السبت، 28 نوفمبر 2020

قضايا اجتماعية إنسانية وعربية .. حوار أجرته معي الكاتبة السورية روعة محسن الدندن

 

Image may contain: 2 people



أثارت حواراتي الأولية جدلًا بين هو وهي .. وبين مؤيد وداعم ومعارض ومحاور.. ووجدتُ غضبًا من بعض النساء منها الصريح ومنها المبطن .. وفقدانا للثقة بكل ما يقوله الرجل ويفعله وأنه يحتاجها سيدة كاملة الأوصاف لتقوم بكل الواجبات سيدة لا تكبر ولا تتذمر؛ فأينما وُجِد الرجل وجدت المعاناة للأنثى ولهذا أحببت أن أستضيف محاورًا مشهودٌ له بنصرة الأنثى ومدافع عنها وعن حقوقها وهو الدكتور السيد إبراهيم أحمد .

وقبل الحوار أريد أن أعرفكم على ضيفي رغم أنه غني عن التعريف، إليكم لمحة موجزة عن الدكتور السيد إبراهيم أحمد:
ــ السيد إبراهيم أحمد.
ـــ رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتاب والمثقفين العرب.
ــ نائب رئيس مجلس إدارة صالون المنصورة الثقافي الرياضي العربي.
ــ حاصل على دبلوم الدراسات العليا في المحاسبة المالية، جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية، ودبلوم الدراسات العليا بالمعهد العالي للدراسات الاسلامية بالقاهرة.
ــ منحه المجلس الأعلى للإعلام الفلسطيني بدولة فلسطين الدكتوراه الفخرية في الأدب العربي بدرجة الامتياز، ومرتبة الشرف الأولى، تقديرًا لإبداعاته الأدبية، ولجهوده الجليلة في إثراء الثقافة العربية.
ــ عضو اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب، وشعبة المبدعين العرب التابعة لجامعة الدول العربية، ومن كتاب ومفكري شبكة الألوكة، والمختار الإسلامي، وصيد الفوائد العالمية، ورابطة أدباء الشام، ودار ناشري، وحروف منثورة للنشر الإلكتروني، والحوار المتمدن، صحيفة ذي المجاز، وعضو بتجمع ناشرون.
ـــ نال العديد من الأوسمة والدروع، وشهادات التقدير والتكريم والألقاب، من: اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، وشبكة النور “المختار الإسلامي”، الملتقى الأول لصالون عزة أبو العز الثقافي، صحيفة ذي المجاز الأردنية، وحزب حماة الوطن،أمانة السويس تكريمًا له عن مساهماته في إثراء المكتبة العربية.
ـ له العديد من الدراسات الدينية والأدبية، والحلقات الإذاعية والتليفزيونية، وثلاثة دواوين شعرية،ومجموعة قصصية، ومسرحيتين، واعتمدت الجامعة الإسلامية العالمية بالمدينة المنورة، وجامعة الخليل بفلسطين المحتلة، بعض مؤلفاته كمراجع أكاديمية أدرجتها في مكتبتهما الرقمية.
ـــ فاز بمسابقة قصص على الهواء بإذاعة هيئة الإذاعة البريطانية BBC والتي قدمتها مسموعة من خلال البرنامج، بالاشتراك مع مجلة العربي الكويتية في مايو 2010 عن قصته: "القطار".
ــ اختارت دار (نور نشر) NOOR PUBLISHING الألمانية تسعة عشر عملًا من مؤلفاته.

أهلا بك دكتور السيد إبراهيم أحمد وأشكرك لقبولك الحوار... ولنبدأ دكتورنا:

ـ كيف تتشكل صورة فتاة الأحلام لدى الرجل في البدايات ليرسم صورة شريكة حياته؟

صورة أحلام فتاة المراهق تأتي كثيرًا مغلفة بالرومانسية الحالمة التي رسختها السينما بأفلامها، والمسلسلات التليفزيونية، ومع تقدم العمر والفكر يكون للعقل مكانه، وكلمته التي يفرضها على القلب، ليس في كل الأحوال بالطبع، ولكن عند تخيلنا لشريكة حياتنا ننقسم نصفين، قسم يرتد إلى الموروث الثقافي، والاجتماعي، والبيئي، والعائلي، ولهذا فهو لا يغفله من حسبته، والجزء الثاني هو صورته التي يحلم أن تكون عليها تبعًا لتعيمه، وثقافته، وعمله، واحتياجاته، وغالبًا عند اختيار الزوجة لا يستطيع الشاب الخروج من العادات والتقاليد بالكلية.. ولهذا تتلون مواصفات شريكة الحياة من مرحلة إلى أخرى..

.هل هذا يعني أن الرجل الشرقي مجبر على الاختيار التقليدي والارتباط من غيرالتي يرغبها؟

بعد دراسات علمية اجتماعية للواقع الاجتماعي العربي، ثبت أن زواج الصالونات كان له الحظوة والأسبقية في النجاح عن زواج الحب، وليس هذا حكمًا عامًا، ولكن في هذا النوع من الزواج يتأخر القلب ليتقدم العقل، وتكون القرارات بين العروسين وأهلهم قد نضجت على نار هادئة، وهم يتناقشون في كل الأمور بالعقل، من حيث الكفاءة بينهما، وبين أهل العروسين، ثم يأتي الميل القلبي أو العاطفي، ثم التكافوء النفسي والعقلي بينهما، وزواج الحب كان له النصيب الأكبر في إيقاع الطلاق عند المأذون وسط دهشة الأهل والأقارب بعد ما سمعوه عن قصص حب ملتهبة.. وكانت قصص الطلاق بعدها ملتهبة أيضًا..

. من هي صاحبة الحظ الأوفر بالنسبة للرجل ليتم القبول بينهما في مرحلة إلغاء القلب وإبراز دور العقل؟

لا يستطيع الرجل أو المرأة أن يضغط على زر فيوقف عمل القلب، ويفعل دور العقل، والحب الأجمل والأعقل هو الحب المتوازن الذي يكون الرجل والمرأة فيه شخصيات تبادلية، بمعنى إذا جنحت هي إلى الإفراط في التقديرات الحالمة كان هو “فرملتها” التي تعيدها إلى الواقع، وإذا شطح الرجل بخياله في تقدير بعض الأمور دقت المرأة فوق رأسه جرس العقل، وهذه الزيجات غالبًا ما تكون من أنجح القصص التي نقابلها في حياتنا، أما تسيد العقل دومًا فهذا نذير بجفاف العلاقة الزوجية وتصحرها، ووتسيد القلب على طول الخط يصيب العلاقة بنوع من الخيالية والبعد عن الواقع، وكثيرًا ما يكون وقع الصدمة عليهما كبيرًا.. العقل والقلب مهمان معًا لتسيير الأمور.. وإغفال دور القلب والحب مجازفة خطيرة لم يقل بها أحد..

. كيف يعمل القلب والعقل إذا تم الاختيار دون مرحلة الوعي لأن أغلب الزيجات في مجتمعاتنا تأتي في مرحلة مبكرة لكليهما؟

التنشئة الاجتماعية مهمة جدًا في تاريخ الرجل والمرأة أو الشاب والشابة، والتعويل على أن نترك الأمور لهما يقررانها في حياتهما دون أن يكونا قد خضعا لعمليات “فلترة” من قبل الوالدين، والمؤسسات الاجتماعية الممثلة في الحضانة، والمدرسة، والمسجد، والإعلام، وتسطيح الأمور طبقًا لثقافة الوالدين واتجاهاتهما في الحياة التي تتنوع بين أن تكون مادية صرفة، أو روحانية صرفة، أو المزاوجة بينهما، ولا شك أن الزواج المبكر يؤدي إلى الطلاق المبكر، خاصة لأننا نقيس النمو البدني للفتاة بالنمو القابل للزج بها في طاولة الزواج، خشية العنوسة، كما ذكرتِ، ولقد قمت بدراسات عديدة في أحد المراكز البحثية عن المشكلات التي تداهم الأسرة العربية، وثالوثها المرعب المتناقض[الزواج المبكر ـ الطلاق ــ العنوسة]..وكان القصور المفاهيمي عن احتياجات عش الزوجية سبب رئيس للطلاق..

. إلى أي حد تلعب البيئة دورا في توافق أو اختلاف كلا الشريكين ليكون الانسجام أكبر؟

للبيئة دور كبير في توافق أو تنافر قطبي العلاقة الزوجية القادمة، وإذا قامت علاقة وهناك تضاد فمن المؤكد أن أحدهما سيتنازل للآخر عما تربى عليه، وكثيرًا ما عالجت الأفلام والمسرحيات ذلك التباين الاجتماعي والفوارق التعليمية والعلمية واللفظية والعقلية واختيار الملابس والأذواق.. كل من يغفل هذا لا شك يعرض حياة أسرته القادة لريح عاصفة هوجاء، وقد كان لي صديق مسيحي يعيش في كندا، وعندما أراد الزواج عاد واختار مصرية شرقية عربية مسيحية مثله، فعاداتنا غالبًا ما توحدنا، ولأنه لن يتحمل أن يكون لزوجته صديق كما يفعلون في الغرب، ولهذا فللبيئة عامها الهام في كثير من الأحيان، إلا إذا كان هناك تفاهم وتناغم بينهما، وتنازل من هنا وهناك، كما يحدث في زواج الشباب العرب من الأجنبيات..

. إلى أي حد تأثرت الأجيال في الدور الإعلامي في طريقة تفكيرنا لاختيار الشريك؟

دعينا نتفق شاعرتنا القديرة أن الدور الإعلامي عبر الأفلام والمسلسلات، وبرامج المرأة كان له دوره وتأثيره وشك، ليس هذه البرامج وحسب بل البرامج الدينية أيضًا مارست دورها في تشكيل ونحت البنية الفكرية ــ شاءت أم أبت ـ لجميع الطبقات والمستويات لما لها من أذرع طويلة تصل عبر المدن، والريف، والصحراء، والطبقات العليا من النخبة، والمتعلمة، وغير المتعلمة، فالأمر لا يحتاج سوى سمع أو بصر، والعامية أو الفصحى السهلة يسرت الموضوعات ويسرت أيضًا التلقي..

الإعلام له دور ولا شك إلى جانب أدوار أخرى مجتمعية تساهم في تكوين صورة جيدة عند الرجل والمرأة في وضع أو تعديل قواعد اختيار كل منهما للآخر.. حتى وإن ظنا أنهما لم يتأثرا.. الإعلام يقدم النماذج الجيدة والسلبية عن حسن أو سوء الاختيار.

ـ من هي الأنثى التي يخشاها الرجل الشرقي؟

الرجل القوي هو الذي يخشى أن يؤذي المرأة، ولا أتفق معك على لفظ “الخشية”، وإن كانت الإجابة التقليدية الباهتة أن الرجل يخشى المرأة الذكية، وفي هذا اتهام للنساء، ومنذ متى كانت أغلبية النساء من الغبيات؟!.. بين الرجل الرجل، والمرأة المرأة.. عشرة وخاطر، وخوف على أن يصدر منهما ما يسيء إلى الآخر، بينهما مودة، وسكن، ومقدرة على التسامح، ومساحة ذهنية من التفاهم، وتقدير واحترام، والخشية يجب أن تكون منهما لله تعالى فيتقيانه فيهما فينجوان.. وإلا بدون ذلك سيهلكا.. والعياذ بالله..

ـ في حال أراد الارتباط من يفضل الأنثى المتعلمة والمثقفة أم الصغيرة والتي لم تحصل على قدر كاف من التعليم؟

الرجل القوي يفضل المرأة القوية ثقافيًا، وتعليميًا، والمرحلة العمرية المناسبة له، وتأتي في النهاية تبعًا لميول الرجل في مواصفات شريكة حياته، وكذلك في درجة ثقافته، غير أن السائد أن المرأة المثقفة “زنانة” ولا تحسن سوى الكلام، ولا تنتبه لمسئولياتها، ولهذا يلجأ بعض الرجال ــ أحيانًا ـ للمتعلمة فقط، والمرأة المثقفة عملة نادرة..

ـ نلاحظ أن البعض يختار المرأة الموظفة لتكون عونا له فما مدى تأثر ذلك على اختياره؟

الواقع الاقتصادي هو الذي يفرض سطوته على أعناق الرجال والنساء معا، وليس في هذا ما يعيب، والبعض يرفض هذا نظرًا لآن عمله يكفيه مشاركتها، وظروف عمله أيضًا لا وقت محدد له، فلا يصح أن يتركا الأولاد بحثًا عن لقمة العيش معا.. غير أن هذا يجب أن لا يكون هو شط الاختيار الأول.. بل هذا يعتبر من الموافقات الجيدة.. ولكن لا يكون أساس الاختيار وظيفتها ودخلها..

ـ ذكرت سيادتك أن الأنثى المتعلمة "زنانة" والأنثى المثقفة "عملة نادرة".. هل هذا بسبب سوء الإدراك من الأنثى بدروها في الحياة؟

من تركت الأثر للثقافة النسوية هي المرأة ذاتها، عندما كانت من أنصاف المثقفين، وأخذت تتبنى قضايا ضد ثوابت الدين تارة، أو مهاجمة الرجل “الزوج” لدرجة المناطحة والندية، وتصورت نفسها أنها صاحبة رأي، وهذه “المثقفة هي الزنانة التي يكرهها الرجال بل والنساء والمجتمع لأنها تهدم لا تبني، بينما المثقفة الواعية بأمور دينها ودنياها، وقضايا بلادها ووطنها “عملة نادرة، لأنها تكون فعلًا شعلة هادية لزوجها وأولادها والمجتمع.. فسوء الإدراك جاء من جانب المرأة لا من جانب المجتمع الذي كره سفسطتها.. وأنها لا تفيد من حولها بثقافتها النصفية السطحية المزعومة..

ـ أليس هذا يعود إلى اختفاء المؤسسات الفعالة في توعية الأنثى والذكر وتراجع الدور الديني الذي أصابه الخلل في وقتنا الحالي؟

التعويل على دور المؤسسات الفاعلة في المجتمع سيكون حلًا مريحًا لكل الأطراف، والأفضل المواجهة مع الذات، ومواقع التوعية تملأ فجاج الشبكة العنكبوتية، والمواقع الدينية الجادة والرسمية والرصينة موجودة، المشكلة الأصعب أن نبحث في ذواتنا عن الخلل أو العطب الخفي الذي خلق منا أمة استهلاكية للثقافة غير منتج لها، أو بالأحرى يبحث عن ثقافة التيك أواي، وأشهد الله أن المرأة وخاصة الشابات هن من ينقلن مؤلفاتي ويقرأنها بنهم شديد، حتى وصل كتابي “نساء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم” إلى ما يقارب الـ 40 ألف قراءة.. الحمد لله بناتنا وأبناءنا بخير.. اطمأني..

صح هو متوفر في وقتنا الحالي ولم يكن متاح للجميع ومن تقوم بالتربية والتوعية مازالت تحتفظ بأفكارها في قوقعة الأمس مما جعل لدينا جيل لا يبحث عن الوعي أو الثقافة وإنما التسلية وهذه أيضًا مشكلة كبيرة تواجه الجميع، ومن هنا لا أستطيع أن ألوم المؤسسات.. بل الذات.. والسطحية زادت.. والأمور الجادة لها جمهورها في المقابل،المعروض من الثقافة يكفي.. المهم من يطالب ويطلب حقه في الرغيف الثقافي.. ولا يتنازل عنه..

ـ وسائل التواصل الاجتماعي كشفت لنا أن مجتمعاتنا بشكل عام كانت تبحث عن ذاتها، وأن أغلب الاختيارات كانت ليس حلما لها وأن أفرادها يعيشون في كذبة التوافق الفكري أو العاطفي: هل السبب في ذلك لأن الشعوب العربية كانت منغلقة ولم تتح لها الخيارات المتعددة؟

وسائل التواصل الاجتماعي لم تكشف عن هويات ثقافية حقيقية إلا في الأقل، وأن التعارض الفكري بين أبناء الوطن الواحد أو التوافق ليس فقط في هذه الصفحات، بل هي تقدم تصنيفات وأنماط من وجد نفسه في نمط معين يوافق فكره دخل فيه، وإن لم يتفق معهم انقلب عليهم، ولم تكن الشعوب مغلقة حتى تنفتح، بل نقلوا كلام المقاهي والنوادي وقارعات الطرق إلى صفحات التواصل، وليس في الأمر كذبة فكرية أو عاطفية ولم يكن هناك من يتيح أو لا يتيح للشعوب بل الشعوب تفرض إراداتها في الانفتاح والتواصل مع الآخر..

للأسف أتاح المجال أمام الكثيرين ليظهر خفايا نفوس كثيرة لنكتشف اننا لا نمتلك إلا القليل من الوعي والمثقفين والباحثين عن انتشار للفكر .. وهذا من خلال تخفيه وراء أسماء أو اللقاب أو صفحات مزورة واستخدام الكثيرين لما يحمله من ذكاء إلى استخدام ما وهبه الله إلى الاستخدام غير السوي .. وهذا موضوع لا يناقش من خلال بعض الكلمات وإنما يحتاج للكثير للغوص فيه.

ـ لنختم بهذا السؤال: من هي الأنثى التي يحلم بها الرجل الشرقي وتستطيع أن تكون له كل النساء ؟

من الظلم البين أن أجعل من امرأة واحدة أو أجمع فيها كل النساء.. لأنني لست بالنسبة لها كل الرجال، والمرأة العربية بحق مقاتلة في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية تتحملها في صبر دون أن تظهر آلامها، وكثيرًا ما يسبب لها الكثير من الأمراض، أرفع القبعة للمرأة العربية، وقد كتبوا عني بحث “المرأة في أدب السيد إبراهيم”، وعندي ندوة آخر هذا الشهر خصصتها عن “تسويق دور المرأة الإيجابي دينيًا وأدبيًا”.. فليس من الإنصاف أن أطالب المرأة بكل الأدوار في الفيلم الحياتي، ويقوم الرجل منفردًا بدور البطولة..

ـ وأنا بدوري أرفع لك القبعة لرأيك ولكلماتك ولمناصرتك وإنصافك للمرأة من خلال ما تقدمه لها في ندواتك وأبحاثك ورواياتك تقديرًا لها..

 

الجمعة، 27 نوفمبر 2020

"حول السيرة النبوية، والهولوكوست، والإسلاموفوبيا" حوار أجرته معي الكاتبة السورية روعة محسن الدندن

 



   يتميز الدكتور السيد إبراهيم أحمد ضيفي في هذا الحوار بالموسوعية، والعمق في تناوله للعديد من المجالات المعرفية والإبداعية والفكرية، ومن أهم ما يتميز به دراساته الدينية في السيرة النبوية المطهرة، وعلوم القرآن الكريم وغيرها؛ فقد أصدر الموسوعة الإسلامية في السيرة النبوية التي تضم أول كتاب عن غار حراء في العالم الإسلامي "حراء غار النور" وكتبه الأخرى، وهي: "المعجزة المحمدية"، و"محمد صلى الله عليه وسلم كما لم تعرفوه"، و "نساء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم" و"حبًا في أمي عائشة"، و"منهاج الزهد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم"، و"سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..مهما أساؤوا"، و"الإعجاز البشري للرسول صلى الله عليه وسلم"، و"أضواء على دولة الإسلام الأولى"، و"دراسات يسيرة في رحاب السيرة"، و"سياحة يسيرة في رحاب السيرة" وغيرها من الكتب المزمع إصدارها.

ـ دكتور السيد إبراهيم لماذا اتجهت للكتابة في السيرة النبوية المطهرة؟

  من عادتي أن أبدأ الترحاب بكاتبتنا الكبيرة دكتورة روعة الدندن في هذا الحوار الذي له ضرورته في أيامنا هذه، كتبت في السيرة النبوية لما لمسته من حاجة الشباب المسلم وغير المسلم إلى تناول سيرة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم من خلال خطاب يستند إلى العلمية والمنهجية، والاتكاء على العاطفة الدينية مع مسايرة المنطق والمعقولية، والموثوقية، وسوق الأدلة والبراهين، واللجوء إلى كل من كتب عن سيرته صلى الله عليه وسلم من المحبين ومن المستشرقين المنصفين ومن علماء الدين ومن علماء الدين من غير المسلمين ومن الأدباء والمثقفين، لذا كان إهدائي لكتابي "سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..مهما أساؤوا":  (إلى الذين عرفوا رســــول الله صلى الله عليــه وسلم فوقروه وأحبوه، وإلى الذين جهلوه صلى الله عليه وسلم، فهاجمـــوه وسبوه، وإلى من أدّعوا محبته، وخالفوا سنته، وانتصروا لأعدائه ولم ينصروه، إليهم جميعًا وإليكم، أهدي هذه الصفحات، ليجد فيها من عَلِمَ الاستزادة، ومن لم يعلمْ الاستفادة)، فالخطاب الجديد في التعامل مع السيرة لا يستثني أحدا من الناس.

ـ لقد جاء عنوان كتابكم: "سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..مهما أساؤوا" حاملا للكثير من الرسائل؟

ـ صدقتِ كاتبتنا الكبيرة؛ فالعنوان يحمل في طياته الحقب التي مضت والتي ستظل آتية في التطاول والنيْل من قدر ومكانة سيرة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم؛ فلن ينتهي الاستشراق أو الدراسات في مقارنة الأديان، ولهذا فالعنوان جاء ليقرر أيضا أنكم يا من تسيئون إليه صلى الله عليه وسلم ـ بزعمكم ـ ستذهبون إلى حيث تستحقون من الله في الدنيا والآخرة، بينما سيظل هو صلى الله عليه وسلم رسول الله شئتم أم أبيتم.

ـ المفكر الإسلامي دكتور السيد إبراهيم الغيور على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد دأب الغرب على أن لا يتركنا وشأننا وديننا الحنيف، ونبينا الكامل المعصوم صلى الله عليه وسلم، فلا نكاد نخرج من غمار إساءة حتى يدخلوننا فى غيرها، رغم ما ظهر لهم من ردود الأفعال العنيفة من عامة المسلمين. فما السر وراء هذا المسلك الشائن؟

  إنهم ينطلقون من تاريخ قديم/ جديد/ قادم ولم ولن ينتهي، وذلك بعد أن درستُ تاريخ إساءاتهم لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وديننا الحنيف، وكتابنا المعصوم من الزلل والتحريف؛ فالسبب في معاودة الإساءات يكمن في الخوف من المد الإسلامي النامي في أوروبا، من خلال الترويج لبعض المؤلفات الكنسية وكذا المنظمات اليهودية المناهضة للإسلام، وهذا يبدو واضحًا حين اضطرت بعض الكنائس الغربية إلى عقد اجتماعات سرية وعاجلة، تم فيها نصح القساوسة ورجال الدين التابعين لها بعدم قراءة القرآن وكتب سيرة نبى المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن تأكد لديهم انتشار نسخ من القرآن الكريم بين عدد من قساوستها وتداولهم لبعض تلك الكتب الإسلامية، ونظرًا للزيادة المضطردة في إسلام بعض الشباب وغالبيتهم من الفتيات اللواتي يتزوجن من شباب مسلمين.

وليس مجهولاً أن منظمة "وقف أسلمة أوروبا" معروفة بالتنسيق علي الساحة الأوروبية ضد الإسلام والمسلمين، وتملك شبكة علاقات مع المؤيدين لإسرائيل، وتتسم مواقفها بكثير من التطرف، وهو مايثبت تحالف اليهود مع كل المنظمات المتطرفة التى تتفشى فى سائر البلدان الأوروبية والتى تهاجم المساجد، وتطالب بوقف بنائها، ومنع بناء المآذن، والحض على إصدار القوانين التى تمنع النقاب.

ـ لقد ذكرت في كتابكم يا دكتور أن الإساءات الغربية تشكل مكسبا حتى للمسلمين، كيف؟

  صحيح دكتورة روعة، لقد كانت مكسبا لنا وخسارة مزدوجة ومضاعفة لمن أرادوا الإساءة للإسلام؛ فقد رجع بعض أبناء الجالية الإسلامية ممن كانوا داخل طوفان الذوبان الغربي إلى دينهم الحنيف، حين اشتعلت جذوة حميتهم لرسولهم صلى الله عليه وسلم ولدينهم، وهذه مزية هذا الدين المناضل والمكافح ضد كل من يحاول وأده، وفى هذا إثبات جيد على جهلهم بقدر وشخص رسولنا صلى الله عليه وسلم. فإقبال الأوروبيين على الإسلام، وعودة المسلمين المستغربين المتأوربين إلى الإسلام يدفعهم حقدًا على تكرار تلك الإساءات لعلها تشفى ما فى صدورهم من غل لأنهم يريدون منا أن تعب حتي النهاية، بحيث نسَلِم لهم بحرية الإساءة والتجاوز.

ـ وهذا الخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا هو الدافع إلى الإساءة للإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم؟

  نعم، فالخوف من الإسلام أو الرُّهاب  من الإسلام هو الذي اصطلح عليه بـ "الإسلاموفوبيا"، وهو مصطلح ليس قديما بل جديد نسبيا، ويراه العلماء خوفٌ مرضي واقع من الخلط المتعمد من تصدير بعض وقائع إرهابية يقوم بها بعض من ينتسبون للإسلام فيصمون بها الدين الإسلامي وكل من يدينون به، ومع هذا فهم يتعمدون عدم الخلط من اليمين المسيحي المتطرف أو الأصولي في الغرب تجاه المسلمين، ودوما ما يقدمون التبريرات النفسية للتخفيف من أفعالهم.

ـ ولماذا يصرون على هذا المصطلح يا دكتور؟

ـ لأنهم بهذا يصدرون الإسلام ككتلة واحدة متجانسة ومتناغم مع يصمونه بها من صفات، وأنه دين غير قابل للتعايش في الوسط الغربي لانعزالية أتباعه وعدم انسجامهم مع البيئة الأوروبية ومجتمعاتها، وأن الإسلام دين يحض على العدوانية وإيذاء الغير المخالف لعقيدته، وأنه دين لا يرقى أن يدين به الأوروبي لأنه ينافي العقلانية والمنطق، ومن ثم وجب مهاجمته لدونيته، ولكونه يستحق هذا لأنه دين تصادمي، غير اجتماعي، ولا يتسق مع الأنساق والقيم الثقافية الغربية.

ـ لكنكم رصدتم أن الإساءات للرسول صلى الله عليه وسلم كممثل لهذا الدين قديمة وليست حديثة؟

 لقد تواكبت الإساءة إلى شخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مع بزوغ أول شعاع لنور دين الإسلام في مكة المكرمة، وكان مبعثها المشركين عبدة الأوثان، ومع دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أثار عليه حفيظة قلوب المنافقين، وحقد اليهود الكارهين، أما عن إساءة الغرب فى عصرنا الحديث، فقد تميزت بالتقدم النوعي تحت غطاء البحث العلمي والمنهجي من أجيال متتالية تسلم الشعلة إلى بعضها فى إصرار عجيب وغريب، منذ كانوا يعيشون فى حاضرة الخلافة الإسلامية الزاهرة، أو مع بدايات الحروب الصليبية التي شنوها على الشرق الإسلامي.

ـ دكتور السيد إبراهيم لقد توصلت إلى فساد المنهج الغربي في التعامل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كيف؟

   إن الغرب المسيحى يبدو دائماً تجاه المستجدات الدينية التى تخالف منهجه غير محايد وغير أمين، ولذلك فهو يبدأ بثورة عارمة مصحوبة دومًا بالاتهامات المقولبة والمعلبة التي يلقيها فى وجه الخصم فى محاولة آثمة للنيل منه بغية إقصائه عن طريقه، وليس أدل على ذلك الذى ذهبتُ إليه بعد مطالعة ما دونوه ضد المصلح الألمانى الإنجيلي "مارتن لوثر" والذي لا يبعد كثيرًا عن تلك  الاتهامات المسفة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، مع الفارق الهائل بين نبينا ولوثر؛ فهذا نبى مرسل وذاك مصلح معاصر لهم يعلمون عنه أو لا يعلمون ما يقولون، ولقد قالوا فى حق لوثر أنه شخص ضل السبيل وانقطع عن الصلاة فصار شقيًا تعسًا فى حياته، كما أنه كان السبب فى بؤس الشعب الألمانى، بل وصفوه بأنه كان يعانى من مرض نفسي منذ صباه، وقد التحق بالدير دون دعوة حقيقية وأنه كان فاسد الأخلاق والإيمان، وهو زان، وبطل كاذب، ونبى كاذب ومصلح كاذب، يهدم ولا يبنى، وكان مشوِهًا وليس مصلحًا، فهو يهوذا وعدو المسيح وخادم الشيطان. كل هذا لأنه خرج على وعن الكنيسة الكاثوليكية.

   ومثلما نقل كُتَّاب الغرب المحدثين عن كتاب "ثيوفانوس المعترف" كل ما يقدح في شخص نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، دون تثبت أو إعمال فكر، فعلوا نفس الفعل مع لوثر؛ فقد نقلوا كل أفكارهم فيه وعنه من كتاب ألفه عن لوثر بعد موته بثلاث سنوات كاهن كاثوليكى ألمانى يُدعى "يوحنا كوكلاوس". لا يحتاج الأمر إلى تعليق لكى نتبين مدى خسة ذلك المنهج غير العلمى ـ إذا جاز لنا أن نسميه منهجًا ـ الذى يمارسه أذناب الغرب ضد من يعارضهم، لتزول بذلك معظم الدعاوى التي تصفهم بالعقلانية، والحيادية، والنزاهة العلمية فى أغلب نقدهم للإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.

ـ لقد طالعتُ من خلال كتابكم: "سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم" فصلا بعنوان "الصور والرسوم المسيئة للمسيح عليه السلام"، فماذا أردتم من التعرض لشخص المسيح في معرض حديثكم عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؟

  كان السبب من وراء ذلك أن أبين للمسلمين مدى السفاهة والجهالة التي يتعامل بها بعض، إن لم يكن أغلب، أهل الغرب تجاه نبي الله عيسى وأمه مريم عليهما السلام بالرسوم والصور والمسيئة، تطييبا لخاطرهم، وبينتُ أن العيب ليس في الإسلام ونبيه بل العيب في جبلتهم وخلقتهم وطبيعتهم الخُلقية، كما قصدتُ من وراء هذا تعرية الموقف الغربي الذي يحاول أن يرينا أن استعمال هذا الحق في الغرب باسم حرية التعبير مقبول لأنهم شعب عقلاني متفتح، بينما رصدتُ الكثير من موجات العنف الغاضبة من المتشددين المسيحيين ضد هذه الصور والرسوم، بل شهدت الدنمارك قبل سنوات قليلة قضية مشابهة للإساءة للسيد المسيح عليه السلام،  مما أثار حفيظة واحتجاج المواطنين المتدينين وأدي الغضب إلي سحب المنتج المسيء من الأسواق.  

  كما أردتُ تبيين موقفنا ـ نحن المسلمين ـ من رفضنا للطعن في أى نبي، لأنه طعن فيهم جميعًا عليهم السلام، ذلك أن الرسالات كلها عِقدٌ وعهدٌ واحد نظامه الدعوة إلى الله وهداية البشر إلى أقوم الطرق، والأنبياء جميعهم أخوة فى أسرة واحدة وإن كان الله فضل يعضهم على بعض، ومحمد صلى الله عليه وسلم أحد أفرادها، وإن كان أفضلهم جميعًا، فهو سيد ولد آدم كما صح فى الحديث.

ـ لماذا جاء ذكر "الهولوكست" في كتابكم دكتور السيد إبراهيم، ودلالته في الحديث عن الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يتبادر إلى الذهن بُعد العلاقة؟

    بل العلاقة متينة، والرابطة بينهما في أهم قياساتها التي تهدم معبد وقدسية "حرية التعبير" في الغرب المناور والمداور والمراوغ؛ فقد أصبحت (الهولوكست) الصخرة المجيدة المقدسة التى تتحطم فوق قمتها جميع هذه الادعاءات؛ فبسببها تعرض مجموعة من المؤرخين والعلماء والمفكرين من مشاهير أوروبا وغيرها بالسجن، والضرب، والاضطهاد، والمصادرة، والعزل، والهروب، والملاحقة، والطرد بل الموت أيضًا. ولقد ذكرتُ في الكتاب ضحايا تلك الملعونة، ومنهم: المؤرخ البريطاني "ديفيد ايرفنج" الذى حُكِمَ عليه بالسجن بتهمة أنه نفى وجودها، والمؤرخ وعالم الجغرافيا الفرنسى الشهير "بول راسنيين" فكان جزاؤه المطاردة ثم محاكمته، وغيرهم كثير وأشهرهم وليس آخرهم "رجاء جارودي" الذي ما أن أصدر كتابه: "الأساطير المؤسِسِة للسياسة الإسرائيلية" حتى رفضت كل دور النشر طبعه، بل حاصرت المنظمات الصهيونية صاحب مكتبة في سويسرا تجرأ ووزع الكتاب بعد أن طبعه جارودي على نفقته الشخصية دون تمويل من أى جهة ولو عربية، ثم أقاموا عليه دعوى؛ فكان جزاؤه الحكم بالسجن لمدة أربعة أشهر وبغرامة مالية قدرها 20 ألف دولار، وهددوه بالقتل ومارسوا ضده أبشع وسائل الإرهاب الفكري.

   فأين حرية التعبير المقدسة في الغرب التي تسمح برسم صور مسيئة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بينما لا تسمح الحكومات والمحاكم في أوروبا أو أمريكا مطلقًا بأية مقالة أو كاريكاتير أو أي مقابلة تلفزيونية أو أي كتاب يدعو إلى معاداة السامية؟!  كما لا يجرؤ أي كاتب أو مؤرخ على إنكار "الهولوكست" إلا أولئك القلة التى تهورت وفعلتها فنالها ما نالها.

ـ لقد جاء كتابكم لكي يوصل رسالة هامة ضد هذه الممارسات السيئة والسلبية والتكرارية، التي تعطي لنفسها الحق في الإساءة، وتطالب المسلمين بعدم الاحتجاج، وعدم مقاطعة منتجاتهم؟

 نعم جاء الكتاب بمثابة رسالة للغرب: إنه من غير العدل أن تهينني فى عقيدتي، ثم ترسم لي حدود الرد المسموح في رد إهانتي، فكيف تكونون الخصم والحكم، لقد تعودنا منذ زمن بعيد معيارية الحكم المزدوج المتناقض الصادر من رجل الكاوبوي الأمريكي، وتابعه رجل الإسباجتي الغربى  فى أمور تتعلق بالسياسة وحقوقنا المهدرة، وسرقة أراضينا، وتاريخنا، ومواردنا، لكن أن يصل قطاركم الجائر إلى محطة مقدساتنا، فهنا تقع المسئولية على من اعتدى قبل أن تقع على من احتج .. والسفيه هو من يكرر إساءاته، لا من يكرر احتجاجاته. 

      إننا نؤمن بأن سيدنا ومولانا وربيع قلوبنا وسيد الأولين والآخرين، وأغلى على كل مسلمٍ مؤمن موحد من نفسه ووالديه وبنيه، وبكل غالى نفتديه، وأغلى أمانينا أن يجمعنا الله به كما جمع بين الروح والجسد في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة ماءٍ هنيئةٍ مريئةٍ لا نظمأُ بعدها أبدًا من حوضه المورود، وأن يرزقنا شفاعته صلى الله عليه وسلم، لعله روعكم أن نرد منتجاتكم  ونقاطعها؛ لأن من صوره فى هذه الصور المهينة بحسب خياله المريض، يعيش فى قلب ألف مليون وخمسمائة مليون مسلم، تدق نبضاتهم فــي كل صلاة بالصلاة والسلام عليه، ويقرأون سيرته، ويحفظون أقواله، ويخافون مـــــــن الكذب عليه، ويخشون من أفعالهم السيئة في الدنيا حين يلقاهم في الآخرة، ويعلمون كم تعذب وأوذي فى حياته لينشر دين الله تعالى في العالمين، والذي لم يكن سبابًا ولا فظًا ولا عيـابًا ولا فحاشًا، بل كان أعظم الخَلق خُلقًا، ورحمةً للعالمين صلى الله عليه وسلم.

ـ صلى الله عليه وسلم، وأشهد أني استمتعتُ بقراءة الكتاب مثلما استمعتُ بهذا الحوار القائم على العاطفة والعقل، والبرهان والحجة والعلم واليقين، والنابع من ثقافة موسوعية عربية غربية يتسم بها عقل وقلب المفكر الإسلامي الموسوعي المتنوع دكتور السيد إبراهيم أحمد، وأشهد له بهذا من خلال حواراتي الكثيرة والطويلة معه، وعلى أمل اللقاء بكم في حوار جديد أترككم في أمان الله وأمنه.


حرية التعبير "المراوغ’’ بين ساركوزي وماكرون..

 


 لقد كان لي كتابًا يتعامل مع الإساءات المتكررة والمتواصلة لشخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بعنوان "سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما أساؤوا"، والغاية من العنوان تتبدى في مدى جهالة تناقضات الغرب وبلادته ومحاولاته التي لن تنتهي بمثل هذه التصرفات التي يتجلى فيها الحقد مداه والكراهية للإسلام والمسلمين، ووقتها كانت القضية المثارة هي الرسوم التي تعبر عن أصحابها لا عن شخص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والتي تكررت الآن، وقد أظهرت مدى التعامل الفرنسي على المستوى الرئاسي مع هذه الإساءات وتكراريتها حين عبرعنها الرئيس الفرنسي الأسبق "نيكولاى ساركوزي" بالقول:(إن المبالغة في الكاريكاتير مطلوبة أكثر من المبالغة في الرقابة)، وهو الذي منع تداول كتابًا يتحدث عن حياته البائسة، كما مارس ضغوطًا لنزع ملصقات من محطات المترو تتناوله شخصيًا.


نفس الموقف يتكرر مع الرئيس الحالي (ماكرون) في دفاعه المستميت عن حرية التعبير في الجمهورية الفرنسية، فيقول مدافعا عن الرسوم المسيئة: (إن هذا لا ينطبق على رسوم شارلي إيبدو "الرسوم الكاريكاتورية ليست خطابات كراهية")، لأته كما يقول عن نفسه: (أنا هنا لحماية هذه الحريات).

لكن ماكرون لم يتحمل تعليقات الرئيس البرازيلي الساخرة من زوجته، ولم يعدها من حرية التعبير، بل استشاط غضبا وتدخل في سيادة بلد آخر حين قال وقد انتفخت أوداجه: (ينبغي أن تشعر جميع نساء البرازيل بالخزي من رئيسهن، الذي يسخر من النساء)، ثم قال: (سخرية الرئيس البرازيلي لا يمكن وصفها إلا بأنها "وقاحة منقطعة النظير"... هذا أمر محزن، إنه أمر محزن له بالمقام الأول وللبرازيليين، وعلى النساء البرازيليات أن يشعرن بالخزي على الأرجح من رئيسهن..لأنني أكن الكثير من التقدير والاحترام لشعب البرازيل، آمل أن يصبح لديهم رئيس أهل للمنصب في القريب العاجل).

وكما قلتُ سابقا عن ساركوزي أقول الآن عن ماكرون من كونه يستخدم حقه كمواطن فرنسى فى الأساس لأن القانون الفرنسي يمنع التعرض للحياة الشخصية للأفراد، ولكن عندما يتعلق الأمر بالإسلام، يحوِّل ذلك إلى (حرية التعبير) دون تفريق بين الحرية والعدوان!

وفي عهد ماكرون المدافع عن حرية التعبير يناقش البرلمان الفرنسي، مشروع قانون أمني جديد يسمح بسجن الأشخاص الذين ينشرون صورًا لرجال الشرطة بهدف إلحاق الضرر بهم، على أنه يجب العلم أن من تقدم بمسوّدة القانون هم نواب حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، ويطالبون بإنزال عقوبة السجن لمدة سنة إضافة إلى غرامة قدرها 45 ألف يورو لمن يقومون بنشر صور ضباط الشرطة "بهدف إيذائهم".

إن حرية التعبير "المراوغ" كما قلتُ وأقول ليست جديدة على أوروبا التي أزالت ـ بناءً على طلب بعض الحكومات ـ صورًا مسيئة بل فاضحة للرئيس الأمريكي الأسبق "بوش" ونظيره الفرنسي الأسبق "ساركوزى" وملكة بريطانيا "إليزابيث الثانية"، وشخص بابا الفاتيكان، بل حكمت بعض المحاكم الأوروبية بالسجن والغرامة على إحدى الصحف الإسبانية التي صورت "ولي العهد" في رسوم كاريكاتورية ساخرة، وقد بررت المحكمة حكمها هذا بأنها تلقت شكوى من مكتب المدعي العام للدولة وصف فيها تلك الرسوم بأنها: "تشهيرية تستوجب العقاب".

وهو ما دعا جهات حقوقية فرنسية بانتقاد مشروع القانون الأمني الجديد، وقالت إنه "يهدد حرية التعبير"،  كما اعتبرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" الحكومة الفرنسية بأنها ليست نصيرة لحرية التعبير، وقد ضاعفت حملتها ـ أي الحكومة الفرنسية ـ المستمرة لتشويه سمعة وملاحقة المسلمين الفرنسيين.

كما اعتبرت المنظمة ما فعلته محكمة فرنسية حين أدانت في عام 2019م رجلين بتهمة "الازدراء" بعد أن أحرقا دُمية تمثل "الرئيس ماكرون" خلال مظاهرة سلمية بأنه خرق لحرية التعبير، كما رأت في القانون الفرنسي الأمني الجديد المقترح، أنه: (من الصعب التوفيق بين هذا التوجه وبين دفاع السلطات الفرنسية الشرس عن حق تصوير النبي محمد في رسوم كاريكاتورية).

(لكن أولئك الذين لا يوافقون على نشر الرسوم الكاريكاتورية لهم الحق أيضًا في التعبير عن مخاوفهم، كما يكفل الحق في حرية التعبير إمكانية انتقاد خيار تصوير الأديان بطرق قد يُنظر إليها على أنها نمطية أو مُسيئة. 
إنَّ مُعارضة الرسوم الكاريكاتورية لا تجعل المرء "انفصالياً"، أو متعصباً، أو "إسلامياً"). هذا ليس كلامي بل منطوق رأي منظمة العفو الدولية عن حرية التعبير "المراوغ" المطبَّق حاليا في جمهورية فرنسا التي تجسد حرية التعبير وتدافع عنها ضد المسلمين.

واختم بما اختتمت به مقالي في كتابي: الغريب فى الغرب الحر العادل أنهم يثبتون القداسة لمن لا قداسة لهم من البشر، ثم بكل حماقة وجهالة ينزعون القداسة ممن قدسه الله عز وجل بأن اصطفاه واختاره وجعله سيداً للبشر صلى الله عليه وسلم.

لقد أوهمونا أن حرية التعبير مقدسة مطلقة ، ودوخونا فى الانتقال بين المربعين: مُربع حرية التعبير، ومُربع الحرية الشخصية، والفرق بينهما واضح؛ فرسم أى شخصية بشكل ساخر مهما كان منصبه أو مكانته هى حرية تعبير، وتصوير الإنسان على أى وضع دون إذن منه بنشر هو اعتداء على حرية شخصية، ويبارزوننا بانتهاك الحرية الشخصية حين يمس السخرية والتهكم بعض رؤسائهم ـ ومنهم ماكرون ـ بينما يجمدوننا فى المربع الأول "حرية التعبير" حين يمس الأمر شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم عند المسلمين من كل شخص عندهم مهما بلغ شأنه.

ولا يتبقى إلا النداء الأخير: أيها الغرب أفق .. فالإسلام الذى تحاربه ليس بعيدًا عنك؛ فهو من زمن بعيد تدرسونه فى جامعاتكم، وأصبح الآن يشكل تجمعات كبيرة كجزر واسعة فى أراضيكم، بل أن جزءًا من شعوبكم صار مسلمًا ويصير، فلا داعى لهذه السخافات التى سحبت من رصيد انبهارنا بكم الكثير، وتزرع العداوة والبغضاء، يا من تصدعون رؤوسنا بدعاوىَ المحبة والسلام، ومن أسف كنتم أنتم مصدر إرهابنا: فمن منَّا الإرهابي، والمراوغ، والمأزوم يا سيد ماكرون؟!

على أمل اللقاء.. فراق

 


لم أكن أعرف الدكتور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب قبل عام 2010م وهو نفس العام الذي التحقتُ فيه بالاتحاد، وقد لاحظ الرجل كتاباتي ودراساتي، وعند نشر كتابي الرابع "نساء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم" كتب عن الكتاب مقالا رائعا ثم منحني بعده شهادة تقدير، ثم خصص لي صالونا ـ مازال قائماـ أسماه "صالون حبر الاتحاد"، ولقب "حبر الاتحاد" كان هو الذي أطلقه، ثم دعاني للدخول في أول حوار يقيمه الاتحاد شارك فيه مفكرنا العالمي الراحل، والشاعر الجزائري ياسين عرعار وتحت رعايته وإعداده، والشاعر الناقد وعالم الاجتماع الجزائري عادل سلطاني، والسيدة عبير البرازي وكانت نائبة رئيس الاتحاد، وقد أمر بنشره وضمه في كتاب.
في إحدى الأيام الرمضانية فاجأني معالي الدكتور محمد بأن أحاوره ـ وهو كثيرا ما يفاجأني ـ حوارا طويلا، ولم أكن أطلب ذلك منه على الرغم من العلاقة المتينة بيننا، والتي كانت تأتي بالكتابة والمحادثة على الخاص في كثير من الصباحات، وكان معجباً بالحوار والتفاف الناس حوله، ودوما ما يحدثني عن آخر أعداد من قرأ الحوار بشكل إحصائي، وكان يُعِد لإصدار الكتاب الذهبي لهذا الحوار، ولكن لم يصدر الكتاب هذا ولا الذي قبله أيضا، وهو الكتاب الذي تحدث عنه آخر صاحب دار نشر قابله مفكرنا في زيارته الأخيرة لمصر ولم يهمله القدر.
أصدر مفكرنا الراحل شهادة لشخصي تحمل لقب "سفير الإبداع"، ثم دكتوراه من الاتحاد وثلاث مراكز علمية منها مركز لحقوق الإنسان مُسجل في اليونسكو، ثم شهادة دكتوراه رفض إطلاقها على الصفحات بل أصر على تسليمها لي شخصيا؛ فاستلمتها منه في حفل بالإسكندرية، وكان هذا هو لقائي الثاني به؛ فقد سبقه لقاء قبله بسنوات في متحف وبيت الدكتور طه حسين "رامتان".
كان يحدثني عن باريس ويكايدني ضاحكا أن بينه وبين برج إيفل خمس دقائق بالسيارة، وخمس عشرة دقيقة سيرا على الأقدام، وذات يوم نشر صورة لمسجد شهير في مدينة السويس بمنطقة بورتوفيق يطل على قناة السويس؛ فهاتفته لأكايده هذه المرة بأن بيني وبين هذا المسجد دقيقة بالسيارة وثلاث دقائق سيرا على الأقدام، وكانت دعوتي لا تنقطع لسيادته أن يزور السويس وسأجعله يستعيد قوته ونشاطه وعافيته عندما يتذوق الأسماك السويسية ومأكولات البحر، وكان أن هاتفني في شهر سبتمبر ليبشرني بقدومه في الثاني من أكتوبر، وعليَّ أن أبشر الأسرة وأعد الطعام، وكان يحدِّث زوجتي كلما تحادثنا في بعض الأحيان ويَعلم ُأفراد عائلتي بأسمائهم، وكانت فرحة كبيرة لهم، وأخبرني أنه سيهاتفني عند سفره ووصوله بالفعل للقاهرة.
دخلتُ في بعض الفحوص الطبية بالقاهرة، وظننت أنه لم يصل بعد، وكنت ممنوعا من الكتابة بأمر الأطباء فلم أقترب من فتح النت ولو من المحمول، ثم علمت أنه وصل ولم يتصل، فانتظرت لكوني أحترم مواعيده وارتباطاته، وجاءت من القاهرة الكاتبة والناقدة الأستاذة عزة أبو العز لزيارة مدينتي وبيتي ومكتبتي لتسجل معي حلقة من برنامجها "زيارة ثقافية" وتناولنا في إحدى الفقرات سيرة الراحل الكريم في يوم الجمعة ليلا، وبعد عدة أيام علمت بوفاته عن طريق الأستاذة عزة، وبحساب الأيام اتضح أن نفس الليلة التي ذكرناه فيها كانت ليلة وفاته، والغريب أن هذه المرة كانت عندي من أهم المرات التي سألتقيه فيها، خاصة أن الفيلا التي أسكنها بها طابقين مما سيجعل الإقامة مريحة له، مما سيمنحني فرصة من الوقت لكي نتسامر ونتحاور عدة أيام، وكم كانت الصدمة قاسية عليَّ وعلى أفراد أسرتي بوجه خاص، وبكيتٌ بكاءً مرًا لم أبكهِ منذ وفاة والدي، على الرغم من أن الراحل الكريم يكبرني بعامين فقط غير أنه كان عندي أكبر من منزلة الأخ الكبير.. ومازلتُ حتى الآن يغمرني الحزن كلما قفز اسمه في وجهي وأنا أرسل للأحبة تحية الصباح؛ فقد كان أول من أرسل له التحية في انتظار أن يحادثني بعدها كلما أراد.. ليصبح أمل اللقاء به في الدار الآخرة إن شاء الله، بعد أن استحال اللقاء فراق.