الخميس، 6 يناير 2022

حدث في الأول من يناير 2022م..



قد تراه حدثا عاديا بعد أن تفرغ من قراءة مقالي، ربما، لكن من المؤكد أن إنسانيتك، ومصريتك وعربيتك ستحتاج لمراجعة فكرية، وتاريخية، وربما انثروبولوجية لتمر بكل عادات البشر من التزلف لصاحب السلطان، والهرولة عند أبواب أو موائد من عنده المنفعة، لكن ما حدث في هذا اليوم وتحديدًا في منتصف نهاره أمرٌ لو لم أحضره وأشهده لكان صعب التصديق عليَّ إلى حدٍ كبير.

لقد تنمرتْ إحدى القيادات في مديرية التعليم بالسويس بالمربية الفاضلة السيدة مريم عامر والتي كانت تشغل مدير التعليم الابتدائي، ونتيجة لكثرة المكائد والمؤامرات التي حيكت ضدها، كان عليها إما أن تواجه وتهدر طاقتها التي وظفتها لخدمة التعليم والتلاميذ وأولياء أمورهم فيما ينفعهم، وإما أن تخرج بسلام وهي متوجة على عرش الكرامة الإنسانية، محتفظة بتاريخها الناصع، ومواقفها المشرفة، ووقفاتها الداعمة النبيلة في نفوس كل من عرفها أو سمع عنها ممن عمل معها أو لم يعمل بشكل مباشر، خرجت وقلوب الناس تعلم صدقها ونصاعة تاريخها، ومدى الظلم الذي وقع عليها، وألسنتهم تلهج بالثناء عليها، والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أنشئت لدعمها من داخل مجال التعليم أو من خارجه، لقد صارت حديث مدينتها.

     لم تخرج السيدة مريم عامر منهزمة أبدا في تلك المعركة التي خسر فيها التعليم واحدة من أكفأ من عمل في مجالها، ومن الذين أعطوا بلا مقابل، ولم تتحاكى بما تصنع، أو توظف من يشيعون أخبارها وحكاياتها عبر الإعلام من أجل تلميعها وإبرازها؛ فلم تكن تسعى لتبوأ المناصب، بل تسعى لخدمة من يسعون لطلب العون والمساعدة من صاحب المنصب، وهذا كان من أهم وأوسع مجالاتها، لم تكن ترد صاحب شكاية وله فيها حق إلا وأعانته على استرداد حقه، وتبنت قضيته كأنها قضيتها، لم تحابي أحدًا من علية القوم ومنحته حقا ليس من حقه، انتصرت السيدة مريم عامر لكافة القيم النبيلة التي يجب أن يتحلى بها المعلم وتعلم هي قدر من اختاره الله لتبوأ هذه المكانة السامية وإن شئت قل "المقدسة"؛ فهي مهمة الأنبياء والرسل والحكماء.

    مر عامان على خروج هذه السيدة من منصبها، ولم تقاضِ أحدًا، أو تواصل الانتصار لقضيتها في ساحات المحاكم، قبعت في بيتها بين زوجٍ حنون داعم لها ومساند لمواقفها أثناء العمل وبعد الخروج منه، كانت عنده هي الأهم من الوظيفة والمنصب، مثلما كانت في عين أولادها وقد كانت خير داعمٍ لهم ونعم السند؛ فالنجاح لا يتجزأ أي أن الناجح في عمله لابد أن يكون ناجحا في بيته، إذا كان الصدق والإيثار والتضحية شعاره ومنهاجه وليس حب الظهور، وتصدُر المشاهد، واستهلاك وقت أسرته في المعارك من أجل قنص منفعة هنا أو هناك، كما كان هناك الدعم من عائلتها الكبيرة وعائلة زوجها والجمع الغفير ممن حولها ممن تعرفهم وممن لا تعرفهم.

   وكانت الدعوة الكريمة من صديقي العزيز دكتور علاء حراز مدير عام الشئون القانونية بديوان عام محافظة السويس لحضور حفل تكريم لهذه السيدة الموقرة في اليوم الأول من عام 2022م وهو الموافق ليوم مولدها، وما كنتُ لأتأخر عنها مهما كانت المسئوليات، وكانت المفاجأة التي أبهرتني حين تتالت أعداد الوافدين والوافدات على قاعة الاحتفال من قيادات التربية والتعليم من الذين أحيلوا للتقاعد أو في الخدمة، ومن زميلات وزملاء في مجالها خدموا معها ومن لم يخدموا معها، ومن أناس يعرفونها وأناس لا يعرفونها من خارج مجال التعليم.

  وتوالت الكلمات الطيبات الصادقات في ذكر مناقب السيدة الفاضلة، وقصص تسمع هي لأول مرة ونحن معها ممن خدموا معها، أو من العاملين في نفس المجال سمعوا عنها، وأناس كثر حكوا عنها مواقف إنسانية نبيلة ومعبرة قدمتها وصنعتها لقاء وجه الله تعالى لم تنتظر من أحدهم جزاءً ولا شكورا، بل لم تطالب أحد أن يذيع ما صنعت، وتشهد صفحتها على موقع الفيسبوك بما كانت تكتبه من إرشادات للمتعاملين مع التعليم الابتدائي وإرشادهم لما فيه الصواب وراحتهم، والرد على أسئلتهم واستفساراتهم، فكانت الثناءات والدعوات تتتالى على صفحتها وهي ممتنة شاكرة، ويشهد من خدم معها بأنها كانت آخر العاملين انصرافا من عملها على الرغم من مسئولياتها كزوجة وأم.

  جاء الناس يهرولون امتنانا وشكرًا وإظهارا للمحبة علانية وجهرا تسبقهم قلوبهم عن صدق وقناعة، وهو أمر يجب أن يتوقف عنده القارئ لأخلاق الناس، وتعاملاتهم، وتفاعلاتهم، ومشاهد الدراما التي تظلم إنسانيتهم، لتعلن من خلال هذه الاحتفالية: أن أصحاب العطاء من المسئولين وغير المسئولين لا يذهب تاريخهم سدى، كما أن الناس مازال فيهم مساحات كبيرة من النبل، والتوقير، والمحبة لكل من يمس قلوبهم بالعطاء الصادق، وتجاه الذي لم يتاجر بمشاعرهم من أجل مصالح خاصة به، من هنا وجب أن يتغير المشهد الدرامي في مسلسلاتنا التي تؤكد على نجاح الانتهازي، والمنافق، وفشل الصادق والأمين والمخلص، لقد كان هناك حَدَث تم في اليوم الأول من عام 2022 شاهد على الوفاء وعلى حياة القيم التي لم تمت؛ فقد وفى كل من احتفل ومن دعا لهذه الاحتفالية للمحتَفل بها السيدة مريم عامر التي وفت لمهنتها ورسالتها ولأهلها ولزوجها ولوالدتها الراحلة التي ذكرتهم جميعا في كلمتها الختامية.

    لقد كان يوم ميلاد السيدة مريم عامر.. يوم تكريمها.. ويوم الوفاء .. ويوم الإحسان .. ويوم المكافأة .. ويوم رد الله تعالى فيه المظالم ليس بالقضاء العادل وإنما من الله العادل، وكان الرد أجزل وأوفى وأفضل حين صدر الحكم لصالحها من قلوب الذين أحبوها واحترموها ورأوا أنها بحق فخر سيدات مدينة السويس.

هناك تعليق واحد:

  1. هذا مصداقا لقول المولي عز وجل في سورة ابراهيم (الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت و فرعها في السماء)و يذكر بعد وصف الكلمة الخبيثة انه (يثبت الله الذين امنوا بالقول االثابت في الحياة الدنيا و في الاخرة و يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء) جعلنا الله و اياكم من الذين يقولون و يفعلون الصالح من العمل

    ردحذف

الروائي السوداني بين التحديات والإنجازات..

     منذ أن خرجت الرواية السودانية إلى نور الإبداع العربي في أواخر أربعينيات القرن العشرين، ولم يزل صانعها مناضلا يقاوم العديد من التحولات ا...