الثلاثاء، 24 أبريل 2018

مفهوم الحوار في فكر الدكتور محمد حسن كامل



   



      يُشكِل الحوار مكانة متميزة وملحوظة في فكر المفكر الموسوعي العالمي الدكتور محمد حسن كامل، تبدو جلية منذ أول حواراته التي أدارها بينه وبين ذاته المتأملة في بواكير صباه، والتي أصبحت فيما بعد تشكل العمود الفقري لمنهجه الفكري القائم في التواصل مع الآخر أيًا كان انتماؤه وهويته ودينه وجنسه، وذلك من خلال أسئلة العصف الذهني التي يطلقها، ولا يحتكر فيها الإجابات لنفسه ولكن يستحث فيها عقل قارئه، تلك الآلية التي بدأها منذ أن تم تدشين الموقع القديم لاتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب، وحاليًا من خلال صفحات المفكر الكبير المتعددة على مواقع التواصل الإجتماعي.

لا يتبنى الدكتور محمد حسن كامل أية مرجعيات غربية ــ رغم وجوده في قلب القارة الأوروبية ــ نحو مفهومه عن الحوار وإنما يستند إلى مفهوم الحوار في الإسلام الذي يرى أنه بناء يقوم على مثلث، ضلعه الأول: مع الله بالتأمل والتدبر وإعمال العقل والوصول إلى الحكمة طوعًا بالفكر لا قهرًا بالقوة، والله سبحانه وتعالى جعل الكون كله كتابًا مفتوحًا للتدبر في آياته وقدرته وعظمته.. الحوار ينشط العقل ويعلو بالهمة ويذكي النفس، تجتمع فيه الأفئدة وتتعانق فيه القلوب وتحيا به النفوس، والحوار دعوة للخروج من الذاتية الضيقة إلى الأفق الواسع الرحب الفسيح.

والضلع الثاني من أضلاع الحوار في الإسلام هو المجتمع والحوار مع الآخر دون النظر إلى عرق أو هيئة أو لون أو غير ذلك، هذا الحوار الثري يحقق النسبة الذهبية لمجتمع فاضل. 

والضلع الثالث والأخير من أضلاع مثلث الحوار في الإسلام هو الحوار مع النفس بالحُجة والفكر والعلم والحقيقة، هو تطويع تلك النفس أن تَرفُل بآيات من الحب وأن تختال في ثقة في دنيا الجمال، وينضوي تحت هذا المثلث روافد أخرى للحوار.


يري الدكتور محمد حسن كامل أن الحوار منهج قرآني؛ فها هو الله تعالى يحاور ملائكته، وليس الملائكة فقط بل أقام سبحانه حوارًا مع البشر وذلك حين حاور رسله الكرام، عليهم وعلى نبينا السلام، بل حتى حاور جل جلاله إبليس، كما أن القرآن نفسه مليء بمحاورات الرسل مع أقوامهم، وحوار موسى مع فرعون ُمدَّعي الألوهية والربوبية، وكذلك بقية الرسل عليهم صلوات الله وسلامه حين حاوروا أقوامهم بالحكمة لدعوتهم إلى الله وبيان الحق لهم والرد على شبهاتهم.

كما أن القرآن الكريم يحكي حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع امرأة، وهي التي جاء ذكرها في سورة المجادلة. ولهذا يصل المفكر الكبير إلى نتيجة مؤداها أن الحضارة الإسلامية على مدى التاريخ هي "حضارة الحوار".

يضع المفكر الموسوعي العالمي بروفيسور محمد حسن كامل يده على الفارق الرئيس بين الحوار الذي تتبناه الحضارة الإسلامية، وذلك الحوار الذي يتبناه الغرب، ألا وهو "غياب التكافؤ" بين المتحاورين والذي يرى وجوده مهمًا جدًّا لكي يحقق الحوار أهدافه، وهذا التكافؤ لا يراه يغيب في الإسلام؛ لأن الإسلام ينطلق في الحوار من التكافؤ بين البشر لا لتفاضل عرق على كافة الأعراق مثلما فعل ويفعل اليهود، أو بتمايز بسبب اللون كما يدَّعي العنصريون البيض في أوروبا، أو انحيازًا طبقيًا كما هيّ عند الهندوس، وإنما بصلاحهم..وذلك مرده إلى أن الإسلام يقر الاختلاف كحقيقة إنسانية طبيعية ويتعامل معها على هذا الأساس وله حكمة إلهية ويجب التعايش معه.

يطلق الدكتور محمد حسن كامل زفرته بل صرخته التي تحمل الإدانة التامة لافتقاد الغرب في عصره الراهن لمبدأ التكافؤ في الحوار، فيقول:
(ولكن عندما ننظر إلى الواقع ودعوات الحوار الصادرة من الغرب لنا أن نتساءل: كيف يؤتي الحوار ثماره في العالم اليوم بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب وهو يصاحب الهيمنة والاستعلاء، والظلم والجور، والاحتلال ولغة السلاح، إن ذلك يفقد ثقتنا بهذا الحوار). 

ثم يشير إلى أهمية التكافؤ في الحوار، فيقول: (إن التكافؤ بين المتحاورين مهم جدًّا ليحقق الحوار أهدافه. أن الحوار لا يحقق أهدافه مع الاحتلال في العراق والقصف في أفغانستان والمجازر المستمرة في فلسطين. أي حوار ينادي به الغرب مع هذا العدوان والظلم ولغة الاستعلاء، وفرض المصطلحات واستغلال التفوق الإعلامي لتشويه الآخرين! كيف نثق بهذا الحوار الذي يهدف إلى نمط جديد من الدبلوماسية لتكريس الظلم ومصالح تتعلق بالاقتصاد والسياسة ومواصلة الحرب والصراع والاحتلال؟!).


إن عدم التكافؤ هذا قد أورث أتباع الحضارة الإسلامية مرارة مازالت تسكن حلوقهم وعقولهم، ليس هذا فقط على مستوى المسلم الذي يعيش بعيدًا عن تخوم الغرب، ولكن ناله أيضًا المسلم الغربي؛ إذ يقول الدكتور خير الدين خوجة في بحثه: "الحوار و عوامل فشله في العصر الحديث – العقبات والحلول" : (إنني على يقين تام بأن أزمة المسلمين في الجزيرة البلقانية [البوسنة و كوسوفا وبلغاريا واليونان وأوربا الشرقية والغربية وفي أميركا] لن تُحلَ أبدًا ولن يرى العالم النور والسلام والتعايش السلمي بين الطوائف الدينية المختلفة، بنفس تلك المواقف المخزية التي كانوا عليها أجدادهم من الإنكليز والألمان والنمسا والروس وقُل الآن الأميركان...لا بد من الموضوعية، ولا بد من الجدية، ولا بد من النزاهة، ولا بد من إعطاء كل ذي حق حقه، أيًا كان بغض النظر عن دينه، أو عرقه أو جنسه.. بمعنى آخر لا بد من العدل والتسوية المعتدلة بين الطرفين المتنازعين).

ونفس مطلب الدكتور خوجة هو نفسه مطلب الدكتور محمد حسن كامل، بل ومطلب الدكتور قطب الريسوني في بحثه: "مثبّطات الحوار مع الآخر ــ قراءة نقدية في العقل الغربي" الذي يقول: (ومن التناقض الصارخ أن العقل الغربي يُلحّ في الدعوة إلى الإقرار بالطابع العالمي الكوني، وصيانة قيم التعدّد والتسامح والمساواة، ثم يعوزه الفعل ويبرّح به التطبيق، ناقضًا غزله، ومعلنًا ردّته، إذ يمعن في نبذ الآخر وزَبن حضارته في الهامش، وكأنه يزعم لنفسه احتكار الحقيقة المطلقة، وامتلاك حق الحَجرِ على المنطق المخالف وإن كان موفور الحظ من السداد والرجحان، وفي هذا كله تضييق لواسع لا ترضاه الحداثة نفسها، ولا تقرّه أدبيات الفكر الحر).

فالشرط عند الدكتور قطب الريسوني، إذًا، فيما يرام من التعايش الحضاري أن لا يرى الغرب في الآخر/ المسلم عدوًا لدودًا، وشيطانًا رجيمًا، وإنما مختلفًا يصغى إليه، وندّاً تفسح له فرص الاستقلال الذاتي كاملة غير منقوصة، ومن هنا ينداح الحوار طريقًا لاحبًا تحفّه رياحين التسامح، ومنهجًا مستقيمًا يحوطه النجاح من قرنه إلى قدمه.

ربما كان غياب هذا التكافؤ وبواعث أخرى هو الذي جعل الفيلسوف وعالم الإجتماع الألماني "يورغين هابرماس" أن يطالب من خلال كتابه: "نظرية الفعل التواصلي" إلى المساواة أو إذا شئنا اعترافًا متبادلاً بين طرفيّ النزاع في أي نزاع ثقافي أو سياسي أو حضاري، وأن يقوم التفاعل أو التواصل بينهما عبر حوار لا تغيب عنه قوة البرهان والاحتكام للحجة الأقوى، مع التحرر التام لطرفي المحاورة من أي ضغط تمارس عليهما، بحيث يصبحا ندَّين متساويين فكريًا، في المنزلة الفكرية؛ إذ المساواة في المنزلة الإجتماعية والسياسية ليست شرطًا هنا، بينما التكافؤ هو الشرط الأهم عند هابرماس.

يطرح الدكتور محمد حسن كامل العلاج الناجع من وجهة نظره أمام الغرب: (إن الغرب مطلوب منه قبل الحديث عن الحوار ونشر الديموقراطية "والشرق الأوسط الجديد" إن كان يريد خيرًا بالآخرين يجب تخفيف الهوة السحيقة بين البلدان الغنية والفقيرة، وعليه مساعدة البلدان على التنمية لا توريطها في الديون والفقر. وفرض الإملاءات عليها، ومساعدة البلدان التي خربتها الحروب كالصومال وأفغانستان وغيرها على إنهاء ذلك الوضع, بل أن تكف يدها عن اشتعال الفتن في تلك البلدان).

ولهذا يرفض المفكر الموسوعي العالمي محمد حسن كامل تلك الدعاوى الظالمة بإننا الذين نرفض الحوار والتسامح، فيقول مندهشًا ومتسائلا: (ومن يتهمنا بذلك؟ إنه المستعلي الظالم المحتل لأرضنا والمشوه لديننا وثقافتنا، ومع ذلك فلا نزال نقول إننا مع دفاعنا عن ديننا وثقافتنا وأرضنا وأنفسنا فإننا نرى أن الحوار هو خيار مهم لتحقيق أهدافنا العليا القائمة لمصلحة البشرية. ولايكون الحوار سليما إلا بالعودة إلى الفطرة والإتفاق على نقاط للقياس والإستدلال .فاذا ضاعت نقاط الإستدلال في الحوار تحول إلى شجار).

كان لمفهوم الحوار عند المفكر الكبير الدكتور محمد حسن كامل بُعدًا دينيًا يتوافق فلسفيًا مع مفهوم ما بعد الحداثة، كما أنه يتوافق مع الواقع؛ إذ انتفت عنه كل عوامل المغالاة في الشروط الواجب توافرها في طرفي الحوار، بل جاءت شروطه متفقة مع التيار الفلسفي العالمي الذي يقوده "هابرماس" ومن تابعه، غير أن ما يحسب للدكتور كامل أنه وضع يده على موطن الداء الذي باعتباره هو العلة الحقيقية التي يكتوي بها ومنها أبناء الحضارة الإسلامية بل إن شئنا بشكل أوسع قلنا أبناء الحضارة الإنسانية برمتها.

أيَّامٌ في دَنْدَرَة..



     





     لن أحدثك عن دندرة الضاربة في التاريخ شهرة ووجودًا وعالمية طاغية في السياحة والآثار، لكنني سأحدثك عن "دندرة" التي تكتسي بالبياض الذي يسري كالضياء بين شوارعها وحاراتها وأزقتها ليل نهار ولمدة ثلاثة أيام في موعد يتكرر مرتين في كل عام، أما الأول فهو الذي تأتي انطلاقته مع ليلة الإسراء والمعراج في الأواخر من شهر رجب ويطلق عليه "المؤتمر القُطْري"، أما الموعد الثاني فهو ما اصطلح على تسميته بــ "المؤتمر العام" وتنطلق فعالياته مع ذكري المولد النبوي الشريف على صاحبه الصلاة والسلام.

    ستعقد لسانك الدهشة حين ترى هذا الإيثار من أهل دندرة الذين يتركون بيوتهم ـ الأغلب منهم ـ ليسكنها القادمون من جنبات مصر في الاجتماع القُطْري وبعض الشخصيات العربية، وكل هؤلاء مضاف إليهم بعض الشخصيات التي تمثل مراكز دندرة الثقافية العالمية، ومازلت منبهرًا حين حللتُ ضيفًا ومعي رائد من رواد العروض الرقمي العالمي الأستاذ فوزي محمود على شقة حديثة الإعداد لعروسين لم يمضِ على زواجهما أكثر من تسعة أشهر!

   ستصيب الدهشة عين وعقل من سيحضر لأول مرة أول ليلة في الساحة المُعدة للقاء الأمير هاشم بن الفضل بن العباس الدندراوى أمير قبائل وعائلات الأسر الدندراوية وعدد من أعضاء تلك الأسرة وقد كان عددهم ـ وقت أن حضرت ـ يربو على الأربعة الآف رجل وامرأة وشاب وطفل وفتاة من مجموع يصل إلى الأكثر من ثلاثة ملايين دندراوي داخل مصر تقريبًا، ويصلون إلى أكثر من ذلك إذا أضفنا لهذا الرقم الدندراوية في الدول العربية والإسلامية. تقام المحاسبة والمراجعة في هذه الليلة بين الأمير والأسرة كلها فيما أسموه "الوقفة مع النفس".. وتبدأ بالوقفة من قِبل الأسرة تجاه أميرها قبل أن يرتقي المنصة، ثم منه إليهم بعد أن يرتقي المنصة، وهي محاسبة حقيقية بعيدة عن الشكلانية والتصنع؛ فإن لم يجد الأمير من يسأله أو يحاسبه سأل هو نفسه وأجاب عنها فيما يُظن أنه تقصير منه فيوضح الحقائق.

  يُبدي من يحضرون مؤتمرات أو ملتقيات الأسرة الدندراوية إعجابهم بالدقة البالغة في التنظيم والإعداد الجيدين، والواقع أن هذا دأب هذه الأسرة من ساحاتها إلى مؤتمراتها وهو ما كان في حياة الأمير الفضل ـ رحمة الله عليه ـ وعهد الأمير هاشم ـ حفظه الله ـ وقد يحدث الكثير من التطوير هنا أو هناك غير أن المرتكزات الأساسية واحدة ليس في النظام وحده بل في فكر هذه الأسرة التي لها من الثوابت الاستراتيجية التي لا تخضع للتغيير أبدًا لا في المفاهيم ولا في المتن، وتقف "الوثيقة البيضاء" خير شاهد على هذا حيث كانت لفظة "الوثيقة" مُختاَرَة بعناية وقصد؛ إذ كل كلمة فيها وردت بنص لا يجوز تبديله بعبارة تبدل مضمونها، كما ذكر ذلك الأمير الفضل الدندراوي.  

     فِكر الأسرة الدندراوية لا يتعامل مع المرأة بجفاء أو إقصاء أو قهر لوجودها؛ فهي تحتل مكانة متميزة بالمشاركة في التنظيم والاستقبال بأزياء موحدة راقية، وتشارك في الاجتماعات وفي تقديم الفقرات وتقديم الشخصيات، وإدارة الحوارات التي يخصصها المؤتمر بل تشارك كضيفٍ عليها، كما تشارك بالحضور كذلك بعدد وفير وتعرض ما تم إنجازه إذا كانت مسئولة في إحدى الساحات الدندراوية التي وصل عددها إلى (62) ساحة ومركز ثقافي، ولقد أولاهنَّ الأمير هاشم عناية فائقة في الاستماع إليهن وتشجيعهن، وتصويبهن بأدبٍ جم، وتوجيههن إلى الأفضل بدعمٍ منه، غير أن الأسرة الدندراوية تراعي الأدب الإسلامي والأعراف والتقاليد في وجوب فصل النساء عن الرجال في أماكن مخصصة ومعدة بعناية وتأمين لهن وخدمة مقدمة لهن تماما كالرجال.

   إن ما يثير الخيال في عقل المستمع حين تصطف كلمة "أسرة" مع كلمة "أمير" فيحيلها إلى أمير جماعة إسلامية من تلك التي شوهها تصرفات بعض الجماعات مع مُشهيَات الحبكة السينمائية والتليفزيونية ومحاولة إسقاطها على الأسرة الدندراوية وأميرها، والفارق جلي، والبون شاسع بين تلك الجماعات وبين تلك الأسرة،  وهو ما سأوضح بعضًا منه في هذا المقال على أن أوضح أكثر في مقالات قادمة إن شاء الله.

   الأمر الذي يجب الانتباه إليه أن "الأسرة الدندراوية" لا تدعو إلى "مذهب معاصر" ينضوي تحت لوائه المسلمين، كما أنها ليست "طريقة صوفية"، ولا تعمل بالسياسة رغم علمها بالسياسة ولذا فهي ليست جماعة قومية أو حزبًا، وليست جمعية خيرية إقليمية؛ فالهدف الذي قام من أجله الفكر الدندراوي لا يقوم على الإقصاء أو الذوبان وإنما التفرد في كيان الأسرة، والاتساع في ضم وجمع إنسان محمد صلى الله عليه وسلم، أي أن الأسرة الدندراوية كيان يجمع المذاهب الإسلامية وأصحابها، ومن ينتمي للطرق الصوفية، ومن يعمل بالجمعيات الاجتماعية والقومية مع الاستفادة من مميزات هذه الكيانات وخصائصها، غير أن "الأسرة الدندراوية" نفسها ليست كيانًا من هذه الكيانات الطائفية أو الطبقية أو القومية أو الإقليمية، وإنما هي كيان اجتماعي يجمع الأفراد المشتتة والتجمعات المتفرقة في وعاء الأسرة الواحدة، فجمع "إنسان محمد" صيحة نداء لجميع المسلمين أيًّا كان مذهبهم السلفي أو طريقتهم الصوفية أو تنظيمهم السياسي أو جمعيتهم الخيرية بأن يتجاوزوا حواجز الفرقة، وأن يتألفوا تحت ظل الزعامة المحمدية الجامعة.

   على الرغم من أن الفكر الدندراوي نشأ على يد مؤسس الأسرة "محمد الدندراوي" الملقب بـ "السلطان" وهو أحد أفراد قبيلة "الأمارة" المشهورة والمنتشرة في صعيد مصر حيث نزح من المغرب العربي في القرن السابع عشر الميلادي ويمتد نسبه إلى الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه، إلا أن تسمية "الأمير" التي تسبق اسم عميد الأسرة الدندراوية ليس لها علاقة بهذا النسب، حيث أن القيادة في الكيان الدندراوي "إمارة" لأن الإمارة بيعة؛ فإن صَلُح الأمير استمر وبقي وإن فسد أو حاد تم خلعه، ذلك أن القيادة في الأسرة شورى لكن القرار واحد بيد الأمير باعتباره حامل المسؤولية القيادية لقبائل وعائلات الأسرة الدندراوية.

   إن الأسرة الدندراوية ليست كأوروبا قارة عجوز يقل فيها الشباب عددًا بل أن العناصر الشابة من الجنسين التي تتولى كافة أوجه الأنشطة والانتشار في الساحات وفي أيام المؤتمر القُطْري وهو ما يعطي مؤشرًا قويًا على البقاء والتقدم والتواصل والانتشار، كما أن أهم ما يلفت الانتباه هو أن الأمير الرابع في تاريخ الأسرة الدندراوية كان بمثابة الأخ الأكبر لهم وهذه مكانته في الأساس بالنسبة للأسرة ككل، غير أن هذا الأمير ليس "سلطويًا" يعطي القرارات أو يمارس دوره بفوقية بل هو أميرًا "مشاركًا" ـ إن صح التعبير ـ ومتواضعًا لا تجده يأمر أحد بفعل شيء يريده بل يتقدم هو بفعله على مرأى ومسمع دون تصنع أو افتعال أو لفت للأنظار.

  إن الأمير هاشم الدندراوي صُنع على عين أبيه؛ فأعده لمثل هذا اليوم إعدادًا يبدو في كل لفتة من لفتاته، وفي كل تعامل صغير أو كبير، وفي خطاباته التي تصل إلى الجميع؛ فلم يكن "نخبويا" في انحيازه لجماعة أو طبقة الصفوة وأهمل العامة، والواقع فيه من الدلالات والسياقات التي تفند كل هذا، كما أن كلماته الغير طويلة تتسم بالمودة والحكمة، والصراحة المسئولة، والتنبيهات الحازمة يغلف هذا كله لمسات حانية، وبسمات من روحه التي يشع من جنباتها خفة الظل النابعة من لطف الأخلاق، ولين الجانب، والبعد عن ترويع من حوله بهدوئه الذي يضفيه على المكان، وحسن استقباله لعلماء الدين من المسلمين والمسيحيين، وأساتذة الجامعات  والأدباء والشعراء، وكل الطوائف دون تمييز أو فرز، ذلك أن سمو الأمير يعرف للناس أقدارهم مثلما يعرفون له قدره تماما بتمام.