الجمعة، 28 أغسطس 2020

الجندر في ضوء حقوق الإنسان...

 


المقدمة

  تعاني المرأة في مناطق كثيرة من العالم من أوضاع تمس كرامتها وآدميتها بشكل كبير الأمر الذي جعل جميع الهيئات الدولية الحقوقية تندد بمثل هذه التصرفات التي تخالف اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة - سيداو (CEDAW)، والتي صدرت مع العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية بصدد التصدي بشكل عملي لحمايتها، وحفظ حقوقها، بل أن دساتير العالم أصبحت تتضمن موادًا حول دستورية هذه الحقوق.

   ولقد حققت المرأة  في ظل هذه المواثيق، في كثير من الدول، حماية لحقوقها التي كفلها لها القانون، مثل: قانون الأسرة، وقانون الإرث، إلا أنه على الرغم مما يبذل من جهد مازالت المرأة  تعاني من التمييز، ومن العنف ضدها الذي صار يتنامى بمعدلات تجاوزت حدود سلامتها في مناطق كثيرة من العالم، وقد ساهم في تزايده عدم وفرة التشريعات القانونية  الكافية مما يسمح بإفلات الجناة دوما من العقوبة، غير أن القوانين الصادرة في هذا الصدد لا تراعي ظروف كل دولة، وثقافة كل شعب، ومعتقداته الدينية التي يحترمها، وهو ما يجعل دول كثيرة ومنها الدول العربية تتحفظ على بعض القرارات التي تنادي بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في الميراث، وغيرها من القضايا.

 لقد جرى تعميم حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين في جميع المستويات اهتمامات الأمم المتحدة بداية من التخطيط الاستراتيجي إلى محاولة الاندماج في الأنشطة التنفيذية في المجتمعات بصفة عامة طبقا لمفهوم الجندر وقضايا النوع الاجتماعي، مع الوضع في الاعتبار تطبيق أساليب قائمة على هذه الحقوق في جميع أوجه التعامل مع المرأة بشكل خاص في ضوء حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي، وحقوق المرأة دوليًا ومجتمعيًا، وفي ظل الاتفاقيات الدولية  بما يكفل تنفيذ المواد القانونية المتضمنة في دساتير العالم، وفي اتفاقية سيداو أيضا. وعلى الرغم من التقدم الذي حققته بعض الهيئات الدولية في الدفاع عن الحقوق الأساسية للمرأة وتعزيزها، فإن تلك الحقوق باتت غير محترمة من حيث التطبيق  في بعض مناطق من العالم. 

 

مفهوم الجندر في ضوء حقوق الإنسان:

مفهوم الجندر وإشكالية تعريبه:

    عندما نشرت منظمة الأمم المتحدة مفهوم "الجندر" في كونه تعبير إنكليزي "gender وقد ترجم هذا إلى العربية بـ "النوع الاجتماعي"، استنادًا إلى اختيار بعض مراكز المرأة العربية في عام 1995م، ويكمن الهدف من نشره هذا هو التطبيق، وإن كان في أساسه يعتمد مفهوم تقسيم العمل على أساس غير نمطي يأخذ في الاعتبار هذا المفهوم الجندري الذي طاله التعريب حتى صار النوع الاجتماعي القائم على  منع التمييز بين الذكر والأنثى طبقا للتصورات البيولوجية التقليدية، وتعديل هذا التقسيم بما يتلاءم مع وضع المرأة، وهو ما يستوجب الفرق بين الجنس والنوع الاجتماعي؛ فالجنس يعني الفوارق البيولوجية الطبيعية بين الذكر والأنثى وهي فوارق تولد مع الإنسان ولا يمكنه تغييرها، وقد أوجدها الله لأداء مهام وظيفية معينة في الإنسان.

   إن الجندر في ضوء التعريب له بما يعرف بـ "النوع الاجتماعي" لم يُفهم على أنه أدوار اجتماعية تخلقها المجتمعات بناءً على وظيفة بيولوجية بحتة تتعلق بالذكر أو الأنثى من خلال تصرفاتهما في إطار معين، وبناء على أدوار يعتمدها المجتمع ويرسمها لهم في إطار دقيق من التحديد تتماشى مع عاداته، وقيمه، وتقاليده، وتراثه التي لا يمكن الخروج عنها أو عليها، على أنه ينبغي التنبيه على أن الأدوار صناعة بشرية في الأساس،   والجندر يقصد به الاختلاف في الأدوار التي يقوم بها كلا من الرجل والمرأة طبقا للالتزامات الجديدة والمسؤولية غير التقليدية وهو معنى مازال غير مألوف ومثير للمشاكل التي تتأكد كل يوم من خلال الرفض للجندر كمفهوم، وللنوع الاجتماعي كتعريب أيضا.

مفهوم الجندر في ضوء حقوق الإنسان:

   الجندر يحمل في تركيبته اللغوية والإنسانية مفهوم عدم التمييز وعدم التهميش والمساواة القائمة على الجنسين، أي أنه يعتبر من أكثر المفاهيم اتساقا مع حقوق المرأة؛ فمفهوم حقوق الإنسان يعني الحقوق الطبيعية الموجودة منذ وجود الإنسان على الأرض، يحميها القانون الطبيعي ابتداء، ثم عرفت طريقها إلى المواثيق والعهود الدولية بناء على القانون الطبيعي، والهدف من تطبيق هذه الحقوق هو حماية الحرية الفردية للإنسان أيًا ما كان، ولقد سار العمل به وفق آلية منضبطة على مستوى الهيئات الدولية، فكان أن تحولت المواثيق إلى مواد قانونية ملزمة من خلال اتفاقيات دولية تؤكد مساواة النساء بالرجال، كما تضمن حقوق المرأة عبر منهجية شاملة ومنها: حقوق المرأة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

    على أن اللافت للانتباه أن حقوق المرأة وحقوق الإنسان قد مضيا متزامنين معًا منذ انطلاق عصبة الأمم المتحدة في عام 1919م والذي ضمن للمرأة حقوقًا في اتفاقيتين هامتين، ولكنه لم يذكر المساواة  تلك التي جاء ذكرها في ميثاق الأمم المتحدة الصادر في عام 1945م والذي أقر من خلال أحد بنوده التي بلغت مائة وإحدى عشر مادة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ثم استتبعتها الاتفاقيات الدولية التي عززت هذا الحق بالعديد من البنود التي أكدت حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولم تكتفِ بهذا بل حولت بعض هذه البنود إلى مواد في القوانين العرفية وألزمت الدول باحترامها وتطبيقها، كما أن دساتير العالم المختلفة قد تضمنت موادها حقوق للمرأة  تأتي في أولها المواطنة، وعدم التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الجنس بما يتيح الاعتراف لها بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمساواة الكاملة التامة  ولا علاقة بالاختلافات العضوية أي بالتكوين البيولوجي للذكر أو للأنثى في المساواة بينهما.

حقوق المرأة في إعلان حقوق الإنسان من خلال المؤتمرات:

حقوق المرأة في إعلان حقوق الإنسان:

     أقرت منظمة العمل الدولية باعتبارها أقدم منظمة دولية بحقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق العمال بصفة خاصة، غير أن المنظمة في نفس عام تأسيسها عام 1919م أقرت اتفاقيتين لحماية حقوق المرأة، وجاءتا متتابعتين في الترتيب رقم (3) و(4)؛ فأما الأولى فكانت بشأن حماية حق الأمومة للمرأة، وأما الثانية فقد جاءت بخصوص عمل المرأة الليلي.

     غير أن الاتفاقيتين لم تتناولا فكرة المساواة، والتي تناولتها مواد ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945م، والذي أشار إلى احترام حقوق الإنسان وحرياته من غير تمييز قائم على أساس الجنس والدين واللون واللغة، وأنهى الفقرة (ولا تفريق بين النساء والرجال)، والذي جاء ليقر مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، فجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، كما ورد في نصوص مادتيه: الأولى والثامنة، بل تم تأسيس "لجنة مركز المرأة"، وفي عام 1948م، صدر"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" شاملاً كافة حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد.

   نتيجة لما تقدم بيانه، اعترفت كافة الدساتير في العالم بحقوق المرأة، حيث أن الدستور هو القانون الأساسي الذي يحدد ملامح وشكل الحكم في الدولة، وحقوق وحريات المواطنين، وتأتي في مقدمتها المواطنة، وتنعم بها المرأة  تمامًا كالرجل مع اقتسامها معه الحقوق والواجبات بالتساوي، كما تتضمن هذه الدساتير الرفض التام لكافة أنواع التمييز ضد المرأة، مع الاعتراف لها بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثلما يقر لها بمبدأ التكافؤ في الفرص بينها وبين الرجل في كافة المجالات طبقا للمساواة بين الرجل والمرأة التي تأتي في إطار الاعتراف بالنوع الاجتماعي القاضي بعدم التمييز.

حقوق المرأة في ﻤﺅﺘﻤﺭﺍﺕ ﺍﻷﻤﻡ المتحدة:

    استدعت المعاملة التمييزية التي تلقاها المرأة إضفاء الصفة العملية لقرارات الأمم المتحدة من خلال إقامة المؤتمرات والتي تصدر عنهاالإعلانات، ويتم فيها توقيع الاتفاقيات الضامنة لحقوق المرأة، والملزمة لكافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة  بمجرد التوقيع عليها الذي يوجب التنفيذ بعيدا عن القوانين المعمول بها في هذه الدول وتشريعاتها الخاصة بها، وخاصة الدينية منها، وقد ظهر هذا الاتجاه لعقد المؤتمرات في سبعينيات القرن الماضي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد اتجهت هذه المؤتمرات في التعويل على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي من خلالها تعمل على تحسين أوضاع المرأة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومن أبرز المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي تعنى بقضايا المرأة وتحسين أوضاعها:

ـ  المؤتمر العالمي للمرأة في مكسيكو سيتي عام 1975م الذي جاء في نفس الاحتفال بعام النساء، الذي اعتمد  خطة عمل عالمية تتبناها جميع الدول المنضمَّة إلى هيئة الأمم المتحدة، ويكون هدفها ضمان مزيد من إندماج المرأة في مختلف مرافق الحياة.    

ـ  مؤتمر كوبنهاجن بالدانمارك عام 1980م، الذي عقد تحت شعار: "عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية: المساواة والتنمية والسلام"، وقد وجه هذا المؤتمر اهتمامه نحو قضايا العنف المثارة ضد النساء، وكان به عديد من القضايا التي تخص نساء العالم الثالث.

ـ مؤتمر نيروبي/ كينيا عام 1985م، وقد تم عقده لاستعراض التقدم الذي تم إحرازه في تنفيذ خطة العمل العالمية بعد مرور عشر سنوات على وضعها قيد التنفيذ، ولدراسة العقبات والمعوقات التي حالت دون تنفيذها كاملةً في جميع بلدان العالم، وقد تشابه هذا المؤتمر في توصياته مع المؤتمرات السابقة عليه، وأهمها ضرورة الالتزام بحقوق المرأة.

ـ مؤتمر بيجين الذي عقد عام 1995م بالصين، وقد اشتهر هذا المؤتمر نظراً للتغطية الإعلامية التي حظي بها، ولطبيعة النقلة النوعية في المطالب والدعوات التي قدمت فيه؛ فقد انعقد بعد عامين من الإعداد الجاد على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، وقد حظي بحضور كبير من مائة وثمانين دولة مثلها وفود شارك فيها أكثر من خمسين ألف مشارك، وجاء ترتيبه الرابع بعد ثلاثة مؤتمرات عقدت قبله لقد تخطت منظمة الأمم المتحدة قضايا التمييز الممارس ضد المرأة بجميع صوره وأشكاله إلى الاهتمام بمنع العنف ضد المرأة، وبرزت قضايا أخرى في مؤتمر بكين جاء على رأسها الاهتمام بقضايا حق المرأة في صنع القرار، بل بوجوب احترام وجهة نظر المرأة وتضمينها وإشراكها في رسم السياسات أي بأخذ مصلحة المرأة بعين الاعتبار عند رسم أي سياسة مجتمعية أو وضع الاستراتيجيات الكلية للدولة، وهو مراجعة الآثار لهذه السياسات والاستراتيجيات وانعكاسها على المرأة ، تأسيسا على مبدأ المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة.

   كما أتى هذا المؤتمر في إطار المؤتمرات العالمية التي دأبت منظمة الأمم المتحدة في عقدها في إطار التشارك حول موضوعات متصلة بشعوب العالم، ومنها:  مؤتمر "ريو دي جانيرو" في البرازيل عام 1992م وناقش موضوع البيئة، ومؤتمر "فيينا" الذي عقد في عاصمة النمسا عام 1993م لمناقشة قضايا حقوق الإنسان، والمؤتمر العالمي للسكان والتنمية  بالقاهرة عام 1994م، ومؤتمر التنمية في العاصمة السويدية استوكهولم عام 1995م، وقد تناول المؤتمر قضايا تأنيث الفقر ورفضه تماما في ارتباطه بالمرأة، وخاصة انتشار الفقر بالمناطق الريفية في العالم  واتصاله بالنساء في تلك المناطق وكذلك النائية والصحراوية، وهو ما يعني أن شريحة كبيرة من النساء الفقيرات معرضة للزيادة كل يوم، غير أن المؤتمر المشار إليه قد أوضح أن قضايا المرأة لا يمكن أن تتم معالجتها دون النظر في القضايا المجتمعية ككل بنظرة أكثر شمولا ووضوحا.

حقوق المرأة طبقا لاتفاقية "سيداو" وإشكالياتها:

     أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1976م القضاء على التمييز ضد المرأة، وفي عام 1979م تصدر اتفاقية "سيداو" الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وأصبح الشغل الشاغل للقانون الدولي هو العمل على مساواة الرجل والمرأة مساواة تامة، مع وضع حماية خاصة لها من حيث تنظيم مواد قانونية أخرى لمجابهة العنف ضد المرأة، والإتجار بالنساء واستغلالهن، سواء أكان هذا الاستغلال اقتصاديًا أم جنسيًا.

     لقد تحولت هذه الاتفاقيات في المواثيق إلى مواد في القانون الدولي العرفي بحيث أصبحت ملزمة لجميع الدول في تطبيقه لأن جذوره تمتد بالأساس إلى الثقافة وليس الطبيعة، هذا ما يريد أن يفهمه كل فرد في المجتمع من مفهوم النوع الاجتماعي وهو ما يتم تطبيقه، ومنها  حق المرأة  في المشاركة السياسية، من خلال التصويت وحقها في الانتخاب، وحقها في تقلد الوظائف العامة، وقد جاء هذا طبقًا للمادة السابعة من الجزء الثاني من اتفاقية سيداو، والتي دعت إلى إزالة كافة العوائق وكل أشكال التمييز من أجل ممارسة المرأة لكافة حقوقها السياسية، غير أنه خلق إشكاليات بين الدول الأعضاء.

 والواقع يشهد بأن عدد من الدول قد استجابت لمشاركة المرأة في العمل السياسي ومنها الكثير من الدول الإسلامية وذلك لأن حق المرأة المسلمة في المشاركة السياسية حق أصيل لها قبل أن تعرفه حقوق الإنسان؛  فقد أجاز الإسلام للمرأة أن تشارك في السياسة  فيما عدا تولي الإمامة العظمى، وحين أجاز لها هذه المشاركة وضعها في إطار من  الضوابط التي تليق بها كامرأة مسلمة تلتزم بغض البصر، وبارتداء الزي الشرعي، وعدم الخلوة بالرجال، كما أن لها أن تتساوى في الحقوق مع الرجل، وقد نجحت في وظائف كثيرة تولتها بل كان لها أحيانًا قصب السبق عن الرجال، وقد ثبت أن هناك قضايا للمرأة لا تستطيع أن تثيرها إلا امرأة مثلها، وهناك نساء في المجتمع يحببن الحديث مع نساء مثلهن.

إشكالية  اتفاقية "سيداو" بالنسبة لحقوق المرأة الجنسية والإنجابية:

   على الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمنح المرأة  الحق في اكتساب الجنسية والاحتفاظ بها أو تغييرها متي أرادت، ولا يلزمها أن تفقد جنسيتها إذا تزوجت من شخص أجنبي إلا أن المرأة العربية لم تزل تكافح من أجل الحصول على قوانين تسمح لها بأن تمنح المتزوج بها وأولادها جنسية بلدها التي تنتمي إليها، وهذا الأمر لم يطبق إلا في دولتي الجزائر والمغرب فقط، وهو ما يعني أن المساواة  الكاملة لم تتحقق للتمييز.

    كما لم يطبق في كثير من البلدان العربية حق تحديد المرأة لحقها الإنجابي والجنسي وذلك عند إعلان إرادتها في عدم الإنجاب من خلال أيًا من الوسائل والموانع،  وتتعرض  بعض النساء في بعض الدول العربية لعقوبات لاستخدامهن مثل هذه الموانع، كما أن الإجهاض ليس مسموحًا به في كثير من الدول العربية، ومن أول الدول التي طبقته كانت دولة تونس شريطة أن يكون في الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، ولدى أسرة المرأة الحامل لديها خمسة من الأبناء، كما تسمح بعض الدول العربية بإجراء الإجهاض إذا كان في استمرار الحمل والولادة خطرًا على صحة الأم، ويُسمح بالإجهاض في بعض الدول غير العربية لظروف نزول الجنين مشوهًا، أو جاء نتيجة زنا محارم، أو اغتصاب، أو كانت الفتاة الحامل أقل من سبعة عشر عامًا أو أكبر من أربعين عامًا، أو أن الولادة ستعرض حياة الأم لخطر داهم.

     واتساقًا مع مبدأ المساواة بين المرأة والرجل النابع من المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان، أصبح من حق المرأة أن تمارس دورها في النشاط الاقتصادي والميدان المالي تمامًا كالرجل، وقد أتاح لها القانون تحت هذا البند نوعين من الحقوق، هما: حق التملك، وحق العمل:

ـ حق التملك:

أن يكون لها الحق في التملك بالشراء وعن طريق الوراثة والوصية والهبة، كم أن لها حق التصرف في أملاكها، في إطار القوانين المعمول بها في البلاد.

ـ حق العمل:

 يأتي هذا الحق انبثاقًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يرى أن الناس متساوون في الأجر دون أدنى تمييز مادام قد تساووا في العمل، ومادامت المرأة تملك الشهادات والمهارات المطلوبة في العمل الذي تود أن تلتحق به، فليس هناك ما يمنع من مشاركتها. كما أن لها الحق في التدريب، وتقاضي المكافآت تمامًا كالرجل، ولها أن تحصل على الأجازات، ومكافأة التقاعد، وكافة التعويضات شأنها في هذا شأن الرجل دون أدنى  انتقاص، وإلا سيكون مخالفا لحقوق الإنسان طبقا للمفهوم الجندري.

   ومن حقوق المرأة التي كفلتها لها الاتفاقيات الدولية حقها الاجتماعي الذي يتمثل في حق الرعاية الصحية الذي يحترم الاختلاف الفسيولوجي وطبيعة المرأة من حيث الإنجاب، وحق رعاية الطفل، والتي تأتي اتساقًا مع الرعاية الصحية للإنسان بشكل عام طبقًا لهذه الاتفاقيات وموادها، وأول بنودها خفض نسب الوفيات بين الأطفال، انطلاقًا من أن الوقاية خير من العلاج، والعمل على تنظيم النسل، وتوفير الرعاية الصحية للمرأة في مراحل الحمل، والولادة، وما بعد الولادة، ورعاية الجنين أيضًا، وحقها الثقافي في التعليم والثقافة. ولهذا جاء هذا الحق استنادًا إلى مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة وأن التعليم ضرورة وحتمية، وحق التعليم مكفول للجميع، والمرأة أيضًا، وأن منعه عن المرأة منعها لحرية من الحريات التي كفلتها لها المواثيق والعهود الدولية، ذلك أن الحق والحرية يتكاملان ولا يتضادان، بل هما مترادفان تماما.

مقاربة حقوق الإنسان لتحقيق مساواة النوع الاجتماعي بالإدماج:

  لقد ثبت أنه لابد أن تتم مقاربة حقوق الإنسان لتحقيق مساواة النوع الاجتماعي بتوظيف هذا المنظور الذي يأتي تأصيلا لثقافة تعمل للقضاء على كل صور التمييز بين الجنسين، ذلك أن الجندر يعني التساوي في التشارك في بناء المجتمع عبر علاقات وأدوار جندرية لا تتعلق بالمفهوم البيولوجي، كما يتصور البعض، بل على مستوى إمكانية وقدرة وطاقة كل جنس في عطائه.

    ليس من مطالب الجندر أن تتخلى المرأة عن أنوثتها انحيازا للمساواة بين الجنسين في كونها اكتسبت حقا مجتمعيا يجعل منها ندًا للرجل، كما يشاع، وليس مطلوبا منها أيضا أن تتخلى عن دورها كأم ترعى أطفالها لتحل محلها مربية ونقول أن هذا مكسب وإضافة للمرأة في حين أنها تخلق مشكلة أكبر بالنسبة للأجيال وللمجتمع أثر وأكبر مما حققته لذاتها، ولهذا تبقى أدوار الجندر ترجمة لما يقوم به الجنسين من أدوار تخلقها الظروف المجتمعية بحسب الثقافات السائدة، ويصبح الحل الأمثل لأن تسود ثقافة حقوق الإنسان في تهيئة المناخ الاجتماعي لكي يطبق سياسة إدماج المرأة في كافة الجوانب المجتمعية وأهمها التنمية لأن تهميش المرأة بمثابة إهدار لقيم حقوق الإنسان وتفعيل التمييز.

    يجب على المجتمع أن يفكر في هذا الإدماج إذا كان راغبا في التنمية والمساواة  والاستفادة من الطاقة الانتاجية الكبيرة للمرأة، ومن الأفضل الأخذ بالمساواة الجندرية في التعامل مع حقوق الجنسين الذي يتعذر دون مشاركة المرأة على مختلف المستويات مع  تمتعها بحقوقها الإنسانية كحقها في المشاركة السياسية، والتمكين بأنواعه طبقا لمفهوم النوع الاجتماعي في المساواة بين الجنسين  طبقا لمفهوم إدماج النوع.  

الخاتمة:

  لقد تبين أنه على الرغم من الإشكاليات التي يخلقها مصطلح "الجندر" عند تعريبه وترجمته، غير أنه هو المصطلح المناسب لكي يتوافق مع حقوق الإنسان في إعلانه لأنه أنما يهدف إلى خلق المساواة بين الجنسين على أساس التنوع الاجتماعي الذي يستند على الأدوار الجندرية للمرأة في التنمية المجتمعية والتي تبين أنها والرجل شريكان في بناء المجتمع معا، وأن الاستناد إلى تصورات نمطية عن المساواة البيولوجية بين الجنسين تحكمها الثقافة التراكمية المتجذرة في المجتمع والتي تفترض التنوع.

 كما تبين التزامن الذي جمع بين نشأة عصبة الأمم المتحدة والإعلان عن حقوق الإنسان التي ترجمتها هيئة الأمم المتحدة في إقامة مؤتمرات تسعى لتحويل كل ما هو نظري إلى واقع، وكل ما هو مجرد تصورات إلى قوانين ملزمة لكافة الدول الأعضاء التي أصبحت تحت سكين المساءلة والعقاب إذا تهاونت في التطبيق أو أهملت أو سوفت عمدا أو بدون قصد.


مراجع لمن أراد التوسع:

1ـ القاطرجي، نهى (2008)، قراءة إسلامية في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".. دراسة حالة لبنان، كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية، بيروت. 

2 ـ جعفري، رهام (2012)، دعم هيئة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة للأولويات التنموية للنوع الاجتماعي في القطاع الحكومي الفلسطيني بعد أوسلو، معهد دراسات المرأة، جامعة بير زيت، فلسطين.

3ـ ناريمان، دريدي (2015)، حقوق المرأة في الاتفاقيات الدولية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر.

4ـ وتوت، علي جواد (2006)، الجندر وانتهاك حقوق الإنسان في تأصيل المفهوم، ع48، مجلة كلية التربية الأساسية، جامعة القادسية.

5ـ يوسف، أحمد ربيع أحمد (2002)، الجندرة دراسة تحليلية تقويمية، كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، الدوحة.

الأربعاء، 19 أغسطس 2020

الجندر/النوع الاجتماعي: أدواره وإدماجه في المجتمعات العربية

 

 


 

 المقدمة


     لم يترك اصطلاحا إشكالية في الدراسات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة في المجال الاجتماعي وحقوقها الإنسانية مثلما ترك مصطلح "النوع الاجتماعي ـ  الجندر"، وهو مصطلح نشأ في مجتمع يغاير الثقافة واللغةً ونمط الحياة والمستوى الحضاري حين يتم نقله إلى مجتمع آخر، ولعل من أهم المشكلات التي تواجه المجتمعات العربية ذات الأصل الإسلامي في الدين والثقافة أنها مازالت متعثرة في محاولة تمرير هذا المصطلح على أذهانها مهما حاول المتخصصون في النوع الاجتماعي مواجهته بالأدوار الجندرية وأبعادها وإدماجها مجتمعيا.


      لقد أعلنت "هيئة كير" بالولايات المتحدة الأمريكية عن فكرة المساواة في النوع الاجتماعي والتنوع للمرة الأولى فى عام 1998م، وذلك بالإعلان عن مبادرة تحمل نفس الاسم وقد نالت الكثير من التشجيع و الحماس من قبل القيادة التنفيذية، ولذا فقد تحمست خلال الأعوام التي تلت الإعلان في العمل على تطبيق مبدأ المساواة في النوع الاجتماعي والتنوع من خلال إطلاق حزمة من البرامج، مما جعلها تحرز تقدما ملحوظا فى المجالات التى تؤثر على المشروعات والجهات المشاركة معها.  


  ولقد حدث نفس النجاح والتقدم في الجهة الفوقية في العالم العربي من خلال التمكين للمرأة ولأفكار النوع الاجتماعي من خلال إطلاق العديد من الجامعات العربية سلسلة من الدراسات التي تؤصل للفكر الجندري في المجتمع من خلال العديد من الدكتوراه الأكاديمية والمهنية وكذلك في دراسات الماجستير، وعقد الندوات والمؤتمر والدراسات التي تناقش ذات الفكر في محاولات لتأصيله من خلال إصدار العديد من الكتيبات والكتب والدراسات والبرامج التلفازية، وإطلاق العديد من المشروعات الإعلامية والإعلانية التي يتلقاها المشاهد العربي دون أن يربطها بالفكر الجندري، وهذا عمل مقصود من الدولة وهيئة الإعلام بها.


  مفهوم النوع الاجتماعي ـ الجندر، وفلسفته، وأدواره:


مفهوم النوع الاجتماعي:


     لم يكن مصطلح النوع الاجتماعي ـ الجندر بالمصطلح الجديد على الأسماع وفي المؤتمرات؛ إذ تم إطلاقه من أكثر من عقد من الزمان وأكثر، ويعنون به الاختلاف في الأدوار التي يقوم بها الرجل والمرأة في ضوء الحقوق والواجبات والالتزامات، وكذلك العلاقات وكافة المسؤوليات والأشكال، غير أن الذي يحدد مكانة كل منهما هو الدور الاجتماعي  والثقافي خلال التطور التاريخي لأي مجتمع مع ضرورة نبذ الثبات في الأدوار المكانية للرجل والمرأة، وضرورة التقبل لإمكانية التغيير.


      مازال مصطلح الجندر(Gender) " يمثل معاناة لمن أراد ترجمته، ولابد من ترجمته؛ لأنه المصطلح الذي تدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة التي تتناول موضوع التنوع الاجتماعي، كما لا يزال الخلاف دائرا حول بداية خروجه للعالم، هناك من يرى أنه قد ظهر لأول مرة في وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان الذي عقد في عام 1994م، وحددوا مرات ذكره بواحد وخمسين موضع، أشهرها الموضع الذي جاء في الفقرة التاسعة عشرة من المادة الرابعة من نص الإعلان الذي يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية. ولم يثر المصطلح أحدًا؛ لأنه ترجم بالعربية إلى (الذكر/الأنثى)، ومن ثم لم ينتبه إليه، ثم ظهر نفس المصطلح مرة أخرى وقصد في هذه المرة أن  يكون بشكل أوضح في وثيقة بكين 1995، حيث تكرر مصطلح الجندر في هذه الوثيقة مائتان وثلاثة وثلاثين مرة، وهو ما كان من ضرورة معرفته والوقوف على معناه في لغته الأصلية، ودلالته.


    لقد حاول من يترجمون مصطلح "الجندر" من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية أن يجعلونه في صورة أقرب للمفهوم الاجتماعي العربي لتمريره وقبوله،  ولقد عرفته منظمة الصحة العالمية باعتباره مصطلحا يفيد استعماله تناول الصفات التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، ولا علاقة بها بالاختلافات العضوية، وهو ما يعني أن التكوين البيولوجي للذكر أو للأنثى ليس له علاقة باختيار النشاط الجنسي الذي يمارسه كل منهما؛ لأن النوع في ذاته كمصطلح يحمل سمات أساسية يتصف بها، هي التي ستجعل ليس من العسير فهمه فقط بل وتقبله في ضوء هذه السمات، وهي:


ـ السمة الأولى: النوع ثابت في حالته، ومتغير في إنتاجه: 


أي أن النوع عملية تعرف التغيير على الرغم من كونه في الأساس حالة ثابتة، بل يعاد إنتاجها باستمرار ولا تعرف السكون والثبات.


ـ السمة الثانية: النوع يرتبط بالمجتمع لا بالأفراد:


أي أن النوع لا يرتبط بالأفراد في مجتمع ما، بل يرتبط بالبناء الاجتماعي؛ فالمرأة ليست امرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذلك الدور وكذلك الذكر.


ـ السمة الثالثة: النوع يدعو إلى تنظيم علاقات اللا مساواة:


أي أن تعريف النوع يدعو إلى تصحيح فكرة عدم المساواة في النوع الاجتماعي وتحسين تمثيل ومشاركة الفئات المهمشة ومنها المرأة وغيرها من الفئات التى لا يتم تمثيلها على النحو الكافى، أي المساواة فى النوع الاجتماعى والتنوع والتغيير.


   إن النوع ليس في أساسه البيولوجي المستقر عليه بل هو مُعطى حضاري اجتماعي يتأثر بالثقافات السائدة في المجتمع عن الجنس، وبالتالي تحاول كل التعريفات استغلال خاصية تفكيكه وصولا إلى تحرير العقول والأذهان من كل التصورات القائمة السابقة وارتباطها بالنمط الجنسي فقط، ويبقى التعويل فقط على تحديد الخصائص المتعلقة بمن هو ذكر وبمن هي أنثى؛ فالنوع الاجتماعي هو التمييز الثقافي للذكر على الأنثى، وأن جذوره تمتد بالأساس إلى الثقافة وليس الطبيعة. هذا ما يريد أن يفهمه كل فرد في المجتمع من مفهوم النوع الاجتماعي وهو ما يتم تطبيقه.


 فلسفة الجندر ـ النوع الاجتماعي:


     تتعامل فلسفة الجندر في التركيز على التنكر لتأثير الفروق البيولوجية من خلال التمييز بين مفهومي الجنس والنوع؛ فالتمييز يعني أن الجنس يتعلق بالشروط البيولوجية والفزيولوجية المرتبطة بالأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية والهرمونات وغيرها من الصفات الجنسية الأخرى وباجتماعها تؤدي إلى تحديد الجنس أنثى أم ذكر، غير أن الذي يجب التعويل عليه طبقا لهذه الفلسفة هو مجموع العوامل والشروط التاريخية، والثقافية، والاجتماعية، والنفسية، خاصة وأن النوع الاجتماعي ـ طبقا لفلسفة الجندر ـ يتحدد من خلال الأدوار الذكورية والأنثوية التي تصطبغ بالمدركات الاجتماعية والثقافية الفطريّة في تحديد أدوار الرجال والنساء، وهو ما يعني أن تكوين فكرة الرجل عن نفسه تستند إلى واقع بيولوجي وهرموني، أي لا يوجد  تأثير للفروق البيولوجيّة في سلوك الذكر عن الأنثى.


    إن فلسفة النوع الاجتماعي تحددها موقفها من الذكورة والأنوثة وتكمن في إحساس الذكر بذكوريته والأنثى بأنوثتها في ضوء ما يريد كل منهما تحقيقه لنفسه، ولو كان ذلك مخالفا لما عليه  بيولوجيا، وطبقا لهذه النظرة الجندرية يصبح من حق الذكر أن يتصرف كأنثى، ولو تعلق الأمر بزواج الذكر من ذكر مثله، وفي نفس الاتجاه يكون من حق الأنثى أن تتصرف مثله في الزواج من أنثى مثلها، ولا يجب أن يثير مثل هذا التصرف أي غرابة مجتمعية في هذا، بل من الممكن أن  تنشأ أسرة عددها امرأة واحدة لها الحق في أن تنجب ممن تشاء، ويجب أن يتم القبول بهذا مجتمعيا.


   لذا فقد وجب العلم أن الفلسفة الجندريّة طبقا لمفهوم النوع الاجتماعي والسياسات المؤطرة لهذا المفهوم ترغب بشتى الطرق إلى الخروج عن الصورة النمطيّة التقليدية المستقرة في الأذهان عن الأسرة، ولذا فقد ربطتها بالمنظمات الأممية، والهيئات الدولية التي تفرضها بالرهبة والرغبة على كل المجتمعات البشرية مهما كانت ثقافتها وخصوصيتها، بل أن غالبية الأهداف التي تتبناها المؤتمرات النسويّة تحصر مطالبتها بضرورة تعدد صور وأنماط الأسرة التي قد تكون مكونة من رجلين أو امرأتين، أو من رجل وأولاد بالتبنّي، أو من امرأة وأولاد جاءوا بطريق الزنا. فخلاصة الفلسفة الجندريّة التماثل كامل بين الذكر والأنثى، دون الفروقات والتقسيمات التي تستند لأصل الخلق والفطرة.


أدوار النوع الاجتماعي ـ الجندر:


      يأتي أدوار النوع الاجتماعي من الركائز الأساسية في مصطلحات النوع الاجتماعي فيفهم من المقصود بـ "الأدوار"، هي ما يقوم به جنس الذكر وجنس المرأة من أدوار تشكلها أو تصنعها الظروف الاجتماعية حولهم، لكنها لا ترتكز على الاختلاف أو التنوع البيولوجي بالضرورة، غاية ما هنالك أن هذه الأدوار التي يحددها مجتمع ما للجنسين، والثقافة المترسخة في كل جنس والقدرات والمهارات التي يحققها كل مجتمع لقيامهما بتلك الأدوار، أي أن أدوار النوع الاجتماعي أو “الجندر” هو الأدوار والسلوكيات والأنشطة والصفات المحددة لهم من قبل المجتمع، على أن يتم بناء النوع الاجتماعي من خلال التنشئة الاجتماعية عبر الأسرة والمدرسة والإعلام، وتختلف من مجتمع إلى آخر بحسب عاداته وتقاليده وقيمه ومعاييره والاتجاهات ومستوى المساواة ﺑﻳن اﻟﺟنسين.


أدوار الجندر:


الدور الإنجابي:


  يعتبر الإنجاب هو الدور الأساسي الذي تحلم بالقيام به أغلب النساء في العالم ومعروف ما يصاحبه من مراحل تأتي متتابعة وزمنية وأملها الحمل ثم الولادة وإرضاع الأطفال، وتربيتهم ورعاية الأسرة،  وهو من أهم الأدوار بل الدور الوحيد واللصيق بالمرأة من خلال نظرة المجتمع إليها، وينتج عن هذا الدور عددًا من المسؤوليات المشتركة والمهام المنزلية والعائلية، والتي يقوم بها المرأة والرجل معا.


الدور المجتمعي:


يأتي الدور المجتمعي امتدادا واتساقا مع دور المرأة الإنجابي، حيث يبدأ من اهتمام المرأة بعائلتها إلى الاهتمام بمجتمعها من حولها أيضا، وذلك عن طريق تقديم بعض الخدمات الجماعية التي تتشارك فيها مع نساء مجتمعها أو مع الرجال لخدمة المجتمع المحلي، وتتباين هذه الأعمال بتباين ظروف الأسرة ومستواها الاجتماعي والاقتصادي، غير أن المهام تتوزع خلال هذا الدور بين المرأة والرجل على حسب الثقافة المجتمعية، ويؤدى هذا الدور بشكل تطوعي للمساهمة في تطوير المجتمع.


الدور الإنتاجي:


    هناك من الأعمال الإنتاجية المتعددة التي تقوم بها المرأة في محيط أسرتها وخارجها، وهو ما يمثله هذا الدور، غير أن الأعمال المرتبطة بدورها الأسري غالبا ما تتسم بالاختفائية، ويمكن إرجاع ذلك لعدم اعتراف المجتمع به بل ويفتقد لعدم التقدير لوقوعه خارج الدور الرسمي لعمل المرأة،  والدور الانتاجي يقوم به كل من المرأة والرجل نظير أجر يتقاضونه غير أن مؤشرات الفجوة الجندرية الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي تفيد بمشاركة المرأة في أربعة محاور رئيسية على مستوى العالم، وهي: الصحة، والتعليم، والمشاركة السياسية، والتمكين الاقتصادي ومازال لها أدوار.


   إن نسبة مشاركة المرأة في محور السياسة ومحور الاقتصاد مشاركة متدنية، على الرغم من النسبة المرتفعة في مشاركتها في قطاعي الصحة والتعليم، وهو الأمر الذي يجب التصدي له من خلال إيجاد حلول لمحاولة رفع نسبة مشاركة المرأة في القطاعين الاقتصادي والسياسي، كما يجب زيادة دور المرأة في عملية اتخاذ القرار وتخفيض الفروقات في الأجور بين المرأة والرجل وتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تحكم سلوك المرأة والرجل بهدف القضاء على الفجوات الجندرية.


الدور السياسي:


من المعروف أن الرجل منذ عشرات السنين يحتكر معظم المناصب السياسية والقيادية ومراكز اتخاذ القرار في العالم، وما يزال دور المرأة في هذا المجال مقيدا ونسبة مشاركتها ضئيلة بالنسبة للرجل.


  لهذا كان من الواجب التعرف على تقسيم الأدوار بين النساء والرجال لأنه هو الوسيلة الوحيدة لإظهار وتوضيح الأعمال والأدوار التي يؤديها النساء والرجال في مجتمع ما أو في بيئة معينة والتي تحددها ثقافة المجتمع وتقاليده وعاداته، في ضوء القيم والضوابط والتصورات المجتمعية تبعا لطبيعة كل من الرجل والمرأة، وقدراتهما واستعدادهما وما يليق بكل واحد منهما حسب توقعات المجتمع، مع اعتبار النوع الاجتماعي ليس مهمته المرأة فقط أو السيطرة على الرجل أو نقض القيم والعادات، ولا يعني أن تتخلي المرأة عن أطفالها ولا أنوثتها؛ بل الاهتمام بأدوار المرأة والرجل في المجتمع معا.


تحليل للأدوار الجندرية الحالية في ظل جائحة كورونا:


   أثر ظهور جائحة فيروس كورونا ( COVID-19) في العالم على النوع الاجتماعي، مما جعل  الاختلاف يدور بين الباحثين والمهتمين في تحديد ماهية ومجالات هذا التأثير وبالتبعية الأحق في الدعم من قبل الدول، فرأى اتجاه أن الرجال أكثر إصابة بالفيروس من النساء ولذا فهم الأولى بالرعاية والاهتماممن النساء،  بينما رأى أصحاب الرأي الآخر أنه يثير ترتيبا جديدا في الأدوار الجندرية لما يمثله من تحديات جديدة أمام النساء، بل أنه يخلق مخاطر لأولئك الذين أصبحوا معزولين عن شبكات الدعم بما يجعلهم في وضع أكثر خطورة وبالتالي يجب أن تراعي السياسات الحكومية لمكافحة الفيروس مبدأ التمييز الإيجابي لصالح النساء، خاصة وأن الرجال أكثر عرضة للوفاة من الفيروس من النساء، وليس هذا استباقا من المرأة لفرض دورها على المجتمع بل بالأرقام.


  لقد أظهرت إحدى الدراسات أن معدل الوفيات بين الرجال في الصين كان أكبر عند مقارنته بـمعدل وفيات النساء وفي إيطاليا كانت نفس المفارقة في المعدلات، وقد تولد عن هذا الموقف اختلاف الباحثين والعلماء في التفسير الذي أرجعه البعض إلى العوامل البيولوجية ونمط الحياة؛ فالرجال أكثر تدخينًا من النساء  مما يضر بالجهاز المناعي لهم؛ بينما توصل وتوصل أخرون إلى أن الاختلافات الهرمونية قد تلعب دورًا رئيسيًا في الاستجابة المناعية، فهرمون الإستروجين يحمي النساء من الفيروسات المميتة (2)، ورأى أخصائيو المناعة أن النساء تميل إلى انتاج استجابات مناعية أقوى ضد العدوى من الرجال، ومن ثم فإن النساء المصابات تكون أكثر حظًا في الشفاء من الفيروس لأن مناعتهن تحارب العدوى في وقت أبكر وأكثر فعالية، وهو ما يؤكد ضرورة إعادة ترتيب الأدوار الجندرية داخل مؤسسات العمل الرسمية؛ فالعلاقات المتساوية يجب أن تتغير تبعا لذلك.


    كما أن النساء أكثر وعيًا بالفيروس وآثاره مما يجعلهم أقل عرضة للموت بسببه، وهو ما جعلهن أكثر استباقية لمواجهة تفشي الفيروس، وأكثر إبلاغًا عن الآثار النفسية الناجمة عن القلق بشأن الفيروس، بل أن الشواهد تؤكد أن النساء كن أول من لجأن إلى الكمامات والمواد الكحولية حرصا على حياتهن وحياة أسرهن بل وحياة رجالهن أيضا، وحياة العاملين معهن في العمل أيضا والمجتمع.


قضية إدماج النوع الاجتماعي في المجتمع:


تمكين المرأة الاقتصادي في العمل والتنمية:


   أصبح من المؤكد في الزمن الحالي أن التنمية البشرية والتنمية المستدامة لا يمكن تحقيقهما تحقيقا جيدا على أرض الواقع دون مشاركة المرأة على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بحسب مفهومي التنمية البشرية والتنمية المستدامة وربطهما بمفاهيم النوع الاجتماعي ـ الجندر؛ فالتنمية في الأساس سواء أكانت بشرية أم مستدامة تقوم على مبدأ المشاركةالتي تستدعي عدم إقصاء أو تهميش أي من القوى المجتمعية باعتبارها المستفيد من قيام التنمية ومردودها، كان للمرأة أن تشارك بل تتاح له فرص المشاركة الحقيقية في التنمية بكل النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية طبقا لمفاهيم النوع الاجتماعي، وتحقيقا للتنمية، وإرساءً لمبدأ العدالة الاجتماعية.


   إن النوع الاجتماعي يرتكز على الأدوار أو المراحل المنبثقة عن الحقوق والواجبات والالتزامات التي تعني أن المرأة شريك فاعل في كافة الجوانب الحياتية سواء الاجتماعية وتأتي على رأسها ثم المشاركة الاقتصادية كطرف أصيل عامل وداعم في التنميتين: البشرية والمستدامة، ثم المشاركة السياسية سواء بحقها في الإدلاء بصوتها أو بترشيح نفسها في الانتخابات، ولقد  ثبت أن إقصاء المرأة عن أي جانب من تلك الجوانب وخاصة التنمية لا يعود بالسلب على المرأة ذاتها وإنما على المجتمع ككل لأنه بمثابة تعطيل طاقة إنتاجية كبيرة كان من الواجب أن تساهم شأنها شأن القوى المجتمعية الأخرى ذلك أن التركيز على إرساء التركيبة السكانية داخل الديموغرافية الاجتماعية تضر بالرجال في الأساس، لأن الرجل غالبا ما يكون في التعداد هو الأكثر والمرأة عندها الاستعداد. 


 لقد استخدم النوع الاجتماعي آلية التحليل الجندري في الأساس كآلية تعمل على تحليل العلاقات بين المرأة والرجل في ضوء النوع الاجتماعي من خلال الأنشطة والظروف والاحتياجات والوسائل لكل منهما مع التركيز على خصوصية المرأة ومدى مشاركتها المتاحة لها، ومن هنا تثبت أهمية أداة التحليل الجندري من حيث قياسها لمدى تحقق العدالة بالنسبة للمرأة في المجتمع الذي تعيش فيه بشكل خاص، وعن مدى تحقق العدالة بشكل عام بالنسبة لكافة القوى العاملة في المجتمع.


مشكلات إدماج النوع الاجتماعي في المجتمع:


     تعود أهمية التحليل الجندري في الوقوف على عدالة مشاركة المرأة في الجوانب المجتمعية المختلفة، وتتشارك التنمية المستدامة مع الجندرية في تعزيز تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء الفتيات في ضوء التنمية المستدامة باعتبارها أكثر تداخلا وتعقيدا من التنمية البشرية وذلك لأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية وهي الجوانب التي يقيس بها التحليل الجندري الاحتياجات الاستراتيجية التحويلية طويلة الأجل الأكثر إلحاحا للمرأة وتقييمها جندريا لمعرفة الفرص المتاحة لتحتلها ومن أجل الحصول عليها تدخل في عملية تفاوضية من أجل تعزيز وضعها أيضا.


 على الرغم من أن التنمية لا تعتبر مجرد سبيل لتوفير الخدمــــات المناسبة بل تتجلى في المشاركة الايجابية للمرأة مع الرجل تطبيقا للمساواة التي يؤطرها مفهوم النوع الاجتماعي والمشاركة الفاعلة للمرأة التي تعوقها عن القيام بدور بناء في هذا المجال من خلال استبعادها أو تغييبها أو إقصائها أو تهميش دورها، وقد أصبح من المؤكد إن تحقيق التنمية المستدامة يتعذر دون مشاركة المرأة على مختلف المستويات سواء الاجتماعية منها أو السياسية أو الاقتصادية، مع كون تمتع المرأة طبقا لحقوق الانسان بحقها المشاركة السياسية، والتمكين السياسي طبقا لمفهوم النوع الاجتماعي الرئيسي والشامل لتعزيز المساواة بين الجنسين وطبقا لمفهوم إدماج النوع الاجتماعي الذي يفهم منه أنه عملية تقدير الآثار المترتبة على أي إجراء يعتزم اتخاذه بما في ذلك التشريع والسياسات أو البرامج في جميع الميادين وعلى كل المستويات، بالنسبة للنساء والرجال، مما يعني أنها إستراتيجية متكاملة في تصميم السياسات والبرامج وتنفيذها ومراقبتها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


   إن الهدف الأساسي من مشاركة المرأة للرجل في العمل السياسي والاقتصادي والتنموي وتمكينها ينبغي أن ينتج عنه مزيدا من التحكم والمشاركة في كافة الخدمات الأساسية من خلال توفير الخدمات الأساسية للمرأة مثل الوعي والمشاركة والتحكم، وهو من الأهمية في تقسيم الأدوار بين النساء والرجال وتوضيح المهام والأدوار التي يؤديها كلاً منهما وتحديد إطار وأدوات محاور التحليل النوعي وتوزيع الأدوار بينهم مع التنبيه إلى تفاوت الفرص بينهم والحصول على الخدمات والعمل.


إدماج النوع الاجتماعي في البحث العلمي:


     تسابق العاملين على توطيد أركان النوع الاجتماعي في المجتمعات باستخدام العديد من الوسائل التي تعمل على تسريع تطبيقه بعد ان ساهموا في تمريره وتقبله لدى تلك المجتمعات وفئاتها المختلفة،  وقد كان من أيسر الوسائل التي لجأوا إليها هي مجال البحث العلمي بعد أن عملوا على القايام بالعديد من المؤتمرات في كثير من الدول التي تم التخطيط لها بعناية بحيث تشمل دولا أفريقية واسيوية وأفريقية عربية إسلامية في الأساس كمؤتمر القاهرة للسكان، لكن كان التركيز على فتح مجال البحث العلمي، والمسابقات التي تدعو لها كثير من الهيئات الحكومية للمشاركة فيها.


والثابت أنه خلال السنوات الأخيرة، بدأت أكثر من جامعة عربية في تأسيس أكثر من مجال دراسي خاص بقضايا النوع الاجتماعي وذلك لتأثر هذه الجامعات بظهور وشهرة هذا المجال الدراسي في جامعات الغرب، ونظرا لانتشار استخدام مفهوم النوع الاجتماعي من قبل الهيئات الأممية والإقليمية والمحليّة في القضايا التي تتعلق بالتنمية والمجتمع، مع وجود دعم غربي لا محدود لهذا النوع من الدراسات، من خلال قيام الشراكات بين الجامعات الغربية والعربية في هذا المجال الدراسي، ومنها برنامج للماجستير المهني في النوع الاجتماعي والتنمية متعدد التخصصات تقدمه كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالتعاون مع معهد دراسات التنمية بإحدى جامعات المملكة المتحدة وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بغرض إعطاء دراسة مركزة ومتكاملة عن التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجه عملية التنمية والتحول التنموي، كما يسعى البرنامج إلى منح الطالب رؤية في كل مناحي الحياة مبنية على مفهوم النوع الاجتماعي وغيرها من المفاهيم.


   كما تقدم بعض الجهات المنح الدراسية والتمويل، ومنها بعض الجهات الدراسية الغربية التي تدعم مثل هذا النوع من الدراسة في هذا المجال بغرض تمكين النساء والنوع الاجتماعي (الجندر) والسياسة حيث تقوم بتزويد الباحثين الشباب من الدول العربية في مجال النوع الاجتماعي (الجندر) والسياسة بفرصة إقامة اتصالات داخل وعبر الأقاليم مع طلاب الدكتوراه الآخرين والمتمرسين في المجال ذاته، وتقوم  بتوفير إشراف أكاديمي إضافي في عدد من مجالات البحث، وهو ما يسعون لتحقيقه دوما.


نقد النوع الاجتماعي ـ الجندر من خلال النظرات النسوية:


    تقبل البعض مفهوم النوع الاجتماعي وتفاعل معه كمُسلَّمة من المسلَّمات بينما نظر البعض الآخر له باعتباره قضية تستوجب المراجعة، خاصة أن النظريات النسوية نفسها كانت لها رؤيتها تجاه  قضايا المساواة والعمل؛ فالنسوية المحافظة أو التقليدية كانت ترى  أن المكان الطبيعي للنساء هو البيت فلسن َفي حاجة إلى أن يثبت أنفسهن خارج البيت في العمل لأن الرجال مكانهم الطبيعي العمل خارج المنزل، بينما كانت النظرة النسوية المتحررة أو الليبرالية تجاه  نفس القضايا ترى أن الأدوار الجندرية ـ النوع الاجتماعي، يحققها كل رجل وامرأة داخل كل أسرة بما يعود عليهم بالراحة والنفع، على أن الرجل والمرأة يجب أن لا يقنعا بأدوارهما دائما، وكانت نظرة النسوية المتطرفة أو الراديكالية تجاه  ذات القضايا ترى أن الرجال قد تحكموا في سوق العمل ليمارسوا الاضطهاد ضد المرأة اقتصاديا، وماديا وجنسيا، ولهذا فهم يعملون على قهر النساء بالعمل في البيت.


      في حين اقتصرت نظرة النسوية الاشتراكية تجاه  تلك القضايا على نقد الرأسمالية لأنها تجعل من المرأة معتمدة على  الرجل في النفقة لضمان بقاء الزواج التقليدي، ولن يتحقق هدم البغاء إلا بإطلاق المساواة بين الرجل والمرأة، واقتصرت نظرة  النسوية الثقافية على أن النساء يجب أن يكن لهن مكانهن في المواقع الثقافية لشيوع السلام. وهو ما يعني أن المحرضين للمرأة للخروج من فطرتها إلى ما يريدونه من أهواء محاولة منهم لتركيعها وإبعادها عن الفطرة السوية التي خلقها الله عليها، كما أن هناك نساء ركبن نفس الموجة في محاولة للكشف عن ذاتهن ونجاحهن وتحقيق مكانتهن الاجتماعية والثقافية فسرن في نفس الاتجاه العولمي المحرض على الجندر ـ النوع الاجتماعي.


   لقد تعامل النوع الاجتماعي أو الجندر مع قضية المرأة من خلال جعلها قضية رئيسية مركزية  تدور حول الأسرة والمرأة وأدوارها التي لا تكاد تجد الخلاف على وجود مكانة المرأة، ولا يعني في النهاية أن نعيد ترتيب أدوارها الجندرية في الأسرة وفي المجتمع هو ما سيعيد لها الإحساس بالتمكين الاقتصادي، بل أن هناك نساء معترضات كما في النظرة النسوية بتعددها كما في نظرة المرأة الملتزمة والتي تأبى أن تسير في ركاب التنوع، وهو ما سيكون واضحا من خلال نقد الجندر دينيا.


نقد النوع الاجتماعي ـ الجندر من خلال النظرة الدينية:


     لقد وجد النوع الاجتماعي ـ الجندر الكثير من المعارضة في إطار الفكر الإسلامي بشكل خاص وقد تناول الرد عليه مجموعة من الكتاب والعلماء والباحثين في نفس الوقت الذي وجد له من يتقبله ويروج له ويدافع عنه، وقد ارتكز من يخالفونهم في نفس الرؤية ويطالبون بالتفرقة بي الذكر والأنثى طبقا للأمور التي ساوى وفرق فيها الإسلام بين الذكر والأنثى، ومنها: المساواة بين الذكر والأنثى في الإسلام في القيمة الإنسانية "الوجودية" حيث خلقهما معا من طينه واحدة ومن معين واحد، بما يعني أنه لا فرق بينهما لا في أصلهما وفطرتهما، ولا في أهميتهما، وجعل الاختلاف بينهما مبنيا على التكامل والانسجام أي أن العلاقة ليست قائمة علا الانتقاص من قدر المرأة تجاه الرجل أبدا.


    ولقد ساوى الإسلام بين الذكر والأنثى في المسؤولية الخاصة والعامة وفي الثواب والعقاب وفي العقوبات لا مفاضلة، وساوى بينهما في الحقوق المدنية سواء في التملك والتعاقد وحق البيع والشراء والرهينة،  والهبة، و توكيل الغير أو ضمانه فللمرأة شخصيتها الكاملة مثل الرجل في الإسلام لها حق التصرف في حالها قبل الزواج وبعده، وحقها في إبداء الرأي، وحقها في التعلم والتعليم، وحق الانفصال عن زوجها أعطى للمرأة هذا الحق، ولكن يفرق بينهما في كيفية وأسلوب هذا الانفصال، كما يفرق بينهما في أمور أخرى؛ فليس الذكر كالأنثى في بعض التكاليف التعبدية فليس كل ما يصلح ويلائم طبيعة المرأة يلائم طبيعة الرجل في كل ميادين الحياة وهي الاختلافات الطبيعية القائمة بينهما التي تهدف في مراعاة المرأة وصيانتها والتخفيف عنها ، رحمة بها وتقديراً لظروفها، مثل ما أسقط عنها الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس لكي لا يشق عليها، ولأمور أخرى.


    ليس الذكر كالأنثى في بعض الأحكام الشرعية، ومنها: عورتها التي تخالف عورة الرجل؛ فبدنها كله عورة أمام الأجانب إلاّ وجهها وكفيها، كما لا تجب عليها صلاة الجماعة، ولا تسافر إلاّ مع زوجها أو محرم، ولا تقدم على الرجال في الحضانة والنفقة، كما يسقط الجهاد عنها، وأعفاها من النفقة وجعل الرجل هو المكلف بذلك، ولو كانت متزوجة فنفقتها واجبة على زوجها وإن كانت موسرة، وإن كانت غير متزوجة أو في مدة العدة؛ فنفقتها واجبة على أوليائها من أهلها ووالديها.


الخاتمة:


         عرف العالم مصطلح "النوع الاجتماعي ـ الجندر" من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة التي عقدتها لمناقشة وطرح القضايا المتعلقة بالمرأة ودورها الاجتماعي من خلال النوع، ولا يزال هذا المصطلح يثير الكثير من المشكلات في ترجمته وتعريبه لأنه أنما نشأ في مجتمع له ثقافته ولغته ومستواه الحضاري فكان أن ترك مفهوما مغايرا عند انتقاله إلى المجتمعات الأخرى، وكان أول من أعلنت عن النوع الاجتماعي "هيئة كير" بالولايات المتحدة الأمريكية وقصدت به المساواة في النوع الاجتماعي والتنوع للمرة الأولى فى عام 1998م، وقد أحرزت تقدما ملحوظا فى المجالات التى تؤثر على المشروعات والجهات المشاركة معها، وهو ما جعل الفكرة تخرج إلى العالمية بل وتجد من يؤيدها، ومن هذه المجتمعات العالم العربي الذي استقبل الفكرة في طبقات معينة علوية من المجتمع.


      لقد حاول القائمون على النوع الاجتماعي تمرير المصطلح من خلال إطلاقه في المؤتمرات بشكل متتالي، ومن ثم محاولة فرضه وتطبيق مفاهيمه من خلال الهيئات الدولية والمنظمات الأممية التي عملت على الدعوة إليه بالترغيب والترهيب ومن خلال الدعم المادي، وإنزال العقوبات على الدول المخالفة غير أن المشكلة بل العقبات التي تقابل تطبيقه في المجتمعات العربية والإسلامية أنه يتعارض في الأساس مع معتقداتها الدينية، ومع تراثها الموروث، وعاداتها وتقاليدها المجتمعية المتجذرة نتيجة للخبرة المتراكمة، وقد كان للجندر ـ النوع الاجتماعي فلسفته التي حاول تسويقها والترويج لها في كافة الطبقات المجتمعية وخاصة أولئك من يفهمون النوع الاجتماعي ويتعاطونه.


    أحرز النوع الاجتماعي/ الجندر بعض النجاح والتقدم في بعض الجهة في العالم العربي من خلال إدماج النوع الاجتماعي للمرأة في التنمية والتنمية المستدامة، ومن خلال تمرير مفهوم الأدوار الجندرية في محاولة لإعادة ترتيب الواقع المجتمعي طبقا لهذه الرؤية التي استفادت حتى من جائحة كورونا لتقدم دليلا جديدا على صحة ما ذهبت إليه، ومن خلال إطلاق العديد من الجامعات العربية سلسلة من الدراسات التي تؤصل للفكر الجندري في المجتمع وهو ما لاقى ترويجا لأن بعض الجامعات العربية طرحته بالمشاركة مع بعض الجامعات الأوروبية مما آنس الرغبة في قلوب وعقول من أرادوا الحصول على الدكتوراه والماجستير في هذا التخصص، ومن خلال الابتعاث والمنح الداعمة لهذا المجال البحثي الجديد الذي برز في أوروبا، ولقد وجه الكثير من النقد للنوع الاجتماعي من خلال بعض النظرات النسوية ومن خلال النظرة الدينية وخاصة الإسلامية التي فندته وفككته.


مراجع لمن أراد التوسع:


1ـ  الدباغ، مي (2013)، النوع الاجتماعي: نحو تأصيل المفهوم في الوطن العربي واستخدامه في صوغ سياسات عاملة نافعة، ع24, ج23، كلية التربية، المجلة العربية لعلم الاجتماع (إضافات)، لبنان.

2ـ  إسماعيل، ريحان حسن عمر (2015)، مفهوم الجندر النوع الاجتماعي في الفكر الإسلامي المعاصر، كلية أصول الدين، جامعة أم درمان الاسلامية، السودان. 

3ـ بغورة، جمال الدين (2017)، دراسة تحليلية نقدية للفلسفة الجندرية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد بو ضياف ـ المسيلة، الجزائر.

4 ـ أبو رموز، سيما عدنان (2005)، النوع الاجتماعي(ﺍﻟﺠندر)، دراسة ماجستير، ماجستير دراسات إسلامية معاصرة، القدس، فلسطين.

5ـ وارتون، إيمي ـ إس (2014)، علم اجتماع النوع ـ مقدمة في النظرية والبحث،  المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر. 

الخميس، 13 أغسطس 2020

التنوع الثقافي والجندر..

 




    إن مفهوم "الجندر" أو "النوع الاجتماعي" مازال غير معروف في بيئاتنا العربية وقاصر فقط على المتخصصين أو المهتمين بقضايا الجنوسة والنسوية والمرأة، كما يشكل أيضًا فهما يُحتاط منه في الفكر الإسلامي، وبين الأمرين يحمل العديد من المفاهيم المغلوطة التي تستدعي التغاضي عنه، أو محاربته أو تجاهله، وهو ما يعني أن الجندر كمصطلح ومفهوم يخلق إشكالية كبيرة في سبيل التعامل معه من خلال التنوع الإنساني، وقضية الجندر في هذا الإطار وبحسب تعريفاته تخلق عاملا مضادا لها في المجتمعات العربية التي ترفض غير المفهوم الديني عن المرأة في إطار التنوع الإنساني الاجتماعي العربي ـ الذي لا يعادي المرأة  في الأساس ـ طبقًا لما استقر في وعيه من احترامها، وتبقى الإشكالية الحقة في التعامل معها طبقا لمفهوم الجندر.

   أما مفهوم الجندر فيدور حول الأدوار أو المراحل المنبثقة عن الحقوق والواجبات والالتزامات التي ترتبط بالنوع الاجتماعي من حيث تحديد المجتمع لأدوارهم طبقا للفترة التاريخية طبقا للمفهوم الاجتماعي والثقافي بشكل يسمح بالتغيير في فترات قادمة، وهو ما يعني أن الصورة التي ينظر بها المجتمع للنوع الاجتماعي من الرجل والمرأة  من حيث الأسلوب والأفكار وحاجة المجتمع، وليست النظرة على الأساس البيولوجي المعروف.

   ومفهوم التنوع الثقافي في أصله ينتمي إلى التنوع الإنساني الذي يعني أن هناك اختلافا بين الأفراد ليسوا هم من صنعوه، بل هو راجع إلى الصفات الإنسانية المشتركة بين جماعة ما، والمستمدة من نظامهم الثقافي المركوز فيهم، الأمر الذي يخلق المعايشة والقبول بين الأفراد بعضهم البعض في إطار هذا التنوع المحمود.

  وهنا يجب أن نسأل: ما الذي أدي إلى ظهور الجندر أو النوع الاجتماعي الآن؟

   وتأتي الإجابة من خلال التعرف على فلسفة الجندر وأهدافها، أما فلسفتها فتقتضي محو الفروق الطبيعية بين الذكر والأنثى، وهذا اتساقًا مع محو الفروق الفوقية والعلوية بين الجنسين مما يقتضي أن يكون هناك قبولا مجتمعيا للتعامل مع المرأة داخل التنوع الثقافي والإنساني للمجتمع، غير أن هناك من يقول أن الأمر أكبر من هذا فالجندرية لا تقبل بغير التكامل بل التطابق بين النوعين مع رفض الاختلاف الفطري وذلك في ضوء أدوار النوع الاجتماعي حسب المستقر مفهومه في أربع أدوار، وهي:

ـ الدور الأسري أو ما يسمى بالدور الإنجابي: وفيه يقتسم الرجل والمرأة الأدوار فالإنجاب دور المرأة والتخصيب دور الرجل، ويشتركان معا في رعاية الأسرة والأطفال.

ـ الدور التشاركي أو ما يعرف بالإنتاجي: وفيه أن الرجل والمرأة يعملان وينتجان، ويحققان عائدا، وهذا يعني التماثل في الجهد والإنفاق.

ـ الدور التنظيمي أو المجتمعي: دور المرأة في العمل التطوعي النابع من إنجابيتها في أعمال تخص التوعية الصحية وما شابه، بينما دور الرجل في المشاركة في العمل الاجتماعي بما يعرفه.

ـ الدور السياسي: وهو مقسوم بالمشاركة السياسية أو التمثيل السياسي وغيره.

    أما الأهداف فتتمثل في مشاركة المرأة في التنمية مشاركة فعالة طبقًا للعوامل المتعلقة بالاقتصاد والإنتاج،  والثقافة، والعوامل الاجتماعية وليس قصرها على العوامل الفطرية الطبيعية المعروفة، والعمل على توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة  في العمليات القائمة على التنمية مما يؤدي إلى تعظيم العائد من المشاركة الاقتصادية التي تعود بكل النفع على المجتمع، كما أن من أهم الأهداف هو الكشف عن القدرات المخبوءة في الرجل والمرأة، وتوظيف المهارات الموجودة لديهما، واكتساب مهارات أخرى تعمل على تعظيم العائد الذي يساهم في النفع العائد على المجتمع. 

       مما تقدم نفهم أن الهدف القائم من الجندر هو الدفع بعملية التنمية في المجتمع التي وضعت لها العديد من المؤشرات المرتبطة بالتنمية، والمؤشرات المرتبطة بالمرأة، غير أن مؤشرات التنمية تقيس بشكل واضح  مدى قبول وإدماج المرأة في سوق التنمية الفعالة طبقًا لمقاييس المساواة بين الرجل والمرأة، مما يصبح معه أن القبول بالتنوع الثقافي المجتمعي به خلل ما، وهو ما يعتمد في قياسه على مؤشر المشاركة النسائية في المجتمع واعتمادها على: مدى مساهمة المرأة في اتخاذ القرار، ومجالات العمل المفتوحة أمام المرأة ومداها، ثم قياس العائد من دخل المرأة عليها، وهذا ما يؤكد عدم تضاد التنوع الثقافي لمساهمة المرأة ومشاركتها أو عدم قبوله لها، وذلك سيكشف بالطبع غياب المرأة ودورها على من يخططون لبرامج التنمية في المجتمع.

    كما  يتوقف على تقدير فعالية عمل المرأة داحل البيت كما تعمل خارجه تماما، ولقد كانت المرأة مندمجة في سوق العمل قبل تطبيق الجندر لكن على الرغم من ذلك لم تكن مندمجة بصورة متساوية، مع الوضع في الاعتبار أن التنوع الثقافي مازال قاصرًا عن قبول المرأة كعضو عامل في عملية التنمية، ولذا فالجندر تهدف إلى تواصل الرجل بالمرأة  وتحقيق تقسيم أدوار العمل في المجتمع بينهما، ومدى مساهمة المرأة بالنسبة للرجل والعكس لتبيان وجه القصور الحادث في التنمية من ناحية، والقبول بالجندر داخل التنوع الثقافي المجتمعي من ناحية أخرى.

  إن مصطلح الجندر من المصطلحات التي ما زالت مجهولة في قطاعات كثيرة مجتمعية، وحتى لو ذكر مرادفه العربي فلن يكون مُعينًا على تفهمه، كما يساهم تفسيره في خلق وجهات نظر مختلفة متعارضة أو متضامنة، ولا شك أن ارتباط المصطلح في سبيل مشاركة المرأة بالعمل التنموي أمر محمود غير أن قبول هذا المصطلح باعتباره من التنوع الثقافي سيواجه معارضة شديدة ليست باليسيرة في اعتماد قبول المرأة داخل هذا التنوع الثقافي والإنساني تحت أي مسمى.

    إن التنوع الثقافي في تعامله مع الجندر أو النوع الاجتماعي لن يتأتى إلا بالتوعية وإدراك مفهومه الصحيح، وعقد ندوات تعرضه بشيء من التبسيط، وما مدى أهمية فلسفة النوع الاجتماعي، وأهدافه، وغايته في مجال التنمية بما يعود بالنفع على الجميع، ومحاولة قبوله في إطار التنوع الثقافي الحميد، وتبيين الأفكار المغلوطة عن النوع الاجتماعي بما لا يتعارض والقيم الدينية المستقرة التي تعترف بالفروق البيولوجية، ولا تقبل بالتساوي التام بين الذكر والأنثى، كما يجب الوقوف مع دمج المرأة في التنمية، وتقليص الفجوات بين الجنسين، وهو ما سيتم بيانه في المقالات اللاحقة التي تتصل بذات الموضوع إن شاء الله.