الأحد، 1 يوليو 2018

لحظة مكاشفة مع الدكتور محمد حسن كامل يقدمها الدكتور السيد إبراهيم أحمد ــ ج1

    





عبر حوار ممتد مع المفكر الموسوعي العالمي بروفيسور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، اخترتُ هذا السؤال الذاتي منه والذي تأتي إجابته عبر ثلاثة أجزاء بحسب الإجابة عنه، ونبدأ مع الجزء الأول:

ــ مفكرنا الموسوعي الكبير بروفيسور محمد حسن كامل: في لحظة صدق مع ذاتك ومكاشفة .. لو استقبلت من حياتكم ما استدبرت.. ما القرارات التي اتخذتها، وتمنيت إنك لم تتخذها؟ وما القرارات التي أثنيت على نفسك فيها خيرًا؟ وفي المقابل ما القرارات التي لم تتخذها، وتلوم نفسك الآن أنك توانيت في اتخاذها؟

ـــ حبر الاتحاد وسنامه الناقد والمحاور الكبير دكتور السيد إبراهيم، هذا سؤال من العيار الثقيل ثلاثي الأبعاد يطاول الماضي، ويداعب الحاضر، ويتلصص على المستقبل، يحرك الماء الراكد في بحيرة التأمل، على شاطئ التجربة في قارب الحقيقة.. 


بينما ترسل الشمس خيوطها الذهبية التي تميل إلى حُمرة خجل ..تغسل فيها خصلات شعرها قبل أن تأوي إلى فراشها بعيداً في كف الأفق من الشفق الأحمر الذي ينتثر على جبين السماء وكأنها عروس في ليلة الزفاف..


إذا عادت بي آلة الزمن للماضي ما كنت اتخذت هذا القرار: 

وهو مشاركة أصحاب الملايين أو المليارات من الدولارات .. في شراكة أو شركة ..
الأمر الذي جعلني أدور في فلك غير فَلكي بسرعة لم أعهدها من قبل، بين الأرض والسماء ...ومطارات العالم.. واستقبال ووداع ..وغداء في عاصمة وعشاء في أخرى ..تعلمت النوم العميق في الطائرات ..النوم في السماء لأنني لم أنم في الأرض ..اجتماعات بعدة لغات، ابتسامات باهتة توزع مجانا ..

مجاملات وهدايا من عواصم الدنيا ..كنت زبون دائم على السوق الحرة من مدريد إلى باريس، ومن جدة إلى روما، ومن زيوخ إلى صوفيا ..حياة صاخبة فقدت فيها شهيتي رغم الموائد الفاخرة!
لقد نمت في قصور، وفنادق العالم الكبرى .. قابلت أصحاب المال والأعمال ..تعلمت لغة الأرقام ..كنت أستخدم دائماً الألة الحاسبة ...كم سنربح وكم سنخسر!
كنت أشتاق إلى طبق كشري مصري بالدقة والشطة، في الوقت الذي تحط فيه الطائرة ترانزيت في القاهرة، لتنطلق بعد مدة وجيزة لمواصلة الرحلة ..كنت أكتفي بالنظر من شباك الطائرة لأرى أرض المطار والعمال والمسافرين وحقائب الركاب .. ثقافة غريبة تعلمتها من السفر .. الحوار مع من يجاورك في المقعد .. وأنت وحظك ... ياه ...ياه
سئمت من مراسم الاستقبال والتوديع سواء لي أو حينما أودع غيري .. كنت ضيفاً على مطاريّ باريس صباح مساء بين "أورلي" و"شارل ديجول" أحدهما أقصى الشرق والآخر العكس تماما ..

كنت أحس أن سيارتي تعرف الطريق بمفردها ..دون الحاجة لي ..حينما أصل ..تنبهني وصلنا يا أستاذ!

مشكلتي مع الصلوات الخمس بين مطارات العالم ..كانت مشكلة في البحث عن مصلية ولا سيما في مطارات أوروبا، أو البحث عن القِبلة عبر بوصلة صغيرة في جيبي...

أذكر أنني كنت في حفل عشاء مع أحد وزراء السياحة في فندق كبير في الشانزليزيه ..كان يقف وراء كل ضيف أربعة من الجرسونات .. حينما تأكل قطعة من الخبز فوراً يتم تغيير الطبق، أو تأكل قطعة من الجبن يتم تغيير الشوكة والسكين، أو تشرب شربة ماء يختفي الكوب ويهبط عليك كوباً من الكريستال من السما، طبعاً بالماء !

شوك ومعالق وسكاكين وأطباق ذهبية ..تعكس الضوء للعيون قبل الأفواه!

أتذكر بعد هذا العشاء الفخيم الذي لم أكل منه شيئاً طبعاً، خرجت أقصد مطعماً للفول والفلافل المصرية بالدقة والخلطة .. شعرت بعدها بالشبع والسعادة التي لم تناهزها سعادة. .
للأثرياء طقوس ونواميس لا تتفق معي .. لون الكرافتة لابد أن يتناسب مع لون البدلة ..ماشي ..ولكن مع لون العربية ..مسألة صعبة ..لأنني لا أملك سيارات بكل الألوان .. إلا بالإيجار. .

كل الحورات لا تدور إلا حول الملايين والمليارات .. وشراء الإيرباص من الطائرات!
الكل يتكلم لغة واحدة مهما اختلفت الجنسيات واللغات واللهجات والنواصي من عرب وعجم وخواجات.

لم يتحدث أحد منهم عن عمل لله، عمل يخلد ذكراه.

ناهيك عن البذخ في الحفلات والإستقبالات ..استقبلني أحدهم في أحد فنادق القاهرة على عشاء ..مائدة مستديرة تكفي لإطعام قبيلة .. وحراسة وأجهزة لاسلكي ... وتمتمة وهمهمة!
وبالطبع لم آكل شيئاً في هذا الجو الرهيب..ثم دفع الفاتورة عدة آلاف من الجنيهات .. بفيزا كارت .. وانطلق الموكب وأنا بطني يتضور جوعًا.


سجن الملايين والمليارات .. سجن يبعدك عن الله .. هؤلاء القوم يظنون أنهم قادرون على كل شئ بالمال والسلطان .

وحينما يمرضون .. تتحرك الطائرات الخاصة بهم إلى عواصم العالم حيث ينشدون الدواء والشفاء .. منهم من يعود ...والآخرين في توابيت خشبية مغلفة بالزنك من الداخل لمنع تسرب رائحة العفن الصادرة من الجثمان.


اتصل بي أحدهم وقد كان له شقيق يحتضر وقد أوصى هذا الشقيق أن يُدفن في باريس، وسألني إن كان هناك مقابر للمسلمين؟

فأجبت: نعم..
فقال لي: شقيقي أوصى أن يُدفن هنا.
فقلت له: نحترم وصيته .
وسكت ثم باغتني بسؤال : هل هذه المقابر شيك تليق بالمقام؟!
وكان الحوار في مكتب السفير قنصل مصر العام بباريس ...
فقلت له: سيدي، القبر أول منازل الأخرة ....أما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.


هذا من أسوأ القرارات التي اتخذتها في حياتي بحثاً عن المال والغنى .. 

كنت أفتخر أن شريكي من الأغنياء من أصحاب الملايين والمليارات حتى فقدت كل شئ ..
ولكنني أصبحت من أثرياء الفكر والتواضع والتأمل والتدبر..
فتح الله عليّ كنوز فضله وعلمه وكرمه ..لأعود وألْتقي بنفسي مرة أخرى بعد أن فقدتها في هذا التيه ... تيه الأثرياء..

الآن لو خيرني الله بما فتح عليّ من علم وحكمة وسلام مع النفس وكل كنوز العالم من مال وجاه وسلطان.. لاخترت فضل الله عليّ في بلاط العبادة والحكمة .

عدت لألتقي بنفسي بـ "محمد حسن كامل" الذي ضاع مني طيلة تلك التجربة 
التي تعلمت منها كيف تلتقي بنفسك مرة أخرى حينما تضل الطريق بلا رفيق أو صديق..


ــ حمدًا لله على سلامة الوصول والالتقاء بذاتكم في الجزء الأول من إجابتكم على هذا السؤال الكاشف مفكرنا الكبير بروفيسور محمد حسن كامل، على وعد باللقاء بكم أيها الأحبة من المتابعين والمتابعات في الجزء الثاني من هذا الحوار، وحتى ذلك الحين لكم مني السلام والتحية، ولعالمنا الجليل خالص الشكر والمودة والتقدير..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الروائي السوداني بين التحديات والإنجازات..

     منذ أن خرجت الرواية السودانية إلى نور الإبداع العربي في أواخر أربعينيات القرن العشرين، ولم يزل صانعها مناضلا يقاوم العديد من التحولات ا...