الجمعة، 10 أغسطس 2018

“حراء”.. في الشعر الألماني

   
حَلَّقت لحظة نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم في سماوات قرائح بعض شعراء الأرض قاطبة سواء من العرب أو من العجم، من المسلمين ومن غيرهم، قديمهم وجديدهم، يستوي في ذلك من استدعى تلك اللحظة صراحة أو من وصفها بحسب تاريخية وتراتبية الحوادث فيها من قبل حدوثها وأثناءها وبعدها، وشخوصها، ومنهم من استدعى الغار كرمز له دلالة حداثية يُسقِط عليه الواقع سقوطًا عموديًا لاستجلاء المشهد الحادث على ضوء المشهد التليد.

   ولقد بذلتُ جهدًا جهدًا كبيرًا في جمع الشعر العالمي المتعلق بغار حراء، ذلك إنه إذا كان هناك شعراء من الشرق والغرب قد احتفوا بالإسلام في بعض قصائدهم أو مدحوا نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، إلا أن الوقوف على ذكر غار حراء لم يستوقف الكثير منهم، ولهذا فكل ما غنمته من هذه الأبيات التي سيرد ذكرها ولاأستطيع أن أجزم أنه كل ما ذُكِر في هذا الشأن، خاصة أنني لم أجد في هذا الميدان دراسات سابقة اهتمت بهذا الجانب تعينني على الجزم بأنها كل ما كتب في حراء، وسأتناول عبر المقالات القادمة تباعًا: “حراء” في الشعر الروسي، وفي الشعر الأردي، وفي الشعر الهندي.

ــ الشاعر “يوهان ولفجانج جوته”:

ولو بدأت باستنطاق الشعر العالمي فيما قاله في غار حراء، فيطيب لي أن أبدأ من قارة أوروبا، وتحديدًا من ألمانيا وأن أبدأ بأديب ألمانيا وشاعرها الكبير “يوهان ولفجانج جوته” ذلك المحب لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والذي تتحدث عنه الكاتبة الألمانية كاتارينا مومزن في كتابها “جوته والعالم العربي”، فتقول: 
(إن علاقة جوته بالإسلام ونبيه محمد .. ظاهرة من أكثر الظواهر مدعاةً للدهشة في حياة الشاعر، فكل الشواهد تدل على أنه كان في أعماق وجدانه شديد الاهتمام بالإسلام، وأن معرفته بالقرآن الكريم كانت بعد معرفته بالكتاب المقدس أوثق من معرفته بأي كتاب من كتب الديانات الأخرى. ولم يقصر اهتمامه بالإسلام وتعاطفه معه على مرحلة معينة من حياته، بل كان ظاهرة تميزت بها كل مراحل عمره الطويل).

نظم جوته وهو في الثالثة والعشرين من عمره قصيدة رائعة أشاد فيها بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحينما بلغ السبعين من عمره أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي أٌنْزِل فيها القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وستزداد دهشتنا عندما نطالع العبارة التي صدَّر بها ديوانه “الديوان الشرقي للمؤلف الغربي” والتي يقول فيها إنه هو بنفسه : (لايكره أن يقال عنه أنه مسلم).وهو الذي قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (بحثتُ في التاريخ عن مثَلٍ أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي العربي محمدٍ صلى الله عليه وسلم).
سافر جوته بخيال فؤاده إلى لحظة اللقاء السماوي الأرضي الباهر وكأنه أمام ساكن الغار صلى الله عليه وسلم قد توحد معه بلحظات حياته كلها فصارا معًا، وأصبحنا نحن خارج الحدث، فإذا به يشير إلينا بل إلى كل واحد منا قائلاً في انبهار:

(انظر إلى ينبوع الجبل يتدفق صافيًا كشعاع ٍ درىٍ فوق السحب .. أرضعت ملائكة الخير طفولته في مهده، 
ساحبًا في إثره أخواتٍ من العيون كأنما هو مرشدها الأمين..
وأما في البوادي فالرياحين تنبثق عند قدميه، والمروج تحيا من أنفاسه، لايثنيه الوادي الظليل ولاالرياحين 
التي تطوق ساقيه، وتحاول أن تستهويه بلحظاتها الفواتن..
وها هو العباب زاخرًا يندفع لايثنيه ثانٍ، مُخلِّفًا وراءه المنارات والصروح ذلك هو “محمد بن عبدالله”).

توفى جوته ولم يكن قد نشر بعد إحدى أجمل وأروع قصائده في حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعنوانها: “بعثة محمد” التي عثر عليها تلاميذه وأصدقاؤه، ويصف فيها برهافة صادقة اللحظات الأولى لتلقي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الوحي والنبوة، يقول فيها:
(حينما كان يتأمل في الملكوت..

جاءه الملاك على عجل..

جاء مباشرة بصوت عالٍ ومعه النور..

اضطرب الذي كان يعمل تاجرًا..

فهو لم يقرأ من قبل..

وقراءة كلمة تعني الكثير بالنسبة له..

لكن الملاك أشار إليه..

وأمره بقراءة ما هو مكتوب

ولم يبالِ.. وأمره ثانية: اقرأ

فقرأ..لدرجة أن الملاك انحنى..

واستطاع القراءة..

واستمع الأمر وبدأ طريقه).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الروائي السوداني بين التحديات والإنجازات..

     منذ أن خرجت الرواية السودانية إلى نور الإبداع العربي في أواخر أربعينيات القرن العشرين، ولم يزل صانعها مناضلا يقاوم العديد من التحولات ا...