي لقضية المخدرات، وحصل على المركز الأول كأفضل بحث جماعي، واقتربنا منه أو سمح هو بهذا الاقتراب، وانتهى التحقيق بجرم لا إنفلات منه..الكتابة والنشر بدون إذن من الوزارة.. وكان العقاب شديدًا بالنسبة لضابط برتبة ضابط عظيم "الإنذا" الذي تبعه النقل "لقنا" فى أول حركة تنقلات، وهكذا نزلت من قطار الصحافة وركبت قطار الصعيد..وودعت هوايَّ ونسيتُ الصحف والمجلات.. وقلت: (باى باى صحافة منذ عام 1988).. ولكن ياجبل ماتهدك ريح.. قدامك أهه لسه أنا بكتب...

ــ بعد أن استقر كاتبنا الكبير في "قنا" هل لعن القلم وقصفه، بعد أن لام نفسه، وبعد أن أثر بالسلب على أسرته، هل كرهت الزوجة "القلم" وتوجه إليه الإنذار الثاني بالإقلاع نهائيًا من مطار الإبداع..عن هذه الفترة أتحدث وليس الآن؟ 
ــ واحدة من أهم الإشكاليات التي تستدعي تفكيرًا في الكتابة هي تلك الحدود القائمة بين الحقيقي والمتخيل, فمما لا شك فيه أن الكتابة عن الذات تتطلب بالضرورة كتابة عن الآخر. والحال كما يقول أندريه موروا في كتابه "فن التراجم والسيرة الذاتية": ( أننا إذا قررنا أن نقول كل شيء عن حياتنا, فنحن لا نملك الحق في أن نقرر أن نقول كل شيء عن حياة الآخرين". بل إن إحساسًا بالمسئولية قد يفرض نفسه من حيث وجوب حماية أولئك الذين رافقونا, أو ارتبطوا ارتباطًا مباشرًا بالأحداث من خلال صلتهم بنا. هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن الأديب يعطي لقارئه ما يظن أنه النصيب الحقيقي له فتكون العملية الانتقائية محكومة في كثير من الأحيان برغبة في الصون من الابتذال؛ ففتح خزانة الحياة كلها وفقًا لتعبير فدوى طوقان: (نبش الخصوصيات ليس بالأ مر الهين). 

ــ وأنا أحترم رأيك، ورأيك يلتقي مع المفكر الكبير دكتور محمد حسن كامل وأنا مازلت أجري معه حوارًا مطولاً، وقال نفس عبارتك: "أنا أعطي للقاريء ما يهمه"..ونعود لحوارنا: ما أشهر مقالاتك التي سلطت الأضواء عليك، وأشهر النوادر التي قابلتها في حياتك الصحفية أو سمعتها، أو نقلت إليك؟
   ــ إلا الأضواء فشعاع من نور بطارية حنفى المحلاوى ألقى بى للصعيد.ولكن فى سنة 1972كتبت نوال السعداوى كتابًا قلب الدنيا "المرأة والجنس" وهو لايزال شهيرًا، وبعد قراءته طلبت من الأستاذ سليمة* أن احاور الدكتورة..ونشر الحوار فى صفحتىّ الوسط بالطلاب، بصورة لى معها ورسم له سليمة تألقاته، وكنت وقتها فى نهاية المرحلة الثانوية، وكتبت عنى وعن الحوار د.نوال فى مجلة  "الصحة" وجاء مالم نكن نعرفه من وزارة الصحة..نوال السعداوى مستبعدة من الوزارة وماجاء فى كتابها ليس علميًا.ومجلة الصحة ليست تابعة للوزارة؟! وشرف المجلة وزيرالصحة "محفوظ" ونشرت ندوته فى ثلاث صفحات..وخرجت من الطلاب غير محزون على.. ولكن استمر مابينى وبين د. نوال، شربت قهوتها ودخلت بيتها وكل كتبها باهداء منها بمكتبتى. وبعد سنين صار سليمة نائب رئيس التحرير لمجلة الشباب التى تصدر من الأهرام وسمعت صوته على التليفون: (حضرة الضابط أنامستنى شغلك بتاع الطلاب..ولو تبعته مع المراسلة)..ولم أرسل شيئًا. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الراحل الأستاذ محمد سليمة من خريجي كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية‏، ولأنه كان من شباب الحركة الطلابية في مصر فقد أصبح مسئولًا عن مجلة الطلاب التي يصدرها اتحاد طلاب الجمهورية في سبعينيات القرن العشرين,‏ وهي الفترة التي يتحدث عنها الروائي أشرف توفيق، وكان رسامًا وناقدًا فنيًا رائعًا، ولهذا أختاره عبدالرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس لرسم لوحات رواياتهم بالأهرام.  ‏


المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/08/19/375633.html#ixzz3lHZCMftg
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

على ميه بيضا ـ عيد الأم





صباح المحروسة الشاعر السيد ابراهيم (عيد الأم)...