الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

النابغة ابن الهرميل

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون











فرع من
شجرة نضرة
    مسقي
بشهد النيل
 القلب
أوراقه خضرة
      متزان
بكل جميل
 والنية
صافية عطره
   والبسمة
نور قنديل
 يعزف
يطرح ريحان
   سلسال
من سلسبيل
 تطرب
تقول كمان
     تسمع
يا عيني ياليل
فلوت
بطعم زمان
     متربي
ع المواويل
 والغربي
فيه أنغام
    م السيمفوني النبيل
 والطفل
قامة ومقام
    مابيعرف
المستحيل
 مريمبا
عازف تمام
    وبيانو غربي أصيل
 متربي ع
الألحان
   والتقوى
والترتيل
ولما
فاز في شوبان
     شد لمصر
الحيل
 حيوا
النابغة الفنان
       يحي ابن
الهرميل




الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

لحظة انسحاب...

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون






ظهرت على شاشة التلفاز فجأة مذيعة شقراء تصطنع التجهم بينما كنت أتابع حلقة من مسلسل كوميدي معاد لتعلن انهيار برجيّ نيويورك العملاقين.. حتى قفزتُ في الهواء راقصًا ومصفقًا بينما كان أولادي ينظرون إليَّ في ذهول واستغراب، ثم توقفت بعد أن عدَّلت هندامي، وتابعت الأمر بجدية مفتعلة حينًا، وجادة حينًا أكثر..

 خرجنا لنتناول العشاء في أحد المطاعم التي يفضلها الأولاد، بناءً على نصيحة هامسة من زوجتي، في محاولة منها لإعادة الاتزان إلى شخصي الكريم في عيونهم، ولكي أفسر لهم ما حدث مني في نهار اليوم..
 انصرف الجرسون بعدما انتهى من صف الأطباق على المائدة، فبادرتهم بتبرير ما حدث مني بأسلوبٍ ودود لا يخلو من محاولة التأثير على عواطفهم وموقفهم حين أشرت بيدي إلى ناحية بعيدة:
ـــ كانت فرحتي انتصارًا لأطفال العراق وأفغانستان.
ولكن أكبرهم فاجأني:
ـــ وماذا عن أطفال أمريكا؟!
خرجت عن تمثيل شخصية الأب الهاديء المتفاهم، وكشرت عن أنيابي:
ـــ يتحملون ذنب ما جناه آبائهم في هذا الجرم..
 أكملوا طعامهم في هدوء، ولم يرفعوا أنظارهم من أطباقهم إليَّ كأنهم يتحاشونني .. وقد كان هذا دلالة منهم على عدم اقتناعهم بما قلت.. فالعنف لايولد إلا العنف.. على هذا ربيناهم ــ ببلاهتنا ــ أنا وأمهم..
 ........................................
 "يسقط يسقط حسني مبارك".. هكذا أطلت الحشود الهادرة بميدان التحرير تكاد تهجم علينا من شاشة التلفاز الذي أشارت إليه زوجتي صارخةً:
ـــ أدرك ابنك.. أنه مع من تطاردهم رصاصات وخراطيم مياه الشرطة.
هدأت من روعها، بينما رحت أحدق في وجوه الشباب الثائر:
ـــ يا ستي.. ليس هوَّ، فكلهم متشابهون ..
 انسحبتْ من أمامي وهيَّ تبكي رافضةً أن تكذبني، ولكن نظراتها تنطق بذلك..وعدت أنظر للتلفاز ليتأكد لي صدق إحساسها وكلامها.
 عاد الأولاد ليلاً إلى المنزل، وقد أنكروا في اصرار توجههم بل تواجدهم بالميدان، لكن أصدقائهم هناك ينتظرون بيان الرحيل، تعلقت نظراتي الوجلة بنظرات زوجتي والتي تؤكد ألا رحيل..
 مرت الأيام بطيئة خانقة، يظهر الأولاد أثنائها ويختفون.. بينما قلب أمهم يحس بوقع أقدامهم في الشوارع مع أقرانهم من الثوار، وعقلي لايرفض إحساسها؛ فغيابهم وحضورهم له أسبابه المقنعة والتي حرصوا على ألا يخرجوا عن جدولهم المعتاد إلا قليلا.
 تنفعل زوجتي وهيَّ تمرق أمامي من الغرفة المجاورة ثم تقف لتحجب شاشة التلفاز دون قصدٍ منها:
ـــ ولا أي ولد من أولادك يرد على مكالماتي، إما رنين أو مغلق.. فبماذا تفسر هذا؟!
ـــ أوكي.. ولكن ابتعدي عن الشاشة فسيظهر الرئيس بعد قليل.
 جلست وهيَ تتململ بجواري وعيوننا معلقة بشاشة التلفاز، بينما الرئيس لا يظهر، حتى أصابنا اليأس والإعياء.. وزوجتي لا تمل ولا تيأس من محاولاتها المتكررة الفاشلة، في الاتصال بالأولاد.. وأعرف يأسها وخوفها من زفراتها القلقة، لكننا لم نيأس من ظهور الرئيس..
 انسحبت من الغرفة لأعد لنفسي فنجانًا من القهوة في محاولة مني للهروب من قلقي ومن قلقها، وقتل الوقت القاتل أصلاً.. تناديني:
ـــ لِمَّ لمْ تطلب مني؟!
ـــ أأعد لك فنجانًا معي..
ـــ لا .. شربت قهوتي صباحًا..
 وقفت مع فنجاني استعرض مشهد الشوارع الحزينة الكئيبة الحائرة.. أدركت أني لا أستطيع التفكير..
ـــ تعالى .. أسرع .. لقد ظهر الريس.
 هرعت إلى الداخل، نسيت القهوة، سمعناه. بكينا.. نفس الوقت الضائع، والبطء الشديد، والشكل الباهت، البارد.. تذكرت قهوتي. أصبحت باردة.. لقد فات أوان شربها، مثلما فات أوان كل شيء..
 دق هاتفينا في وقتٍ واحد، نشوة النصر تبدو في نبراتهم، تهرع هيَّ إلى المطبخ؛ فقد وعدتهم بالاحتفال عند عودتهم بهذا النصر الكبير.. رغم البكاء المرير على هذا الأحمق الكبير في يومه الأخير.
 تظاهرنا معًا أمامهم بالابتهاج، وهنأناهم على نصرهم السريع، وكفاح جيلهم القصير، ليفاجئني أكبرهم:
ـــ لكنني مع هذا بكيت وأنا أسمع خطاب الرحيل!
 ربت على كتفه، وأمعنت في الإعلان عن الفرحة بينما دموعي كانت تقوم بدورها التاريخي في الانهمار، حتى ظنوها دموع الفرح.. حاولت الإنسحاب إلى غرفتي في هدوء، ولكنه جذبني برفق:
ـــ وأنت أيضًا بكيت يا أبي ، وكذلك أمي .. إنها العشرة، وهو الكبير..الأب..وإن كان رئيسًا، إذ كيف لابن أن يطالب بإسقاط أبيه؟!
ـــ ولكن يا بني الأب ظلم.
ـــ ولكنكما لم تعلمونا ما الذي نفعله مع الأب إذا ظلم؟!
 أصررت على الانسحاب، دخلت غرفتي. تكومت في سريري. فكرت فتكلمت بصوتٍ عالٍ دون أن أحس:
ـــ نعم.. هيَّ مأساتنا، علمناهم الطاعة ربما إلى حد الخنوع.. علمناهم الحوار، ولم نعلمهم المعارضة ولا الثورة ولو على أبسط الأشياء.. قهرنا عصيانهم، كبتنا بكاؤهم، تفننا في وأد أحلامهم، وزرعنا فيهم أحلامنا حتى صارت أحلامهم.. سخرنا من آرائهم، وطاردنا آمالهم حتى قبل أن ينطقوها..
 خرجت من غرفتي.. لاحظت زوجتي توتري، سارت نحوي.ينظرون إلينا. أوقفتها بجانبي:
ـــ لقد فعلنا معكم مثلما فعل مبارك، ولكنني لن أعذبكم بالانتظار الممل، والقرارات البطيئة.. فدعوني أعلن أمامكم بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن والدتكم أننا قررنا الرحيل عن حياتكم بأفكارنا، وتسلطنا.. ونحن مستعدون لأن تحاكمونا على أخطائنا معكم في الماضي.
 صفق الأولاد تصفيق حاد، بينما احتضنتني أمهم بعمقٍ ودفء، ثم انضموا فاحتضنونا معًا، ووعدانا وهم يضحكون بالتماس الرأفة عند النظر في قضيتنا، مع التأكيد لنا أنهم لن يكرروا ما فعلناه مع أولادهم.
 تحلقنا حول المائدة نتناول ما لذ وطاب مما صنعته زوجتي الماهرة بفنون الطعام بفضل الشيفات الذين يملأون قنوات التلفاز ليل نهار.. يناولني ابني الأوسط كوبًا من الماء المثلج:
ـــ صدقني يا أبي الشهيد ارتاح، بينما الأسئلة مازالت تدور برؤوسنا، هل ما فعلناه كان صوابًا؟ ألن يجد الندم لنفسه طريقًا في قلوبنا بعد مرور السنوات فنعترف بخطأ قيامنا بتلك الثورة؟
ثم أكمل الأصغر:
ـــ تقصد مثل ندم قتلة الرئيس السادات.. أو كما ندمت أنت يا أبي على فرحتك فيما بعد بانهيار البرجين؟!
 نظر جميعنا إلى جميعنا.. واصلت زوجتي انهماكها في توزيع أطباق الحلوى في اصطناع؛ لتهرب من المواجهة التي قد تفسد الليلة.. بينما امتدت يدي لتدير شريطًا لأغنية قديمة من فيلم قديم:
(احكي وقول ع الناي ..عيشة الفقير إزاي .. راح اللي راح ياعيني.. بس يا خوفي م اللي جاي)....


الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

حبيبي محمد

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون












حفيدي محمد.......وشوقي ليك موصول
وربي اللي يشهد........باستنى الوصول
واسمك محمد...........على اسم الرسول
تطيعه بقلبك............في كل فعل وقول

وجدك محمد.............هناك مش بعيد
بروحه متابعك..............وبيحبك أكيد
وتيته وتيته..............وعماتك وعمو
خيلانك وخالتو.......يا حلو لابوه وأمه
صرَّخ وعيَّط...وصحي أبوك على طول

أشوفك إلهي............بدر يملى العين
ناجح وفالح............يارب دنيا ودين
وبابا وماما........ ما يسكتوا يخاووك
بأخ وأخت حلوه....في الدنيا يونسوك
وتكبر وتسعد...........وتبقى أد القول

الخميس، 13 نوفمبر 2014

عندما أسلم السير أوليفر تريسيليان

عندما أسلم السير أوليفر تريسيليان




 لا تدَّعِ أنك كنت تعلم شيئًا ولو يسيرًا عن السير أوليفر تريسيليان، قبل أن يصل إلى مسامعك ما سأحكيه لك عنه الآن.

 بالطبع يا جدي، لا أدَّعي معرفتي به، بالرغم من جمعي لمادة علمية عن أكثر المشاهير الذين أسلَموا ريثما أُصدرها في كتاب.


انفرجت أسارير الجد، وأحس بأنه سيضيف لحفيده الصحفي الشاب شيئًا ذا بال، فاعتدل في جلسته، ثم بدأ في السرد:

 في بلاد الضباب كان يعيش النبيل الإنجليزي السير أوليفر سيد مقاطعة "بينارو" في إقليم كورنوال، وبالإنجليزية Cornwall، وهي مقاطعة ساحلية تقعجنوب غرب إنجلترا، كان قد ورثها عن أبيه بما فيها من مزارع وغابات وأراضٍ، وتقع بالقرب منها مقاطعة تسكنها حسناء يتمنى الارتباط بها تُدعى "روزاموند"، إلا أن شقيقها يرفض الفكرة تمامًا؛ لتنافسه مع أوليفر في المجتمعات الراقية، وتفضيل القوم للأخير عليه، وكان "ليونيل" الشقيق الأصغر لأوليفر يطمح في إزاحة أخيه، والفوز بقلب "روزاموند"، فما كان منه إلا أن قتل بيتر جودلفين شقيق روزا، وتم اتهام أوليفر بقتله، وينضم إلى معسكر الكارهين لأوليفر السير جون كيليجرو الوصي على روزا، والذي دبر لخطف أوليفر وحبسه في سفينة قرصان يُدْعى "كابتن لاي"، الذي كان يفكر في بيعه لإحدى المزارع، إلا أن سفينة مِن قطع الأسطول الإسباني اعترضت سفينته وأغرقتها، ثم قادوا من نجا من البحَّارة إلى مدريد، حيث كانت محاكم التفتيش لا تزال منعقدة تمارس دورها في تفتيش صدور الناس بحثًا عن عقائدهم، ولمَّا كان أوليفر بروتستانتينيًّا، فهو في نظر رجال المحكمة هرطوقيّ، مما دفعه إلى تغيير مذهبه إلى الكاثوليكية، خاصةً وأن عائلة أوليفر لم تكن تقيم أهمية كبيرة للمذاهب الدينية.


أصبح السير أوليفر من العبيد الجدافين على سفن الأسطول الإسباني، وفي طريقه إلى نابولي تعرَّف على أحد المغاربة المسلمين من الجدافين معه، وبثَّه حديثًا طويلاً عن نبذِهِ للديانة المسيحية وأهلها؛ لما لاقاه منهم، سواء في موطنه أو في مدريد، ومما زال يلاقيه، ومن خلال هذا المغربي يوسف بن مختار تعلم أوليفر مبادئ الإسلام، واللغة العربية، حتى أتقنها.


كانت الجزائر آنذاك هدفًا للاستعمار الغربي بعد أن أسقطوا الأندلس، ولعلك سمعت عن الحرب بينها وبين إسبانيا فيما أسموه حرب "الثلاثمائة عام".


 الشاب - بتحسر -: لا، للأسف لم أسمع يا جدي.

 الجد - وبتأثرٍ شديد -: لم تسمع أيها الصحفي؟! لقد كانت الجزائر المحروسة من عام 1492 م إلى عام 1792 م في حرب مع إسبانيا، وأسموها الجزائر دار الجهاد من 1516 م حتى 1830 م، في هذه الفترة كان رجال البحرية الجزائرية يهاجمون سفن الأعداء، ويأسرون بحَّارتها، ومعهم كثير من الأسرى المسيحيين، الذين يعلنون إسلامهم، وينخرطون في سلك البحرية.

وهو نفس المصير الذي تعرض له أوليفر، حين هاجمت سفينتهم سفينة عربية جزائرية يقودها والي الجزائر نفسه أسد الدين، الذي أوقع الإسبان مأسورين، وحرر العبيد الذين منهم ابن عمه المغربي يوسف، الذي زكَّى عنده أوليفر، فقربه منه، وأحسن وِفادته، فعرض عليه أسد الدين الإسلام، فقَبِلَه دون تردُّد، وأصبح اسمه "أوليفر- ريس"، حتى صار الضابط الأول، ثم نائب أسد الدين نفسه خلال ستة أشهر، وكان أسد الدين أشهر محارب في العالم الإسلامي يومذاك، بعدمصرع فاتح قبرص "علي باشا" في معركة ليبانت البحرية، التيوقعت في7 أكتوبر1571م بين العثمانيين والتحالف الأوروبي (الحلف المقدس)، مما جعل سيرة أوليفر بالتبعية ذائعة الصيت كقائده.

عاش أوليفر حزينًا؛ فقد نما إلى علمه أن السلطات البريطانية اعتبرته ميتًا؛ لتيقنها من إسلامه، ففاز شقيقه بالثروة، وبالفتاة التي كان حلمه الاقتران بها، بينما كان على الجانب الآخر سعيدًا بعد أن صار بطلاً من أبطال الإسلام في الجيش الجزائري، وكان بمثابة الابن بالنسبة لأسد الدين، حتى أطلق حُسَّاده الوشايات بينهما، ومنهم زوجة أسد الدين، وكانت مسيحية، وأسلمت، وتريد إزاحة أوليفر الذي سلب عقل زوجها من القيادة؛ حتى يتولاها ابنها.


 قال الشاب لجده: قصة شائقة جدًّا يا جدي، هلا أكملت من فضلك؟

 اعتدل الجد بعد أن تناول قرصًا من علاجه: يا ولدي القصة طويلة، وأنا أحاول قدر الاستطاعة أن أوجزها لك، وسأقفز مجتازًا عدة أحداث درامية؛ منها: خطف رجال أوليفر لشقيقه ليونيل وخطيبته روزاموند، وإحضارهما إليه بالجزائر، ومحاولة زوجة أسد الدين شراء روزا أو الضغط على زوجها ليعرض المختطفين للبيع، وخروج أسد الدين وأوليفر في رحلة حربية صغيرة بالسفينة التي أخفى أوليفر فيها ليونيل وروزا، واكتشاف أسد الدين لذلك، ودار بينه وبين أوليفر حديثًا غاضبًا سرعان ما هدأ، ثم اعترضتهم سفينة إنجليزية ضخمة يملكها السير جون كيليجرو الوصي على الآنسة روزا.


لم تمر عدة ساعات حتى دارت معركة حربية بين السفينتين، وكان النصر حليف البريطانيين الذين انطلقوا إلى السفينة، ولم ينقذ أسد الدين ورجاله غير مخاطبة أوليفر باللغة الإنجليزية، وبلهجة آمرة للسير جون، بالكف عن القتال، وسيسلمه روزاموند سالمة، وإلا سيُغرق السفينتين معًا في لحظة، إذا ما ألقى مصباحًا إلى مخزن البارود، كما أمره أن يقسم بشرفه وشرف بلاده أن يغل يده، فلا تمتد بأذى إلى السفينة العربية ورجالها.


 قال الصحفي الشاب متلهفًا: وهل قَبِلَ السير جون شروطَ أوليفر يا جدي؟

 قال الجد متنهدًا: قبلها يا ولدي على مضض، ولكنه أضاف شرطًا واحدًا، هو أن يسلم أوليفر نفسه أيضًا، فقبل أوليفر لتوِّه، مع اعتراض رجاله الذين فارقهم بالدموع، وعاد أسد الدين لبلاده حزينًا باكيًا عليه مثلما حزنت الجزائر على فقد أوليفر "صقر البحر" حزنًا دام شهورًا، وكان مصيره أن قدموه لمحاكمة لم ينقذه منها غير روزاموند التي سمعت الحقيقة من ليونيل قبل احتضاره؛ فقد طعنه الكابتن لاي أثناء المعركة دون أن يدري، ومِن ثَم فقد عاد أوليفر إلى لقبه وأملاكه وبلاده، وإلى روزاموند التي تبينت نُبْل أخلاقه، ومحبة الناس له في بلاد العرب، تلك البلاد التي لم تَغِبْ عن بال السير أوليفر أبدًا.


 استوقف الشاب جده: ولكن يا جدي، ألم يكن الكابتن لاي في صف أعداء السير أوليفر؟

 ابتسم الجد: نعم، أيها اليقظ، فقد نسيت أن أذكر لك أن الكابتن لاي كان قد وقع أسيرًا في يد أوليفر منذ حل بالجزائر، وضمه إلى سفينته بعد أن عرض عليه الإسلام فأسلم، واقتاده السير جون مع أوليفر مخالفًا شروط التسليم.


 قال الشاب: ولكن هل عاد أوليفر لدينه القديم؟

 فقال الجد: لا، لم يعد، ولكن عاد إلى لقبه القديم السير أوليفر فقط، ويتبين لك هذا من حديثه مع الكابتن لاي قبيل محاكمته، حيث سأله لاي:هل تؤمن بالله يا سير أوليفر؟

فأجابه أوليفر في يقين: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

فاندهش لاي قائلاً: ولكنها عقيدة المسلمين!

فأجابه أوليفر: إنها العقيدة التي أؤمن بها إيمانًا مطلقًا.


فقال لاي الذي لم تفارقه دهشته: عجبًا! كيف تقول هذا يا سير أوليفر وأنت مشرف على الموت؟

فأجابه أوليفر بيقين: إن إشرافي على الموت يا كابتن لاي هو الذي يجعلني ازداد تشبثًا بهذه العقيدة، وأؤمن برحمة الله، وأنه لن يعذبني على شيء قُدِّرَ عليَّ منذ الأزل.


قال لاي: ولكن هذه فلسفة العقيدة الإسلامية.

فأقره أوليفر على هذا قائلاً: إنها فلسفة تملأ القلب بالأمن، والراحة، والسكينة.


 سأل الصحفي الشاب: جدي، بالله عليك صارحني: من أين علمت بهذه القصة؟

 قال الجد - وهو يهم بالوقوف -: حفيدي الحبيب، هذه القصة سجلها المؤرخ الإنجليزي اللورد هنري جود عن الحياة المزدوجة التي عاشها النبيل السير أوليفر، ثم صاغها روايةً الروائي الإيطالي الأم والإنجليزي الأب رافائيل ساباتيني بعنوان (صقر البحر) في عام 1915 م، ومن أسفٍ أننا نَسِينا السير أوليفر كما نسينا شخصيات كبيرة وكثيرة في زحمة الحياة، كما ستنساني غدًا أيها الصحفي الناشئ عندما تكبر، وعندما أموت.


 الحفيد: لن أنساك ما حييت يا جدي، ولا تتحسر على أوليفر كثيرًا، فغاية أمره أنه كان قرصانًا.

 قاطعه الجد غاضبًا: ظلمته يا ولدي، وظلمت الذين معه أيضًا؛ إذ لم يكن قرصانًا، ولا هم قراصنة، وهو خطأ يستوجب التصحيح في شخص أمير البحر القائد المسلم مفزع أوروبا خير الدين بربروسا، الذي يُعدُّ - بل هو بحق - من أعظم أمراء البحر الذين عرفتهم الجزائر، وعرفهم البحر المتوسط، حين يطلقون عليه لقب قرصان، ويضعون اسمه مع أشهر القراصنة، يجب أن تميز يا بني بين القراصنة الذين يقومون بأعمالهم العدائية تجاه السفن الأخرى لمصلحتهم الخاصة فقط، وبين "القراصنة المفوَّضين".


 الشاب: وهل هناك تفويض بالقرصنة؟!

 الجد: أنت تعلم أن البحار قديمًا لم تكن تخضع إلى سلطة تحفظ أمن وسلامة السفن والتجارة فيها، وكان من عادة الملوك والأمراء إذا كان لهم حق عند غيرهم لم يصلوا إليه بالطرق السلمية أن يبيحوا أموال أعدائهم لرعاياهم، وأن يفوضوهم بالانتقام للملك ولأنفسهم من العدو باستباحة أمواله، فإذا قامت حرب نفر أهل كل إمارة إليها، فيجهز أفراد منهم على حسابهم حملة بحرية على أموال العدو، يأسرونها، وكان هؤلاء يسمون "Corsaires" ومنها جاء لفظ القرصان، إلا أنهم يتميزون عن لصوص البحار "Pirates" بأنهم يحملون أمرًا من أميرهم، واللصوص لا يحملون أمرًا، كما أنهم لا ينفرون إلا في حالة الحرب فقط، بينما لصوص البحر يقطعونه في السلم والحرب معًا، والقراصنة المفوَّضون يتبعون التعليمات، فلا يتعرضون إلا لأموال العدو، في حين أن اللصوص يتعرضون لأموال جميع التجار، ولا يتبعون قانونًا، والفارق الأخير بينهما أن المفوضين عليهم أن يقدموا مغانمهم إلى ديوان البحرية، أما اللصوص فيمتلكون ما يسرقونه، ومن هنا نشأ ما يسمى بالغنائم البحرية، وعليك أن تقرأ البحث الذي كتبه الأستاذ أحمد صفوت باشا المحامي، كما يجب عليك أن تعلم أن أسد الدين الذي في حكايتنا من قراصنة شمال إفريقيا، أو من يسمونهم القراصنة البربرية - كما سماهم بهذا أعداؤهم - وكانت بدايتهم مع بداية الحروب الصليبية.


 قال الشاب: الآن فهمت ما معنى لقب صقر البحر، وأمير البحر.

 الجد: أمير البحر لا يطلق على قرصان، وإنما هو لقب يُطلقه السلطان على مَن يُعينه لهذه المهمة؛ ولهذا فطن المؤلف غير المسلم إلى هذا حين وصف أوليفر في بداية الفصل الأول من الرواية بأنه بطل البحر الأبيض المتوسط، وباعث الرعب في الدول الأوروبية المُطلَّة عليه، وعمومًا يا ولدي كان تقليد القرصنة بالتفويض معمولاً به خلال القرون الوسطى، وحتى القرن العشرين، وحتى أمريكا التزمت به عندما شنَّت أول حرب لها في البحر المتوسط ضد القراصنة البربر في تونس، والجزائر، والمغرب، ما بين 1801 م و1816 م، وعاملت القراصنة كأسرى حرب؛ نظرًا لارتباطهم بدول ترعاهم وتوجِّههم في أعمالهم.


 قال الحفيد بارتياح: ولهذا كان السير أوليفر صقر البحر يعمل عملاً عسكريًّا حربيًّا لا إجراميًّا، وعليه فقد وجب عليَّ البَدْء في قراءة الرواية، وقراءة تاريخ الجزائر معًا.

 الجد باسمًا: حسنًا تفعل يا ولدي.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/78442/#ixzz3IyG15FMW

الأحد، 26 أكتوبر 2014

د. رانيا يحي.. حين يعزف القلم..

 




     دون أن أدري تسللتني على مهل، وفي شيءٍ من الاستسلام القدري سلمت لها وجداني طواعيةً، هل لكونها في طول أصغر بناتي التي ألمح في جنبات عينيها نفس إصرارها وجديتها؟ هل لكونها وهيئتها وآلتها "الفلوت" الذي تحمله كسلاح تحاول أن تشهره في وجه من يشوشون ويشغبون علينا صفو حضارتنا، وصفاء أحلامنا، ومخاض الأمل فينا؟ هل لأنها من أمهر عازفي الفلوت في مصر والوطن العربي وحسب؟

    لا.. لم يكن وحده أو كل ما ذكرت هو السر في حصاري بهذا الطغيان الهاديء حينًا والهادر أحايين أخرى، ولكن لكون "الدكتورة رانيا يحي" حالة مصرية فريدة لا تقيسها بمعيار الأنوثة والرجولة؛ فهي كلٌ في كل يمتزج فيها العلم بالفن، واحترام الذات بالوطنية الصميمة، والوعي بالحاضر مع استحضار الماضي بعراقته، والمنهجية المعرفية بتبسيط العلم، والتواضع في اعتزاز، والصرامة الحانية.

   لم أتشرف بسماع عزفها، ولكنني أُخِذتُ بالإنصات لصرير ومنتوج قلمها المبدع، ثم أبحرت فتوغلت في عالمها، فإذا هيَّ سواحل عدة تطل من مشارفها على أنهار وبحار وبحيرات متنوعة العمق والاتساع، فإذا ظننت أنك علمت عنها التأريخ الموسيقي وحده، باغتك سيفها البتار في النقد، وإذا استنمت لفكرة أنها محصورة في النقد الموسيقي فقط، أيقظتك براعتها في التناول النقدي في السينما والمسلسلات والبرامج، وإذا بدا لك من سمتها الرقة التي تطل من حنوها على آلتها، أظهرت لك الثورة والتمرد والعصيان حين تنتفض في نقدها السياسي لبعض برامج التوك شو بل وتلك السياسات والممارسات الخاطئة داخل الأوبرا والحقل الثقافي، حتى وإن جرت عليها الخصومات والثارات والزوابع.

     يدهشك ذلك التنوع الثقافي الخلاق، والمتأطر بالمنهج العلمي المدروس؛ فلا قفزات بهلوانية، ولا دس للأنف بفهلوية ابتغاء الشهرة أو طمعًا في المال أو سعيًا لمنصب، هيَّ شخصية متصالحة مع نفسها، منسجمة مع مبادئها في اتساق غير صارخ، لاتفرض نفسها على العيون بالفتون ولكن بالفنون، فنون القول السديد، وفنون العزف الرصين الرشيد، تدور كالنحلة بين أرجاء العالمين الغربي والعربي تنقل الحدث وترصده وتنقده وتفنده وتحلله، إن اتصل الفن بالطب وجدتها، وإن اتصل الفن بالدين ألقت بنفسها في أتون التحليل والتحريم غير هيابة ولا وجلة، وإن اتصل الأمر بالدولة ومؤسساتها أبحرت بقاربها في معركة غير مدعوةٍ لها، وإن اتصل الأمر بدينها السمح الحنيف ورأت من يشوهه أو يحاول بسوء تصرفاته الحمقاء، نزلت إلى الساحات ودافعت جماعات الإرهاب ليقلعوا ويعودوا عن غيهم، ولا تخش أن تكون في مهب الريح وحدها.

     إنها الدكتورة رانيا يحيى الطالبة المثالية على أكاديمية الفنون، والحاصلة على بكالوريوس الكونسرفتوار بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف عام 1998، وفي نفس العام حصلت على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1998، وفي عام 2000م حصلت على دبلوم الدراسات العليا من الكونسرفتوار بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، ورغم فرحتها بالحصول على ماجستير الفنون من الكونسرفتوار بتقدير ممتاز عام2006 إلا أن هذا العام كان بالنسبة لها بمثابة عام الحزن؛ إذ لبى أحب الناس إلى قلبها والدها اللواء يحي سعد نداء به، فلعقت أحزانها بعد زمنٍ غير قصير لتشد الرحال صوب الشوط الأخير من مشوارها العلمي، فحصلت على الدكتوراه في فلسفة الفنون من المعهد العالى للنقد الفنى عام 2011 بتقدير مرتبة الشرف الأولى، لتنال العديد من الجوائز من المجلس الأعلى للثقافة والتي هي عضو به، كما مثلت مصر في العديد من المهرجانات الدولية بالخارج.

    أصدرتْ كتابين مهمين، هما:"غذاء الروح"، وثانيهما:"موسيقى أفلام يوسف شاهين"، ولعل من تابع المؤلفات التي حاولت تقريب فن وعلم الموسيقى إلى أذهاننا نحن العامة من غير المتخصصين، مثل: كتاب "الموسيقا للجميع" للموسيقار عزيز الشوان، وكتاب "تعالى معي إلى الكونسير" للأديب يحي حقي، وكتاب "مع الموسيقى" للدكتور فؤاد زكريا"،وكتاب "الموسيقى السيمفونية" للدكتور حسين فوزي، أو تابع برامج الدكتور يوسف شوقي بالبرنامج العام، والدكتور حسين فوزي بالبرنامج الثاني، سيشعر ويقر بأن كتاب "غذاء الروح" يأتي درة مهمة في هذا العقد الرائع ويستكمل مسيرة السابقين؛ إذ حاولت الدكتورة رانيا تقريب الموسيقى الكلاسيكية للمتذوق العربى عامةً والمصري خاصةً وذلك بتبسيط المفاهيم الموسيقية وتقديم تعريفات بعائلات الآلات فى الأوركسترا، ثم عرضت لأهم الصيغ الموسيقية وشرح لأهم العصور الموسيقية الهامة فى تاريخ الموسيقى العالمية منذ عصر النهضة وحتى القرن العشرين مع إلقاء الضوء على أهم المؤلفين الموسيقيين في كل عصر.

      وقدمت الدكتورة رانيا من خلال كتابها الثاني: :موسيقى أفلام يوسف شاهين" عرضًا تاريخيًا شائقًا لمشوار يوسف شاهين الفني مع استعراض جماليات الصورة السينمائية والعلاقة بين الموسيقي والصورة داخل الفيلم السينمائي، ولم تكتفِ بهذا بل تناولت موسيقي الأفلام منذ نشأة السينما في العالم بالإضافة لجزء آخر للسينما المصرية. مع عرض تحليلي لجماليات أهم "15 فيلم" تغطي مساحة زمنية قاربت النصف قرن من رحلة يوسف شاهين والتي تعاون خلالها مع مؤلفين موسيقيين كبار لهم دور بارز في مجال موسيقي الأفلام أبرزهم الموسيقار عمر خيرت والراحل علي إسماعيل والملحن جمال سلامة والملحن إبراهيم حجاج وفؤاد الظاهري.

     لعل البوليفونية تحكمت في جانب من حياة الدكتورة رانيا العلمية حين درست الحقوق إلى جانب الموسيقى، وذلك لأنها عاشت هذا التعدد الصحي في بيئتها بين والد وجد من رجال الشرطة حيث التعليمات الصارمة، وأم تنتمي لمملكة الشعر الحالمة، فشكل هذا في شخصيتها توازنًا بين الجمال والواجب، والدفاع عن الحق مع من كان وضد من كان، مما أكسبتها دراستها القانونية الالتزام والحيدة والعدالة، وأكسبتها الموسيقى التزام النظام والدقة، بينما طعَّمت دراستها الحقوقية دراستها النقدية بالتريث والحزم في اطلاق الأحكام النقدية دون أن تخشى في الحق لومة لائم.

     ولم يغادر التناسق والهارموني ساحة حياتها العملية والإجتماعية، فوازنت بين التحصيل العلمي، والإلتزام العملي في تأدية وظيفتها، والقيام بهمة وجد بأعباء حياتها وبيتها كزوجة وأم تمثل هذا في تنشئة ابنها وابنتها على تلك القواعد والأسس التي تربت عليها، خاصةً وأن نموذج بيتها وأسرتها يعتبر امتدادًا، ونموذجًا محاكيًا لتلك البيئة التي عاشتها من قبل مع والديها؛ إذ هي تنتمي لعالم الفن، بينما ينتمي زوجها لجهاز الشرطة. 

      لن تخطيء عين قارئ مقالات الدكتورة رانيا رشاقة عناوينها، وإيجازها أو إسهابها، مع تحميل العنوان بكل ما يريد القارئ معرفته عن فحوى الموضوع قبل قراءته، كما سيلاحظ خفة دمها، وسخريتها المصرية، مثل:"فؤاد الظاهري مبدع بألف وجه"، "الزوجة الثانية يحلق بموسيقى الظاهري وواقعية أبو سيف"، "عطية شرارة: "شرارة" الكمان.. و"فارس" الألحان"، "عصا عباسي" تلملم شتات الشرق والغرب"،"من لعب عيال لفجاجة كبار"، وتبلغ أقصى السخرية في التقابل بين الكلمات في عنوان: "أقول لخرسا ليس الآن وقت الكلام"، وقد اعتمدت على اسم المذيعة رولا "خرسا" والخرس ضد الكلام بداهةً، والمعنى مثير كيف تأمر خرساء بالكف عن الكلام؟!

     تتخطى الدكتورة رانيا حدود المحلية لترعى الإبداعات العربية،حين تناولت السينما السعودية وفيلم "وجدة" كتابة وإخراج هيفاء المنصور، ثم تناولت السينما العمانية من خلال تقديم الدعم والمؤازرة لرئيس الجمعية العمانية للسينما ورئيس مهرجان مسقط السينمائي الدولي الدكتور خالد الزدجاني ضد من يحاولون النيل منه والانقضاض على هذا الصرح الهائل الناجح، ثم تابعت السينما المغربية من خلال تناولها للفيلم المغربي "يا خيل الله" لنبيل عيوش، كما تخطت المحلية والعربية للعالمية حين تناولت الأفلام الحائزة على الأوسكار عام 2014، وكانت قد تناولت من قبل أحد أفلام الدورة السادسة لبانوراما الفيلم الأوروبي 2012.

     أتاحت دراسة النقد الفني والأدبي للدكتورة رانيا يحي قراءة والفرجة على العمل الفني والحكم عليه من عدة مستويات قد لا تتاح لناقد غيرها؛ إذ قلما وجدنا اهتمامًا ينصب على تتر المسلسلات، أو اهتمامًا بنقد أو حتى تناول الموسيقا التصويرية ولعل من يتابع مقالتيها: "نظرة متأملة في تترات مسلسلات رمضان" و "في دراما رمضان تراجع دور الموسيقا" سيلاحظ هذا الاهتمام النقدي العلمي لا الإنطباعي، والذي أرى أنه سيكون حافزًا للشركات المنتجة في الأعوام المقبلة من التركيز على موسيقى وأغاني أعمالهم لظهور عين راصدة ستتابع وتنقد، كما تناولت الدكتورة رانيا بالنقد ودق أجراس الخطر في عدة مقالات نقدية هامة عدة أعمال فنية وبرامج، مثل:"من لعب عيال لفجاجة كبار"، "قلوب" يطيح بعادات وتقاليد الأسرة المصرية، "المسلسلات المدبلجة..ناقوس خطر".

    وتشكل تلك الثلاث مقالات الأخيرة، مع مقالات: "الدولة ومكارم الأخلاق" و"داعش.. لقد أسأتم للإسلام" و "هنيئًا شهيد شهادة الحق" ركنًا هامًا في البنيان الفكري والعقدي في شخصية الدكتورة رانيا يحي واحترامها لمبادئ الدين الإسلامي الذي تعتنقه وأنه من مرجعياتها الهامة برافديه القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكذلك توقيرها للديانيتين السماويتين اليهودية والمسيحية، وانحيازها التام للهوية المصرية والعربية وللخصوصية الثقافية لمجتمعها، ورفضها التام للسباحة في فلك العولمة التي تحاول بث أفكارها، وبذر جذورها في أرضنا، على حساب القيم التي رُبينا ونشأنا عليها.

    لا تعيش الدكتورة رانيا حبيسة نغماتها، أو متترسةً في البرج العاجي بمعزلٍ عن الناس وهموم الناس في بر مصر، بل هيَّ من تسعى طواعيةً وبدون دعوة في تسخير علمها وخبرتها، وطرح أفكارها وآرائها على صفحات الجرائد ليلتقطها أهل الحل والعقد وأصحاب القرار ويفعلونها لو أرادوا، فتطالب بعودة الفن إلى المدارس في مقالها "إيثار المعلم" وتناشد المسئولين الاهتمام بالطرق بديلاً عن الكوارث، في مقالها "حوادث الطرق"، وتطالب بعودة الحفلات الفنية في المناسبات الوطنية دون أن تتحمل القوات المسلحة أجور من يقدمونها، وذلك في مقال "رسالة للمشير السيسي..الفنانون جنودك"، بل تؤكد في دعوة جادة توجهها إلى الهيئات والمؤسسات المعنية بالثقافة والفن لتوجيه الشارع المصري ليقف جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة والشرطة ضد الإرهاب، من خلال مقالها "في حاجة إلى الفن لمواجه التحديات السياسية"، وقد قدمت مقالتها الجميلة على صفحات مجلة الهلال"سبع نغمات ساحرات تحدد مصير الجنين"، وليس نوعه، فالنوع بيد الله تعالى، والمصير هو ما يصنعه الوالدين والأم خاصة.

    وحين يقترب الفلوت من شفتيها لتنفخ فيها من روحها، تنساب النغمات بشرقيتها تارة وبغربيتها تارة، فتنقلنا من عالم الجسد إلى عالم الروح، وتنتشلنا من الارتكاس في المادية البغيضة إلى السمو بأفكارنا وأحلامنا في فضاءات وسماوات التمثل بالطير، والفراشات الهائمة، والأنسام المسافرة، والأغصان الميادة، والاقتراب من خلوات الزهاد، ومنشدي الأبيات، واللهج بالتسبيحات، والانكفاء على الذات تارة، ومحو الذات تارة، وانعتاق الأسرار والأفكار من الصدور إلى السطور بحبور...وكسر قضبان الأحزان، نحو نشدان الفرحة الضالة في فيافي النفس.. فأي سحرٍ فيكِ هذا الذي تطلقينه فينا يا "بنت يحي" تارة ًبالقلم ..وتاراتٍ بالنغم؟! 

السبت، 25 أكتوبر 2014

قراءة في مجموعة "طقوس للعودة" للكاتب السيد إبراهيم أحمد. بقلم: الدكتورة ديانا رحيل

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون



قراءة في مجموعة "طقوس للعودة" للكاتب السيد إبراهيم أحمد

 بقلم:الدكتورة ديانا رحيل



في كثير من الأحيان ترتبط الخطى الأولى، والبدايات الممهدة في ميدان الإبداع ببعض التلعثم والقفز في الهواء، أو كثرة الفجوات التي تتخلل البناء المنجز في المرحلة المبكرة، لكن الكاتب المصري
في مجموعته القصصية الأولى حاول تجاوز العثرات المرتبطة بالبدايات، عبر ما نلحظه من محاولة التماس الضروب الأقرب للوضوح أكثر من البحث عن متاهات القول. وبالرغم من بساطة لغته، إلا
أن نصوصه تنطوي على مكون قصصي نابض، تتدفق فيه انسيابيا عواطف وأحاسيس وتأملات ما زالت تحتفظ ببكارة السؤال فيها.

يتأسس النص السردي القصصي من تركيبة معقدة ينصهر في بوتقها الوجدان واللغة والواقع والآمال والآلام، لتشكل نسيجا من الرموز المتآلفة والمنفتحة على فضاءات واسعة، والمبدع جزء من المجتمع
الذي يعيش فيه، فإن العناصر الأدبية والاجتماعية هي التي تحدد النتاج الإبداعي للمؤلف.

وفي مجموعة (طقوس للعودة) للكاتب المصري السيد ابراهيم، يظهر ان حلم الرجوع الى البيت الأول هو الهاجس الأكبر عند الانسان، وهنا انزاح فعل العودة عن معناه العام، اي مجرد من مجرد رغبة في
الرجوع الى فعل مقاومة وتحد، عودة إلى الأصيل من عاداتنا وتقاليدنا.

فالرجوع أو العودة في المجموعة القصصية ليست عودة إلى بلد بل الى الأصل من البلد، الى الخير، والأخلاق. والعودة هنا هاجس إذ تتخطى حدودها اللغوية الى الاصرار على التواصل والرجوع الى الجذور.
تعد مجموعة طقوس للعودة ذات بعد اجتماعي، فضلا عن الجرأة التي تناول الكاتب جملة من القضايا والهموم الحياتية. فمجموعته تضم خمس عشرة قصة، هي؛ عندما تكلمت المرأة، لجظة دفء، صداقة، عم
جابر أفندي، الجبل، الاقتحام الخاطئ، سلطان عرش الدخان، عندما تكلمت المرأة، القطار، طقوس للعودة، رجل وامرأة وموظف، لحظة انسحاب، رغم أنفه، وزر الأخرى. تعالج مواضيع انسانية وعلاقات اجتماعية،
فالبطل لديه مكافح يبحث عن حياة شريفة نقية، خالية من التعقيد ومتاهات العصر وبهرجة الحضارة. يعتمد الكاتب على البوح عن أحاسيس ومشاعر أبطاله، ربما كانت نقطة تحول في حياة هؤلاء الأشخاص.

اقترب كثيرا من هموم الإنسان العربي ومعاناته ذكرًا كان أم أنثى، وهو في هذا الاقتراب ضاقت دائرته أم اتسعت يحاول تلمس العقبات والعثرات التي تعترض طريق هذا العربي الطامح لبناء غدا أفضل.
الالتزام والواقعية الاجتماعية بنيت عليها المجموعة، إذ تبنى الكاتب قيم الرؤية الواقعية في الأدب، وجاءت مجموعة متسمة بطابع زمانها، فكان أول ما ميزها أنها عكست واقع الحال، فكانت قصته محكومة بالغضب
وبالنبرة العالية الصاخبة الضاجة بالاعتراض الى درجة يحس معها القارئ أن ضربات قلبه تزداد، ودمه يعلو ويثور.

تبدو الفكرة هي الأساس في المجموعة، فقصصها تستمد قوتها من قضايا المجتمع، وهموم الناس، في عصر تماوجت فيه الأفكار وتصادقت، وتلاقحت فيه الآراء وتنافرت، فالنصوص تحاول الوقوف عند بعض القضايا،
وأهمها التربية والإصلاح الاجتماعي.

حاول بجرأة أن يعبر عن الجانب الاجتماعي للمرأة، وتجسيد حالتها ووضعها في ظل التقاليد والمفاهيم المسيطرة. فالمجموعة تعالج قضايا لها أهميتها في إعداد وتطوير المجتمع.

كان حضور حواء بارزا في المجموعة، إذ حضرت في تسع قصص بشكل فعلي، وكان حضورها ضمنيا في القصص الأخرى، بمعنى أنها وإن لم تحضر في السرد كشخصية إلا أنها حضرت كمضمون يحرك السرد،
ويسيطر عليه.

وهذا دليل أن السرد يمارس نوعا من النقد الاجتماعي الفكري لبعض الممارسات تجاه المرأة. وفي خضم ضواغط النسق الفحولي المهيمن القامع للأنوثة الطامح لتدجينها يحاول صوت المرأة استعادة شيئا من كبرياء الذات
المسلوبة المكبلة بأغلال العادات والتقاليد، لكن النتيجة دائما سلبية محمّلة بدلالات التأكيد لنتيجة الصراع النسقي باتجاه تكثيف عتمة الواقع ومرارته المتكئة إلى ثقافة اجتماعية تبيح نظرتها المتدنية إلى الأنوثة وتغييب كينونتها
ومصادرتها في مقابل اعلاء صرح الحضارة الذكورية.

ورسم أيضا صورة للمرأة الخانعة المضطهدة من قبل المجتمع، التي تتمسك بالرجل وتحتمي به مهما كان ضعيفا، وتتخذه حاميا في وجه مجتمع الذكورة الظالم، وساعد تصوير الكاتب للمرأة في المجموعة إلى فضح الإحساس
المتنامي بضمور الأنثى فكريا، وعكس صورة شاذة لطبيعة العلاقة المهزوزة التي تربطها بالرجل، الذي أدى إلى حتمية سقوطها معه، فالسقوط للمجتمع الذي يدّعي المثالية.

حاول التعبير عن المفارقات ما بين المستويات المرغوبة والظروف الواقعية، وهذه المفارقات تمثل اضطرابا وتعطيلا لسير الأمور بطريقة مرغوبة. وتتصل المشكلات الاجتماعية بالمسائل ذات الصفة الجمعية التي تشمل عددًا
من أفراد المجتمع بحيث تحول دون قيامهم بأدوارهم الاجتماعية.

طرق الكاتب مواضيع اجتماعية متعددة كالزواج المبكر وزواج القاصرات، فوجود هذه الظاهرة بشكل أو بآخر يتطلب إعادة التربية، وتغيير الأفكار السائدة، وفارق السن والعقلية والمستوى الثقافي والاجتماعي، كل ذلك بمثابة
قنابل موقوتة، قد تنفجر في كل لحظة مخلفة ضحايا: أرامل وأطفال. فالكاتب يحاول استنهاض الهمم من أجل تغيير النظرة الاجتماعية، في سبيل تربية فاعلة واعية، الهدف منها إعداد الفتاة لعشرة التآلف والتعاون والتساكن، لا عشرة
الخضوع والإذلال.

ربط الكاتب الأحداث بشكل موضوعي، وكان ميله واضحًا لترك بعض الأحداث ليستشف القاريء نتيجتها دون التوقف عندها. والنص ثري ومفعم بالقضايا الاجتماعية والقيم والكثير من التفاصيل الحياتية. وامتازت لغة التعبير
بالخيال الواسع، عبر تصويره للواقع والبيئة، بأسلوب قصصي متميز دون اللجوء الى الغرابة والتعقيد.

عبر الكاتب في أربع عشرة قصة عن الواقع الاجتماعي، وعبر في قصة واحدة هي "لحظة انسحاب" عن الجانب السياسي، دون انفصال بينهما، بل أثبت أن الواقع السياسي أصبح ضالعا في ثقافة الحياة اليومية، ولم يعد مقصورا
على النخبة من المثقفين والسياسيين، لقد صار الشارع سياسيًا بامتياز، والناس أصبحت تدرك الموضوع السياسي أينما كان، سواء على صفحة الجريدة أو على قناة تلفزيونية أو على شبكة الانترنت، مادام الخطاب متواصلا مع وعي
الناس ومعبرًا عن همومهم السياسية التي تمس حياتهم اليومية.

يبقى أن الكاتب قد نجح في الإعلان عن نفسه كقاص يسعى لهذه الغاية بهدوء وإدراك تام لمشروع التأليف والكتابة، وقد وظف مخزونه واستدعى جملا تراثية معروفة وزج بها في نصه.

الأحد، 19 أكتوبر 2014

منمنمات التائية في قصيدة: آثار جانبية لحب الورد.. لـ يحي السيد

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون








  حين تقرأ تلك القصيدة التي تأرجح فيها اللفظ بين الفصحى والعامية التي أصابتها نشوى الذكر، فتاهت مع شاعرها الذي حين تسمعه كأنما يترنم بتهويمات، يكاد لا يخرج سامعها من مثل تلك الحالة من اللذة التي لا يدري  كنهها أو منبعها، وإذا أمسك ذات مرة بتلابيبها، عجز عن وصفها، لا لغيره فقط بل لنفسه أيضًا، لكنه عن رغبة منه، ودون إرادة منه، لم يسعه التوقف، وآثر المضي، وهو أيضًا لا يدري لمَّ آثر المضي، وكان عليه أن يتخذ قرار الاكتفاء من هذا الانتشاء اللامفهوم، ولكنه استعذبه فأعجبه فطلب المزيد، وطاب له المزيد، فقد ذاق وعرف، وغرق واغترف..
   هذه الحالة التي وقف عندها الشاعر الشاب يحي السيد حين دلفت روحه إلى عالم التصوف، وربما جذبته التائية الكبرى للشاعر الكبير عمر بن الفارض فهام في أجوائها، وقبس من اصطلاحاتها، وطفق يرسم لوحته التشكيلية التي تنبيء بأن حرقة الوجد قد لامست يده لا كبده بالكاد، ولكنه من سناها نثر ذلك العشق المدلهم، وبذر أرض القصيدة بكل أزهار القوم على سرها الموقوف عليهم، ومثلما حار ويحار القوم في فك طلاسمها، تركنا يحي السيد نحار في فك طلاسمه، وبدأ أبياته بوصف حالة من الحسية الغزلية التي برع فيها أسلافه من الشعراء المتصوفة، وكنى عن معشوقته بضمير الغائب، وباللفظ المباغت شفا العين، وللعين أهداب، وللفم الشفتين، ولكنه بدأ مسافة القرب بأنه كان قاب قوسين أو أدنى، ولكنه استعصم من الوقوع في الهوى باليقظة من خارجه [لكنت هويت]، والهوى هنا من الهاوية أي الوقوع:
وكنتُ علي شَفَا عينها
ولولا أنّي مِسكت إديّــا من بره  
لكـنت هـويــت..
   لا تستطيع أن تبتعد عن دلالات الشاعر بالالتجاء إلى غيرها طبقًا للمنهج الدلالي، ولا ترى من صوره التي زجها في طريق القاريء بين الحسي والمثالي، والتي تزخر بأفعال الماضي والمضارع وكأنها كانت وكائنة في ذات الوقت، أي ما زالت تفعل فعلها أو أن القصيدة مازالت تكتب نفسها بيد الشاعر:
وانا اللي كنتَ سبت عينيا ف الملكوت
تلمّ الباقي من جِسمك
لحد النور ماخنِّي عميت..
  المألوف أن النور في ذاته يعين على كشف الأشياء والحقائق في العالم المادي، وهو الذي يغمرنا فيكشفنا ويكشف لمن أراد لهم ربهم الكشف، غير أن الشاعر خانته أنوار الملكوت حين أطمأن لها وترك عينيه ترعى في حماه ــ أي حمى الملكوت ــ فطغى على بصره حتى أعماه، ولكنه خلاه فحلاه، ثم جلاه حتى صار سلامًا وتشكل وردة، فصار محلاً لتلقي الأسرار العلوية الرحمانية: 
فكنت سلام
وكنت أقرب إلي ورده
بتشرب ريئك الشفاف
ندي معصور من الرّحمن.
ولولا إني ماكنتش ف الأثر وحدي،
فكان فيا.. 
   ولا أدري أقصد الشاعر اتحاده بالأثر جريًا على العادة في محاكاة أشياخه في الحلول والاتحاد أم أنها على سبيل التوهم والأنس، والغالب هكذا.
   في نقلة مباغتة كضربة موج عاتية، يبعدنا عن جو القصيدة لينقلنا إلى مفتتحٍ كأنه قصيدة أخرى، بل ونظن أنه أخذته الشفقة بقارئه فكاد يفك له مغاليق الأسرار، لنكاشف أنه ليست إلا كمينًا من الشاعر، وليس هناك ثمة انفراجة، ولكنها حَنية صغيرة ستدلفنا إلى دهليز مغلق ينتهي بنفس اصطلاحات القوم من السكر، والوجد بالاتحاد، وضم المشاهد إلى بعضها حين يستطيع أن يحل بذات الجسد الواحد في عدة أماكن، في آنٍ واحد، حتى يسلِم قارئه إلى الحيرة من جديد وأنه ما زال أسيره، ووثاقه بيده، ولن يمنحه صك الحرية، حتى تفوز روحه أولاً بالانعتاق:
صبيه شقيه بضفيرتين
بتخرج من ضفايرها
فتبقي فَراشه صوفيه،     
وضحكه فارده فستانها ف قلب الكون
فضحكة ليه ؟!
وضحكة جوه جسمك ليه
وسابت دمي ليه  بارد ف بير زمزم
فكانت سرَ للنشوة
ونبته خضره ف ضلوعي بترقص ذكر ف الحضرة
فسكرت روحي في روحك،
 وفي صورة مشابهة من استدعاء أداة الشرط تلك التي استكثر منها ابن الفارض في أبيات متتالية في تائيته، يأتي بها الشاعر يحي السيد منفصلة ومفصلية عند نهاية المقاطع، وكأنما يصرح بمكابدته بين الإقدام والإحجام، فتأتي من أول القصيدة حتى نهايتها على هذه الوتيرة:
ولولا إني ماكنتش ف الأثر وحدي،
فكان فيا.. 
.........
وهذه التي تتكرر أكثر من مرة بأكثر من صورة:
ولولا اني ماكنتش ف الأثر وحدي
لكنت دخلت..
..........
ولو سألـــــوني انت هـويت
.........
  وتمضي بنا القصيدة في أجواء من الصوفية التي هام بها الشاعر يحي السيد ولملم الكثير من ثمارها، التي أعياه جمعها الطواف في بساتينها، وجاء بها  ليزين بها أبياته، بصنعة وحرفية، فلم يكن يسوقها اعتسافًا، أو محاكاةً بدون تعقل، بل كان ذلك منه على هدى وبصيرة، وإن كان أجمل الشعر ما غمض، إلا إني أناشده الرفق بنفسه وبقارئه؛ فجميلٌ أن يصنع أسلوبه، ولكن الجميل أيضًا أن لا يفقد قارئه.
   إن قصيدة واحدة لاتدل ــ في الغالب ــ على جودة ونبوغ الشاعر وأصالته، ولكن قصيدة من هذا النوع الثقيل التي يسمح نصها بقراءتها بأكثر من قراءة، وعلى أوجه متعددة من التلقي، لتنبيء بأن الشاعر يحي السيد صوت واعد وقادم بقوة، وله أسلوبه المتفرد الدال عليه، وأنه يمتلك أدواته، ولايتملكه الغرور، ونحن في انتظار مزيده وجديده:   
فهل أصلي من الممكن
يعدي في مسام الروح
ويخلق جبهتين واحد
يقيدوا قدس من بنور
يعانق لهفة العاشق
فيوجد شوق ولد ماسك
فطرف البرزخ الواسع ، وشفّ الروح
وريق مريم يوازي كعبة التايه
وضوء مسموح الى كلّ الجهات الست
صلاه واسعه بلا قبلة
لانه ثمّ وجهُ الله  
فولي وجهي لعينيها
لحد السكر .. سكر الجنه بي ريدي
فقصي طرف عين نسيت تبوح بالسرّ ف النجوي .
وقلبي براح وبي ظاهر وقلبك هوّ لي باطن
ف كان كلي دليل ليكي
وانتي بيكي بي برهان
وانا معمي الدليل عنك
وكلّي سر برهانك .
ف بي طمعك وما يسري الي دمي ،
فلمي الخوف
ما انا حنجرتي ناي مكشوف
تجلي لي,
وقاصر طرفي ما ملّي
تجليكي،                                                                     
وجسمي كفيف بيتعكّز على روحي
وروحي همزه لي روحك
فسيبي خطوتي للجرف
وايدي الخارجه عن جسمي
سيبيني أهوي الي الكلية في ذات "ك"
ولو سألـــــوني انت هـويت
هقول طعم السكوت أفضح..

المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/10/19/345227.html#ixzz3Gaud5iea