الخميس، 19 يوليو 2018

قراءة في ديوان: "حارة الصبر" للشاعر عزت المتبولي..


    




    لا تفارقك متعة الإصغاء حين تراه يلقي قصائده بصوته الذي يصور أبعاد حروف الكلمات المنتشية بالإلقاء، تظن أن المتعة ستفارقك حين تقرأها وحدك، لكنك تعجب أن الرجل متجسد فيها بين الصفحات يرددها ويغنيها ففي الحالين متعة في امتطاء صهوة صوره التي يجيد رشرشتها فوق رمال قصائده بحرفية لكنه يوهمك أنها عفوية.

 إنه الشاعر عزت المتبولي واحد من أهم شعراء السويس في ميدان شعر العامية في وقتنا الراهن، غير أن الرجل على كثرة ما حصد من الجوائز وترأس نادي أدب السويس ثم رئيس الأدب المركزي بقصر ثقافة السويس السابق، وعضويته باتحاد الكتاب المصري، لا يهمه سوى أن يكون ذلك العاشق الواله في دنيا الحرف، يصطاد المعاني التي يجيد التقاطها ويصبها في صور جديدة تمتاز بالتماسك في البناء في مطالع القصائد ثم يشدها عبر دروب ومسارب تظن أنها تاهت منه ليضعك فجأة أمام ختام أبياته التي تردك لأولها ليرتسم المعنى بكليته في ذهنك الذي قد تظن أنه قد فر من خيال الشاعر ومن انتباهك.

تستطيع أن تطالع ذلك وغيره وأنت تقرأ قصائد الشاعر في ديوانه: "حارة الصبر" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في 2015م، والذي يضم عدد (39) قصيدة تتعدد موضوعاتها بين الجوانب الذاتية، والإنسانية، والوطنية، والقومية، يتميز أغلبها بالحشد الكبير من الصور الشعرية، والصورة الشعرية كما يراها الدكتور صلاح فضل ليست حلية زائفة بل هي جوهر فن الشعر، ذلك أنها تحرر الطاقة الشعرية الكامنة في العالم، وهذا عين ما يفعله "المتبولي"، وليس أدل على ذلك من مطلع قصيدته "الخوف" التي يقول فيها:

الضي وجود.. والفجر خلود
والليل على إيد الصبح يتوب .. بمجرد ما يشوف النور
يجري يروَّح .. والشمس عبيطة ما بتصدَّق
ترخي شعورها ..على وش الكون
مع إن الليل دايمًا مجنون .. بمجرد ما النور بيروَّح
بيعيد تشكيل كل ملامحه .. ويشب يقوم.

ولن يمل القارئ من كثرة هذه الصور التي يجتهد الشاعر من أجل التجديد فيها، وتوليدها عبر ثنايا القصائد وليس المطالع فقط بل والنهايات، من تنوع الدلالة المجدول بلغة "القص" التي تتأتي فيها الكلمات متعاقبة، والجمل متناغمة، تؤدي إلى نهايات بعينها تحكمها أحيانًا المفارقة التي تأتي عكس ما يريد، أو ضد ما يطمح.
   لا تغيب ألفاظ (الصبر/ الشارع/ الحارة/ الحواري/ الحي/ بيتنا/ الحلم/ ريح أمشير/ البحر/ يتوضى/ السفر/ المشاوير، حلق ـ حلوق الريق).

   كما لا تغيب الكلمات الفصحى التي لا يقحمها على النص، بل تدخل ضمن لوحته التي يشكل فيها صوره الفسيفسائية بزخارف وألوان يصنعها من نسيج الواقع بريشة الخيال التي لا يتوقف القارئ عندها أو يتلعثم أو يراجع الجملة حين يطالعها، بل تأتي تمامًا محكومة بالسياق، مما يؤكد تواصل الشاعر بلغته الفصحى وحفاوته بها أيضًا في إبداعه.

  يستخدم الشاعر عزت المتبولي الرمز ببراعة فائقة، وفي أكثر من قصيدة له مغموسة في قيم الوطنية والإنسانية حين يستدعي الطبيعة ـ أحيانًا ـ رموزًا، مثلما يستدعي شخصيات الطقوس التي نستخرجها من الحواديت المخيفة إلى ساحات الزار "العفاريت" كما في قصيدته "دستور يا اسياد"، وكذلك يطلق بعض الصفات المرذولة على صاحبها دون أن ينعته بها بل يختار له اسمًا أو مصطلحًا من إنشائه هو، يفرَّغ فيه مكنونات مفهومه هو، يستدعيه من تجاربه هو، وذكرياته معه، من مثل "طرح الهجين" وغيره.

 تعانق أكثر من قصيدة في الديوان (ذات) "البحر" مع (ذات) "الشاعر" الذي لا يتعامل معه بوصفه مُفردة من مفردات الطبيعة الصامتة، ولعل القارئ حين يطالع تلك المقاطع.. لن يكون البحر في تخيله كما كان عليه بعدما عرف "بحر المتبولي". وقد استغل البحر كثيرًا من الشعراء السابقين في سياقات كثيرة، وهو ما يثبت أن لكل شاعر رؤيته الذاتية التي يرصفها لفظًا وحرفًا وكلمة وصورة ودفقة تحوي مضامينه وزاويته التي يبصر من خلالها، أو نظرته الذاتية النفسية التي تنعكس عليها المفردة المرئية.

  وأنا لا أريد أن أرحل إلى تعقيدات النقد ومعجميته التي لا تتوازى مع تلك النصوص التي لا يخضعها المتبولي لمضامين سياسية تغلفها أيديولوجية معينة، وإنما هو يستقيها من الحياة ويردها إليها ثانية في سلاسة وأريحية، ذلك أن الجانب الاجتماعي فيه شكَّل أجواء القصائد التي لا تفارق الحارة، ولا الحي، ولا الشارع، ولا عيال الحي، ولا إضافة "نا" "الجماعية" إلى كل تلك المفردات التي يحملها فوق ظهر قلمه يتجول بها من قصيدة إلى أخرى مع تفصيلات جديدة بمحبة ووله يتمددان داخل شخصية الشاعر التي تتواصل، مازالت، مع الطفولة وترتد إليها عبر أكثر من مقطع في أكثر من قصيدة.بالديوان.

تصنع قصائده الذاتية ديوانًا وحده تناثر عبر جغرافية حارة الصبر/الديوان، وإذا جمعها من ديوانه هذا وكل دواوينه لوصفت حاله الذي يهوى البكاء على الحظ العاثر، والحلم المهاجر، وأكثر من قصيدة تعانق فيها الصبر بالسفر بالحلم، وهو ما يعبر أقوى تعبير عن غربة الذات الشاعرة بين جوانح المتبولي الإنسان أو بطل قصائده، والتي أحيانًا ما تأتي النهايات بالتصريح بمحاولات الانعتاق التي لا تجد في غير الحلم ملاذًا، والسفر أمنية، والبحر والقطار والسفائن وسائل، وكذلك التشوف إلى الغد المأمول أن يأتي بجديد يغسل أعتاب الحزن والخيبات والعثرات، وسنين الصبر:

ـ تاهت كل سفاين حلمه ... ف زحمة روحه [عَفَرِ الأيام].

ـ نظرة لبكره ... والشوف عناقيد [نايات الصمت].

ـ أصل الأحلام اللي ف قلبه ...بتدوَّر في ملامح بكره [الخوف].

ـ وف الآخر .. برغم التوهه والزحمة .. بيتصحبوا على الأحلام [أكيد ممكن].

ـ أي مراكبي .. يقدر ياخدك.. ويسافر بيك.. وسط الأحلام [بُص وشوف].

ـ مش قادر أخطي ف مره لوحدي .. وأشب وأنط .. وأروح أتشعبط.. على كتف حيطان .. قطر السكة .. الجاي 

هناك .. كان نفسي في مرة .. يقف وياخدني [ولسَه بدوَّر].

ـ وتبطل تنزف من أحلامي .. سنين الصبر [ولسَه بدوَّر].

  تأتي قصيدة "درويش ده عايش" التي أهداها الشاعر عزت المتبولي إلى صديقه الشاعر الراحل "درويش مصطفى" نسيجًا وحدها، وموتيفة غزلها بالحب، وبصدق الأحاسيس الإنسانية، غير أن نفسه وقلمه لم يطاوعاه؛ إذ لم يتنازل عن أن يصب تشوفه للغد الساكن في عيون الحلم على "درويش"، وكأنها قضية وحلم كل شاعر، وهمه الأبدي الذي لن يموت بموت صاحبه.

   كانت سياحة ماتعة عبر حارة صبر الشاعر عزت المتبولي، الكبير ـ بحق ـ  على المستوى الإبداعي، والجميل والنبيل كذلك على المستوى الإنساني،  تذوقتُ فيها بعضًا من ثمرات قريحته، وزناد فكره، وفرائد فلسفته الإنسانية التي لا تراوح ذاتيته وتتوق إلى المستقبل الزاهر الذي يعم لا نفسه وحدها ولا وطنه مصر وحسب بل أمته العربية، والإنسانية بشكل أعمق وأوسع.



الاثنين، 9 يوليو 2018

غار حراء وأثره في الفنون..







      مثلما احتل جبل النور بغاره القلب المسلم، حتى صار ذلك الغار الذي احتضن الرسول صلى الله عليه وسلم مهوى الأفئدة ومحط الأنظار، وكأنه قيثارة سماوية كلما رنا إليه ببصره وبصيرته عزفت أوتاره لحنًا خفيًا في جنبات النفس لا يدرك مصدره، وكأن كل مسلم فاته الجوار النبوي في تلك الخلوة السامية، استعادها بمخيلته، وحنينه وخياله المجنح في ذلك الأفق السماوي الأرضي، الذي يرتفع عن الأرض ولا يلامس السماء.

مثلما احتل الغار القلب المسلم بعامة، احتل قلب وعقل ووجدان وأحاسيس الفنان المسلم، الذي استلهم من إشراقات الخلوة النبوية مع الله تعالى، وشيوع السكينة، وتلقي النفحات، وتنزل الرحمات، ثم انسكاب النور من السماء على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم فيضانه من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأوعية من الصدور إلى السطور، وتلافيف العقول، لمحات تشتعل بها اللوحات الفنية التي تحاول أن تقبس جذوة، أو ترصد برقًا من نور، ومن يترجمها منهم عمارة بالقياس على أبعاد روح حراء لا بنيانه فقط، ومن يتصيد من الأثير الذي لف جو الغار بعض نغمات هادئات هامت بها وجدانه.

لقد كان لحراء غار النور أثره الذي لم يقتصر على الدراسات الدينية والأدبية فقط بل أثَّر في الفن الإسلامي أيضًا، وهو ما يعزز تلك المكانة المُقدَّرة لا المُقدَّسة والموقرة لذلك الغار الحبيب لأنه احتوى أنفاس الحبيب صلى الله عليه وسلم.

لا يستطيع الفنان المسلم وهو يمارس هوايته أو مهنته في الفن أن ينفصل عن عقيدته الإسلامية التي تنحو نحو التوحيد وتلتصق بالفطرة، وتحرم تعاليم تلك العقيدة التعويل على الجسد البشري في إبراز مفاتنه وتكوينات وعلاقات أعضائه، بل تحاشى حتى تصوير الكائنات الحية لما قد يقع فيه من مشابهة الخالق عز وجل في خلقه، ولذلك فقد لجأ إلى التجريد.

طبقًا لمنظومة التجريد الكامنة في عقيدة وتكوين وثقافة الفنان المسلم المعاصر استطاع استلهام غار حراء في أعماله سواء في النحت أو التصوير أو العمارة، أما من شذ منهم وانتقل من التجريد إلى التشخيص فقد هوجم هجومًا شديدًا من أكثر المؤسسات المجتمعية وعلى رأسها المؤسسات الدينية الرسمية، والقاعدة الجماهيرية، وبالطبع الجهات الفنية الرسمية وغير الرسمية.

ــ حراء في الفنون التشكيلية:

الفن التشكيلي هو ما ينقله الفنان مأخوذًا من الواقع، غير أنه يصب فيه من مفهومه، وروحه، وتجربته، فيصيغه صياغة جديدة عن صورته الطبيعية الحقيقية، وأهمها بالنسبة له النحت والتصوير:

أ ـ استلهام غار حراء في فن النحت:

أبدع النحات الأردني الدكتور كرام النمري من خلال تمكنه من صياغة الكتل ومحاولة تشكيلها في الفراغ مع خلق علاقة فنية فكرية صحيحة تبين الممكن في التعامل واللا ممكن صرحًا يتكون من سبعة رقاع “مخطوطات” مصنوع من الحديد المحمي المطعم بالنحاس الأحمر والأصفر عملًا مبدعًا استقاه من الآيتين الكريميتين من سورة الكهف: ﴿آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)﴾ وقد كتب على الرقعة الأولى الآية الكريمة التي نُزلت على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم توحي وتذكر في تنزيل القرآن. وقد كتبت في خط فجر الإسلام، بحجم يتراوح (m12mÍ6mÍ4) ويزن ستة عشر طنًا.

وقد استوحى كرامي “الرقاع” من غار حراء، حيث قال: (إن الشكل مستوحى من قصة نزول جبريل عليه السلام بالوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه في غار حراء، يقول له اقرأ فرد عليه السلام خائفًا ما أنا بقارئ، فجاء الشكل مكونًا من رقائق على شكل رقاع سبع ملتفة على بعضها البعض نازلة على تراب التلة ضامة كلمات الآية القرآنية ولقدسية كلام الله تعالى رفع الفنان هذه الصحائف عن الارض ولم يضع لها قاعدة حتى لا تكون مرتبطة بالأرض مباشرة.

ب ـ استلهام غار حراء في فن التصوير:

فاز تصميم “غار حراء” بأبعاده (200 م×18 م)، من أعمال الفنان الخزاف أحمد علاوي في المسابقة العالمية لتزيين الحرم المكي التي أقيمت في مكة وبمشاركة 405 فنان وفنانة من مختلف الجنسيات، وكان الهدف منها تزيين تسعة مواقع بجانب الحرم المكي بتسع جداريات فنية من الخزف.

ــ استلهام حراء في العمارة:

فكر المعماري التركي “إمري أرولات” في بناء مسجد يختلف تمامًا عن مساجد العالم الإسلامي، يثبت له الفرادة والتميز، خاصة وأن المسجد سيبنى في منطقة “بيوك تشكماجا” في مدينة إسطنبول، تلك العاصمة الغاصة بالمساجد الشهيرة، فكان أن سافر ببصره وفكره إلى ينبوع الإسلام الأول ومهد آيات الذكر الحكيم “غار حراء”.

بنى أرولات مسجد “سنجاقلار” ومعناه بالعربية “غار حراء” على مساحة 700 متر مربع ليتسع لحوالي 900 مصل، فكان أول مسجد يبنى تحت الأرض في العالم، جامعًا بين جوهر التصاميم الإسلامية والعثمانية القديمة والتقليدية المتعلقة بالمساجد مع التصميم الحديث والعصري، لكن ليس هذا كل شيء حتى نقول أنه استلهم روح وليس شكل حراء في التصميم والبناء والمواد، ومن ثم الهدف.

اختار أرولات وفريق العمل معه لبناء المسجد منطقة بعيدة عن فوضى وضجيج المدينة، حيث يقف بشكل منعزل عن مجتمعات الضواحي المحيطة به، وجدرانه العالية تحدد حدوده بشكل واضح، وقد اعتمد المصممون في بنائه بشكل أساسي على استخدام مواد خشنة المظهر كالحجر الرمادي البركاني والأسمنت، كما دفنوا معظم بناء المسجد تحت الأرض بمساحة 13 ألف قدم مربعة مستفيدين من ميول الأرض المنحدرة، كي يبدو كجزء أساسي من التضاريس المحيطة به، فالمظلة المستطيلة الطويلة جدًا التي تمتد من الحديقة هي العنصر المعماري الوحيد المرئي من الخارج والذي يشير إلى وجود المسجد، بينما الباقي من البناء تحتضنه الأرض في سلام.

وضع فريق العمل “غار حراء” نصب أعينهم، فاستلهموا منه التصميم الداخلي للمسجد، وكان أن قرروا الالتزام بالبساطة مع التخلي التام عن الالتجاء إلى استخدام الزخارف والأشكال واستعيض عنها بآية قرآنية وحيدة، وهي: “وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا” وهي تحمل رسالة للمصلي بداخله بالتفرغ لله تعالى بالصلاة والذكر والتسبيح، لا تشغله زينات أو مقرنصات ملونة أو رموز وخطوط وفسيفساء هنا وهناك.

جاءت إضاءة المسجد استلهامًا حقيقيًا من غار حراء الذي كان يعتمد على ضوء النهار تمامًا، فقام فريق العمل بتوجيه ضوء النهار إلى داخل المسجد بشكل غير مباشر من خلال فتحات وشقوق مخفية بطول جدار القبلة، وتساهم الأعمدة الخرسانية التي توجد تحت القبة بتوجيه وتجميع الضوء.

ــ مغارة “غار حراء” في باكستان:

استحضارًا لصورة جبل النور واستلهامًا لغار حراء في معناه ومبناه، قرر عبد الصمد لهري مع شقيقه عبد الرشيد في عام 1992م إطلاق مشروع دفن النسخ القديمة من القرآن الكريم في بطن التلة الصحراوية الواقعة بالقرب من مدينة كويتا الباكستانية التي أطلق عليها اسم جبل النور تيمنًا في مكة المكرمة، والغار الذي يضمه.

كان دافع الشقيقين لإنشاء هذا الموقع هو تجميع نسخ القران المهترئة والممزقة في غار صغير؛ إذ يعد التعامل معها بالرمي أو الحرق أمرًا صعبًا في باكستان يعرض فاعله لعقوبة قاسية قد تصل إلى الحكم عليه بالإعدام بموجب القانون، ومع تزايد ورود نسخ القرآن إلى الغار قاما بعملية حفر وتوسيع حتى بلغ طول النفق نحو 26 كيلومترًا بأربعة مداخل.

ويقصد مغارة “كويتا” أو “غار حراء” مئات الآلاف من الزوار بعد أن أصبحت أشبه ما يكون بالمكتبة الضخمة للنسخ القديمة من القرآن الكريم والتي تحوي ما لا يقل عن خمسة ملايين نسخة قديمة من القرآن الكريم منها ما يعود إلى أكثر من قرن ونصف القرن.

ــ حراء في الخط العربي:

الخط لسان اليد كما يقول ابن عباس، وهو الفكر الساكن، أصعب الفنون الإسلامية، وذلك لأن الفنان فيه لا يملك في يده غير القلم البسيط، وهذا القلم مسطرة الخطاط وبِرْجَلُهُ كما يقول الخطاط وأستاذ الجامعة باسطنبول.

والخط من الفنون الأوائل التي اتصلت اتصالًا وثيقًا بالقرآن الكريم؛ إذ نستطيع أن نقول إن الخطوة الفنية والجمالية الأولى للخط العربي بدأت مع بزوغ شمس الإسلام في غار حراء.

من تلك البلاد التي اشتهرت وتعلقت بالخط العربي “باكستان”، وقد تجلى هذا في المجلد الصادر عن القنصلية العامة لجمهورية باكستان الإسلامية في جدة، بعنوان: “علم بالقلم.. الخط العربي في باكستان”، وقد ضم بين دفتيه مجموعة رائعة من الخطوط والرسومات التي اعتمدت على الحرف العربي، يعكس تعلق الباكستانيين بلغة القرآن.

ولقد انتهج الفنان التشكيلي الباكستاني محمد إقبال أسلوبًا جديدًا وذلك حين استخدم ماء زمزم في لوحاته، وقد أضاف إليها أيضًا حجارة من غار حراء في عدد من الرسومات ليمنحها عمقًا روحيًا، جامعًا فيها بين الخط العربي وأصالة الفنون الباكستانية.

ــ حراء في الموسيقى العربية:

أحمد زهدي الفاتح قرقناوي شاعر يتسم شعره بالتأمل والروحانية الحالمة، وهو أيضًا باحث أكاديمي تخصصه «أنثربولوجيا الموسيقى» يجمع في موسيقاه بين الكلاسيكية العالمية والمحلية الحجازية، فتميزت أعماله بالنغمات الشرقية الأصيلة بمعالجة أوركسترالية احترافية عالمية، ولهذا كان قرقناوي السعودي الوحيد الحاصل على جائزة المفكر والفيلسوف اللبناني سعيد عقل.

تجاوز الإحساس بالكلمات كمجرد كلمات لها معاني، فرآها في الأصل حروف، لها أصوات ولها أشكال، تتآلف وتتنافر، وهذا أورثه التحدي في خلق عمل جميل صوتيًا وشكليًا وفكريًا على حد سواء، وربما جعله هذا ينقطع زاهدًا أيامًا عن الطعام والشراب إلا قليلًا، معتزلًا الناس حتى يعايش حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أيام انقطاعه في غار حراء، حتى ألف قطعته الموسيقية الطويلة الرائعة الهادئة، الكلاسيكية الراقية: “وجدان محمد صلى الله عليه وسلم ــ تجربة غار حراء نموذجًا”.

الاثنين، 2 يوليو 2018

عصام ستاتي: الْمِصّرِّيُ مَذْهَبًا..





   


    
    تتحدث الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها "شخصية مصر" عن دور الشيخ تقي الدين السبكي عندما كثرت الفِرق وزاد الخلاف بينها في القرن السابع الهجري وتأزمت الأمور، فيتطلع الإسلام والمسلمون إلى مصر لتحسم موقفها كدأبها في الأزمات الكبرى، فتقول: (فاتفق رأي العلماء على رجلنا الشيخ تقي الدين السبكي ليوفق بين المذاهب الأربعة ويخرج منها بالنفاذ المصري واللمح المصري والوجدان المصري مذهبًا ينقاد الناس له، ويرتاحون إليه، ويقرون عنده).

   فكأنها تتحدث عن رجُلِنا الكاتب والباحث "عصام ستاتي" التي شهدت مدينة "السويس" أشهر مدن جمهورية مصر العربية والعالم ميلاده في مقتبل ستينيات القرن الماضي، كما كانت شاهدة على رحيله إلى العالم الآخر في آخر يوم من شهر يونيه من العام الجاري 2018م، وبين التاريخين عاش مصريًا وطنيًا من المهد إلى اللحد، متخذًا من الوجدان المصري مذهبًا له إنسانًا وباحثًا، ويتطلع المصريون إلى النهل من علمه الواسع بالمصريات وتخصصه فيه حتى صار من أعلامه البارزة.

    ولقد عرفتُ الراحل الكريم منذ عشرين عاما وأَشهدُ أنَّهُ كان ابن مصر العاشق لبلده بعلمٍ وعمل، وتجردٍ وإخلاص، كما كان الإنسان الخلوق الذي ينصب فكره حول ما يكتب أو يعمل أو يبحث دون الدخول في دوائر الصراعات أو النفعية أو الشللية أو البحث عن دور أو مكان أو مكانة أو تَصدُّر المشهد، كان يريد أن يقول كلمته التي ستبقى بعده بكل صدق وأمانة، على أن تكون نافعة في الناس.

    عاش وأخلص "ستاتي" لمصريته: الحضارة والتاريخ والتفرد والامتداد، وعكف مثلما عكف غيره من الباحثين المخلصين في إثبات وحدة تاريخ مصر كما سبقه إلى هذا الراحل الكبير محمد العزب موسى، في كتاب له بنفس العنوان، والذي يبرهن فيه على أن التاريخ المصري هو تاريخ شعب واحد لا شعوب متعددة، وأنه تاريخ واحد بلا انقطاع، وكما أسس لهذا الدكتور جمال حمدان من قبل.

     ولئن كتب غيره كتابًا واحدًا في هذا المضمار واكتفى، كان هذا الأمر هو قضية "ستاتي" ومحور عمره الذي ارتكز عليه، ودار حوله، وعمل على إثباته عبر سلسلة            من الكتب التي أصدرها التي يمكن أن تشكل موسوعة لو ضُمَّت لبعضها، ومن أهم مؤلفاته: [السمسمية بين الواقع والأسطورة، مقدمة في الفولكلور القبطي، اللغة المصرية الحالية، شم النسيم: أساطير وتاريخ وعادات وطقوس،القلزم بين حقيقة التاريخ وأسطورية الإبداع السردي]، أما "ليالي الفطام" فهي عمل أدبي صب فيه خلاصة دراسته لعلم النفس، وفهمه العميق للنفس الإنسانية وتبحره في عوالم الأدب والقصة خاصة.

    تأتي آلة السمسية لتؤكد منهج "ستاتي" في البرهنة على أن حضارتنا المصرية حضارة واحدة .. مستمرة .. متصلة بلا انقطاع، فيقول في كتابه "السمسمية بين الواقع والأسطورة": (السمسمية هي الآلة المميزة للشخصية القومية المصرية، يبدو أنني صدمت مشاعر القارئ بهذه المقولة لكنها صحيحة؛ إذ تُجمِع الدراسات والمراجع المتخصصة على أن آلة "الكنر" السمسمية المصرية القديمة أول الآلات الوترية الكاملة الصنع والتركيب، وقد عُرِفت بالتحديد منذ أكثر من أربعة آلاف عام مضت).

   ثم يقول: (فهل بعد هذا نحن بحاجة للسؤال: لماذا السمسمية؟ فالسؤال ببساطة يعني: لماذا أنا مصري؟.. ولأن السمسمية آلة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ المصري، فوجودها حتى الآن يعطي مؤشرًا قويًا بأن حضارتنا على مر التاريخ حلقة من حلقات الاتصال وليس ثمة انقطاع كما يتوهم البعض).

  يتخذ ستاتي السمسمية مَعْبَرًا من الإقليمية إلى الهوية المصرية بشكل عام حتى لا يتقوقع في محافظته أو إقليمه، يبدو هذا الاتجاه لديه جليًا عندما أسس فرقة للأبحاث والفن الشعبي فأطلق عليها "كنر" انعتاقًا وتحررًا من سويسيته إلى مصريته التي يَعملُ لها بحثًا وتأسيسًا فكريًا. مع كونه سويسيًا عاشقًا لها وغارقًا في قنالها وشوارعها، التي يصفها في مقاله: "السويس التي لا تُنسى": (على جانب من القناة ارتسمت أحلى صورة لمدينة السويس وظهرت عروس البحر الأحمر بفستان أزرق متموج يضمه ترس وأربع عجلات تدور كعقارب الساعة يتوسطه شعلة بلون الدم والجمر)..

    وليس أدل على عشقه للسويس أن يكون مفتتحه في التصنيف والتأليف كتابه "السمسمية بين الواقع والأسطورة" منتهيًا بكتابه "القلزم بين حقيقة التاريخ وأسطورية الإبداع السردي"، والرابط بين عنوانيهما كلمة "أسطورة"، غير أن هويته المصرية هي الأبقى ومن أجلها يناضل.

   يثبت ستاتي انحياز المصري لأصوله عبر الاستشهاد بكلمات من العامية المصرية المتداولة التي يراها امتدادًا للغة المصرية القديمة، فيرى أن المصري استفاد كثيرًا من اللغة الفرعونية واللغة العربية لينحت منها لغته الخاصة فيما عرف باللهجة العامية كلغة وسيطة بعد أن تخلصت من الصرف والتنوين.

   إن غاية الراحل عصام ستاتي هو الانتصار للهوية المصرية لأنه يراها تحتوي الأديان ولا تحتويها أي ملة لنفسها أو تحتكرها لها، ولعل من يطالع مقدمات كتابيه عن الفلكلور القبطي وشم النسيم سيلاحظ هذا جيدًا، حيث لا يرى أن الفولكلور القبطي منفصلًا عن الهوية المصرية، فهناك فولكلور وطني مصري؛ لأن كلمة قبطي في اللغة الفرعونية تساوي كلمة “مصري”، وأن المصري حالة من التواصل لا ينكر ما سبقه، بل يضخ فيه دمًا جديدًا، يتوافق مع روح المجتمع الذي يعيش فيه.

   ليس ه
َم ستاتي أن ينتصر لمصر المسيحية أو مصر المسلمة بل الانتصار لمصر بكل ما فيها ومن فيها بلا ادعاء أو مزايدة، مصر المتواصلة بتاريخها القديم في عصرها الحديث، ولذا فهو يدعو المصريين للاحتفال بشم النسيم باعتباره عيدًا عالميًا، فيقول: (هيا نكتب لمصر تاريخًا آخر غير تاريخ الملوك والسلاطين والحكام.. نكتب تاريخ المصريين الحقيقي).

   إن ستاتي يريد أن ينقل التاريخ الحقيقي من قلوب وأفواه بسطاء المصريين من خلال عاداتهم وتقاليدهم وأساطيرهم.. لأنه يرى أنه آن الآوان لإماطة اللثام: (عن علامات تبين وحدة المعتقد الشعبي الذي هو وقود الوحدة الوطنية وصاهرها في بوتقة تشكل جسد وقلب مصر التي حماها الله بفضل هؤلاء البسطاء منتجين عبقرية المصريين الذين اكتشفوا جوهر العقيدة كما يراها الله، وهو الدين لله والوطن للجميع)..

    حين كنت ترى عصام ستاتي يمشي متئدًا، ويتكلم هادئًا، كأنه مصري قديم من طيبة أو منف، يحمل فوق كتفيه مسوح الحكمة النابعة من الأجداد، فترى الثورة الهادرة في نظرات عينيه، كما تحس مراجلًا مشتعلةً في صمته، تظن أنه لا ينتمي لزماننا، مصري قديم خرج من تابوته وسيعود إليه بعد أن يبلغ رسالته في المصريين المحدثين، ولعل من يطالع صفحته على "الفيسبوك" سيأخذه الدهش من كلماته التي يعلن فيها موقفه على ما يجري دون أن يصطدم بأحد، وتصل رسالته لكل أحد بقدر فهمه وعلمه ووعيه مع كونها من حكم وأمثال حضارة مصرنا القديمة.

    لقد رأى الرجل أنه أنهى مهمته، وقال كلمته، وترك بصمته في آذان وعيون وقلوب من يقرأونه روحًا اتخذت من الوجدان المصري مذهبًا تميل للتوفيق، وتبتعد عن التطرف، وتحب التوسط والتسامح والاعتدال، وهذا كله كان في شخص ستاتي "الحكيم" الذي تركنا جسدًا وبقيت كلماته التي ستعانق الخلود مثلما فعل المصريون القدماء.

الأحد، 1 يوليو 2018

لحظة مكاشفة مع الدكتور محمد حسن كامل يقدمها الدكتور السيد إبراهيم أحمد ــ ج1

    





عبر حوار ممتد مع المفكر الموسوعي العالمي بروفيسور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، اخترتُ هذا السؤال الذاتي منه والذي تأتي إجابته عبر ثلاثة أجزاء بحسب الإجابة عنه، ونبدأ مع الجزء الأول:

ــ مفكرنا الموسوعي الكبير بروفيسور محمد حسن كامل: في لحظة صدق مع ذاتك ومكاشفة .. لو استقبلت من حياتكم ما استدبرت.. ما القرارات التي اتخذتها، وتمنيت إنك لم تتخذها؟ وما القرارات التي أثنيت على نفسك فيها خيرًا؟ وفي المقابل ما القرارات التي لم تتخذها، وتلوم نفسك الآن أنك توانيت في اتخاذها؟

ـــ حبر الاتحاد وسنامه الناقد والمحاور الكبير دكتور السيد إبراهيم، هذا سؤال من العيار الثقيل ثلاثي الأبعاد يطاول الماضي، ويداعب الحاضر، ويتلصص على المستقبل، يحرك الماء الراكد في بحيرة التأمل، على شاطئ التجربة في قارب الحقيقة.. 


بينما ترسل الشمس خيوطها الذهبية التي تميل إلى حُمرة خجل ..تغسل فيها خصلات شعرها قبل أن تأوي إلى فراشها بعيداً في كف الأفق من الشفق الأحمر الذي ينتثر على جبين السماء وكأنها عروس في ليلة الزفاف..


إذا عادت بي آلة الزمن للماضي ما كنت اتخذت هذا القرار: 

وهو مشاركة أصحاب الملايين أو المليارات من الدولارات .. في شراكة أو شركة ..
الأمر الذي جعلني أدور في فلك غير فَلكي بسرعة لم أعهدها من قبل، بين الأرض والسماء ...ومطارات العالم.. واستقبال ووداع ..وغداء في عاصمة وعشاء في أخرى ..تعلمت النوم العميق في الطائرات ..النوم في السماء لأنني لم أنم في الأرض ..اجتماعات بعدة لغات، ابتسامات باهتة توزع مجانا ..

مجاملات وهدايا من عواصم الدنيا ..كنت زبون دائم على السوق الحرة من مدريد إلى باريس، ومن جدة إلى روما، ومن زيوخ إلى صوفيا ..حياة صاخبة فقدت فيها شهيتي رغم الموائد الفاخرة!
لقد نمت في قصور، وفنادق العالم الكبرى .. قابلت أصحاب المال والأعمال ..تعلمت لغة الأرقام ..كنت أستخدم دائماً الألة الحاسبة ...كم سنربح وكم سنخسر!
كنت أشتاق إلى طبق كشري مصري بالدقة والشطة، في الوقت الذي تحط فيه الطائرة ترانزيت في القاهرة، لتنطلق بعد مدة وجيزة لمواصلة الرحلة ..كنت أكتفي بالنظر من شباك الطائرة لأرى أرض المطار والعمال والمسافرين وحقائب الركاب .. ثقافة غريبة تعلمتها من السفر .. الحوار مع من يجاورك في المقعد .. وأنت وحظك ... ياه ...ياه
سئمت من مراسم الاستقبال والتوديع سواء لي أو حينما أودع غيري .. كنت ضيفاً على مطاريّ باريس صباح مساء بين "أورلي" و"شارل ديجول" أحدهما أقصى الشرق والآخر العكس تماما ..

كنت أحس أن سيارتي تعرف الطريق بمفردها ..دون الحاجة لي ..حينما أصل ..تنبهني وصلنا يا أستاذ!

مشكلتي مع الصلوات الخمس بين مطارات العالم ..كانت مشكلة في البحث عن مصلية ولا سيما في مطارات أوروبا، أو البحث عن القِبلة عبر بوصلة صغيرة في جيبي...

أذكر أنني كنت في حفل عشاء مع أحد وزراء السياحة في فندق كبير في الشانزليزيه ..كان يقف وراء كل ضيف أربعة من الجرسونات .. حينما تأكل قطعة من الخبز فوراً يتم تغيير الطبق، أو تأكل قطعة من الجبن يتم تغيير الشوكة والسكين، أو تشرب شربة ماء يختفي الكوب ويهبط عليك كوباً من الكريستال من السما، طبعاً بالماء !

شوك ومعالق وسكاكين وأطباق ذهبية ..تعكس الضوء للعيون قبل الأفواه!

أتذكر بعد هذا العشاء الفخيم الذي لم أكل منه شيئاً طبعاً، خرجت أقصد مطعماً للفول والفلافل المصرية بالدقة والخلطة .. شعرت بعدها بالشبع والسعادة التي لم تناهزها سعادة. .
للأثرياء طقوس ونواميس لا تتفق معي .. لون الكرافتة لابد أن يتناسب مع لون البدلة ..ماشي ..ولكن مع لون العربية ..مسألة صعبة ..لأنني لا أملك سيارات بكل الألوان .. إلا بالإيجار. .

كل الحورات لا تدور إلا حول الملايين والمليارات .. وشراء الإيرباص من الطائرات!
الكل يتكلم لغة واحدة مهما اختلفت الجنسيات واللغات واللهجات والنواصي من عرب وعجم وخواجات.

لم يتحدث أحد منهم عن عمل لله، عمل يخلد ذكراه.

ناهيك عن البذخ في الحفلات والإستقبالات ..استقبلني أحدهم في أحد فنادق القاهرة على عشاء ..مائدة مستديرة تكفي لإطعام قبيلة .. وحراسة وأجهزة لاسلكي ... وتمتمة وهمهمة!
وبالطبع لم آكل شيئاً في هذا الجو الرهيب..ثم دفع الفاتورة عدة آلاف من الجنيهات .. بفيزا كارت .. وانطلق الموكب وأنا بطني يتضور جوعًا.


سجن الملايين والمليارات .. سجن يبعدك عن الله .. هؤلاء القوم يظنون أنهم قادرون على كل شئ بالمال والسلطان .

وحينما يمرضون .. تتحرك الطائرات الخاصة بهم إلى عواصم العالم حيث ينشدون الدواء والشفاء .. منهم من يعود ...والآخرين في توابيت خشبية مغلفة بالزنك من الداخل لمنع تسرب رائحة العفن الصادرة من الجثمان.


اتصل بي أحدهم وقد كان له شقيق يحتضر وقد أوصى هذا الشقيق أن يُدفن في باريس، وسألني إن كان هناك مقابر للمسلمين؟

فأجبت: نعم..
فقال لي: شقيقي أوصى أن يُدفن هنا.
فقلت له: نحترم وصيته .
وسكت ثم باغتني بسؤال : هل هذه المقابر شيك تليق بالمقام؟!
وكان الحوار في مكتب السفير قنصل مصر العام بباريس ...
فقلت له: سيدي، القبر أول منازل الأخرة ....أما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.


هذا من أسوأ القرارات التي اتخذتها في حياتي بحثاً عن المال والغنى .. 

كنت أفتخر أن شريكي من الأغنياء من أصحاب الملايين والمليارات حتى فقدت كل شئ ..
ولكنني أصبحت من أثرياء الفكر والتواضع والتأمل والتدبر..
فتح الله عليّ كنوز فضله وعلمه وكرمه ..لأعود وألْتقي بنفسي مرة أخرى بعد أن فقدتها في هذا التيه ... تيه الأثرياء..

الآن لو خيرني الله بما فتح عليّ من علم وحكمة وسلام مع النفس وكل كنوز العالم من مال وجاه وسلطان.. لاخترت فضل الله عليّ في بلاط العبادة والحكمة .

عدت لألتقي بنفسي بـ "محمد حسن كامل" الذي ضاع مني طيلة تلك التجربة 
التي تعلمت منها كيف تلتقي بنفسك مرة أخرى حينما تضل الطريق بلا رفيق أو صديق..


ــ حمدًا لله على سلامة الوصول والالتقاء بذاتكم في الجزء الأول من إجابتكم على هذا السؤال الكاشف مفكرنا الكبير بروفيسور محمد حسن كامل، على وعد باللقاء بكم أيها الأحبة من المتابعين والمتابعات في الجزء الثاني من هذا الحوار، وحتى ذلك الحين لكم مني السلام والتحية، ولعالمنا الجليل خالص الشكر والمودة والتقدير..

لحظة مكاشفة مع الدكتور محمد حسن كامل يقدمها الدكتور السيد إبراهيم أحمد ــ ج2







     التقينا في الجزء السابق مع إجابة الجزء الأول من السؤال الذي طرحته على المفكر الموسوعي العالمي بروفيسور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، من خلال حواري الممتد مع سيادته، ومضمونه: (في لحظة صدق مع ذاتك ومكاشفة .. لو استقبلت من حياتكم ما استدبرت.. ما القرارات التي اتخذتها، وتمنيت إنك لم تتخذها؟)، ونلتقي اليوم مع إجابة الجزء الثاني من السؤال الذاتي:

ــ مفكرنا الموسوعي الكبير بروفيسور محمد حسن كامل: في لحظة صدق مع ذاتك ومكاشفة .. لو استقبلت من حياتكم ما استدبرت.. ما القرارات التي أثنيت على نفسك فيها خيرًا؟ 

ـ الزميل الناقد والمحاور دكتور السيد إبراهيم أحمد ،الجزء الثاني من السؤال يتعلق بالقرارات التي أثنيتُ على نفسي فيها خيرًا، أذكر منها قرار سفري لبلاد الفرنجة .. قاصداً عاصمة النور باريس ..وهنا تبدأ الحكاية :

كنت مفتونًا بحركات التنوير في العالم، التنوير الذي يحرر العقل والفكر من براثن التبعية والتخلف والتنوير الذي يرسم ملامح الشخصية حينما تسافر للماضي للبحث عن صورة ذهنية ومثل أعلى ذات قيمة وقامة، ومنارة وعلامة، وراية ودراية ...
سافرت كثيراً بين حضارات ومنارات، وأقلام وأعلام في سراديب التاريخ، وأروقة الأحداث بعدة لغات ولهجات، وتقاليد وعادات..

أمتطيتُ جواد اليراع من ذرة إلى مجرة، من العودة للمستقبل للسفر في الماضي .. من المقام إلى الترحال ومن حال إلى حال حتى حطّت راحلتي وبركت ناقتي على شاطئ القرآن الكريم عند أول شجرة وظل.. وهناك وجدت الماء والكلأ والثمار والظل للكل، واحة خضراء في قلب الصحراء هي واحة: 

[اقرأ].. فعل أمر مبني على السكون تكرر في القرآن الكريم (3) مرات بالترتيب التالي: سورة الإسراء الآية (14)، وسورة العلق الآية (1)، وسورة العلق الآية (3)..


وجدتُ أن أول آية في القرآن حسب الترتيب:(ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ)، تتوسط الآيتين: (ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ) [سورة العلق:3]..
والآية: (ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [سورة الإسراء: 14]..
وتلك هي الآيات الثلاثة التي ذكرت فعل الأمر(اقرأ) أول كلمة في القرآن وأول واحة خضراء اهتديت إليها وربطت راحلتي في ظلالها .

من هنا أدركت التاريخ الحقيقي للتنوير الذي جاء مع أول كلمة في القرآن الكريم.. اقرأ وليس كما يدعي الغرب أن عصر التنوير بدأ في القرن الثامن عشر!

إذن للتنوير عصرين:
تنوير إسلامي، أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وله السبق على مستوى العالم، لم نقرأ في أي رسالة من قبل عن تنوير عملي مثل تنوير القرآن ..
وهناك تنوير غربي، وهو تنوير ضد قيود الكنيسة في أوروبا وظهر في بداية العصر الثامن عشر ومن ثم كان عليّ أن أسافر لبلاد الفرنجة وعاصمة النور باريس لأصحح تلك المعلومة التاريخية التي روّج لها الغرب ومحو وطمس التنوير الإسلامي في أول شعاع من نور جاء من السماء في مطلع الوحي بكلمة: "اقرأ".. 

تكررت كلمة "اقرأ في" القرآن الكريم ثلاث مرات تتساوى تماماً مع مراحل الشعور في الإنسان .. يبدأ الشعور بالإدراك عن طريق أي حاسة من الحواس مثلاً رؤية زهرة هذا إدراك والوجدان تولد شعور نحو تلك الزهرة بالإعجاب مثلا هذا يسمى وجدان والنزوع هو التحرك بالقول أو الفعل نحو الزهرة مثل قطف الزهرة مثلاً ... كذلك القراءة تبدأ بإدراك كما قال الحق في مطلع سورة العلق:
(ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ)..

بدأت بآية الإدراك ثم آية الوجدان وهي المشاعر الناتجة عن تلك القراءة وهي الآية الثانية التي حملت كلمة "اقرأ" من حيث الترتيب في التنزيل: (ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ) أمَّا الآية الأخيرة التي ورد فيها فعل الأمر اقرأ هي الآية 14 من سورة الإسراء وتحمل النزوع والحركة وهي:
(ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)..

هذا المنهج الشعوري للنور والتنوير أتى به القرآن الكريم لم ينتبه إليه أحد، بينما راحت أبواق الغرب تروج لفكرة ظهور عصر التنوير على أيديهم في بداية القرن الثامن عشر..
الأمر الذي يجعلنا أن نطرح سؤالاً على بورصة المعرفة في العقل عن ماهية التنوير أو تعريف التنوير؟
التنوير مشتق من النور والنور نقيض الظلام , ظلام العقل قبل ظلام العين !
ظلام في الإدراك يعقبه ظلام في الوجدان ويختم عليه ظلام النزوع....ويأتي التنوير مرادفاً للمعرفة بداية من الإدراك مروراً بالوجدان ثم استقراراً في مقصورة النزوع شريطة سلامة المنهج المتبع..


التنوير إضاءة للعقل وخروجه من قصوره الذاتي وحالة الكسل والفوضى والجبن لإعادة ترتيب الصور الذهنية في العقل ومناقشة مصادرها وألياتها وإعادة صياغتها بمنهج علمي حديث يستخدم آليات العصر من إستباط فكر ووضوح رؤيا تدفع البشرية للرقي والتقدم .. وهذا ما جاء به الإسلام دون تعصب أو ميل أو هوى ... وهذا ما ترجحه المناهج العلمية الحديثة بلغات متعددة.

ـ أشهد لكم مفكرنا الموسوعي العالمي الدكتور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب بأنكم رائد من رواد التنوير، وحامل لمشعل التغيير في مناهج الثقافة الغربية التي اكتفت بتنويرها ورفضت كل ما يأتي به الشرق من تنوير وتثوير، حتى ذلك الفيلسوف برتراند راسل وثلة من التابعين له...

ولهذا فأنت تقدم رؤية جديدة تتفق مع ثلة من مفكري الإسلام الكبار نحو بداية التأريخ للتنوير في العالم بظهور نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.. ورَفَضَها ــ للأسف ــ من أبناء المسلمين جماعة صاروا يؤمنون بكل ما هو غربي، وأصَّلوا وأطَّروا لعصر النهضة وشايعوه وانتصروا له..
بل نادوا بنقل تجربة التنوير الغربي بحذافيرها، ومحاولة غرسها في التربة الإسلامية، رغم التباين الشديد بين التربتين والثقافتين، والديانتين، وما يزال الصراع قائمًا حتى الآن بين المناهض والمشايع لهم..

بورك لكم مفكرنا الكبير في طرحكم، وبوحكم، وإجابتكم التي تنقلنا في سياحة فكرية ماتعة بين الشرق والغرب من خلال الرصد والتأصيل، وبارك اللهم في وقتكم وعلمكم، وعمركم، وسننتقل إن شاء الله إلى الجزء الثالث والأخير من إجابتكم على سؤالنا حول المكاشفة لذاتكم الكريمة..
خالص مودتي وتقديري لشخصكم الكريم أستاذنا، ووافر تقديري وشكري واحترامي لمن يتابعوننا من السيدات والسادة الأعزاء...

لحظة مكاشفة مع الدكتور محمد حسن كامل يقدمها الدكتور السيد إبراهيم أحمد ــ ج3


   







لقد انتهى بنا الترحال عن المكاشفة والذاتية في السؤال إلى الجزء الثالث والأخير من إجابة المفكر الموسوعي العالمي بروفيسور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب:

ــ عالمنا الجليل: في لحظة صدق مع ذاتك ومكاشفة .. لو استقبلت من حياتكم ما استدبرت.. ما القرارات التي لم تتخذها، وتلوم نفسك الآن أنك توانيت في اتخاذها؟ 

ــ محاورنا القدير الحَبر والحبر دكتور السيد إبراهيم أحمد ..تكمن الإجابة في "ساعة الكوكو" ..إجابة عاصفة للذهن!



ــ الإجابة في "ساعة الكوكو" حقًا يا دكتور؟!


ـ نعم ساعة الكوكو.. حينما يخرج هذا الطائر الصغير من ساعة الحائط ذات الصندوق الخشبي البُني اللون عند كل ساعة ليقول: "كوكو .. كوكو"عدة مرات تبعاً لعدد الساعات؛ فإذا كانت الساعة الواحدة سمعنا هذا الطائر مرة واحدة ..وهكذا..


و"ساعة الكوكو".. قصة قصيرة كتبها الأديب الرائع والنجم الساطع ميخائيل نعيمة ضمن مجموعة قصصية في كتابه الشهير: "كان ما كان" الذي كتبه في عام 1932م.

أعلم أنه قد نفذ صبرك.. وربما تسألني عن سر علاقتي بساعة الكوكو وقرار ربما اتخذته متأخراً في حياتي!

ـ نعم.. هذا ما كنت سأستوضحه منكم عن العلاقة بين السؤال والإجابة؟!


ــ سأجيبك: "ساعة الكوكو" .. تحكي قصة حب بين زمردة وخطّار، كل القرية كانت تقول زمردة لخطّار وخطّار لزمردة، في تلك الأثناء عاد إلى قريته بجبل لبنان مهاجر لبناني يحمل معه تلك الأعجوبة "ساعة الكوكو" التي أخذت عقل زمردة وراحت تقارن بين صاحب الساعة وخطّار.. قرر خطّار أن يحقق حلم حلم زمردة بإقتناء ساعة الكوكو..
ركب خطار البحر مغادراً قريته بجبال لبنان متجهاً إلى أمريكا .. وضاع مع الأيام ونسى حبه القديم . القصة تحكي مدى الإنبهار بحضارة الغرب في الوقت الذي ضاعت فيه حضارة العرب.

الجدير بالذكر أن أديبنا الرائع ميخائيل نعيمه عاش 99 عاماً أي نحو قرن من الزمن، قرن من التجارب والفكر والفن والأدب..

حاولتُ أن استفيد من هذا القرن الإبداعي الذي يختال بين دراسته في أوروبا الشرقية بجامعة بولتافيا الأوكرانية بين عامي 1905 و1911 حيث دراسة الأدب الروسي ثم درس الحقوق في أمريكا؛ فهو عربي المنشأ بينما جعبته الثقافية مملوءة من ثقافة الغرب الشرقي والشرق الغربي، بين أمريكا وروسيا. انضم الشاعر نعيمه إلى الرابطة القلمية وكان نائباً لرئيسها جبران خليل جبران في أرض المهجر بأمريكا..


ولد ميخائيل نعيمة في بسكنتا في جبل صنين بلبنان عام 1889 وتوفي 1988م .كان أديبنا الفذ واسع الثقافة والإطلاع موسوعي، ساعد في تطوير كتابة القصة العربية، فضلاً عن مدرسته في النقد الادبي بعيداً عن التعصب الديني والعرقي، معظم كتاباته كانت تدور حول الطبقة الكادحة.. 
من أهم أعماله: "كان ما كان" مجموعة قصصية من بينها" ساعة الكوكو" والتي كتبها عام 1932.


رافق الراحل نعيمه الشاعر جبران خليل جبران الذي ولد في 1883 وتوفي في نيويورك 1931م.. والدراس لسيرة كلا من الرجلين يجد أنهما من أعلام التنوير الغربي الذي بدأ في القرن الثامن عشر.

بعد تلك الدراسة قررت الإنتباه لدراسة أدب أوروبا الشرقية والسفر لتلك الدول والإقامة فيها سنوات بعد الدكتوراه الأولى في فرنسا، باحثاً عن ساعة الكوكو في إقليم البلقان بين المجر ورومانيا وبلغاريا، وفوق جبال الكاربتس وعلى ضفاف دلتا الدانوب الذي يشق عشرة دول أوربية .. شاهدت أطلال حضارة المسلمين في بلاد أوروبا الشرقية .. مساجد تحولت الآن إلى متاحف، مساجد أثرية تحمل عبق التاريخ والفن والحضارة الإسلامية تُباع بالمزاد العلني وهي تبكي دماً قبل أن تبكي دمعاً في الوقت الذي تُلقى فيه ملايين الدولارات في الحانات من بشر يُقال انهم مسلمون.. 

درست بعض لغات تلك البلاد وقرأت آدابها بالرومانية ولاسيما للأديب الشاب العبقري "ميهاي أمينسكو" الذي ولد في مقاطعة مولدوفيا عام 1850 وتوفي عام 1889 ....وهو بالطبع من أعلام التنوير في أوروبا الشرقية في القرن الثامن عشر..


عشت تاريخ الدولة العثمانية في تلك البلاد ....رأيت مخطوطات عربية أصلية ....صليت مع الناس في بلغاريا وحضرت ليلة القدر في مسجد يرجع تاريخه إلى القرن الخامس عشر ..عشت حلاوة الماضي ومرارة الحاضر..


لم أشعر بهويتي الثقافية التي بدأت تفيئ بظلالها الوارفة إلا بعد تلك الرحلة التي أخذت مني سنوات حتى أسطيع الطيران والتحليق في الفضاء بمزيج ثقافي عربي مسلم أوروبي غربي وأيضاً أوروبي شرقي، فضلاً عن زيارتي للمتاحف وديار الأوبرا العالمية..

شعرت بأنني ولد بار من أبناء تلك الطبيعة الساحرة التي تحنو عليّ بعلمها وفكرها وفلسفتها، ثم رحلة التأمل والتصوف والدلوج لمعامل الكيمياء والفيزياء وحسابات والمثلثات وغيرها وصولاً إلى التفكير في العلوم الكونية من أفلاك وذرات ومجرات، ومحاولة كتابة خواطري العلمية نحو القرآن الكريم بكل إحساس عشته مع هذا الكتاب الكريم الذي هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فضلاً عن قراءة العهدين القديم والجديد وفهم روح نص الحكمة من خلالهما .

تلك هي خاصية التلقيح الثقافي التي تقود المرء نحو فكر معتدل ورؤية أوضح وسلام نفسي ينسجم مع الكون كله ويحقق قيمة العبودية والعبادية لله رب العالمين .
هنا كانت ساعة الكوكو تصمت لا تريد إخراجي من تلك العباءة الكونية من الفكر والإبداع في كل مرة أصغي لساعة الكوكو التي تعنفني عن التأخير في القيام بتلك الرحلة التي قمت بها خلال السنوات الأخيرة من حياتي..

حاولت أن أقرأ القرن الفريد من عمر ميخائيل نعيمه...أن أكون وسطي الثقافة وشرقي وغربي العلم والفكر والإبداع .

الآن دقت الساعة وخرج الطائر ليأذن لي بالرحيل، لقد حانت ساعة الكوكو: (كو كو ....كو كو)..

ــ تبًا لتلك الساعة التي أنهت تلك الجلسة الماتعة في حضرة سعادة المفكر الموسوعي الدكتور محمد حسن كامل الذي أمتعنا بتلك الإجابة الصادمة للذهنية، والنقلة تاريخية، والسياحة فكرية، والمراوغة الدبلوماسية المحترفة في الفرار من قبضة سؤال كالضوء ساري عبر مفازات حياتكم الفتية الغنية...
ولكن ما حيلة المحاور مهما كانت ثقافته واحترافيته في المناورة والمداورة مع مفكر بحجمكم، وخبراتكم التي أحاول جاهدًا مطاردتها ومداهنتها عبر دهاليز الأسئلة، وليس عليه سوى التسليم والقناعة بما فاز به من صندوق أسرار محاوره..

خالص شكري وتقديري لشخصكم الكبير والكريم سفير الفكر والثقافة .. ولكل من تابعنا من السيدات والسادة الأعزاء.. على وعد باللقاء في تناول جانب من محاور الحوار الثرية بكل جديد ومفيد..