الخميس، 26 يونيو 2014

معجزة الصعود والانقطاع

معجزة الصعود والانقطاع







من أسف أن غار حراء وصعود الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ثم انقطاعه فيه طوال شهر رمضان لمدة ثلاث سنوات يختزله العقل المسلم - أغلبه - في لحظة نزول القرآن الكريم، ثم نزوله صلى الله عليه وسلم منه، وهي لحظة فارقةٌ في تاريخ البشرية، توقف عندها الكثرة الكاثرة من أدباءِ ومفكري العالم شرقًا وغربًا.

هذه اللحظة التي تبدأ مع زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها، وكيف أن الحياة الجديدة الزاخرة بكل صنوف الراحة وأسباب السعادة لم تستقطبه!

فيعكف في ظلمة الليل وحيدًا في ذلك الغار يتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد، ولو كان غيره مَن انتقل هذه النقلة الاجتماعية لكان همه تنمية الثروة؛ لينمو حظه من مباهج الحياة ومتعتها، كان قادرًا صلى الله عليه وسلم على أن يأخذ نصيبه من الراحة، ينام متى أحب، ويأكل ما شاء، متى وكيف يشاء، ويلبس الفارِهَ من الثياب كما يحلو له، لكنه لم يفعل.

تقول الدكتورة بنت الشاطئ[1]:
(ونامت الدنيا، لا تُلقي بالاً إلى رجل من بني هاشم، ابن امرأة من قريش تأكل القديد، قد أوى إلى غارٍ هناك مستغرقًا في تأمله، يلتمس في العتمة الداجية شعاعًا من نور الحق، وينشد في خَلوته أنس الهدى وراحة اليقين، وخواطره تحوم حول البيت العتيق الذي رفع إبراهيمُ القواعد منه وإسماعيل).

تأمل محمد علي بن حسين الحريري رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم المنتظمة سنويًّا إلى غار حراء، فقال[2]:
(إن صعودَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار وحده وتحمُّله المشقة في سبيل ذلك معجزة، إن التأمل في غار حراء وصعوبة الارتقاء إليه في جو لاهب من الحر والريح الجافة لتؤكد للناس عبر القرون أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان مؤيدًا ببأس قوي وعناية رب العالمين، عندما ينقطع في الغار اللياليَ ذواتِ العدد لا يعبأ بالوحشة والانفراد، ولا يتسلل إلى نفسه الشريفة خوفٌ من الوحوش والأفاعي، مما يجعل انقطاعه صلى الله عليه وسلم بالغار معجزةً مستقلة تؤكد صدقه صلى الله عليه وسلم وصبره على تلقِّي هذا الأمر العظيم من الوحي والنبوة والتبليغ).

لا يبالغ الحريريُّ في وصف الصعود بالمعجزة، ولعل مَن رأى صورة الجبل أو تابع رحلة صعود أحدهم إليه مرئيًّا قد تعطيه انطباعًا ما، غير أن الأمر يتوقف أولاً على وصف الجبل والغار، ووصف مَن صعِد وروى تجرِبته؛ ولذا فمن المستحسن أن نتعرف على جبل النور ذلك الذي يصل ارتفاعه حوالى 642 مترًا، وهو جبل شاق على من يصعده؛ ذلك لانحداره الشديد عند ارتفاع 380 مترًا، حتى يصل إلى ارتفاع 500 مترًا، ثم يستمر بانحدار 5.25 كم2، ويقع هذا الجبل في الشمال الشرقي لمكة المكرمة، وليس له غير ممر وحيد لارتقائه من ناحية الجنوب الغربي، ويمكن تقسيم صعود الجبل إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى - وهي أصعبها وعورة ومشقة - تبدأ من عند لوحة كبيرة وضعتها هيئة الأمر بالمعروف، وهذه المرحلة صعبة لدرجة أن الذي ينوي صعود الجبل ربما تردد عندها ليقنع نفسه بالتراجع عن قراره بالصعود؛ وذلك لِما سيلاقيه من إرهاق شديد، في الثلث الثاني تبدو الوعورة أخفَّ وأرحم، ومما ييسر المشقة وجودُ صخور مطلية باللون الأبيض، كعلامات لترشد صاعد الجبل بأسهل الطرق التي يجب أن يسلكها، وهي الطرق التي تزخر بالصخور المتقاربة لتكوِّن ما يُشبِه العتبات الحجرية غير المتناسقة، بينما يبدو الثلث الأخير هو الأيسر صعودًا؛ لوجود درجات عشوائية قام بعملها بعضُ المتطوعين ممن سبق لهم الصعود، بُغية الثواب من الله تعالى.

أما عن موقع غار حراء، فهو يقع على يسار قمة جبل النور، وهذه القمة تشبه الطربوش الذي يُلبَس على الرأس، أو كسَنام الجمل، أو كالقبة الملساء، وهي عبارة عن فجوة، بابها باتجاه الشمال، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلاثة أرباع الذراع، يتسع للرجل البدين، ويقف فيه الرجل الفارع، ويتسع لبضعة رجال يصلون ويجلسون، ولكي تصل إلى الغار لا بد من النزول عبر عتبات للمدخل المؤدي إلى الغار، وهذا المدخل عبارة عن صخور كبيرة متراصَّة بعضها فوق بعض، بينها فجوة صغيرة شديدة الضيق بطول نحو ثلاثة أمتار، لا بد من اجتيازها بحذر وبشكل أفعواني يتناسب مع تكوين تلك الصخور الغريبة؛ لأنها مُسنَّنة ومدبَّبة كأنها مزلاج، والعابر منها كأنه مفتاح، ما تلبَثُ أن تمر من هذا المدخل العجيب حتى تستوقفك صخرةٌ أخرى مستوية تكفي لجسد إنسان يتمدَّد عليها، بعدها على يسار الداخل يجد باحة ضيقة، وفوقه يجد سقف الجبل كالأم الحانية يغطي المكان كلَّه حمايةً لمرتاديه من برد الليل وحر النهار، وأيضًا من الأمطار الموسمية، وإذا ما قادَتْك أقدامك عدة خطوات ستفاجئك باحة صغيرة مفتوحة، مساحتها الكلية لا تتجاوز ستة أمتار مكعبة، تستطيع أن تشاهد السماء منها، والأودية على الجانبين الغربي والجنوبي من الجبل.

لا تكاد تسير باتجاه القِبلة حتى تشاهد غار حراء؛ فالداخل للغار يكون متجهًا للكعبة مباشرةً، والغار عبارة عن تجويف صخري صغير داخل حجارة عظيمة رصَّت بعناية إلهية واضحة كالمظلات الشمسية، أيضًا باتجاه القبلة تعلوها فتحتان صغيرتان تجددان هواءه، يأنس الناظر من إحداها برؤية منارات المسجد الحرام وهي شامخة في عَنان السماء؛ وذلك لوجود انحناء بالغار، ويتسع غارنا الحبيب - الذي احتضن الحبيب صلى الله عليه وسلم - لخمسة أشخاص جلوسًا، وارتفاعه قامة متوسطة.

هذا الوصف للغار استقيتُه من فريق من قناة العربية ممن صعدوا وروَوْا تجرِبتهم الوحيدة المضنية الجماعية النهارية التي لم ولن تتكرر، ولقد بذلتُ أيضًا مجهودًا مضنيًا حتى استطعت أن أستخلص هذه المعلومات وأبسطها أمام القارئ حتى لا يختلط عليه الأمرُ بين وصف الجبل وبين وصف مدخل الغار، انتهاءً بوصف الغار، مرورًا بوصف قمة جبل النور، ومن المؤكد أن من قرأ الوصف السابق قد بذل جهدًا مضنيًا في قراءته واستيعابه، إذًا فما بالنا بمن صعِد وحده صلى الله عليه وسلم ومكث فيه شهرًا كاملاً، ثم كررها لعدة أعوام! أي جهدٍ مضنٍ بذَله صلى الله عليه وسلم دون أن يذكره لأصحابه ولا لأزواجه، سواءٌ على سبيل الفخر أو المنِّ أو على سبيل التذكُّر.

وبعد استعراضنا لوصف ومشقة الصعود، سيتجلى إعجازُ الصعود أكثر حين نطالع تجارِب مَن روَوْا ذكرياتهم حول شرف المحاولة، وذلك بالتتبع التاريخي لرحلاتهم من قديم وحتى أيامنا هذه، ليشهد بذلك على امتدادية تلك اللحظة بنفس زخمها وقوتها وإعجازها وتأثيرها في نفوس وقلوب من صعِدوا؛ ولهذا فسنبدأ مع قدامى مَن حاولوا، انتهاءً بآخرِ مَن صعِد.

يقول الشيخ الفقيه والأديب والقاضي السوري علي الطنطاوي[3]، الذي حج حين كان طالبًا يدرس بمصر، وأرسلته الدولةُ المصرية مع بعثة طلابية للحج في النصف الأول من القرن العشرين، وهو آنذاك - رحمه الله - رياضيٌّ فتيٌّ، فيقول واصفًا الجبل والغار ورحلة الصعود المضنية: (كان الجبل بِدْعًا في الجبال، جبلين ركب أحدهما فوق الآخر.. أما الأسفل فجبل عادي، وأما الأعلى فقطعة واحدة من الصخر الأسود الأملس كأنه بيضة كسرت رأسها، ثم أقمتها عليه، أو كأنه قبة مصنوعة (بالإزميل) ذاهبة في السماء ... كنا قد بلغنا القمة بعدما تقطعت أنفاسنا، ونشفت حلوقنا، وبلغت أرواحنا التراقيَ، ونظرنا فإذا نحن كالمعلَّق في السحاب، وإذا الدنيا كلها أسفل منا، وإذا نحن لا كمن هو على ظهر جبل، ففى الجبال ما على ظهره من فلوات فساح، بل كمن على ظهر عمارة سامقة، وإذا ذروة الجبل لا تزيد مساحتها عن مساحة غرفة من الغرف، أما الغار فكان تحتنا في مكان لا يمكن أن يصل إليه إلا من يتدلَّى ثم يمر من شق في الجبل حتى يبلغ فرجة في الصخر، كأنها وَكْرُ نَسْرٍ، ما أحسب طولها يعدو المترين، ولا يبلغ عرضها المتر، وكان هذا غار حراء ... فقلت في نفسي: إننا لم نصل إلى القمة ونحن جماعة، ونحن نصعد على درج منحوتة، حتى أشرفنا على الموت، فكيف كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم يصعد وحده، وكيف عرف مكان هذا الغار، إلا أن يكون قد ارتاد هذه الجبال كلها وبلغ أعاليَها، وكيف كان يقيم وحده اللياليَ ذواتِ العدد، وما حوله إلا هذه الجبال السُّود، وهذه الوحشة الصامتة الراعبة؟ ونظرتُ فإذا كل شيء من حولي صامتٌ صمتَ الرهبة، ساكن سكونَ الجلال لا نأمة ولا حس ولا حركة، ولا شيء يشغَلُ الإنسان عن التفكير في السماء، والكعبة تبدو من بعيدٍ وسط هذا الإطار الصخري، فمن كان في الغار كأنه في الدنيا وما هو في الدنيا، يرى الكعبة وحدها فيتصل منها بكل ما هو سماوي طاهر، ويخفى عليه كل شيء غيرها، فينفصل عن كلِّ ما هو أرضي ملوث).

ونلتقي مع وصف أدبي ماتع حديث نسبيًّا، كتبه الأديب والشاعر الشيخ إبراهيم الحمدو العمر، عندما حج وأقام بمكة بالقرب من جبل النور، وذلك في أخريات عام 2009 ميلادية، تحت عنوان: "رحلة إلى غار حراء"، وقد سجل خواطر صعوده لجبل النور فجرًا مخافة الحرِّ، ظنًّا منه بأنه سيكون من السابقين، فيتفاجأ بالكثرة الكاثرة التي سبقته من الرجال والنساء على اختلاف الأعمار والجنسيات والألوان.. الكل يتتبعون خطاه صلى الله عليه وسلم، ويترصَّدون الأماكن التي مشى فيها، لكي يمشوا عليها، ولا تجد فيهم إلامتأمِّلاً متفكِّرًا معتبرًا، فأيُّ عظمة لهذا الدين؟ بل أيُّ سلطان لك يا رسول الله على قلوبأتباعك ومحبيك صلوات الله عليك وتسليماته؟! هكذا حدَّث نفسه.

سأنقل خواطر الشيخ إبراهيم العمر التي كتبها على غير ترتيب، بأسلوب قشيب، بتصرف غير مخلٍّ؛ لضيق المساحة، فيقول: (في نهاية الجبل وأنت تقصد الغار قمة وعرة جدًّا، وصعبة، وطريقها مخيف، والجبل مطلٌّ على الكعبة المشرفة، وقد رأيت منه منائر الحرم، والجبل في طبيعته على قسمين، كأنك منه في جبلين؛ فالقسم الأول قاعدة عريضة تعلوها قمة كالقلعة المستقرة على هذه القاعدة المتينة، أو قل: هي جبل صغير موضوع بإحكام فوق جبل كبير، وإن هذه القمة لتختلف حتى في طبيعة تكوينها اختلافًا لا يُخطِئه الناظر؛ فهي تكاد تكون مربَّعةً في شكلها لو نظرت إليها من بعيد، وهي تبدو للرائي كأنها صخرةٌ واحدة كبيرة، وبينما طريق الجبل الأسفل عريض يتسع لخمسة أو ستة أشخاص وفيه شيء قليل من سلاسة الصعود عليه وله من الطَّرَف الآخَر طريق آخر أيضًا، تجد طريق القمة ضيقًاجدًّا، يضيق في معظمه عن شخصين، وعر جدًّا، يكاد المتسلق عليه يفقد توازنه، وكثيرون هم الذين يحبون فيه حبوًا، خصوصًا من النساء وكبار السن، أو من يعتمد على عصًا، وليس لهذه القمة إلا هذا الطريقُ الضيق، فيدور معه الصاعد حيثما دار، والجميل في هذا الطريق الوعر أن سيل الصاعدين والنازلين الذي لا ينقطع لا يؤذي بعضهم بعضًا، ولقد قلت في نفسي: إن هؤلاء الذين يصعدون جبل النور على كثرتهم وضيق المكان بهم مع هذا اللُّطف والاحترام هم غيرُ أولئك الذين تراهم يزاحمون ويتدافعون عند البيت وفي الطواف وعلى الحجَر، وكأن رُوح الجبل برسوخه وسر الوحي سرَى في الصاعدين إلى هذا الجبل الوَقُور، وأنت في طول رحلتك الشاقةهذه على سماع مستمر لذِكر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبلُغَات مختلفة؛ من تركي، وباتان، وعربي، وغيرها، وقد كانت إقامتي قريبةً من جبل النور، وهذا من فضل الله ومنَّته، فكنت أتأمله كثيرًا ومرات عديدة في اليوم، فيخيل لي أن لقِمَّتَه هذه التي أتكلم عنها من الإشراق ما لا أرى للجزء الآخر منه، وهو قاعدته، وكأن هذه القمَّة صِيغت صياغة أخرى في تكوينها؛ فهي قمة منيعة كأنها وقنة نَسْر [الوقنة: محضن الطائر في الجبل]، أو مرصد قائد، أو نجعة المتأمل الذي يرمق الأُفق البعيد بنافذ بصره، أو هي محراب المتعبدالمتبتِّل الخاشع، الذي هجَر الدنيا وأهلَها، وهُرِع إلى ربِّه يناجيه ويأنَسُ به، ويُطلِق رُوحه الوثاب ليعانق إشراقات النور الباهر أو .... أو هي قمة جبل النور التي اختارها الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه مكانًا يعبُدُ فيه ربَّه بعيدًا عن أصنام قريشٍ وخرافاتها وضوضائها، وهي المكان الذي كان ملتقَى أول إشعاعات الوحي الإلهي على قلبِ الحبيب المصطفى صلوات الله عليه، لتكون هذه الرسالة قمةً بين الرسالات كقمَّة هذا الجبل، وعرة على من يريدها بسُوءٍ كوعورته، عصيَّة على مَن يكيد لها.

يتسلق إليها المسلمون على اختلاف أجناسهم بدون انقطاع بسيل هدار يملأ الدنيا بهدوء وحكمة ورويَّة، كهدوئهم في صعود هذا الجبل الأبيِّ، ولقد تأملت في هذا الجبل وفي الجبال التي مِن حوله مراتومرات، فما وجدته إلا كما وصفت لك من مَنَعَتِه وإحكامه، وما وجدت بين الجبال الكثيرة من حوله ما يشبهه، وأظن أن من يقرأ وصفي له سوف يهديه نظره إليه بمجرد أن يراه دون أن يسأل أحدًا عنه.. وبالطبع إذا ما كان قريبًا منه وقارن بروية بين هذه الجبال الكثيرة وأسلوب تكوينها، ولو وصف لي كما أصفه لك الآن لما بقيت أيامًا بجانبه وأنا لا أعرفه، واختيار هذا المكان من النبي صلى الله عليه وسلم ليس اختيارًا عاديًّا؛ فإنك لن تجد في جبال مكة كلها ما يساويه، من حيث إنه يفتح باب التأمل، يطل على بيت الله، ويتصل منه بشعاع لا ينقطع، وينأى عن خرافات أهل مكة، وهمج قاطنيها، ويغتسل كل لحظة بالغمام الطَّهور، وتصافحه مواكب النسيم، وتقبِّله قطرات الندى، ولولا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فوق العبقرية وأجلُّ، لقلت: إنه اختيار عبقري، ففيه كل ما يطلبه ذو اللب من صفاء ذهن، وفتح لآفاق الفكر.. وانطلاقه في فسح تلك الأودية عبر تلك الصخور، على قمم تلك الجبال، خلال ظلمات تلك الكهوف، خلف مرامي تلك الخيالات، في طهر ذلك الغمام الذي يغمرك وأنت تصعد ذلك الجبل، معانقًا أشعة الشمس أول ما يبدو حاجبها الفتَّان من خلف الغار، وآهٍ من ذلك الشعاع، ما أجمله وما أروعه! شعاعها على جبل النور له ضياء من النور آخر.. وبريق من الجمال مختلف جدًّا.

ترى كيف يرى عشاق الحبيب المصطفى صلوات الله عليه شعاع الشمس وضوء القمر على هذا الجبل الحبيب؟ بل قل: ماذا يكشف لهم من الأسرار في تلك الصخور العاشقة التي احتضنت بين جنباتها أشرف نسَمة من بني الإنسان، ورأت أمين الوحي يسلم الحبيب المصطفى صلوات الله عليه بريدَ خاتمة الرسالات السماوية من رب العزة جل جلاله في هذا المقام، ثم يلقاه بين الفينة والأخرى يبلغه أوامر مليكه العزيز؟ ويا ترى ماذا حصل لتلك الحجارة العاشقة حينما خفق عليها بجناحيه جبريلُ عليه السلام أول مرة، وهي التي طال عهدها بمثل ذلك النور الملائكي المضمخ بعبق العرش والكرسي وظلال الجنة وأنفاس الأملاك العلوية؟

في أعلى هذا الجبل العاشق غار حراء، أول بقعة أشرق بينجنباتها نور الله، وأول من احتضن سر النبوة، وأول من سمع مناجاة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: (اقرأ)، فيقول الحبيب صلوات الله عليه: ((ما أنا بقارئٍ))، والغار مكان لا يليق به إلا التعبُّد والتفكُّر، صغير يتسع لأشخاص معدودين فقط، في قُنَّة الجبل (القُنَّة بالضم أعلى الجبل)، يترك الجبال من خلفه ويمنحها ظهره، ويواجه الوادي الفسيح الذي يتصل بمكة فيظهر منه بيت الله، والقاعد فيه يُطِلُّ على الكعبة من علٍ، والكعبة بيت الله تواجهه بهيبتها وأسرارها وأنوارها، وملائكتها المتنزلة، يزينها يمين الله الحجر الأسود، ياقوتة الجنة، ودرة الأرض، ومغناطيس المحبين العاشقين الذي يجذبهم بسلاسل النور وسرِّ الحب، فلا يفلت منهم أحد، غار خلق للتأمُّل، وخص بـ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وأبَى أن يؤوي إليه من النُّسَّاك إلا أشرف الخَلق صلوات الله عليه، فكيف كان صلوات الله عليه يصعد هذا المرتقى وحده وهو البعيد البعيد عن أمِّ القرى للسائر على رجليه؟ وكيف كانت إقامته في ذلك الغار؟ وكيف كان اتصاله بخالقه جل جلاله؟ وكيف كانت تلك السيدة التي جاوزت الخمسين من عمرها تتجشَّمُ عوائق الصخور الحادة وعَنَت الصحراء، وأهوال الفضاء الرحيب لتسير حاملة الطعام لحبيبها صلوات الله عليه؟ وأي إخلاص هذا وهي السيدة الشريفة ذات العز والجاه والمال والشَّرف الرفيع والمكانة في قومها وعشيرتها، فأية زوجة كانت؟ وأية رابطة محكَمة أوثقت عرى ذينك القلبينِ الشريفين حتى كانت تتحمَّلْ معه مثل هذه الحياة التي لم يألَفْها أهل مكة، فكانت تساعده وتقف معه وتسانده وتريش فؤاده بعطفها وحنانها؟ وأي زوج ذلك الذي امتلك لبَّ تلك الشخصية الكبيرة من أشرف نساء قريش والعرب قاطبة، وأسرها؟.. هنا يُحجِم القلم وتعجم التخرُّصات وتكذِب الظنون، وهنا يكفينا قولُه صلوات الله عليه: ((ما أبدلني اللهُ خيرًا منها؛ قد آمنت بي إذ كفَر بي الناس، وصدَّقَتْني إذ كذَّبني الناس، وواسَتْني بمالها إذ حرَمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء)).

وكان صالح بن حسين المحضار[4] من الذين صعِدوا الجبل، والذي يصف رحلة الصعود للغار، فيقول:
(إذا ما نظرت إلى الأسفل.. فقد قطعت شوطًا لا بأس به.. بل هو طويل.. وإذا ما نظرت أمامك ابتعت بطاقة بريدية تقدم لك الغار على طبق من ورق.. فإذا ما نظرت إلى الأعلى شاهدت خيوطًا رفيعة من البشر.. الذين يتشاركون في الرحلة معك إلى غار حراء، أحدهم قال وهو يجيب على سؤال لي: الطريق طويلة.. لكن رفيقة دربه قالت: بل الطريق مطوية.. وصعِدنا لا نلوي على شيء، فإذا ما اشتدَّت أنفاسنا علينا.. توقَّفنا.. وتوقف معنا آخرون.. الصاعد كان أكثر لهفةً على معرفة شيء.. أي شيء.. فقد كان ينظر إلى نوق، والنازل كان يتقي بيده حرارةَ السماء.. ثم ينظر إلى مكة.. كان النظر إلى الوراء باعثًا على الإحساس بالرهبة.. واصلنا السير حثيثين إلى قمة الجبل.. الحقيقة أنه لم يعُدْ سيرًا، بل كان تسلُّقًا للرُّوح يشبه تسلق قمة إيفرست دون اللجوء إلى عِصِي أو حبال.. ثم ما لبثت أن انتصف الجبل - أو هكذا خيل إلينا - فيما أخذت القمة شكلاً يصعب الولوج منه، بَيْدَ أن النساء كن أكثر قدرة على دفع أنفسِهن من الرجال الذين كانوا يستغلون فرصة التوقف ليسمع الصاعد من النازل كلامًا يدفع به إلى أعلى.. وهناك مسافرون يستريحون كلما جثا بهم التعب ليجدون عريشًا من ظل لا يملِكه أحد.. والمشهد كان مكة البيضاء.. تخيلتها لوهلة: أكوامًا من اللؤلؤ.. هل أتجاوز حين أطلق عليه (بانوراما)، ولولا أن سبقني أحدهم إلى قول مثله لقلت: (إن الناس قد انقسموا إلى قسمين)، أولئك الذين شاهدوا من هنا مكة، وأولئك الذين لم يشاهدوها.. تسمع صلوات على النبيِّ فيما يتردد كثيرًا اسمه (محمد) فتصلي على النبي، ولما تسمع اسمًا كجبريل عليه السلام وهو المأمور بعدم إخافته صلى الله عليه وآله وسلم فيقول له: (اقرأ)، ((ما أنا بقارئ)) فيقول له: (اقرأ)، ((ما أنا بقارئ))، فيقول له: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 1 - 4].

إن أكثر ما يقرُّ في قلب وعقل كل من يطالع رحلة الصعود والانقطاع في غار حراء ويشهد بكونها تشكل معجزة بشرية للنبيِّ صلى الله عليه وسلم هو ما توقَّف عنده أكثرُ العلماء والمفكرين بالدهشة والحيرة والاستغراب:
 كيف لرجل ثري أن يترك المدينة المتوهجة بنورها وناسها ثم يختار - بمحض إرادته - مكانًا ليس فيه ما يغري أي إنسان في أي عصر بالذَّهاب إليه، ويبعد عن داره حوالي أربعة كيلو مترات ليصعد طريقًا شاقًّا يحتاج تقريبًا لثلاث ساعات، ثم يجلس وحده في غار قابع في قمة جبلٍ موحِش ومظلم؟!

والاستغراب الذي يثير التساؤل: ما وجهُ الاضطرار لهذا الصنيع مع كونه لا يمثل للرسول صلى الله عليه وسلم - آنذاك - أية شَعيرة دِينية حتى يمتثل لها طائعًا؟!

 لماذا الحرص على تكرار الصعود والانقطاع والدوام عليه؟! أي إنه لم يكن فكرة طارئة قام بها الرسولُ صلى الله عليه وسلم ليُشبِعَ في نفسه رغبة ما، ثم تولَّى عنها.

أذكر حين كنت أشرح تلك المعجزة في مدينة سياحية تغص برجال الأمن، وتحوطها الجبال أن أشرتُ إلى تلك الجبال غير القريبة والمظلمة، فقلت لمن أحاضر فيهم:
 هل يستطيع أن يتحرك أحدكم بدون سيارة لأي جبل يختاره، فيقصده صاعدًا ثم يبقى فيه وحيدًا منقطعًا عن الناس؟!

ولم أنتظر الإجابة؛ فقد أتت بإقرارِهم في كون صعود الرسول صلى الله عليه وسلم وانقطاعه في الغار إعجازًا.

لقد زرت جبل النور بسيارة مكيفة في وضَح النهار، والعمران والأمن يحيطان بالمكان، ولم أصعده رغم شغفي وشوقي؛ لعِلمي ببدعيَّة الصعود، وعدمِ مشروعية تلك الزيارة، وأيضًا لعدم القدرة على امتطاء صهوة جبل صعب القِياد.

إن نظرة طويلة فاحصة من أسفل الجبل صعودًا إلى منتهاه، تجعل اللسان ينطق رغمًا عنه مشدوهًا: حقًّا .. إنها لمعجزة!


[1] دكتورة عائشة عبدالرحمن: مع المصطفى في عصر المبعث ص 15.
[2] مجلة الجندي المسلم، عدد (122) بتاريخ 1/1/2006.
[3] علي الطنطاوي: من نفحات الحرم ص 20-21.
[4] مقال: "غنيت مكة"، مجلة الجزيرة، العدد (142) محرم 1427هـ.










الأحد، 15 يونيو 2014

سياحة في مأثورات د.حسن كامل...


        

        الدكتور محمد محمد حسن كامل كاتب ومفكر مصري الجنسية، سكندري المولد، فرنسي الإقامة، عربي الثقافة، مؤسس ورئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، رئيس جمعية تحيا إفريقيا بفرنسا، سفير سلام في فيدرالية السلام العالمي التابعة للأمم المتحدة، محرر ومدقق في الموسوعة العلمية العالمية"ويكيبيديا"، دكتوراه الفكر الإسلامي المعاصر.

لهذا فقد اصطبع إبداعه بالصبغة
الإسلامية التي تبدت في تعامله المبتكر والفريد مع كتاب الله الحكيم، فكان  المؤسس لعلم النسبة
الذهبية في النصوص القرآنية، ومكتشف المكعب الزمانكاني، وأول من استخدم حساب
المثلثات في تفسير القرآن الكريم، كما كان أول من برهن على حقيقة الرقم الذهبي في القرآن
الكريم، بعد أن كان مجرد ملاحظات تطبيقية.

        وجاء انحيازه الفريد للغته العربية وآدابها،
وهو القابع الغارق في قلب باريس معقل الكاثوليكية دينًا وتراثًا، التي لم تبهره أو
تجرفه إلى ثقافتها، فتنكر كما تنكر غيره لحضارته وانقلب عليها فعدد المثالب وسدد
السهام لقلبها ليكسب رضا الحداثيين أو المستشرقين.

         ورغم تعدد عوالم إبداعه فسأقصر الحديث على
بعضٍ من أقواله المأثورة الكثيرة والعميقة التي سألقي بعض الأضواء حولها، وذلك في
محاولة لاستكناه أفكاره الكامنة والمبثوثة في ثناياها بغية التعرف على هذا المزيج
الشرقي/الغربي المتفاعل والذي اصطبغ به نسيجه الفكري.
       من
أقوال الدكتور كامل الشهيرة: (الكتابة كالمرأة
العارية لايسترها إلا ثوب البلاغة والحقيقة)
.. وهو تعبير يأتي في مفرداته
غريب جديد؛ فالكتابة هيَّ رحلة الإنسان المحفوظة في ذاكرة الزمان، والإبداع
العبقري الذي ساهم في بناء الحضارات والمدنيات والثقافات.. والمرأة العارية يسترها
الثوب الرديء والثوب القشيب، والثوب المودرن والثوب التقليدي، والثوب الغالي
والثوب الرخيص وفي كلٍ سترٌ لها وصونٌ وعفاف..وتماس التشبيه بين الكتابة وبين
المرأة في عريها المقصود الباطني منه هو التجريد أي أن الكلمة تصبح مجردة بعيدة عن
فحواها ومرادها ومعناها.. والفارق بين الكلام هو مانسميه (لغو) على الثرثرة
والهراء والحكي الذي لا طائل من وراءه.. وبين (الحكمة) وتلك التي تتناقلها الأجيال
عبر الشفاهية أو التدوين في سجلات الكتب التي تحفظ عناوينها عقول العلماء ..
فالكتابة أي الكلمة المكتوبة إذا أريد لها السِتر فلابد أن تكون مزدانة بالثوب
القشيب الغالي والجيد والمُحاك بعناية.. وتلك هي البلاغة من البيان والبديع، وقد
يكون فيه كل هذا أو يبدو فيه هذا ولكنه تقليد أي كاذب، فتصير الكتابة مجرد كلامٌ
جميل وخواء لا فكر فيه، ولا يعبر عن حقيقة، ولذا فلابد للكتابة المجردة إذا ما
أريد لها الحياة والديمومة أن تتحلى بالاثنين معًا: البلاغة، وهيًّ فن الصنعة
الفارق بين الأديب والعامي، والحقيقة وهيَّ الصدق في التبليغ، ومقصود الكاتب
بتتميم المعنى وإلا فما فائدة التصنيف والتأليف؟!
      ومن مأثورات الدكتور حسن كامل والتي لاتقل
روعة عما سبق، قوله: (المعرفة مثل البورصة في صعود وهبوط).. ومكمن الروعة في هذا
التشبيه أنه يمكن أن نقيس المعرفة الثمينة في بورصة الأوراق المالية التي لا
تكافئها أو تضاهيها ولكنه هكذا عالم البشر يهتم بالأقل والمستهلك والمتحول.

       والمعرفة تقاس بالصعود والهبوط، وكذلك بالكم
والكيف، والتنوع والتوحد، والإقبال والإدبار؛ فقد تقبل الشهية في نهم على قراءة
القصة والرواية والمسرح، ثم يتحول الإقبال إدبارًا نحو القراءة في النقد، وقد تجرف
الفلسفة البعض في بحرها، وقد يخلب قراءة الفقه بعض ذوي الفهوم، أو يسحر عالم
التصوف والمتصوفة من يبحثون عن الخلوة والجلوة، أو يسرق الشعر قريحة الشاعر، وقلب
المتلقي الهاوي.  

      والكم
والكيف يتناوبان، من حيث قراءة الفكر بشكل رأسي أحيانًا فيما يشبه التخصص لحصر كل
مداخله ومخارجه لخلق فرصة إبداعية للخوض فيه، وهنا ينتحي الكم جانبًا فليس هو
المهم، أو جمع حصيلة معرفية من شتى الأبواب والمسالك، فيتصدر الكم المشهد، أو
يأتيان معًا حين يستصحبهما المفكر الموسوغي المتخصص.

    وصعود المعرفة
وهبوطها .. غالبًا ما يأتي متسقًا مع الإقبال والإدبار.. وكثيرًا ما تشغل أحداث
الحياة المثقف والقاريء والباحث، فيتأرجح رصيده في بورصة المعرفة بين صعودٍ بحسب
الفراغ، وهبوطٍ بحسب الانشغال، لكن دومًا هناك رصيد يقل أو يكثر، وهذا هو الجميل
في بورصة المعرفة التي لايخرج المتعامل منها أو معها خاسرًا أبدًا بخلاف بورصة
الأوراق المالية. 

 في قولين يحملان دلالة
بالغة رأيت أن هناك رابط كبير يجمعهما، وهو رابط الحب والوصال الذي يجلب الاتصال
فتكون ثمرته ابنًا شرعيًا، لأن العلاقة بين مكوناته من القراءة والفكر والإبداع
والمعرفة ــ سواء كانت مدخلات أو مخرجات ــ علاقة شرعية حلال، يجب أن يستظل
الانسان الواعي بظلها الوريف والمثمر،فيقول الدكتور كامل قوله الأول: (الحب هو
الابن الشرعي للمعرفة)، والثاني: (القراءة طاقة الإتصال والوصال بين الفكر والإبداع).

    والمعرفة غير
التعليم؛ فقد يتعلم المرء ما لا يحب ولكنه مجبرٌ عليه حتى لو خالف الجبلة والميل،
وقد ينجح فيه، وهو ما يوهم التناقض.. والمعرفة تستلزم الحب "ومن ذاق
عرف".. والحب هو الابن الشرعي للمعرفة، لأنه لو لم يكن شرعيًا لكان حبًا
مصطنعًا لايثمر، والحب يتولد من المعرفة فكان نتيجة، وهذا ما يلائم الباحث عن الحق
بتجرد، بينما في القول الأخير جاء الفكر والإبداع نتيجتان والقراءة مقدمة لهما
وهيً ما تناسب كل محب للعلم على وجه العموم، وتلزم المبدع الخلاق بوجهٍ خاص.

وأختم
بمقولة لم تكن تغيب عن أهل الحصافة والرجل منهم، إذ أتى بكلمتي "الفكر
والكفر" وأعمل فيهما تفكيره، ليستخرج منهما معانٍ غير مألوفة، فلم يغريه
منهما هو تباديل الحروف، ولم يجعل احداهما مقدمة والأخرى نتيجة، بل قدمهما على
أنهما نقيضان، وساق الحُجةَ فيما ذهب إليه، ومنعه بحثه في جماليات كلمة
"الكفر" أن يستجلب المطروق منها، بل ذهب إلى الوجه الذي جاء في الآية
العشرين من سورة الحديد: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ
أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾.. وهو الكفر
بمعنى السّتْر وهو الغالب والشائع في اللغة العربية، ولذلك جاء الوصف للزارع
بالكافر وليس اسمًا له، لأنه إنما يُلقي البذرة في الأرض ويغطيها أو يسترها فلا
يظهر منها شيء..

  قدمت الشرح على المقولة حتى نستجلي بلاغتها عند
تذوقها حين نسوقها، فيتمكن المعنى من الَلُب والقلب، وأما المقولة فهيَ:
)الفكر والكفر، يتكونان من نفس الحروف ولكنهما
النقيضان؛ فالفكر هو البحث عن الحقيقة، أما الكفر فهو سترها).

   ولو أطلقت العنان للقلم لاستقصاء مأثورات
الدكتور محمد حسن كامل لاستلزم أن يكون كتابًا قائمًا بذاته، وحسبي أني أرشدت إلى
أقواله القاصي، وجليت معانيها للمحب الداني، على قدر طاقتي وعلمي.


سياحة في مأثورات د.حسن كامل...


        

        الدكتور محمد محمد حسن كامل كاتب ومفكر مصري الجنسية، سكندري المولد، فرنسي الإقامة، عربي الثقافة، مؤسس ورئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، رئيس جمعية تحيا إفريقيا بفرنسا، سفير سلام في فيدرالية السلام العالمي التابعة للأمم المتحدة، محرر ومدقق في الموسوعة العلمية العالمية"ويكيبيديا"، دكتوراه الفكر الإسلامي المعاصر.

لهذا فقد اصطبع إبداعه بالصبغة
الإسلامية التي تبدت في تعامله المبتكر والفريد مع كتاب الله الحكيم، فكان  المؤسس لعلم النسبة
الذهبية في النصوص القرآنية، ومكتشف المكعب الزمانكاني، وأول من استخدم حساب
المثلثات في تفسير القرآن الكريم، كما كان أول من برهن على حقيقة الرقم الذهبي في القرآن
الكريم، بعد أن كان مجرد ملاحظات تطبيقية.

        وجاء انحيازه الفريد للغته العربية وآدابها،
وهو القابع الغارق في قلب باريس معقل الكاثوليكية دينًا وتراثًا، التي لم تبهره أو
تجرفه إلى ثقافتها، فتنكر كما تنكر غيره لحضارته وانقلب عليها فعدد المثالب وسدد
السهام لقلبها ليكسب رضا الحداثيين أو المستشرقين.

         ورغم تعدد عوالم إبداعه فسأقصر الحديث على
بعضٍ من أقواله المأثورة الكثيرة والعميقة التي سألقي بعض الأضواء حولها، وذلك في
محاولة لاستكناه أفكاره الكامنة والمبثوثة في ثناياها بغية التعرف على هذا المزيج
الشرقي/الغربي المتفاعل والذي اصطبغ به نسيجه الفكري.
       من
أقوال الدكتور كامل الشهيرة: (الكتابة كالمرأة
العارية لايسترها إلا ثوب البلاغة والحقيقة)
.. وهو تعبير يأتي في مفرداته
غريب جديد؛ فالكتابة هيَّ رحلة الإنسان المحفوظة في ذاكرة الزمان، والإبداع
العبقري الذي ساهم في بناء الحضارات والمدنيات والثقافات.. والمرأة العارية يسترها
الثوب الرديء والثوب القشيب، والثوب المودرن والثوب التقليدي، والثوب الغالي
والثوب الرخيص وفي كلٍ سترٌ لها وصونٌ وعفاف..وتماس التشبيه بين الكتابة وبين
المرأة في عريها المقصود الباطني منه هو التجريد أي أن الكلمة تصبح مجردة بعيدة عن
فحواها ومرادها ومعناها.. والفارق بين الكلام هو مانسميه (لغو) على الثرثرة
والهراء والحكي الذي لا طائل من وراءه.. وبين (الحكمة) وتلك التي تتناقلها الأجيال
عبر الشفاهية أو التدوين في سجلات الكتب التي تحفظ عناوينها عقول العلماء ..
فالكتابة أي الكلمة المكتوبة إذا أريد لها السِتر فلابد أن تكون مزدانة بالثوب
القشيب الغالي والجيد والمُحاك بعناية.. وتلك هي البلاغة من البيان والبديع، وقد
يكون فيه كل هذا أو يبدو فيه هذا ولكنه تقليد أي كاذب، فتصير الكتابة مجرد كلامٌ
جميل وخواء لا فكر فيه، ولا يعبر عن حقيقة، ولذا فلابد للكتابة المجردة إذا ما
أريد لها الحياة والديمومة أن تتحلى بالاثنين معًا: البلاغة، وهيًّ فن الصنعة
الفارق بين الأديب والعامي، والحقيقة وهيَّ الصدق في التبليغ، ومقصود الكاتب
بتتميم المعنى وإلا فما فائدة التصنيف والتأليف؟!
      ومن مأثورات الدكتور حسن كامل والتي لاتقل
روعة عما سبق، قوله: (المعرفة مثل البورصة في صعود وهبوط).. ومكمن الروعة في هذا
التشبيه أنه يمكن أن نقيس المعرفة الثمينة في بورصة الأوراق المالية التي لا
تكافئها أو تضاهيها ولكنه هكذا عالم البشر يهتم بالأقل والمستهلك والمتحول.

       والمعرفة تقاس بالصعود والهبوط، وكذلك بالكم
والكيف، والتنوع والتوحد، والإقبال والإدبار؛ فقد تقبل الشهية في نهم على قراءة
القصة والرواية والمسرح، ثم يتحول الإقبال إدبارًا نحو القراءة في النقد، وقد تجرف
الفلسفة البعض في بحرها، وقد يخلب قراءة الفقه بعض ذوي الفهوم، أو يسحر عالم
التصوف والمتصوفة من يبحثون عن الخلوة والجلوة، أو يسرق الشعر قريحة الشاعر، وقلب
المتلقي الهاوي.  

      والكم
والكيف يتناوبان، من حيث قراءة الفكر بشكل رأسي أحيانًا فيما يشبه التخصص لحصر كل
مداخله ومخارجه لخلق فرصة إبداعية للخوض فيه، وهنا ينتحي الكم جانبًا فليس هو
المهم، أو جمع حصيلة معرفية من شتى الأبواب والمسالك، فيتصدر الكم المشهد، أو
يأتيان معًا حين يستصحبهما المفكر الموسوغي المتخصص.

    وصعود المعرفة
وهبوطها .. غالبًا ما يأتي متسقًا مع الإقبال والإدبار.. وكثيرًا ما تشغل أحداث
الحياة المثقف والقاريء والباحث، فيتأرجح رصيده في بورصة المعرفة بين صعودٍ بحسب
الفراغ، وهبوطٍ بحسب الانشغال، لكن دومًا هناك رصيد يقل أو يكثر، وهذا هو الجميل
في بورصة المعرفة التي لايخرج المتعامل منها أو معها خاسرًا أبدًا بخلاف بورصة
الأوراق المالية. 

 في قولين يحملان دلالة
بالغة رأيت أن هناك رابط كبير يجمعهما، وهو رابط الحب والوصال الذي يجلب الاتصال
فتكون ثمرته ابنًا شرعيًا، لأن العلاقة بين مكوناته من القراءة والفكر والإبداع
والمعرفة ــ سواء كانت مدخلات أو مخرجات ــ علاقة شرعية حلال، يجب أن يستظل
الانسان الواعي بظلها الوريف والمثمر،فيقول الدكتور كامل قوله الأول: (الحب هو
الابن الشرعي للمعرفة)، والثاني: (القراءة طاقة الإتصال والوصال بين الفكر والإبداع).

    والمعرفة غير
التعليم؛ فقد يتعلم المرء ما لا يحب ولكنه مجبرٌ عليه حتى لو خالف الجبلة والميل،
وقد ينجح فيه، وهو ما يوهم التناقض.. والمعرفة تستلزم الحب "ومن ذاق
عرف".. والحب هو الابن الشرعي للمعرفة، لأنه لو لم يكن شرعيًا لكان حبًا
مصطنعًا لايثمر، والحب يتولد من المعرفة فكان نتيجة، وهذا ما يلائم الباحث عن الحق
بتجرد، بينما في القول الأخير جاء الفكر والإبداع نتيجتان والقراءة مقدمة لهما
وهيً ما تناسب كل محب للعلم على وجه العموم، وتلزم المبدع الخلاق بوجهٍ خاص.

وأختم
بمقولة لم تكن تغيب عن أهل الحصافة والرجل منهم، إذ أتى بكلمتي "الفكر
والكفر" وأعمل فيهما تفكيره، ليستخرج منهما معانٍ غير مألوفة، فلم يغريه
منهما هو تباديل الحروف، ولم يجعل احداهما مقدمة والأخرى نتيجة، بل قدمهما على
أنهما نقيضان، وساق الحُجةَ فيما ذهب إليه، ومنعه بحثه في جماليات كلمة
"الكفر" أن يستجلب المطروق منها، بل ذهب إلى الوجه الذي جاء في الآية
العشرين من سورة الحديد: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ
أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾.. وهو الكفر
بمعنى السّتْر وهو الغالب والشائع في اللغة العربية، ولذلك جاء الوصف للزارع
بالكافر وليس اسمًا له، لأنه إنما يُلقي البذرة في الأرض ويغطيها أو يسترها فلا
يظهر منها شيء..

  قدمت الشرح على المقولة حتى نستجلي بلاغتها عند
تذوقها حين نسوقها، فيتمكن المعنى من الَلُب والقلب، وأما المقولة فهيَ:
)الفكر والكفر، يتكونان من نفس الحروف ولكنهما
النقيضان؛ فالفكر هو البحث عن الحقيقة، أما الكفر فهو سترها).

   ولو أطلقت العنان للقلم لاستقصاء مأثورات
الدكتور محمد حسن كامل لاستلزم أن يكون كتابًا قائمًا بذاته، وحسبي أني أرشدت إلى
أقواله القاصي، وجليت معانيها للمحب الداني، على قدر طاقتي وعلمي.




 






















































الإعلام المصري بين الحياد والاستبداد

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون





لكي تحكمنا الموضوعية والنزاهة التي نفتقدها كثيرًا، لم أتناول الإعلام على إطلاقه ولكنني حصرت الرؤية في الإعلام المصري فقط، وسأزيد الأمر تيسيرًا وعلمية بأن أخص الإعلام "المرئي" وحده دون الإذاعة والصحافة بما أريده، ومن البداهة أن الفترة التي سأتناولها لاتشمل بالطبع الحقبة الناصرية؛ إذ فيها دخل المذياع المرئي "التليفزيون" إلى بيوتنا، وبالتالي لايصح استهدافها، فلم تكن ثقافة الشعب تعرف معنى الحيادية أو مدلولها مع تلك الفرحة الغامرة باستقبال هذا الاختراع العجيب، كما لمتكن شخصية "ناصر" الزعيم الأوحد تسمح بانتقاده، حبًا أو خوفًا، بل ربما كان الانحياز وقتها وطنية.


بدأ الشعب المصري يلاحظ الانحياز وغياب الحيادية، منذ الحقبة الساداتية، سواء كان هذا موكولاً إلى علمهم أو حبهم للراحل عبد الناصر، أو بتحريض من الناصريين أنفسهم؛ إذ غابت فجأة أو بالتدريج صور الزعيم، وخطب الزعيم، والأغاني عن الزعيم، لتطفو على السطح نغمة الانتقاد المرير لسياساته التي جلبت على مصر الحروب والتهجير والخراب، والمعتقلات، ولم توجه لناصري أو مناصر للفكر الناصري دعوة ما أو حتى الاقتراب من استوديوهات ماسبيرو، ليبلغ الإقصاء مداه بعد نصر أكتوبر المجيد الذي ساهم في إهالة التراب فوق صفحات تاريخ الهزائم والنكسات.

استحدث عهد مبارك في الثلثين الباقيين من مدته تطعيم القنوات الرسمية والخاصة بشخصيات من أهل الصحافة الذين صنعهم على عينه، وكانوا أدوات في مشهد المعارضة المصطنع ضده، ولما صدقهم الشعب أفسحوا لهم برامج تكمل بقية المنظومة، ولكن مع أول بشائر الرحيل عن كرسي الرئاسة، انقلبت الخلايا المباركية النائمة عليه، بل هتفوا للثورة وأيدوها بالتخييم والإقامة في ميدان التحرير.

منذ ذلك العهد وحتي يومنا المختوم برئاسة الرئيس السيسي مرورًا بالمجلس العسكري ومرسي وعدلي والشعب يعاني من الاحتلال البغيض الرابض فوق الشاشات والجاثم فوق العيون، وغازي الآذان، من تلك القلة البغيضة التي نحرت الحيادية وهيَ قيمة إعلامية مهنية، فلم تسمح أبدًا ــ سواء طلب منها هذا أم لا ــ بعرض وجهة النظر الأخرى، أو احترامها، أو احترام من يتبناها، وكان غاية ما يطلبه المذيع من الضيف أنه سيعرض وجهة نظر الطرف الغائب التي تعارضه.

بعدما اطمأن كل مذيع إلى تجذره في مكانه، والأوضاع تسير من حسنٍ إلى أحسن لصالحه، انقلب متحيزًا لأفكاره وأطروحاته، يطالب فريق الإعداد باستضافة من يساير وجه نظره، وإذا مارس الضيف حقه في حرية عرض وجهة نظره المخالفة، بطش به المذيع مصادرًا رأيه، وعلى الضيف إما أن يتراجع ويسحب ما قال، ويوافقه، وإما أن ينسحب وهذا ما لايحدث في الغالب، وليس أدل على هذا من برنامج وصف فيه الضيف "مبارك" بالوصف الشائع "المخلوع"، فإذا بالمذيع يثور كالأسد رافضًا هذا النعت: (هذه الكلمة لا أسمح أن تُقال في برنامجي أبدًا). بل وفرض على الضيف ما يجب أن يقوله من أن مبارك "متنحي" وليس معزولاً.

في جميع القنوات المصرية إلا قليلا التي تبث من داخل البلاد والمعارضة التي تمارس بثها من خارجها حتى قناة الجزيرة التي كل مافيها من إعداد وتقديم مصري ماعدا التمويل والتوجيه والملكية، يمارسون نفس منظومة الاستبداد والاقصاء، والتهميش، وفرض سياسة القناة، ورأي المذيع، وسيناريو الإعداد على كلام الضيف وثقافته، واجباره على تبني وجهات نظرهم، ولهذا فكل الإعلام "المصري" المعارض والمؤيد، من مع الفلول، أو من مع الإخوان، أو من رشحوا المشير السيسي لرئاسة مصر، الكل سواء.. يطالب بالحرية، ويقتل الحرية، لايرضى بالإقصاء لمواليه، ويرضاه لمعارضيه.. والسر كل السر في الوجوه العتيقة من سدنة الإعلام المرفوض.

ولهذا فقد استبدت هذه الطغمة من المذيعين وضربت بأعراف مهنة الإعلام عرض الحائط: فيشتمون، ويتهمون مخالفيهم بأبشع التهم بالرغم من أن قضاياهم لم تزل منظورة أمام المحاكم لم يصدر فيها القضاء حكمه، ولايسمحون في المقابل بانتقاد من يوالونهم أو اتهامهم بالرغم من أن أحكامًا قد صدرت ضد بعضهم، بل جاهروا بالانحياز لمرشح رئاسي وتوجيه الشعب للتصويت لصالحه، ولم تطرف لهم عين.
لقد ثار الشعب ثورتين عظيمتين ضد من مارسوا الانحياز، وداسوا الحياد، واستبدوا بالرأي، وتسيدوا بالقهر، وشردوا صاحب كل رأي، وكمموا الأفواه، وتمترسوا بالأغلبية المزيفة: فلمن إذن دفع الشهداء دمائهم، ولمن بذلوا أرواحهم، ولماذا ثار الشعب؟! .. من أجل تكرار مشاهد ثاروا عليها، أم من أجل أن نمجد حكم الفرد، أم من أجل أن يحكمنا حفنة من طغاة القنوات نيابةً عن الحاكم؟!

قد تكون الحيادية خرافة، وقبض على الجمر، وقد لاتمارسها كافة وسائل الإعلام في كل الدنيا، لكن لم تقم هناك ثورات من أجل التغيير مثل تلك التي قامت في مصر، وكانت من أجل أن نعود أحرارًا كما ولدتنا أمهاتنا.

فيجب فورًا تغيير المنكر الإعلامي المستبد، بإقصاء تلك الوجوه القبيحة، وإحلالها بشباب من أبناء الثورة الذين يمارسون الإعلام المبني على التحاور لا على الإقصاء والانتقاء، ويمثلون في كل البرامج بكل القنوات بكل أطيافهم المؤيد والمعارض، ويجاهرون ويختلفون، بدلاً من انسحابهم إلى صفحات التواصل الاجتماعي، يتناقشون ويتطاحنون، ويتلاعنون، تمامًا مثلما كانت مواقعهم قبل الثورتين أمام مبارك ومرسي أو "المخلوع والمعزول"، وهذا ما سيزيد المشهد احتقانًا، وثورة في النفوس، ثم في الشوارع.

وكما يقولون أهل مكة أدرى بشعابها، لهذا فقد استرعت تلك الظاهرة عين ووعي الإعلامية البارزة جيهان منصور التي هالها ذلك الكم من الممارسات الشائنة، فخاطبت أبناء مهنتها من المستبدين صارخة ومحذرة: (الشعب طالب في ثورتين بالحرية، وليس من المعقول أن تصادروا حق هذا الشعب العظيم في الاختيار، لا تتعاملوا مع شعب مصر باستخفاف ولا تستهينوا بعقول الشباب، الثورة أنضجت الشعب سياسيًا ولا يجوز أن نرجع به إلى زمن "اخترناك اخترناك"! .. ارحمونا يا إعلام السلطان واتركوا مباخركم ودفوفكم خارج الاستوديو.. واعلموا أن ما تفعلونه للأسف.. يأتى بنتائج عكسية)... وهذا عين ما أخشاه وأحذر منه، وأطالب من وثق الشعب به أن يبادر بتغيير تلك المنظومات الخاطئة، والتي يستفيد منها قلة لايخلو منهم عصر، والعاقلُ من اتعظَ بغيره.

 http://www.almustaqbal-a.com/index.php/articles/38826.html

الثلاثاء، 10 يونيو 2014

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون

السيد إبراهيم أحمد - شبكة الألوكة - الكتاب والمفكرون



معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في اسمه02-06-2014418
الأمية .. معجزته صلى الله عليه وسلم02-04-2014653
سر انتشار الإسلام09-02-20141009
انتشار الإسلام .. معجزته صلى الله عليه وسلم03-01-2014815
الصحابة .. معجزته صلى الله عليه وسلم02-09-20131310
هل هاجرت " بركة " وصامت؟24-06-2013875
الوفاء .. معجزته صلى الله عليه وسلم02-04-20131779
الثبات .. معجزته صلى الله عليه وسلم24-02-20132173
صدقه .. معجزته صلى الله عليه وسلم13-02-20132449
مسيرة الإساءات إلى خاتم الرسالات صلى الله عليه وسلم21-01-20132428
الشهيدة فاطمة الأسبانية...13-01-20131127
أعادوا الإساءة .. فعاود الإسلام التقدم07-01-20131540
لماذا بكت فاطمة؟!13-12-20123105
بوادر رحيل الرسول – صلى الله عليه وسلم - بين العامة والخاصة26-11-20123041
رحمته .. صلى الله عليه وسلم .. معجزته07-11-20121583
كانت الأخلاق معجزته صلى الله عليه وسلم18-10-20124454
الهولوكست محرقة تحرق من ينتقدها15-10-20121798
الاحتجاج.. حلال لهم وحرام علينا29-09-20121687
حرية.. التعبير المراوغ24-09-20122294
نساء الرسول صلى الله عليه وسلم (PDF)04-09-20136390
حبا في أمي عائشة (WORD)24-12-20123408

لقاء في حديقة الثقافة بقلم:السيد إبراهيم أحمد | دنيا الرأي

الاثنين، 9 يونيو 2014

النقاب المظلوم...

النقاب المظلوم...



كرهوا النقاب وحاربوه مثلما حاربوا الحجاب، وتحت سماوات بلاد مسلمة كان يجب أن يتمتع المؤمن وهو يمارس طقوس وشعائر ديانته بكل الهدوء والأمان، ولكن هذه الحرية التي يتمتع بها الهندوسي في الهند ومن يتبعون الدلايلاما في التبت حتى الوثني في الأدغال الأفريقية لا يكاد يحصل عليها المسلم صاحب الدين السماوي الحق لا في موطنه وبين أبناء جلدته فحسب ولا حتى في بلاد تدين بغير دينه.
فمن قائل أنه بدعة ودخيل على الدين، ومن أفتى بأنه عادة وليس عبادة، ومن تفنن في جمع الأدلة الجنائية والجرائم التي كان النقاب طرفاً فيها، وهي ما يسمى بجرائم انتحال الصفة؛ لينادى بأن النقاب خطر يهدد أمن البلاد والعباد ويجب إزالته مثلما دعا إلى هذا الدكتور خالد منتصر الذي دأب على مهاجمة أكثر ما هو دين انحيازاً منه للدولة المدنية وذلك كما جاء في مقاله بالمصري اليوم والمعنون بـ (منع النقاب فريضة أمنية) جمع في مقدمته عدداً من أشهر الجرائم التي كان النقاب طرفاً فيها، ثم ناقش الأحاديث النبوية التي تتناول النقاب على قدر علمه وفهمه لها حيث أنه طبيب وليس رجل دين ثم أصدر فتواه بأن النقاب عادة بل أضاف أن هناك اختلافاً على النقاب، وهذا الاختلاف يشجعنا على أن ننقل مناقشة مسألة النقاب من الجانب الديني إلى الجانب المدني دون أن يتهمنا أحد بالكفر، ولن أتحول إلى مفتى مثلما فعل وأحكم عليه بالكفر.
ولم تتوانى بعض الأقلام الصحفية في الضرب على نفس الوتيرة فتأتي هبة منصور بالمصري اليوم القاهرية أيضاً لتكتب تحت عنوان مثير: جرائم.. بـ (الزي الأسود) وتتحدث فيه عن زيادة معدلات جرائم النقاب، خاصة أن الزي الأسود يتيح لمن يرتدينه التخفي بسهولة بالإضافة إلى هالة القدسية التي تحيط بهن يعتمد عليها مرتدوا النقاب بسبب إقرار السلفيين بوجوبه على المسلمات، غير أنها تميزت بما أوردته بشكل إحصائي استناداً على ما رصدته وزارة الداخلية المصرية من أن معدل الجريمة كان خمس حالات خلال عام 2000، وفى عام 2006 سجلت الداخلية 26 حادثة، وفى عام 2007 كان 27 حادث، بينما في عام 2008 سجلت الداخلية 24 حادثة، وهي تنذرنا في ثنايا مقالها محذرة:
أن خطراً كبيراً يحدق بالمجتمع المصري إذا انتشر النقاب بصورة أكبر، حيث يشكل صعوبة في السيطرة على الجرائم، التي تمتد لتشمل معظم محافظات مصر، وتتنوع بين القتل والسرقة والتحرش والتسول والخطف ومقابلة العشيقات.
وقد سارع الفن السابع (السينما) بتسجيل تلك الظاهرة درامياً باعتبارها حدثاً غير عادى حيث قام المخرج هاني جرجس فوزي بإخراج فيلم (تحت النقاب)يسيء للمنتقبات وللدين، تدور أحداثه حول لجوء بعض المنتقبات للعمل في الدعارة لمواجهة الفقر والأوضاع المعيشية السيئة في مصر، وقد هدد العالم عبد العظيم الشهاوي أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر بمقاضاة مخرج الفيلم في حال تنفيذ الفيلم، بينما أوضح المخرج أن الفيلم يوضح أن النقاب لا يجدي التعامل معه بمهانة مثلما يحدث من القليلات المنتقبات، فكم من جرائم ترتكب باسمه.
وأضاف أن الفيلم لا يظهر الجانب السلبي لبعض المنتقبات، بل يشير إلى إيجابيات أيضا، مؤكدا أن العمل ضد استغلال هذا الزي في أعمال غير أخلاقية. والسؤال: هل التي تزينت بزينة النقاب واتخذته شعاراً لها وستراً ومنهاجاً ارتكبت أي جريمة تذكر؟!.. أم الذي ارتكبوا أو ارتكبن جريمة انتحال صفة المتنقبات هم وهن المسئولون والمسئولات؟! لقد دأب المنافقون في كل عصر على انتحال صفة غير صفتهم ودائماً ما تكون صفة طيبة تخص ذوى الهيئات، مثل: صفة رجال الدين من كل الملل، وصفة المتدينات من كل الديانات، صفة رجال الأمن والقضاء أو الانتساب لأحد الشخصيات العامة، وصفة الموظفين الرسميين.
بل نعجب حين نعلم أن جريمة انتحال الصفة هي أول جريمة قابلتها أمنا حواء قبل الهبوط إلى الأرض حين أغواها إبليس وأتاها على هيئة (الحية) لتأكل من الثمرة المحرمة على زعم صحة ما جاء بسفر التكوين.
بل انتحل الثعلب أيضاً صفة الواعظين كما تخيل أحمد شوقي في قصيدته من ديوانه الشوقيات وعنوانها: (مر الثعلب يوماً) التي يقول في مطلعها:
برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا
ألم ينتحل المغامرون والرحالة زى الحجاج تارة والباشوات تارة لدخول الأراضي المقدسة، بل انتحلوا صفة الدين الإسلامي نفسه وأشهرهم ريتشارد فرانسيس بيرتون مستكشف وعسكري ومستشرق ومترجم بريطاني اشتهر من خلال ترجمته لحكايات ألف ليلة وليلة، ولما طردته جامعة أكسفورد انتقل إلى الهند بصفة ملازم أول في الجيش وهناك أخذ مظهر المسلمين وقام بكتابة تقارير عن السوق والتجار، ثم انتقل إلى بلاد العرب وهناك استخدم نفس المظهر الإسلامي وكان ثاني شخص غير مسلم يحج المدينة ومكة في عام 1855م (تذكر المصادر أن الشخص الأول هو لودفيكو دي بارثيما في عام 1503م)، وجاء بعدهما جون فيركين، ووافيل.
بل كثيراً ما تقمص جواسيس بريطانيون سمة علماء الآثار للتجسس على جنرالات ألمان عمدوا إلى إقامة حفلات فاخرة لحلفائهم العثمانيين، وهناك انركيتا مارتي ريبولس أشهر قاتلة للأطفال في التاريخ الحديث، التي كانت تتنكر في النهار في ملابس رثة وقذرة أشبه بملابس المتسولين ثم تتوجه إلى أكثر أحياء المدينة فقراً وفاقة، لتبحث عن ضحاياها قرب الكنائس والجمعيات الخيرية حيث يتجمع الأطفال الفقراء من أجل الحصول على كسرة خبز، أما في الليل فكانت تتحول إلى دوقة أو ماركيزة، فترتدي أفخر الثياب والمجوهرات وتذهب بواسطة عربة فاخرة إلى دار الأوبرا والمنتديات الاجتماعية الراقية، حيث تتواصل مع زبائنها من الطبقة العليا.
وهل سلم النقاب من اتخاذه وسيلة للتخفي في ارتكاب الجرائم حتى يسلم (زي الراهبات).. فقد ذكرت تقارير أن محكمة يونانية سمحت بإطلاق سراح مجموعة من 17 سائحاً بريطانياً تتراوح أعمارهم ما بين 18 و60 عاماً في منطقة كريت بسبب ارتداء ملابس راهبات وكذلك بسبب الإساءة إلى الكنيسة الكاثوليكية.
وذكرت صحيفة كاتيميريني اليونانية أن الرجال مثلوا أمام المحكمة وهم في زي راهبات ويحملون صلبان.
كما اعتقلت الشرطة الإسرائيلية شابة رومانية تعمل مومساً انتحلت هوية راهبة أرثوذكسية لدخول إسرائيل، وفق ما أوردته صحيفة معاريف.
ولقد جسدت السينما الأمريكية انتحال صفة الراهبات لارتكاب جرائم في الفيلم الأمريكي (المدينة) لبطله ومخرجه بن أفليك وتدور أحداث الفيلم حول عصابة من أربعة أفراد يسرقون البنوك متخفيين في زي راهبات فيما يسعى عميل بمكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) إلى تعقبهم والإيقاع بهم.
ولم يقتصر الأمر على زى الراهبات بل تعداه إلى من انتحل صفة القس بل وارتدى زى الكهنوت ومارس جرائمه متخفياً مثل القس جون يوحنا صليب (30 سنة) المتهم بالتزوير في مستندات رسمية والتلاعب في أحكام القانون "الكنسي" بمصر، واستخدام أسلوب البلطجة لإجبار ضحاياه على توقيع إيصالات على بياض لمنعهم من الإبلاغ عنه، وانتحاله صفة رجل دين مسيحي يعقد قران ويطلق المسيحيين، مستخدماً مستندات مزورة مقابل مبالغ مالية كبيرة.
ومثل كاهن كنيسة السيدة العذراء في سوهاج بمصر الذي اتهمه رجل أعمال بالنصب والاستيلاء على 4. 5 مليون جنيه بزعم امتلاكه قطعة أرض في مدينة نصر، ثم تبين أن الأرض ليست ملكه وبعد القبض على الكاهن تقدم رجل أعمال آخر ببلاغ ضد الكاهن نفسه اتهمه بالاستيلاء على 3. 5 مليون لبيع نفس قطعة الأرض، المثير أن كاهن كنيسة مار مينا بالعمرانية تقدم ببلاغ ضد كاهن كنيسة السيدة العذراء بسوهاج اتهمه فيه بانتحال صفة كاهن بالعمرانية وجمع تبرعات من المسيحيين في القاهرة والجيزة، ونفى الأنبا باخوم أسقف سوهاج وجود كاهن باسم الكاهن المقبوض عليه، مشيراً إلى أن هناك من يستخدم الكهنوت في عمليات النصب، محذراً من تداعيات هذا الأمر وتزايد حالاته.
ومثل الكاهن الإنجيلي الذي دخل مكتب النائب العام بالقاهرة في زيه الكهنوتي وهو يتقدم بشكوى ضد رجال الشرطة لاضطهاده وبالاتصال بالكنيسة الإنجيلية في اللحظات الأخيرة للتأكد من حقيقة الشكوى التي يقدمها هذا الرجل كانت المفاجأة المذهلة حيث أوضحت الكنيسة وبشكل قاطع عدم وجود أي صلة بين صاحب الشكوى والكنيسة وأنه ليس هناك أي رجل دين يحمل هذا الاسم، وتبين من التحقيقات أنه ليس سوي منتحل صفة.. وصدرت ضده خمسة أحكام في قضايا مختلفة.. وأن مباحث الأموال العامة ألقت القبض عليه بتهمة انتحال صفة رجل دين.. وممارسة أعمال نصب واحتيال متستراً وراء ملابس الكهنوت.
وهكذا أصبح الزي الكهنوتي هو الآخر وسيلة من وسائل التخفي؛ لارتكاب جرائم النصب والاحتيال أو كما قال: محمد زين الدين ومنال سعيد في تحقيقهما بجريدة الجمهورية القاهرية: " الملاحظ في كل ما سبق أن خيطاً مشتركاً يجمع تلك الوقائع ويجعل لها نهايات متشابهة رغم اختلاف التفاصيل".. هذا الخيط أو الرابط هو "ملابس الكهنوت" التي لا يوجد تشريع ينظمها ويضع ضوابط علي استخدامها وشروطاً لمن يرتديها.. وهكذا فإن النتيجة واحدة.. حيث يستطيع أي شخص شراء تلك الملابس واستخدامها.. ويستطيع أي كاهن معزول من الكنيسة أن يسير في الشارع ويزور الناس في بيوتهم.. وهو على نفس هيئته السابقة وكم من الكوارث والمصائب التي يمكن أن ترتكب تحت غطاء ملابس الكهنوت.
كان بوسعنا أن نضم لمقالنا كل من انتحل صفة غير المنتقبات والراهبات والقساوسة والحجاج المسلمين، ولكنني آثرت أن يكون الرمز الديني ممثلاً لشفافية العرض وإبراز المقارنات، وفي حين لم يطالب أحد بخلع الراهبات لزيهن أو القساوسة لزيهم الكهنوتي بل طالب بعض الحقوقيين ورجال الدين المسيحي نحو تقنينه، وبالرغم من أن الخطر واحد ويقف على قدم المساواة مع خطر النقاب سعى من سعى نحو تجريمه بل استعدى الدول الإسلامية عليه حتى ناصبت المتنقبات العداء وكأنهن مجرمات حرب حتى جر الويلات من إزاء هذا التصرف اللامعقول على أخواتهن المتنقبات ببلاد الغرب وكان ذلك ذريعة لأن يكسب اليمينيون المتطرفون قضاياهم بمنع النقاب، بل نفخت الجمعيات اليهودية سمها في نار التهييج وإثارة الرأي العام عليهن حتى هوجمن في الشوارع: " أتركوا بلادنا..عودوا لبلادكم).. ولم يكن ذنب النقاب، ولكن ذنب من أهال كل هذا الركام العفن فوق الستر الطاهر.
نعترف بأن هناك ممن لا خلاق لهم ولهن قاموا وقمن بارتكاب جرائم استخدم فيها النقاب، ولكن لا أدري لماذا يسلط من يحاربون النقاب الضوء عليها بُغية تكبيرها وتوسيعا وتبشيعها وكأنها " أم الجرائم "، نقر ونعترف بأن هناك من ارتدى النقاب رجلاً كان أو امرأة في بلدان كثيرة عربية وأوروبية وأمريكية وارتكب جرائم، مثل:
ـ جريمة سمكري السيارات العاطل بالإسكندرية الذي ارتدى زى منتقبات بغرض سرقة سيارة ميكروباص عن طريق تخدير السائق، وقد اعترف وقتها بارتكاب الجريمة ذاتها 3 مرات.
ـ القبض على عاطل قبطي، انتحل صفة سيدة وارتدى النقاب؛ ليقوم بسرقة عملاء فرع البنك الأهلي في المنيا بمصر.
ـ رجل مصري يرتدي النقاب من أجل مقابلة حبيبته في غرفة نومها.
ـ امتهن كويتي عاطل عن العمل انتحال صفة رجل مباحث، واستحل أماكن سكن عدد من الآسيويات المخالفات لقانون الإقامة، وقام باغتصابهن كرهاً تحت تهديد السلاح الأبيض قبل أن يسلبهن ما معهن، حسب صحيفة الرأي الكويتية.
ـ نشر موقع إذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيلي) تقريراً عما وصفه بظاهرة الغزل من وراء النقاب في السعودية تضمن قصصاُ لفتيات يبحثن عن الغزل والعلاقات مع الشبان في مجمع المملكة بالعاصمة الرياض.
ـ أول حادثة يتم رصدها في أمريكا يتورط فيها مجرم يستخدم بشكل صريح النقاب الإسلامي، الذي يعرف في بعض الدول باسم "البرقع"، في عملية إجرامية في أمريكا.
ـ تسلل وافد بنغالي لمدرسة للبنات بإسكان الحرس الوطني بالرياض متخفياً في زي ملابس نسائية مرتدياً النقاب والعباءة والقفازات مما سبب هلعاً للطالبات والمعلمات بعد أن كشفن أمره.
ـ زوج يرتدى النقاب ويفشل في إلقاء مياه نار على زوجته التي خلعته بعد سنوات من الزواج.
ـ القبض على رجل يرتدي النقاب ليتحرش بالسيدات في زحمة الأسواق.
ـ طعن رجل مجهول متنكر في زي سيدة منقبة طبيبة عيون بالسكين بمستشفى العريش العام ولاذ بالفرار.
ـ يرتدي زي منقبة لسرقة محل مجوهرات بالمعادي
ـ ارتدى "عاطل" النقاب لمقابلة عشيقته وممارسة الرذيلة معها داخل مسكنها لا ينكشف أمرهما أمام أسرة زوجها لكن شقيق الزوج تمكن من ضبطه وأبلغ الشرطة التي حررت محضراً له وإحالته للنيابة.
ـ حذرت السلطات الأمنية الأردنية من قيام بعض الرجال بارتداء النقاب النسائي بغية تنفيذ مخططاتهم الإجرامية باستغلال عدد من ربات المنازل والاحتيال عليهن وادعاء تعاملهم مع السحر، وكذلك تعرض عدد من المواطنين للنشل والسرقة إضافة إلى استغلال النقاب من قبل عدد من المطلوبين للتخفي والتواري عن أنظار الشرطة، وذلك وفقاً لما ذكرت عدة صحف أردنية.
... والسؤال الذي يفرض نفسه: هل خلع النقاب هو الذي سيخفض معدل الجريمة في مصر والدول العربية التي هي ماضية في منعه وعلى الأخص سوريا، ومن ثم في العالم؟!!
الإجابات سنوردها بعرض الإحصائيات، ومنها أهم التقارير التي اعتمد عليها البحث الذي أجرته شبكة "سي إن إن"، ونشرت نتائجه على موقعها الالكتروني، تقرير "ميرسر" بشأن الأمن الشخصي على المستوى العالمي، وتقرير مجلة "فورين بوليسي" بشأن معدلات الجريمة، بالإضافة إلى تقرير مجلة "فوربس" ومنظمة "مجلس المواطنين للأمن العام" (سي سي إس بي).
وفيما يلي المدن العشرة الأكثر خطورة في العالم، من دون ترتيب:
ـ بغداد التي تمزقها الحرب، تعد أقل مدن العالم أمناً، وكراكاس عاصمة فنزويلا بوصفها عاصمة الجريمة في العام 2008، ومدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات العالمية، حلت على رأس قائمة أخطر المدن الأميركية في العام 2009، حيث شهدت المدينة في ذلك العام 1220 حادثة عنف، لكل 100 ألف مواطن، مدينة نيو أورليانز حلت أيضاً ضمن تصنيف أكثر مدن الجريمة في الولايات المتحدة لعام 2008، حيث وقعت فيها 64 جريمة قتل لكل 100 ألف نسمة، وجاءت مدينة خواريز المكسيكية أيضاً ضمن أخطر مدن العالم بعد أن أصبحت محط الحرب المكسيكية على منظمات وكارتيلات المخدرات، حيث لقي 2600 شخص مصرعهم لتورطهم بشكل أو آخر بالمخدرات خلال العام2009، ثم مدينة لاهور عاصمة المال الباكستانية، تعتبر أقل مدن العالم أمناً إذ تعاني من تكرار العمليات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية، مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا، حيث تعاني من كونها بين أعلى مستويات الجريمة في العالم، إذ شهدت مقتل نحو 6 أشخاص يومياً، وعاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية: تعاني من كونها أسوأ مكان للعيش فيه من حيث الأمن الشخصي، وأيضاً موسكو تعد أقل المدن أمناً ومن أسف أن بيروت، التي كانت توصف بأنها باريس الشرق، احتلت مكانتها أيضاً وسط خطر العيش، وهي تعد أقل المدن أمناً في المنطقة العربية.
أعتقد أن المنصف لن يسعه إلا أن يقرر أن العالم بدون نقاب لن يكون أحسن حالاً وتعقلاً وبعداً عن ارتكاب الجرائم، أما بالنسبة لسوريا ومصر فسنعرض أحدث الإحصائيات عنهما بالترتيب لنرى هل كان حالهما أو سيصبح حالهما بدون النقاب أفضل: في آخر إحصائية حديثة عن معدل جرائم الاغتصاب بسوريا هناك حوالي 1300 جريمة اغتصاب سجلت في العام الماضي وكانت نسبة أعمار 95% من الضحايا أقل من 18 سنة، وسجلت الإحصائية نفسها أن نسبة 26 % من الجرائم ارتكبها أقارب الضحايا كما أن النسبة المئوية لأعمار الضحايا الأقل من 15 سنة 34.8%، أما أعمار الضحايا ما بين 15-18 سنة بلغت 65.2% وعن صلة جانب الضحية فقد بلغ عدد القضايا التي يوجد صلة قرابة بينهما 26.1% في حين بلغت نسبة 73.9% للحالات التي لا يوجد صلة قرابة، وعن مكان ارتكاب الجريمة فكانت النسبة المئوية لمنازل الضحايا تبلغ 50% أما المنزل الذي يخص المتهم فبلغت 31.25% في حين شكلت نسبة السيارة كمكان لجريمة الاغتصاب 12.5% في حين أن نسبة زواج الجاني من الضحية بلغت 8.7% في حين أن الحالات التي لم يتم زواج الجاني من الضحية لكونه محرماً بلغت 21.7%، أما الحالات لتي لم يتم زواج الجاني من الضحية فبلغت 69.6%.
أما بالنسبة لمصر التي يصرخ فيها ويولول من تداعى الأمن بسبب انتشار ظاهرة النقاب، وينادي إلى منعه ونزعه فقد أعلن المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن إحصائية بأن حالات الاغتصاب في مصر تبلغ وحدها أكثر من عشرين ألف أنثي سنوياً وهي نسبة خطيرة تنذر بكارثة محققة إذا لم يتم مواجهتها.
وقد جاء هذا طبقاً للدراسة التي أجرتها الدكتورة فاديه أبو شهبه أستاذ القانون الجنائي بالمركز:
أن هناك تزايدًا ملحوظًاً في عمليات اغتصاب الإناث في مصر خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى دخول فئات مهنية لم تكن موجودة من قبل في قائمة الجناة، وعلى رأسهم أطباء ورجال دين ومدرسون ورجال شرطة وهو ما ينذر بكارثة ويهدد سلامة وأمن المجتمع، فضلاً عن انتشار ظاهرة اغتصاب المحارم والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة والاغتصاب الجماعي والاغتصاب المقترن بقتل الضحية. وظهرت مؤخرًا إحصائية للمركز نفسه تقول: إن 20 ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسي ترتكب في مصر سنويًّا، أي أن هناك حالتي اغتصاب تتم كل ساعة تقريبًا، وأن 90% من جملة القائمين بعمليات الاغتصاب (عاطلين)، ومع وجود 6 مليون عاطل في مصر.. فربما يكون أحد التفسيرات لزيادة هذه الظاهرة مؤخرًا فالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع المصري تؤثر على العلاقات الزوجية.
ومجتمعنا بدأ في الدخول إلى مرحلة الخطر فالإحصائيات تفيد بأن الإدارة العامة لمباحث الآداب ضبطت حتى الآن 52068 حالة آداب في عام 2007 فقط وهو رقم مخيف إذا قارناه بالحالات المضبوطة في عام 2005 وهى 45330 حالة فقط.. وقد بلغت قضايا الاغتصاب والتعرض لأنثى حتى الآن 13621 حالة وهو رقم ضخم أيضا بالنسبة إلى عدد الحالات المضبوط في الأعوام السابقة.
في كل هذه الأرقام لابد أن تذوب حالات النقاب التي أوردتهم إحصائية وزارة الداخلية عن عدد القضايا التي كان النقاب طرفاً فيها، كما أن الأدهى أن الخبراء يقولون أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى من الرقم المذكور بكثير لأن الخوف من العار يحول دون تبليغ الضحايا عن حوادث الاغتصاب التي يتعرضن لها.
ولا أدري ما ذنب النقاب ليزجوا به في أزمة هو غير مسئول عنها، ولو عدنا للقضايا والجرائم التي ذكرتها والتي لم أذكرها على مستوى مصر والوطن العربي لبرز لنا أن أغلب من قام بها شباب من العاطلين المحاصرون بالدش والقنوات التي تصب الجنس فوق رؤوسهم وداخل أدمغتهم وأعضائهم الوظيفية صباً، والبطالة تحيط بهم من كل جانب، فلا عمل ولا سكن ولا أمل في مستقبل وزهرات شبابهم تزوي وتذبل، والحكومات عاجزة عن الحل.. إذن فالمخرج السهل الذي يروجون له وعنه بأنه داهية الدواهي والخطر الأعظم لتنشغل به الشعوب هو ( النقاب ) مثل حكامنا في هذا كمثل بوش الابن عندما أخذ يروع أمريكا والعالم من خطر صدام والأسلحة النووية وبعد خراب الدنيا سيخرج النقاب بريئاً ـ كما هو كائن بالفعل ـ مثلما خرج صدام والعراق بريئان منها.
يقول محمود القاعود: الناس لم تعد بتلك السذاجة التي تتصورها الحكومة " الذكية " .. فضجة النقاب التي بدأت شرارتها على يد " الإمام الأكبر " يعلم الجميع أنها تستهدف " الشوشرة " على اقتحام المسجد الأقصى ومحاولة الصهاينة هدمه، كما أنها تهدف لسن تشريعات جديدة في " الزحمة" وهم لا يشعرون.!
فالناس مشغولة بالنقاب والاعتداء على المنتقبات .. والصهاينة يحاولون هدم الأقصى والحكومة تحاول إصدار تشريعات تلقى رفضا شعبياً .. فكان لابد من افتعال ضجة النقاب .. أفما آن للحكومة أن تكف عن هذه الألعاب الصبيانية ؟؟ أو كما يقول جمعة الشاوش في مقال له بعنوان: من يتجنى على من ( النقاب نموذجاً): إنّ التّعلّل بالضرورة الأمنية في منع النقاب قد تضعف حجّته أمام تحدّيات أمنية أخرى أكثر خطورة وتعقيداً.
وإزاء احترام حرّية أشكال التعبير الإنساني التي حين يُحرّم دوسها والاعتداء على قدسيّتها، تُستنبط الحلول الناجعة التي لا تُعرقل العمل الأمني.. وليس من الحكمة أن نعتبر كلّ من ترتدي نقابا هي متّهمة إلى أن تُثبت براءتها بخلع برقعها، ذلك إنّ التُثبّت في هويّة شخص ما لا تقوم بالضرورة على أن يعترضك سافر الوجه لتحسم في أنّه مخالف للقوانين أو متستّر على جريمة، فعون الأمن- مثلاً- عندما يستوقف سيارة، فهو يطلب أوراق السيارة وبطاقة هويّة السائق، ومن خلال معاينته يتبيّن له أنّ السائق يحمل رخصة سياقة أم هو يسوق بدونها، وقد يثبت له أنّه بحالة سكر حتّى إن كان ملتحفاً، فيُقرّر في شأنه الإجراء القانوني الملائم.
وعلى الرغم من أن الكثير من المراكز الحقوقية، التي تعنى بأوضاع النساء تحاول التأكيد على أن ملابس الضحية لا علاقة لها بجريمة الاغتصاب، خاصة أن الجريمة قد تقع لطفلة صغيرة أو سيدة مُسنّة،إلا أن هذا الكلام فيه نظر، فهناك جرائم اغتصاب لا يمكن فيها مطلقًا إدانة الضحية، كما يحدث في حالة اغتصاب المحارم أو الاعتداء على الأطفال، ولكن هناك حالات يكون سلوك الضحية وملابسها في الشارع، دافع أساسي في ارتكاب هذه الجريمة، لذلك فالحجاب في الشريعة يعتبر أيضًا، إجراء احترازي؛ لوقاية المرأة والمجتمع ككل.
فما نسميه بالتحرش الجنسي لا يطول المحجبة ـ حتى في عصرنا الحالي ـ وهذا ما أكده الباحث عبد الفتاح العوادي، المعيد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر في رسالة الماجستير التي أعدَّها حيث أثبتت الدراسة أن انتشار العري في الشارع المصري، سبب أساسي ورئيسي في زيادة حالات الاغتصاب، وأشار إلى أنه لم تقع جريمة اغتصاب لأية سيدة محجبة، والمقصود بالحجاب هنا ليس مجرد ارتداء غطاء الرأس مع ارتداء الملابس الضيقة والشفافة، التي ترتديها بعض الفتيات، ثم يُقال التحرش بالمحجبات، ولكن المقصود الحجاب الشرعي بمواصفاته الشرعية المعروفة وبمشية الملتزمات بلا تكسر، وهذا ما لا نجد له أية إشارة في القانون من مواد تحث على الحشمة باعتبار اللباس حرية شخصية، تمامًا كما تم تجريم الزنا فقط عندما يكون غصبًا.
فإذا كان الحجاب سبب أساسي ورئيسي في عدم تعرض من تلبسه للتحرش، فما بالنا بالنقاب الذي يستر المرأة تماماً ألا يكون رادعاً ومانعاً لكل من تسول له نفسه مجرد الاقتراب.. ويا من تنعقون ليل نهار وترفعون عقيرتكم بالدفاع عن حرية التعبير واحترام الحرية الشخصية، وتنادون بحرية المرأة ومساواتها بالرجل ورفع كافة أشكال القهر والعدوان عليها في جمعيات حقوق الإنسان.. ألا تدافعون عن حرية المرأة المسلمة في أن ترتدي ما تحب أن ترضى به ربها ومن ثم مجتمعها، خاصةً بعدما أثبتنا أن (النقاب مظلوم.. مظلوم ) مما يحاول من يفترى على الله كذباً أن يلصق به التهم.. والله سينصره وينصر العفيفات اللائي يرتدينه...

http://islamselect.net/mat/98280