الأحد، 29 مارس 2015

أحمد الخليلي شاعر هوايته التجديد

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون









لا أدعي أنني قرأته القراءة التي تتيح لي أن أقيم تجربته بشكل إجمالي، ذلك أن هذا الشاعر الديسمبري الجنوبي قد أفنى وقتًا طويلاً في معانقة موهبته حتى صارت نهرًا غذته روافد كثيرة من ثقافاته الغير منتظمة والمتنوعة، والتي نهلت من بيئته، ومن عقيدته، ومن محاولات حثيثة منه للخروج من شرنقة التقليد، والدخول في عالم التجريب وصولاً إلى شكل أو قالب يتفرد به بحيث يكون دليلاً عليه. 

أنه الشاعر أحمد الخليلي، القنائي، المولود في منتصف العقد الستيني من القرن الماضي، والذي غادر مقعد الدراسة في مرحلته الإبتدائية منتهجًا طريق العقاد ومحاولاً التمسك بقاطرة الثقافة الذي أخذ منها بحظٍ وافر، والتي غذاها ليس فقط بالعلوم المدنية بل بالعلم الديني وخاصة علم القراءات والذي أحرز من خلاله شهادة أهلته للعمل بالأوقاف، ولذا فقد تعود لسانه النطق والكتابة بالعربية الفصيحة الصحيحة التي غذاها بقراءته المتعمقة في ديوان العربية الأول "الشعر"، والإبحار في كتب الأدب يروي منها نهمه نحو التزود بخلفية ثقافية واسعة وهي حالة دائمًا ما تصاحب من فاته استكمال مشواره التعليمي فيعوضه بالتكالب المعرفي وهو مكسب له، وأسبق من غيره أحيانًا. 

أصدر الخليلي ديوانين بالفصحى، هما: "شفَّاف حتى الهواجس" عام 1998، "ريق من الطمى" 1999، وديوان بالعامية:"شقاوة الغلاوة" ضمن سلسلة اشراقات الهيئة العامة للكتاب عام 2008، كما أن له مجموعة قصصية وحيدة: "مرهم وشوق وجُرحٌ أخضر". 

ونتيجة لإبداعه المتميز الذي لفت إليه أنظار العديد من قامات الشعر والنقد في مصر، أن حصد العديد من الجوائز، منها: جائزة الشباب عن قصور الثقافة بالمركز الأول عام 1997،والمركز الأول فى إتحاد الاذاعة والتلفزيون عام 1999،وكذا المركز الأول في المسابقات التالية: مسابقة محلية عن نادى الادب فى 1996، مسابقة محمود مهدى فى 2002، مسابقة مجلة الياسمين الاليكترونية على مستوى الوطن العربى. 

وبعد كل ما تقدم عن الخليلي لك أن تتساءل: أين هو على خريطة الإبداع سواء في منبته الجنوبي، أو في فضاء عاصمة بلاده الثقافية؟!.. ولكن هل هذا هو حال الخليلي وحده؟.. مثل كل الأقاليم الحبلى برياحين الإبداع الموشكة على الخروج، تلك التي استوت على جودي الإبداع، وماتت أو ستموت وهيَّ بعد لم تراوح أرضها، لأننا في مصرنا الغالية نمتلك "الشكلانية" ونهدر المضمون، نبني قصور الثقافة ويسكنها مقاطيع القوى العاملة الذين لا يحسنون القراءة ولا الكتابة، فكيف سيقرأون قصائد معتقة أنضجها نبيذ الدم، وحرقة السهر، والصبر على قنص المعاني، وغواية التنقيب عن الجديد؟! 

سار الشعر في نهره يتهادى هانئًا تارة بالتقليد، عاصفًا تارات عبر عصور الإبداع العربي بالتمرد على القديم، والرحيل نحو شواطيء التجديد، وإن كان التمرد على الشكل التقليدي للقصيدة العربية قد عانق بدايات القرن العشرين حين عرفنا الشعر المرسل ضد التقيد بالوزن والقافية، ليحدث في تلازم قوي التجديد في المضمون ومحاولة التمرد أو التجديد في اللغة عبر أطروحات وجدل طويل بين من يرى انفصالية العلاقة أو اتصالها بين الشكل والمضمون من خلال التداخل والتجاذب بينهما، ومن ثم لايملك الخليلي التراجع عن غواية التجديد من خلال مس المضمون بموضوعات تخصه نفسيًا وبيئيًا يحاول الإفلات من شبهة التقليد أو المحاكاة، باحثًا عن التفرد والشخصانية، ومن ثم فقد أغرم شاعرنا باللعب على وتر اللغة متنقلاً بين الفصحى والعامية تارةً بالفصل وتارةً بالمزج تطعيمًا وتلقيحًا. 

يظن أحمد الخليلي أنه كان الأسبق في هذا بيد أن الشاعر الكبير فؤاد حداد نجح أن يُدخِل العامية والقاهرية منها خاصةً في نسيج أعماله،كما كان يفعلها الروائي إبراهيم أصلان الذي يرى أن مهمة الكتابة تكمن في تحرير الكلمات من صيغها الثابتة، وذلك حين تتغير الكلمة داخل الجملة، فتتحرر وتمنح المتلقي إمكانية أن يفكر بنفسه. ورأيه يأتي شبه اتفاقًا لما قاله اللغوي والفيلسوف الروسي باختين: (إنه من الواضح أن اللهجات بدخولها إلى الأدب ومساهمتها في لغته، تفقد صفة كونها أنساقًا اجتماعية لسانية مغلقة. إنها تتشوه، وحاصل الكلام فإنها تكف عن أن تكون ما كانت عليه بصفتها لهجات). 

ربما صب هذا التجديد ميزةً لإبداع الخليلي، وربما شكل في نفس الآن عائقًا في التواصل المعرفي والفني من بعض إبداعه مع بعض متلقيه، وخاصةً في النصوص الفصيحة حين تخترمها بعض العامية القح التي يعوّل عليها الخليلي والتي يبارز بها أذن من اعتاد الفصحى الخلوص فيزعجه اللفظ العامي الذى اقتحم عليه تذوقه، وربما أرى أن هذا الأمر يشكل عاملاً طاردًا في بعض الأحيان، أو قطعًا للوشيجة بين الخليلي وبين جمهوره. 

غير أن قصيدته التي يتعالج فيها اللفظ التراثي العامي الموحي مصريًا، والكلام الحديث من الرحبانية مع النص الفصيح: "أنملة على وترِ شجيّ"من ديوانه: "شفاّف حتى الهواجس"، يعاجل فيها الخليلي مستمعه بضربة مفاجئة تسرقه من نفسه حين يبدأ تلك القصيدة بكلمات شاعر أبوللو الكبير صالح جودت: الويل الويل يايُمّه.. دق الهوى ع الباب من يمّة الاحباب، وحين يستفيق يكون في منتصف نهر الفصاحة، يجهز عليه بنسمة فيروزية شهيرة: 

حال يجيئك صوتى تُطرب منّى وكأنى أسمعتك فيروز تُغنّى 
لشوارع خاليةِ إلا من شجنِ رحبانّى 
يتغّير نسج الكلمات .. حبيتك فوق لسانى حائرةُ.. فعيونك الصيف وعيونك الشتا.. ملآنه ياحبيبي بثلج البُعد وحرّ البُكا.. 

إذن فالخليلي يتعامل مع العامية التي تزور قصيدته الفصحي بسبق الإصرار والتعمد أن تأتي مجردة .. صريحة.. بلا مواربة..وهيَّ ما تشكل الصدمة التي أشرت إليها، وعلى سبيل المثال قصيدته "الطفلة وقروشِ خمسة": 

لازالت زنوبة فى البنت 
تموج بلهجتها 
لسه م الزمن القُريّب مرسومه 
على جدار الحوش القديم 
ع القلب الحميم صُبح ومسا كل حاجه 
تنعشق تنرشق زى الحبيبة ف قلب 
حبيب 
ليها نفس معناها القديم تحيي الحياة 
بين صبية لسه بيلعبو التاتا 
لسه بيتعلمو فنّ الحياة 

تَغُلب على الخليلي بيئته فيورد في لوحاته التشكيلية الزاخرة بزخارف الحياة والحماسة والناس بعضًا من رموزها كشجرة السنط وشجر النخيل، التي يؤنسنها ويكسوها حلل أوصافه الطبيعية الأصيلة دون افتعال أو تصنع: 

(ودور الطين سباها الشوق لظل السنط المتوارى 
خلف بريق فسفوري لا يمنح إحساسًا 
بالظل لا يعفو من غَسَقِ عَفَوى) 
............ 
(وأنشودة الفرّوج فى القيلولة 
تتناغم وترانيم القمرّي وحنّو ظلال السَنطِ 
كرشَّةِ ماءِ فوق تُراب الشوق 
تُزخرفهُ بالدمع علي طُرقاتِ لأمشاجِ تبتليه)ِ 

أن هذا القوصي القابع في الجمالية البعيدة يعاقر القصيدة بحب ودهشة وامتلاك أدوات الحداثة مع القصيدة، والذي لايمل من ممارسة هواية التجريب والنحت والتجديد ليتماس مع أولئك النجوم التى أسكرتها الشهرة، ورصعها نجوم الحضور، ففيه من أنفاس من سبقوا الأصالة، والنزوع نحو المعاصرة، غير أنه احتفظ بصهيله جذلاً فرحانًا، يتحقق فيه ما قاله أدونيس في كتابه "مقدمة للشعر العربي": (أن يكتب الشاعر قصيدة لا يعني أنه يمارس نوعًا من الكتابة، وإنما يعني أنه يحيل العالم إلى شعر يخلق له فيما يتمثل صورته القديمة صورة جديدة، فالقصيدة حدث أو مجيء، والشعر تأسيس باللغة، والرؤيا تأسيس عالم واتجاه لا عهد لنا بهما من قبل). 

وإذا كان علماء اللغة يرون استحالة إصدار أحكام على آراء كاتبٍ ما دون تحليل مسبق للغة هذا الكاتب، إذن بات من الضروري توافر النقاد على معالجة لغة الشاعر المجدد أحمد الخليلي، والعكوف على استخراج الدلالات والتفاعلات اللفظية المبثوثة من خلال بنية أو دراسة التراكيب النحوية والبلاغية الموحية في كل كتاباته، ومن المؤكد أن مقالاً واحدًا لن يفي بتلك الدراسة التي لو شاء لها كاتبها تتبع عامية الخليلي التي تفوق فيها على نفسه، ولو أراح نفسه من عناء الفصحى وانكب عليه وحدها لطغت شهرته، ولكنه شاعر لا يطارد اللفظ السائغ، والمعنى الشائع، وربما تلمح هذا من عناوين دواوينه أو قصائده. 

ولا أدل على تأثره من اللعب على الجناس اللفظي، والتقابل الذي يحدث الجرس الداخلي للموسيقى المبثوثة في تلافيف القصيدة مما أشتهر به الموال الصعيدي وفن الواو، ما نلمحه ونختم به ذلك الذي جاء في قصيدته الإنسانية الرائعة المنفعلة لا المفتعلة "على إيه"، من ديوانه الذي لم يصدر بعد، والمكتوب بالعامية المصرية "لو خرم يخّشش هوا": 

فليخْرُج الحُرَّاس ماعدش فيه ف الرّاس غير حبَّة خُرافه 
مع هلوسة ووسواس 
فليخرج الأنجاس فوق قمّة المشهد 
المِيضة راحت عليها تجديد فى صورة هَدّ 
مبقاش داخلنا بجد لا خشوع 
ولا شعرة توحّد حّد 
ما أقبح الإنسان بلا ماركة ولا عنوان 
ما أقبح الرُتبة بلا إنسان 
يا واكل وشارب ورغم دا هارب 
بتحصى بالملّيم إحصى كدة نَفَسَك 
عِد كام نفسك 
فليخرج الحُراّس مبقاش خلاص ف الراس 
غير خطة مسمومة 
لفكرة محمومة ف ضمير مِنداس 
على إيه حتترّصوا ماالحال قريت نَصُه 
مضروب اهو ف نُصه 
من ساعة العميان ما أقسموا بصّوا 
والشوَّافين خايفين ومهَّيفين ومهوفين 
والحِس أصبح نار للى بيحسّو 
صُبّ لى واتوصى خلينا ننسُو 

الاثنين، 16 مارس 2015

حروف منثورة للنشر الإليكترونى : كتاب حاورونى و حاورتهم للسيد إبراهيم أحمد

حروف منثورة للنشر الإليكترونى : كتاب حاورونى و حاورتهم للسيد إبراهيم أحمد: أضغط للتحميل 1 أضغط للتحميل 2 كتاب

حاورونى و حاورتهم للسيد إبراهيم أحمد , صدر عن حروف منثورة للنشر الإليكترونى,  يتناول موضوعات ثقافية...



   بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
، فإنه ليسعدني أن أقدم للمكتبة
العربية كتابًا يضم في طياته نتاج عقول شتى من أبناء الثقافة العربية، من مشرقها
ومغربها، وشامها، قام على رعايته إتحاد الكتاب والمثقفين العرب برئاسة الدكتور
محمد حسن كامل الذي سيبين في كلمته التي أرسلها بالعامية مصورة من فرنسا ــ
ففصحتها وأوجزتها ــ كافة الأحداث التي واكبت ذلك الحوار من منشأه إلى منتهاه،
ولذا فليس هناك داعٍ للتكرار.

    وحيث أنه كان من الصعوبة بمكان عرض الحوار
بمداخلاته الكثيرة، وموضوعاته الثرية، والأسئلة التي تتناول مناحٍ شتى، مما قد
يشتت القاريء، وكان المتاح أن أفرد أسئلة كل محاور بتشعباتها وتنقلاتها الفجائية،
أو أن أفرد لكل موضوع أسئلته بغض النظر عن المتحاور. ولهذا فقد استقر العزم على
الاتجاه الثاني فهو أعم لفائدة ومصلحة المتلقي، ويتبقى أن المتحاور سيبرز اسمه من واقع
الإجابة.
    
وبعد هذا الحوار الشاق والمضني والناجح، وجب عليَّ التقدم
بالشكر الوفير إلى صاحب الفكر القدير المفكر المصري الكبير الدكتور محمد حسن كامل، رئيس إتحاد الكتاب والمثقفين
العرب
الذي زرع للثقافة العربية شجرة جمعت
تحت ظلها الوريف باقة من ألمع أدباء وشعراء الوطن العربي على امتداده، فتعارفنا
وتآلفنا.. وتلاقحت أفكارنا
، كما أتوجه بالشكر أيضًا لنائب رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
الناقدة اللبنانية البارعة الدكتورة عبير البرازي .. التي أسهمت إسهامات يبدو
نورها من موقعها الكريم في قلوب أعضاء الإتحاد
.
  وإلى الذي مر على سيرتي فعطَّرها بجميل بنانه، وحلو
بيانه الشاعر الذي امتلك ناصية القصيدة الخليلية وصال فيها وجال، وأصدر الدواوين
ونال الجوائز، وعشق الحوار
شاعر الجزائر الكبير ياسين عرعار.. الذي أشكره أولاً على سهره على هذا
الحوار، وثانيًا
 على هذا العطر المنهمر الفياض من الثناء على شخصي
الذي استعاد منه واستزاد،لأنه من شخص خلوقٍ كريم.. يعرف للكلمة موقعها ومبناها،
وثناء الكرامِ دواء.
   
 

وأشكر أخيرًا ابن الشرق الجزائري الناقد الشاعر
الكبير عادل سلطاني مثلث اللغات، حيث يكتب بالعربية، والأمازيغية، والفرنسية بنفس
الجودة والطلاقة.

   وأشكر
قراء العربية الكرم الذين تابعوا وسيتابعون هذا الحوار وسيستمتعون به، وأنا على
ثقة من هذا بعون الله تعالى، فسيجد كل قاريء فيه مشربه، وسيقضي منه نهمته.

  ولا يسعني
في النهاية إلا التقدم بالشكر الجزيل إلى إدارة
موقع حروف منثورة للنشر الإليكتروني
لما يقومون به من خدمة جليلة للثقافة العربية، وما قاموا به من أجل خروج هذا
الكتاب القيم للنور.

                                                                      
السيد إبراهيم



السبت، 14 مارس 2015

صدور مسرحية العائد الذي ما عاد للكاتب السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي

صدور مسرحية العائد الذي ما عاد للكاتب السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي












  صدر عن "حروف منثورة للنشر الإليكتروني مسرحية: "العائد الذي ما عاد" للكاتب السيد إبراهيم أحمد، وتقع في 58 صفحة، ويقوم العمل على شخصيات، هم:

حسين           : رجل في العقد الرابع من عمره، موظف سابق من مواطني السويس.

سناء            : زوجة حسين في العقد الثالث من عمرها.

فوزي           : صحفي، وصديق حسين.

إبراهيم         :  موظف وشاعر، صديق لحسين وفوزي.

الشيخ عامر    : إمام وخطيب مسجد الأربعين.

عامل نظافة   :

بعض الشباب  : مجموعة من الشباب والفتيات: (يقومون بدور الثوار، وفرقة الغناء، والمنشدون   ورقصات الذكر الأقرب للمولوية)

  
    تتناول المسرحية الفترة الأخيرة من حياة مصر تحديدًا منذ قيام ثورة الربيع العربي في يناير 2011، يلعب الزمن دورًا هامًا فيها؛ إذ  تدور المسرحية كلها في ليلة واحدة أي هيَّ بالأحرى ليلية الإضاءة ممتدة إشارةً جلية إلى لون الفترة، يتخللها زمنًا حالاً ومستقبلاً عبر الرصيف الأيسر الذي يحتله الشباب بلافتاتهم التي تشير إلى تغير الأنظمة السياسية السريع في تلك الفترة، بينما يلعب من يحتلون الرصيف الأيمن سرد الأحداث الماضوية والتي تعد كأنها محاكمة مستمرة لما مضى ولما هو حال وآت، باعتبار تلك الأحداث التي سلفت بشخوصها وانكساراتها وهزائمها وانتصاراتها وانتفاضاتها مقدمةً وأسبابًا لتلك المرحلة الراهنة والتي تُعًد نتيجة حتمية لها.

      كما يلعب الشعر دورًا هامًا، باعتباره جزءًا لايتجزأ من الحوار ليس مدسوسًا عليه، فتارةً يأتينا عبر تظاهرة شبابية يسردون من خلالها أوشاب وخطايا عصر مبارك، وتارة يأتينا قصائد تُلقى دلالة على القهر والقمع وتكميم الأفواه؛ إذ يسجن شاعر بسبب قصيدة ألفها ثلاث سنوات، كما تأتينا استعراضًا حواريًا، وابتهالاً دينيًا بالفصحى، وأغنية فلكلورية تستدعي البيئة التي تدور فيها تلك الحكاية وهي مدينة "السويس" أشهر مدن القناة ومصر، والشعر على عاميته أقرب منه للفصحى فيما يسمى باللغة الثالثة؛ إذ لم يمارس الإغراق في اللفظة المصرية الدارجة القحة بل لعب على الشائع منها مصريًا وعربيًا.

    كما لم تغب الفكاهة، والسينوجرافيا، والرمزية وأدوات الفرجة المسرحية الأخرى، فجعلتها عبارة عن ليالٍ في ليلة، وحكاياتٍ في حكاية، واستعراضًا أفقيًا ورأسيًا للتاريخين المصري والعربي؛ المصري بالفعل والعربي بالتأثر والانعكاس.

  ولعل اقتطاف هذا المشهد من تلك المسرحية ليشي تمامًا بتلك الأجواء فيها، ويعطي انطباعًا مبدئيًا عما قدمناه عنها، ويهيء القاريء لمتابعة أحدائها:

فوزي       : يا حسين .. أنا فوزي .. تعالى عايز أتكلم معاك..

حسين      :      (يخرج من جوار الجامع)..

                 وهنتكلم فيه يا فوزي يا صديقي الصدوق.. لسه هتكلمني تاني

                عن الإيجابية الخفية في الربيع العربي، وعن تلاحم قوى   

                 الشعب العامل، وعن الحلم الاشتراكي الواعد الذي يُبنى على

                 أرض مصر..

فوزي       :   لأ.. أنا ..

حسين      : (صارخًا)..لأ.. لأ إيه يا أستاذ فوزي.. يا صحفي يا كبير.. مش

                 هو ده اللي كنتم بتقولهولنا من ساعة ما عيوننا فتحت على

                 الدنيا..

فوزي      :  يا حسين .. إهدا.. لازم تعرف إننا صحافة وإعلام .. القيادة 

               تقول لنا طبيعة المرحلة هتكون ثورة، نقوم ننفخ في صدوركم

               ثورة، يقولوا لنا طبيعة المرحلة حرب، نسخنكم ووالله زمان

              يا سلاحي..

حسين     : طبيعة المرحلة سلام، تقولولنا أجري سلموا، يقولولكوا طبيعة

               المرحلة انفتاح..

فوزي       : نقولكم انفتحوا..

حسين      : فتحة تفتح دماغك أنت واللي مشغلينك..

فوزي       : (يجلسان).. لسه مفيش أخبار عن ابنك أحمد..

               (يتكلم بصوت عالي مخاطبًا الشباب).. 

               محدش فيكم سمع حاجة عن أحمد حسين..

الشباب    :  (يجيبونه بالرفض)..

حسين     :  متزعلش مني يا فوزي .. لما وعيت على الدنيا غنينا لعبد

               الناصر، وكنا بنسميه بابا ناصر، يدوب كملت عشر سنين

               لقيت الصهاينة هاجمين بطيرانهم فوق دماغنا... 

                     (يُسمع صوت هجوم طيران)..

                واطفوا النور.. وادهنوا إزاز الشبابيك باللون الأزرق.. 

                      (يسود المسرح لون أزرق)..

                أجري يا جدع من هنا..ألحقوا أهربوا

                      (يجري الشباب في كل مكان).. 

                ولقينا نفسنا مهاجرين، واتسرقت من طفولتنا 

               عشر سنين.. وأحنا صابرين مستنيين..

فوزي      : فاكر يا حسين لما كنا بنسمع إن عبد الناصر جي السويس 

              كنا بنعمل إيه؟..كنا بنجري علشان نلحق مكان عند السكة

               الحديد لجل ما نشوف الريس وهو بيشاور من القطر يرد 

              تحية الجماهير، كنا بنبقى عايزين نرمي نفسنا على القطر..

               (يقف فوزي وحسين والشباب وهم يلوحون بهستيرية أمام

                محطة السكة الحديد، بينما تعرض الشاشة صورة عبد الناصر

               وهو يلوح للجماهير)..

حسين    : ساعتها قولتولنا ما تقولوش دي هزيمة لأ.. دي نكسة، وسينا 

             دي إيه اللي خدوها؟.. حبة تراب وصحرا....


المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/03/14/359880.html#ixzz3UNwWR9e2 
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook